تحدثت أنوين بملامح جادة. و لوفرين ظنت أخيراً أنه سيعلن عن طرد ليرييل من العائلة.
و كانت تفكر أنه بوصفها أمّاً، لا بد أن تمنعه من ذلك مهما كان.
“من الآن فصاعداً، مهما كانت ليرييل تنوي أن تفعل، فعليكم اتباعها بصمت. هذا أمرٌ من سيد العائلة.”
“ماذا؟!”
لكن التي مُنعت من الاعتراض كانت هي نفسها.
رفعت لوفرين عينيها بدهشة وسألت، لكن موقف أنوين كان ثابتاً.
“لا أستطيع شرح التفاصيل، لكن لدى ليرييل خطةٌ عظيمة لا نستطيع نحن أنفسنا استيعاب مداها.”
“و……ولكن……”
“لا بد أنكِ تشعرين بالارتباك. لقد كنتُ هكذا أيضاً في البداية.”
بل وأضاف أن هذا الارتباك نفسه جزءٌ من خطة ليرييل، وأكد عليها أن تتعاون معها أكثر من مرة.
وأمام كلامه المفعم باليقين، لم تستطع لوفرين إلا أن تهز رأسها، وهي تتبادل مع ابنها هيفال نظراتٍ مليئة بالقلق.
“……حسناً.”
وكانت هذه النتيجة.
“هل أنتِ بخيرٍ حقاً؟”
لم تستطع لوفرين، وهي تجلس أمام ابنتها التي تغيّرت كلياً، حتى أن تنبس ببنت شفة، فبدأت تشعر بالغثيان وفقدت أي قدرةٍ على التركيز في الطعام.
شهية الطعام اختفت منذ زمن. و توقفت يدها، التي كانت تمسك السكين والشوكة، عن تقطيع شريحة اللحم في منتصفها، فزاد قلق ليرييل ونظرت إليها نظرةَ شفقة.
“هل أقطعها لكِ أنا؟”
‘اللحم؟ أم……أنا؟’
كادت لوفرين أن تقولها، ثم عدلت عن ذلك. شعرت بأن أي جوابٍ لن يكون جيداً لصحتها النفسية.
وحين ظنت ليرييل أن صمتها يعني الموافقة، أخذت طبقها وبدأت بتقطيع اللحم لها بعناية.
شَرر… شَرر…
كانت تقطع اللحم على شكل مكعباتٍ مرتبة تماماً، فابتلعت لوفرين ريقها. لم يكن ذلك بسبب الشهية، بل كان رد فعلٍ ناتجاً عن التوتر.
“ها هي، انتهيت.”
لم يمض وقتٌ طويل حتى وُضع أمامها طبق اللحم المقطّع، فبدأت شفتا لوفرين ترتجفان.
شعرت بأنها يجب أن تشكرها، لكنها لم تستطع أن تنطق بالكلمة. صحيحٌ أنها تلقت مساعدة، لكنها لم تطلبها، ثم إن ليرييل نفسها كانت الشريرة بالفطرة، الشريرة التي ستصبح سيدة عائلة تينيبريس.
حتى أن قول “شكراً” لأي أحد كان أمراً غير مألوف تماماً لديها.
“شـ… شـ… شكـ…”
وبينما كانت تتلعثم كدمية معطّلة، لم يحتمل هيفال الموقف وتدخل بينهما.
“على كل حال، يا أختي، سمعتُ أنكِ لديكِ ما تقولينه……”
“آه، صحيح!”
وبفضل تدخل ابنها المناسب، استطاعت لوفرين النجاة من لعنة شريحة اللحم.
نظرت لهيفال نظرة امتنان، ثم أمرت الخادمة أن تجلب كأساً من النبيذ، علّها تهدّئ به قلبها المضطرب.
“هل تعرفون ما يسمّى بالخدمة العائلية؟”
“بوااه!!!”
لكن موجة الكارثة لم تكن لتتوقف عند هذا الحد.
قبل أن تكمل ليرييل تصريحها الصادم، انفجرت فقاعةٌ حمراء من فم لوفرين. وكل ما خرج منها انسكب بالكامل على أنوين الجالس بجوارها.
تقط… تقط…
انحدرت قطرات النبيذ على عظام وجنتيه البارزتين. لكن لوفرين لم يكن لديها وقتٌ لتنظر إلى زوجها الذي صار كفأر وقع في برميل شراب.
و كانت نظرتها المصدومة مثبتةً فقط على ابنتها التي تغيّرت.
“ماذا……ماذا قلتِ للتو؟”
“الخدمة العائلية. لا بد أنكِ سمعتِ بها، أليس كذلك؟”
بالطبع سمعت بها. وتعرف جيداً ما تعنيه. لكن هذا لم يكن ما قصدته بسؤالها.
كان سؤالها الحقيقي: كيف لابنة عائلة تِينيبريس الكبرى أن تنطق بتلك الكلمة المرعبة “الخدمة العائلية”؟
“سمعتُ بها، نعم. لكن ما المغزى من قولكِ هذا أثناء العشاء؟”
السؤال الحقيقي الذي كانت لوفرين تريد طرحه……سأل عنه أنوين بدلاً منها.
ورغم أن صوته بقي جافّاً كما هو دائماً، إلا أن لوفرين، وهي تجلس بجانبه، أدركت الحقيقة. فطرف أصابعه الذي كان يمسح النبيذ عن وجهه كان يرتجف ارتجافاً خفيفاً.
و سرعان ما أدارت رأسها لتتفقد ابنها أيضاً. ولم يكن مفاجئاً. فقد تجمّد هيفال كأنه لوحةٌ رسمها فنان، بلا أي حركة.
و يمكن رؤية قطعة اللحم التي كان يمضغها بين شفتيه اللتين انفصلتا قليلاً. وهذا يعني أنه نسي حتى أن يبتلع طعامه من شدة الصدمة.
“يا إلهي، أليس من الواضح لماذا أقوله الآن؟”
مع أن صدمة العائلة بأكملها كانت واضحةً للعين تماماً……تابعت ليرييل كلامها ببرود، كأنها لا ترى أيّاً منهم.
“فكرتُ أنه سيكون جيداً لو ذهبنا جميعاً لأداء خدمةٍ تطوعية عندما تسنح الفرصة. ما رأيكم؟”
وما إن أنهت حديثها، حتى دوّى صوت كسر! كان صوت سقوط كأس النبيذ من يد لوفرين.
لكن لم يهتم أحد—حتى الخادمة التي كانت تلتقط شظايا الزجاج المتناثرة على الأرض.
كانت كل الأنظار مسمّرةً على ابنة عائلة تِينيبريس الجميلة والمشاغبة، ليرييل، غير قادرةٍ على الانفكاك منها.
‘خدمةٌ عائلية؟! هل تنوين حقاً تحويل عائلتنا إلى مادةٍ للضحك؟!”
كادت لوفرين أن تصرخ بذلك. فالعائلة وليرييل كانتا بالفعل حديث كل الصالونات في الآونة الأخيرة.
كلما وضعت قدمها في صالون، كانت جماعاتٌ ممن لم تكن تتجرأ عادةً على الحديث معها تتهافت عليها لتسألها السؤال نفسه عشر مرات في اليوم.
“هل صحيحٌ أن ابنتكم تغيّرت، يا دوقة تِينيبريس؟”
“لا يمكن……أليس كذلك؟ ألم تكن ابنتكم من أكثر الموهوبات في بيت الدوق؟”
لو كانوا يسألون بدافع الفضول لكان الأمر أهون. لكن ثمانيةٌ من كل عشرة كانوا يثيرون هذا الموضوع قصداً ليسخروا منها.
وكانت كل مرة ترفض فيها ذلك الكلام بحزم، لكن صبرها كان على وشك النفاذ. والآن……أن تتجرأ ابنتها وتقترح علناً الذهاب لأداء خدمة عائلية؟
‘هذا مستحيل!’
لو وافقت على هذا الأمر، فلن تستطيع أن تخطو خطوةً واحدة خارج القصر، فضلاً عن الظهور في المجتمع الراقي.
وكان تجاهل طلب ابنتها أفضل بكثيرٍ من أن تختنق تحت جبال الشائعات.
كانت لوفرين على وشك رفض الفكرة قاطعاً—
“أهممم.”
لكن صوت تنحنحٍ بجانبها أوقفها. كان من زوجها، أنوين.
لم يقل كلمة واحدة، لكن قصده كان واضحاً: “لم تنسي التعليمات التي أعطيتُها لكِ قبل بدء العشاء……أليس كذلك؟”
كان يسألها بصمت. فأغلقت لوفرين فمها فوراً.
منذ زواجها بأنوين، لم يسبق لها أن رفضت له طلباً أو أمراً. ليس لأنها خاضعةٌ له، بل لأنها رأت طوال عقودٍ كيف أن أحكامه دائماً عقلانيةً ومنطقية.
إن كان الشخص لا منفعة منه، كان أنوين يقطع علاقته به بلا تردد—حتى لو كان قريباً. أما إن رأى فيه منفعة، فإنه لا يمانع مصادقة شخصٍ اشترى طبقته بالمال.
كان هذا هو أنوين: رجلٌ بارد الدم يرى الناس كأرقام، ولن ينافسه أحدٌ في ذلك.
وكونه اختار ألا يخالف كلام ليرييل فذلك يعني أن في الأمر قيمةً كبيرة. كانت لوفرين تفهم ذلك جيداً.
‘ومع ذلك……’
مع ذلك، بدا قرار أنوين هذه المرة غريباً إلى حدٍ لا يحتمل.
نظرت لوفرين بين أنوين وليرييل بعينين تملؤهما الحيرة. وحين رأت ليرييل ارتباك والديها تماماً كما توقعت، ابتسمت في سرّها.
كما هو متوقع……الآن ستسير الأمور كما تريد.
‘يقولون لا يستطيع الوالدان أبداً التغلب على أبنائهما……و يبدو أن الأمر صحيحٌ فعلاً.’
لم تكن ليرييل تخطط أصلاً للضغط عليهم بهذه الطريقة.
لكن كل المصائب بدأت حين عاد أنوين وأعطاها عقوبةً خفيفة جداً. فعدم معاقبتها يعني أنهم لا يملكون أي وسيلةٍ لإيقافها الآن.
ولهذا، قررت ليرييل أن تصبح حصاناً جامحاً، وأن تنقذ عائلتها كلها من الهلاك المحتوم. بوصفها ابنةً لهم!
‘وبالمرة……سأُنقذ فيريك أيضاً من تلك القديسة المتوحشة.’
ابتسمت بخفةٍ في سرّها قبل أن تضيف بكل تصميم،
“وبالمناسبة، اقترب يوم ميلادي.”
عاد شيءٌ من الوعي إلى عيني لوفرين التي كانت نصف مذهولةٍ قبل لحظة.
تجهّمت وهي تحدّق في ابنتها ثانيةً، وجلدها الذي تحت عينيها ارتجف رجاءً أن تتوقف عن الكلام.
لكن ليرييل لم تتوقف. كان هذا كله من أجلهم.
“أحب أن تشاركوا معي……اعتبروه هدية ميلادي. ثم إنني سأدعو الأطفال الذين تعرفت عليهم في الملجأ إلى حفل ميلادي هذه السنة!”
_________________________
امها بتنفقع مرارتها😭😭😭😭😭
طيب أنوين اشرح لزوجتك السالفة الي انت فاهمها ومثلوا مع ليرييل ابي اضحك من افكارهم المتضاربه😭
المهم هيفال ولا بيده يسوي شي بيمشي معهم وهو ساكت مسيكين شخصيته تشبه امه🤏🏻
التعليقات لهذا الفصل " 48"