[أنا، ليرييل تينيبريس، قد أصبحت طيبة، وسأبذل جهدي من الآن فصاعدًا في فعل الخير دون تردد.
أرجو من والديّ تفهّم أن هذا هو الطريق الصواب، رغم أنني أدرك كم سيكون الأمر مؤسفًا لهما.]
كان هذا تقريبًا مضمون الرسالة التي تركتها خلفها رسالةٌ لا تحمل أي شيء مميز. على الأقل بمعايير الناس العاديين.
بل وربما لو كان والداها من أسرة طبيعية، لاغرورقت عيناهما بالدموع فخرًا لأن ابنتهما نشأت صالحةً وحنونة.
لكن عائلة تينيبريس كانت أسرة الأشرار، بيت دوقيةٍ مظلمة.
بالنسبة لهم، كان فعل الخير أفظع من ارتكاب الشر، وكان قول “لقد أصبحتُ طيبة” مرادفًا تمامًا لـ “لقد جننت”.
‘ولذلك لا بدّ أن الرسالة التي تركتها قرأها والدَيّ على النحو التالي،’
[أنا، ليرييل تينيبريس، قد فقدتُ عقلي، وسأستمرّ من الآن فصاعدًا في ارتكاب الأفعال الغريبة التي ستلطخ سمعة العائلة.
ولا أشعر بأي ذنبٍ تجاهكما، فافعلا ما شئتما من نفيٍ أو طرد، فهذا لا يعنيني.]
لذا لم يكن من الصعب على ليرييل توقّع ما سيقوله والدها الآن.
ابتلعت ريقها الجافّ ونظرت إلى أنوين بحذرٍ بالغ.
‘هل سيطردني؟ لا، لا يمكن أن يحدث هذا……’
كانت “الطرد” الكلمة التي لطالما رغبت بسماعها منذ أن تلبّست جسد ليرييل……لكن لم يعد الأمر كذلك الآن.
فبعد أن كانت لا تفكر إلا في النجاة، تغيّر قلبها تمامًا حين رأت الجانب الحقيقي من أنيلا أثناء بعثة الخدمة.
لم تستطع أن تقدم فيريك قربانًا لتلك المرأة الوضيعة. فقد كان ثمينًا جدًا ليُستَعمل بهذه البشاعة.
ما ذنبه هو، ذلك الرجل الطيب، ليصبح ألعوبةً بيد القديسة؟
‘صحيحٌ أنني الفتاة الفاسدة في العائلة، لكني أنوي قلب كل شيءٍ رأسًا على عقب.’
لذا قررت أن تواجه، لا أن تهرب.
لكن المشكلة أنها لم تناقش خطتها مع أحد من العائلة. فعضّت ليرييل شفتها السفلى بتوترٍ مكبوت.
لم يكن صلاحها وحدها ذا معنى. إن أرادت النجاة فعلًا، فعليها إصلاح عائلة تينيبريس بأكملها، لأن القديسة لن تستطيع المساس بها إن طهّرت جذور هذا البيت.
فحتى التحريض يحتاج إلى ذريعةٍ ما.
في القصة الأصلية، كان جميع أفراد الأسرة من الأشرار، فمجرد أن لمستهم القديسة انكشفت خطاياهم واحدًا تلو الآخر، وانتهى الأمر بهم تحت مقاصل الجماهير الغاضبة.
لكن إن استطاعت أن تجعلهم طيبين، فستُتاح لها فرصة.
فرصةٌ للنجاة. فرصةٌ لحماية فيريك.
‘لذا أرجوكَ، لا تطردني……’
وبينما كانت ليرييل تتمنى نقيض ما كانت ترجوه حين دخلت هذا العالم أول مرة، فتحت فمها لتتفوّه بأي تبرير……
“!”
طَرق!
لكن أنوين ضرب عصاه بالأرض بقوةٍ فجائية، وتوقف تمامًا عن الحركة.
كان ذلك تصرفه المعتاد كلما أراد أن يتكلم بعد تفكيرٍ عميق. ومن تلك الإشارة الصارمة، فهمت ليرييل مصيرها القادم.
‘آه……سيقولها الآن حتمًا.’
‘أنت مطرودةٌ يا ليرييل تينيبريس.’
ربما سيضيف أيضًا،
‘لا تظهري أمامي ثانية، يا عار العائلة! والزواج من وليّ العهد؟ انسي ذلك الحلم البائس!’
ثم سيُلقى بها في الشوارع، لتعيش مشردةً بائسة، لا تأكل إلا ما تسدّ به الرمق، حتى تسمع يومًا بخبر زواج أنيلا وفيريك.
حتى يصلا أمام الكاهن……ويُكمِلا عهدهما بقبلة القسم……
‘آه! لا أريد أن أرى هذا!!!’
تهاوت أمامها صور المستقبل الكئيب واحدةً تلو الأخرى، فأغمضت عينيها بشدةٍ تنتظر حُكم والدها.
غير أن الكلمة التي خرجت من فمه كانت……
“قدماكِ.”
قدماي؟
رمشت ليرييل بدهشة، متأكدةً أنها سمعت خطأ. و فتحت إحدى عينيها بحذرٍ ونظرت نحوه.
كان ينظر إليها بوجهه الصارم المعتاد، لكن نظره كان في الحقيقة موجّهًا إلى الأسفل — إلى قدميها.
قدمان حافيتان ظهرتا قليلًا من تحت أطراف فستانها الموحل.
“امرأةٌ بالغة تجوب الطرق حافية القدمين؟ أي عارٍ هذا؟”
‘آه، لكني عدتُ من بعثةٍ ملكية، وهذا ما يقلقه؟’
في مملكة تريان، كان من العيب على النساء أن يُظهرن أقدامهن العارية، لذا كان تعليقه منطقيًا من ناحية العادات.
لكن ليرييل كانت قد ارتكبت ما هو أدهى وأفظع……ومع ذلك، أوّل ما لفت نظره هو أنها حافية!
لم تصدّق للحظة، لكنها بادرت إلى التفسير بخجلٍ لم يليق أبدًا بمَن يُدعونها “الشريرة”.
“ذا……ذلك لأنني……سقطتُ في بئرٍ وفقدتُ حذائي هناك.”
“سقطتِ في بئر؟”
“نعم. لكن لا تقلق، أنا بخير، لم أُصب بأذى. صاحب السمو ولي العهد قفز بنفسه إلى البئر وأنقذني.”
ما إن نطقت بتلك الكلمات حتى عادت إليها مشاعر ذلك اليوم، وارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ رقيقة من دون أن تدري.
أنهت ليرييل حديثها، وهي لا تزال غارقةً في تلك الذكرى.
“بعدها تمكنتُ من الخروج بسلام، لكنني حين استعدت وعيي، وجدتُ قدميّ حافيتين. يبدو أن حذائي سقط أثناء السباحة. لو لم يُعرني سموّ وليّ العهد عربة القصر، لكنتُ قد أسأت التصرف مع سائق العربة.”
“…….”
تجعدت ملامح أنوين قليلًا وهو يصغي.
هل كان استياؤه بسبب ما فعلته ابنته في بعثة الخدمة، أم لأنها عادت بعد أن جلبت لنفسها فضيحةً مدوّية؟
أخفت ليرييل ابتسامتها بسرعة. وانحنت لتسحب قدميها الحافيتين من تحت الفستان، تدسّهما داخله بخجلٍ واضح.
تأكدت مرتين أو ثلاثًا من أن أي جزءٍ من قدميها لم يعد ظاهرًا، ثم رفعت رأسها مجددًا.
ولأنها كانت منشغلة بذلك، لم تلحظ وجه أبيها. لم ترَ يده المرتجفة وهي تشدّ على عصاه الخشبية بكل ما أوتيت من قوة.
‘حافية……يا للسماء. حتى لوفرين لم تجرؤ على فعل شيءٍ كهذا أمامي طوال حياتها!’
لم يكن أنوين يعبس لأن ابنته البالغة فقدت حذاءها كطفلةٍ ساذجة.
بل لأنه كان خائفًا — خائفًا من تلك العزيمة الفاتنة التي لا تعرف حدودًا في سبيل تحقيق غايتها.
فاتنة الرجال — امرأةٌ تستخدم جاذبيتها التي لا تُقاوَم لتأسر قلوبهم وتحقق هدفها بدقةٍ قاتلة.
لم يتخيل أنوين قط أنه سيشهد قمة هذا الفن الآثم متجسداً في ابنته، في ليرييل التي لم يمضِ على بلوغها سوى أعوامٍ قليلة.
كان يكفي أن يتذكر كيف رفعت شفتيها بابتسامةٍ مغرية وهي تروي القصة، ليتأكد من الأمر.
‘السقوط في البئر……كان فخًا مدبرًا منذ البداية!’
لذلك، حين نطقت ليرييل بكلمة “بئر”، سمعها أنوين بمعنى آخر تمامًا، مسرح!
فالبئر لم تكن سوى مشهدٍ صُمّم بعناية لتجرّ ولي العهد إلى حبائلها.
كان واضحًا أن فيريك سيقفز لإنقاذها، لا محالة. إذ كيف له أن يتحمل خبر عودته من بعثةٍ خسر فيها خطيبته؟ بل وربما يُتّهم بقتلها عمدًا.
وفي ظلّ اضطراب الرأي العام في البلاد، مجرد انتشار شائعةٍ كهذه كفيلٌ بإسقاط العرش.
ومن أجل حماية الملكية نفسها، لم يكن أمام ولي العهد خيارٌ سوى القفز معها إلى البئر.
ومن تلك اللحظة، أصبح مصيره في قبضتها.
ملابسهما المبللة ستلتصق بالبشرة، وشعرها المبتل سيتطاير مع أنفاسهما المتلاحقة.
سيضطران إلى التشبث ببعضهما البعض كي لا يغرقا — مشهدٌ تتوالى فيه المفارقات المثيرة، الواحدة تلو الأخرى.
كيف لولي العهد أن يقاوم امرأةً جميلةً مثلها، وسط هذا الفخ المتقن؟
لا شك أنه قد سُحر تمامًا، عاجزًا عن فعل أي شيء سوى الاستسلام.
ثم بعد خروجهما من البئر، جاءت الضربة القاضية — لمحةٌ خفيفة لقدميها العاريتين المبللتين التي لمعت تحت ضوء الشمس……
“آه……”
تنفّس أنوين بذهولٍ مكبوت.
لم يسبق له، طوال حياته الأرستقراطية، أن سمع قصةً تحمل كل هذا الإغراء الخفيّ.
كانت الحكاية كالنار تشتعل في رأسه، تشعل خوفًا لا يوصف من قوة ابنته.
فالأمر لم يكن مجرّد “موهبة”، بل شجاعةٌ وقحة في تحويل شيءٍ يُعدّ عادةً “عيبًا” — كالأقدام العارية — إلى سلاحٍ قاتلٍ من سحرٍ وإغواء.
تلك هي قوة ليرييل الحقيقية. حدٌّ فاصل بين البراءة والابتذال، بين الخطر والدهاء.
خطوةٌ واحدة خاطئة كانت كفيلةً بجعلها مجرد طفلةٍ تقلّد الكبار، لكنّها تجاوزت الحافة بمهارةٍ كاملة.
وكان الدليل أمامه واضحًا — العربة الملكية التي أقلّتها بنفسها إلى المنزل.
‘لقد نجحتِ، يا ابنتي العزيزة.’
هكذا فكّر أنوين، مفعمًا باليقين.
فحتى ولي العهد العظيم لم يستطع مقاومة سحرها. إنها الفاتنة التي تجعل الرجال يحنون رؤوسهم لتقبيل قدميها.
إنها ابنته، ليرييل تينيبريس — أخطر فاتنةٍ في عائلة تينيبريس بأسرها.
التعليقات لهذا الفصل " 46"
اصبري لا صدق خلاها تمشي حافية ذاااك الوقححح
اخخ اكره البطل ( لمترجمة ادري انو ابنك فلا تغضبي بس من جد ينرفز)
وبعد اوين في بعد ثاني خالص