نظرت ليرييل إلى أنيلا بدهشةٍ وذهول وهي تكرر نفس الجملة التي قالتها في الرواية الأصلية.
‘لقد فعلتُ كل ما بوسعي لأتفادى سماع تلك الكلمات……’
هل هذا يعني أن مجرى القصة المرسوم سلفًا لا يمكن تغييره حقًا؟
حين أفاقت من شرودها، وجدت نفسها مرة أخرى في دور عدوة أنيلا اللدودة.
ومنذ أن تجسدت في جسد ليرييل، لم ترتكب أي خطيئةٍ تستحق العداء، فكيف انتهى بها الحال إلى هذا؟
كان الإحباط يثقل كاهلها كقيودٍ من الحديد.
‘لا، ما زال هناك أمل.’
جمعت شتات عزيمتها ورفعت رأسها بثبات.
‘عليّ فقط أن أقول أنني سأترك فيريك، هذا كل شيء.’
في الرواية الأصلية، رفضت ليرييل التنازل عن فيريك حتى النهاية.
لم يكن ذلك بدافع الحب، بل من رغبةٍ في التباهي بوسامته والاستفادة من مكانته وما يجلبه زواجهما من امتيازات.
تحدّت القديسة أنيلا حتى النهاية، ثم انتهت حياتها على المقصلة.
أما ليرييل الحالية فكانت مختلفة، فسلامتها الشخصية كانت أولويتها القصوى.
ولهذا السبب، حين جاءها فيريك قبل أيام، كانت هي من عرضت فسخ الخطوبة أولًا. لكن بسبب شكوكه غير المبررة، تم تأجيل الأمر لشهرٍ آخر.
‘لا بأس، ربما هذا أفضل. الآن يمكنني أن أقول للقديسة بوضوح أنني أنوي فسخ الخطوبة، وأنني لن أقترب منه مجددًا.’
بهذا ستحصل على حريتها — حريةَ أن تعيش كامرأةٍ عادية تُدعى ليرييل، لا كشريرة ولا كابنةٍ صغرى لعائلة تينيبريس.
فابتلعت ريقها بصعوبة. ما بدا كأزمة ربما يكون في الحقيقة فرصة.
“أنا……”
فتحت شفتيها الشاحبتين بعد أن زال أثر أحمر الشفاه عنها، و كانت تنوي أن تقسم بأنها لن تلمس فيريك مجددًا، لكن عندها، عادت كلمات ذلك الرجل لتتردد في ذهنها — الكلمات التي قالها قبل أن تفقد وعيها بسبب انخفاض حرارتها.
“اتفقنا أنكِ ستساعدينني في القدوم إلى مهمة التطوع هذه مقابل أن تنفذي لي طلبًا واحدًا أطلبه، تذكُرين؟”
“……”
“أطلبه الآن، لا تفكري في الاستسلام، تمسكي بوعيكِ حتى النهاية، لم ننتهِ بعد، لم نغلق بعد ما بيننا!”
كان صوته في تلك اللحظة مليئًا بالرجاء وكأنه يتوسل إليها ألّا تموت.
تذكّرت أن أنفاسه الدافئة امتزجت بأزيز أذنيها، وأن جسدها كله كان يتجمد من البرد عدا قلبها، الذي نبض بحرارةٍ غريبة وسريعة.
“حين مددتِ يدكِ نحو الطفل، ظننتُ أنكِ ستضربينه، لكنّكِ……عانقتِه بدلًا من ذلك.”
“.……”
“رأيتكِ بشكلٍ جديد.”
تذكّرت أيضًا ذلك اليوم — حين أحضرت للأطفال خبزًا فاخرًا من مخبز ريمنغتون بدلًا من الأرغفة القاسية التي كانت تؤلم أسنانهم.
حينها قال تلك الجملة القصيرة، واكتفى بالنظر إليها بصمت.
لم تكن تفعل ذلك لكسب إعجابه، لكنها عندما شعرت باعترافه الصامت بجهودها، ولدت في داخلها مشاعرٌ يصعب وصفها.
لم تكن تعرف حتى الآن ما طبيعة ذلك الإحساس، لكنها كانت متأكدةً من أمرٍ واحد، أن فيريك، رغم لسانه الحاد وصرامته وبروده تجاه ما يكرهه، رجلٌ طيبٌ بحق.
وكلما تذكرت صورته وهو يطوي كمّيه ويساعد في العمل التطوعي في دار الأيتام بصمتٍ وإخلاص، ازداد ثقل كلماتها.
كان جسده حين احتواها لينقل إليها حرارته دافئًا كالنار وصلبًا كجذع شجرة، حتى أنها رغبت في الاتكاء عليه دون وعي.
رفعت بصرها نحو القديسة التي تنتظر جوابها — أنيلا، بهالتها النقية، وجمالها الآسر، وحبّ المؤلف لها، بطلة الرواية الأصلية بلا منازع.
كانت تعرف أن القدر كتب أن يكون فيريك مع أنيلا، وأن بهذا فقط سينال الجميع سعادته.
لكن……ماذا عن سعادة فيريك هو؟
ذلك السؤال الذي لم يخطر لها من قبل جعل أفكارها تتشابك وتضطرب.
في الرواية، كان بينهما سببٌ منطقي للحب، وكانت القصة تبرر ارتباطهما، لكن الآن……
“ما بالكِ؟ كنتِ ستتكلمين، ثم توقفتِ؟”
قطع صوتٌ حاد تفكيرها. فارتجفت ليرييل ونظرت إلى أنيلا، التي كانت تحدق بها بعينين تفيض غرورًا.
“قلت لكِ، ابتعدي عن فيريك! هو يليق بي أنا، القديسة النقية، الجميلة، المحبوبة من الجميع — لا بامرأةٍ مثلكِ تثير القرف لمجرد النظر إليها!”
انطلقت من فمها موجةٌ جديدة من الإهانات الفارغة.
في السابق، كانت مثل هذه التصرفات تُبرَّر بأنها جزءٌ من طبعها، وأن هذا ما يجعلها شخصيةً مثيرة للاهتمام.
لكن مع تغيّر ليرييل عن صورتها في الرواية، تغيّرت أنيلا أيضًا — لم تعد تلك القديسة التي كانت في القصة الأصلية.
بفضل تغيّر ليرييل وتحولها إلى شخصيةٍ طيبة، فقدت أفعال أنيلا مبررها الوحيد. فكلماتها التي كانت تُعتبر في الأصل “صفعاتٍ منطقية” تحولت الآن إلى مجرد تصرفات طائشة واعتداءاتٍ بلا سبب.
بعبارةٍ أخرى، صارت أنيلا كمن يهاجم شخصًا بريئًا لا لشيءٍ سوى لوجوده.
والنتيجة؟ أصبح فيريك ضحيةً للتحرش من دون قصد، فيما كانت ليرييل على وشك أن تُسلب خطيبها وتُوسم في الوقت نفسه بلقب “الشريرة”.
ومع ذلك، هل يُعقل أن تتخلى عن فيريك لتلك القديسة؟ كان من الصعب عليها تقبّل ذلك.
“قبل أن أجيبكِ، هل يمكنني أن أسألكِ سؤالًا واحدًا فقط؟”
لذلك، قررت ليرييل تأجيل الاختيار بين “نعم” و“لا” للحظة.
رمقتها أنيلا بنظرةٍ متعالية مليئة بالاستفهام: “ومن أنتِ لتختبريني؟” — لكنها هذه المرة لم تتراجع.
و بوجهٍ جاد وصوتٍ حازم، ألقت ليرييل سؤالها،
“يا قديسة، لماذا تريدين أن تكوني مع سموّ ولي العهد؟”
لم تكن تتوقع إجابةً عميقة، حتى لو كان السبب مجرد الإعجاب بمظهره الخارجي، لكانت قد تقبّلت ذلك.
فلو أنها سمعت منها اعترافًا صغيرًا بأنها تحب جزءًا من شخصيته، من تفكيره، أو من روحه، لكانت تنازلت عن فيريك دون تردد.
لكن أنيلا أجابت بلا لحظة تفكير،
“لأنه وسيم.”
ثم رمشت ثلاث مرات، وكأنها تذكرت شيئًا أضافته بلا اكتراث،
“آه، وجسده رائعٌ أيضًا. عضلاته مدهشة!”
وانتهى الأمر عند هذا الحد.
شعرت ليرييل بوخزٍ في صدغيها وهي تتحدّث بصوتٍ خفيضٍ جدًا، متعبٍ إلى حدٍّ يصعب وصفه،
“أعتذر، قلت أنني سأطرح سؤالًا واحدًا فقط، لكن اسمحي لي بآخر.”
“آه، كم هو مزعج! ما هو الآن؟”
“لو لم يكن ولي العهد وسيمًا كما هو الآن، هل كنتِ ستدخلين معه في علاقة؟ حتى لو بقي كل شيءٍ آخر كما هو؟”
أمالت أنيلا رأسها باستهزاء، و أجابت وكأنها أمام سؤالٍ سخيف،
“طبعًا لا! هل جننتِ؟ لماذا أتحمل كل هذا العناء إن كنتُ سأواعد رجلًا عاديًّا؟ كان بإمكاني فقط أن أمسك أول رجلٍ أراه في الشارع وأتسلى به.”
كانت الإجابة أكثر ابتذالًا وقبحًا مما تخيلت ليرييل بمئات المرات.
“يا إلهي……”
تمتمت دون وعي منها. فاتسعت عينا أنيلا كعيني أرنب مصدوم من صراحتها. لكن ليرييل لم تعد تكترث لمزاج القديسة، إذ كان الاشمئزاز يغلي داخلها.
هدأت تنفسها، و سيطرت على الغثيان الذي كاد يخنقها، ثم تحدّثت بنبرةٍ حاسمةٍ كمن عقد العزم.
لم تكن تنوي أن تعلن امتلاكها لفيريك كما فعلت ليرييل في الرواية الأصلية، لا.
لكن شيئًا واحدًا كان مؤكدًا — أنيلا لا تستحقه. هذه القديسة الوقحة لا تملك الحق في أن يكون إلى جانبها رجلٌ طيبٌ مثله.
“في هذه الحالة، لن أتنازل عنه.”
قالت ليرييل ذلك ببرودٍ جليدي تسرب من حنجرتها. و لم تهتم بارتجاف جسدها أو برودة الهواء التي لامست عنقها.
“الأجدر بكِ أنتِ أن تتخلي عنه.”
تجمد وجه أنيلا وارتخت شفتاها في صدمةٍ لم تصدقها. لم يجرؤ أحدٌ في حياتها على أن يقول لها “تخلي” من قبل.
فمنذ ولادتها، كانت أنيلا تفعل دائمًا ما تريد، وتأخذ دائمًا ما تشتهي. لكن هذه المرة، عندما وجدت شيئًا أرادته بحق، ظهر شخصٌ ليمنعها منه.
ذلك وحده كان الشرّ بعينه.
كانت واثقةً من ذلك — “ليرييل تينيبريس” هي أشرّ امرأةٍ في مملكة تريان، بل في القارة بأكملها.
“آه، هاهاها……”
ضحكت أنيلا بخواءَ مرتين أو ثلاث، ضحكةً باردة كأنها لا تصدق ما سمعت.
ضحكةٌ تقشعرّ لها الأبدان، وكأنها تسأل نفسها: “ما الذي سمعتُه للتو؟”
_________________________
فيريك لو انه يسمع وش يصير: لا تتهاوشون عشاني 😥
مقدر معلش ياخي😭
المهم واخيرا شكلهم بيتهاوشون؟ معطوا شعور بعض ادعم هااااعاعاعا
وبعدها هنا يحي حق عند ليرييل ان القديسة مدت يدها على نبيلة ✨
التعليقات لهذا الفصل " 42"
بجدية انيلا ولا مدري وش اسمها مره شخصية سخيفة يعني حرفيا قذرة معفنة ومنحرفة