لكن ما كان يجول في خاطر فيريك لم يكن تمامًا كما تصوّرته ليرييل. فلم يكن عبوسه بسبب الشك فيها، بل لأن مظهرها هذا بدا غريبًا عليه، غير مألوفٍ تمامًا.
‘منذ متى بدأتِ تفكرين بمشاعر الآخرين؟’
فيريك يعرف ليرييل تينيبريس التي يعرفها الجميع — تلك التي لا تبالي بنظرات أحد. كانت تعتبر مراعاة الآخرين نوعًا من الهزيمة.
“أنا لستُ من يرضي مزاجكِ، بل أنتِ من عليكِ أن ترضي مزاجي.”
كانت من النوع الذي يردد مثل هذه العبارات بلا أدنى تردد.
لكن انظر إليها الآن — تتردد، تحرك أطراف أصابعها بارتباك أمام طلبٍ بسيط أن تُريه يدها. مشهدٌ لا يُصدَّق، جعل فيريك يضيق عينيه بدهشة.
كان شيئًا غريبًا عليه……ومع ذلك، مألوفًا بطريقةٍ ما.
‘تشبه الجرو تمامًا.’
وسرعان ما أدرك السبب.
تلك الطريقة التي تتجنب بها النظر إليه وتحرك عينيها في كل اتجاهٍ لتتهرب من المواجهة، شفاهها المغلقة بعناد — ذكّرته بالجرو الصغير الذي ربّاه في طفولته.
حين كان الجرو يعمّ الفوضى في الغرفة، ثم يجلس مذنبًا يتجنب عينيه عندما يهمّ بتوبيخه — كان منظره لطيفًا جدًا لدرجة أنه لم يستطع يومًا معاقبته.
ومع تذكّر تلك الذكريات، بدأت ملامح فيريك المتصلبة تلين تدريجيًا.
‘كنت أظنها أقرب إلى قطةٍ متحفّزة في الماضي……’
كان يعتقد أن شكلها وهيئتها أقرب إلى القطة: عينان لوزيتان ضيقتان، وجهٌ نحيل على شكل مثلث مقلوب، وهالةٌ من الكبرياء تجعل من المستحيل ربطها بصورة جروٍ وديع.
وفوق كل ذلك، فيريك كان يكره القطط.
كره تلك الطبيعة المتعجرفة، وتلك الحرية التي لا تُقيّد. حتى أنه بعد أن خدشته قطة الملكة مرتين على ظهر يده، أقسم ألا ينظر إلى واحدةٍ مجددًا.
لكن الآن……
“حقًا، لستُ مصابةً بشيءٍ خطير……لا داعي لأن أُريكَ يدي.”
في الآونة الأخيرة، كلما نظر إلى ليرييل، خطرت بباله صورة جروٍ صغير.
هي لم تتغير في مظهرها أبدًا، ومع ذلك، تلك الابتسامة التي أصبحت أكثر تكرارًا، وتلك النظرات الحائرة التي تلتقي بعينيه أكثر من ذي قبل، جعلتها تبدو مختلفةً تمامًا.
وللحظة، تخيّل ذيلًا غير مرئيَ خلفها يهتز بسعادة، فحوّل نظره على عجل، متسائلًا إن كان بدأ يرى أوهامًا. (ايه اوهام)
“مهما كان ما ستقولينه، رأيي لن يتغير. غدًا صباحًا، ستعودين إلى مملكة تريان، ليرييل تينيبريس.”
قال ذلك بصرامةٍ متعمدة، خائفًا من أن يتلاشى ما تبقّى من حذره تجاهها.
لكن……
“….…”
لم تجادله كما كانت تفعل دائمًا، ولم تسخر منه، بل خفضت كتفيها بخفوتٍ حزين.
كان المشهد أشبه بجروٍ انخفض ذيله فجأة. ومن دون أن يدرك، وجد فيريك نفسه يضيف بعبارةٍ هادئةٍ غير مقصودة،
“……من فضلكِ.”
“ماذا……تقول؟”
‘تباً……’
أدرك خطأه في اللحظة التالية. فبمجرد سماع كلمة “من فضلكِ”، رفعت ليرييل رأسها ونظرت إليه من جديد.
كانت عيناها الخضراوان، التي كان يراها دومًا باردةً كأعماق الغابة، دافئتين الآن كالربيع.
“نعم، من فضلكِ. ألم نعقد اتفاقًا في طريقنا إلى البعثة؟ قلتُ سأساعدكِ، مقابل أن تساعديني لاحقًا.”
“صحيح، قلتَ شيئًا كهذا، لكن لم يكن اتفاقًا……بل مجرد—”
“اتفاق، بكل تأكيد.”
كلما حاول أن يخفف حدة الموقف بكلمةٍ جديدة، زادت حماقته في نظر نفسه.
‘يا لي من أحمق……’
وكما توقع، رفعت ليرييل رأسها مبتسمةً بخفة.
لكن لم يكن في ابتسامتها تلك السخرية المعتادة، ولا أي أثرٍ للازدراء. بل فقط دفءٌ لطيف، ونظرةٌ ماكرة فيها لمسةُ دعابة.
“أوه، لكنكَ بالفعل طلبتَ مني شيئًا في البئر، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
كان في عينيها بريقُ مكرٍ واضحٍ وهي تذكّره بما جرى.
“كنتَ تتوسل إليّ هناك، برجاءٍ شديد، ألا أموت. قلتَ لي حينها أن عليّ أن أعيش مهما حصل……أتذكر؟”
“!”
وكأن هناك ذيلًا آخر أخذ يهتزّ في مكانٍ ما، سمع فيريك صدى ذلك في رأسه، فاختنق بكلماته للحظة.
كانت تلك ضربةً لم يتوقعها على الإطلاق.
“في طريقنا إلى البعثة، وعدتكِ أن أساعدكِ مقابل أن تنفذي لي طلبًا واحدًا.”
“…….”
“وها هو طلبي الآن. لا تجرئي على الاستسلام. تمسّكي بوعيكِ، فما زال بيننا أمرٌ لم نحسمه بعد!”
كان في تلك اللحظة يظنّ حقًا أنّ ليرييل تحتضر، لذلك قال ما قاله دون تفكير، ولم يتوقع أبدًا أنها ستتذكّره.
وحين سمع كلماته تلك مجددًا، شعر فيريك بعارٍ لاذع ولم يعرف كيف يخفّف من وطأتها، فاكتفى بالصمت.
طال الصمت حتى صار الجوّ محرجًا، لكنه لم يجد أي عذرٍ يقدّمه.
عندها أخذت ابتسامة ليرييل تخفت تدريجيًا، وبدأت وجنتاها تحمران كالتفاحتين الناضجتين.
‘كنتُ أمزح فحسب……لكنه لم يجب بشيء. هل أزعجته كلماتي؟ أم أنه……’
هل كان حقًا قلقًا عليّ؟
الفكرة التي دوّت في رأسها بدت عبثية، فخفضت نظرها على عجل.
حتى وهي تحدّق في الأرض شعرت بحرارةٍ تسري في وجهها، وقلبها ينبض بلا توقف تمامًا كما حدث حين التصقت به داخل البئر.
“حسنًا……سأعود.”
وبعد فترةٍ طويلة لم تجد ليرييل بُدًّا من الرد بصوتٍ خافتٍ ومتردد. و خشيت أن يستمرّ الصمت أكثر فيسمع نبضات قلبها المتسارعة.
“……حسنًا. سأنتظركِ غدًا صباحًا أمام المعسكر.”
ردّ فيريك بصوتٍ منخفض هو الآخر، ولم تستطع ليرييل أن تميّز أهو غاضبٌ أم متأثرٌ بشيءٍ آخر.
وهكذا انتهى الحوار الذي بدأ بتوترٍ شديد بنغمةٍ غريبةٍ مشوبةٍ بالحرج والارتباك.
نظرت ليرييل إلى ظهره وهو يبتعد، ثم وضعت يدها على صدرها.
دقّات، دقّات، دقّات…
قلبها ما زال ينبض بقوة كأنه أصيب بعطب.
‘ربما……حتى فيريك……’
أغمضت ليرييل عينيها، وأضافت إلى تلك العبارة الصغيرة قبسًا من الطمع الخجول.
كانت تعلم أن أمنيتها هذه بلا معنى، لكن ما دامت ستحتفظ بها في قلبها وحدها، فلا بأس.
‘ليته يشعر بما أشعر به……’
لو كان الأمر كذلك لكان جميلًا.
هبّت نسمةٌ تحمل رائحة الرماد الدافئة، تلامس شعرها كأنها تربّت على مشاعرها المزدحمة.
وأغمضت ليرييل عينيها من جديد، راغبةً في أن تستمرّ قليلًا في تذوّق هذا الإحساس الذي يدغدغ صدرها، ما دام الوقت يسمح، فقط قليلاً بعد.
***
وفي طريق العودة إلى مملكة تريان، لم يتبادلا أي كلمةَ داخل العربة.
ليس لأنهما لم يجدا ما يقولانه، بل على العكس تمامًا. كان هناك الكثير مما يمكن قوله، لكن بين تلك الكلمات ما لا ينبغي قوله، وما لن يخلّف سوى الخجل والارتباك.
لذا اختارا أن يبقيا على صمتهما المتكلف، رغم أن الهواء بينهما كان يحمل مزيجًا غريبًا من العذوبة والمرارة.
“……عودي بخير.”
كانت تلك هي الجملة الوحيدة التي سُمح لصوت فيريك أن يصلها بها، عند وصولهما وفتح باب العربة.
بدت تحيّتهً الخفيفة تلك وكأنها خرجت بعد تردّدٍ طويل، بعد أن تردّد في قولها مراتٍ عدة.
‘هل سأبدو غريبة لو قلت أنني أحببت سماعها؟’
تساءلت في نفسها وهي تحاول حلّ لغز هذا الرجل الذي لا يُفهم أبدًا.
طَق، طَق-
استقبلها صوتٌ مألوف لحظة عبورها بوابة القصر.
“عدتِ إذاً.”
“أبي……”
كان مصدر الصوت العصا التي كان أنوين يضرب بها الأرض بلا توقف.
نظرت ليرييل إلى العصا، وشعرت بأن توترها يعود مجددًا.
رغم أن ذهنها ما زال عالقًا بذكريات الوقت الذي قضته مع فيريك، إلا أنها كانت تعرف أن الآن ليس وقت الشرود.
ففي هذه اللحظة، بالنسبة لآنوين، لم تكن سوى ابنةٍ بغيضة أكثر من أي وقت مضى.
‘لم يسأل حتى أين كنتِ؟ يبدو أنه قرأ الرسالة إذاً……’
رفعت بصرها إلى ظلّ والدها الذي وقف يسدّ طريقها، وتذكّرت الأوراق القليلة التي تركتها فوق مكتبه قبل أن ترحل.
________________________
اعررف فيريك لطيف وانتظر شخصيته تتطور بعدين بس حاليا مب ذوقي 😭 ليرييل هي الي ذوقي حتى الغلاف مافيه الا هي متربعه✨
وضحكني يومه يشوفها كانها جرو؟ لاتسب😭 القطوه احلا
المهم قالها مع السلامه هههههههههههعهعه اتحداك ترقد لين تعرف انك تحبها
وهي اتوقع ذاه اكيت فصل لها حركاتها حلوه يوم ابتسمت وهي تذكره وش قال🤏🏻
يعني اصير غريبة لوقلت اكره انو شخصية البطلة مره خفيفة واكره انو ذكاء لي كان لشريرة انخفض لما البطلة اجت مااقصد انها غبية 🌚 بس من جد يعني تخبر عدوتها خطتها الي تحسبها واو مافكرت حتى انو هي راح تعرف هلأ انها تسوي خير منشان تلغي صمعتها كشريرة وراح تعرقلها 😔 ياليت الشريرة بقت في جسمها وماتتغير كثير بس تدرك الفطرة السليمة للبشر
التعليقات لهذا الفصل " 45"
شكرا على الفصل 💓 .
يعني اصير غريبة لوقلت اكره انو شخصية البطلة مره خفيفة واكره انو ذكاء لي كان لشريرة انخفض لما البطلة اجت مااقصد انها غبية 🌚 بس من جد يعني تخبر عدوتها خطتها الي تحسبها واو مافكرت حتى انو هي راح تعرف هلأ انها تسوي خير منشان تلغي صمعتها كشريرة وراح تعرقلها 😔 ياليت الشريرة بقت في جسمها وماتتغير كثير بس تدرك الفطرة السليمة للبشر