حتى الهواء الذي كانت تستنشقه بدا وكأنه يغلي، يحرق رئتيها من فرط الحرارة. و كان القيظ شديدًا إلى درجةٍ جعلت العرق والدموع يبدوان وكأنهما سيتبخران في أي لحظة.
“اقتلوا ليرييل تينيبريس!!!”
وحين استعادت وعيها، وجدت نفسها مربوطةً إلى جذع شجرة، تحترق وهي على قيد الحياة.
كانت هناك جماهير غاضبة تلقي بالمشاعل واحدًا تلو الآخر على الحطب المكدس عند قدميها.
حاولت ليرييل بكل ما أوتيت أن تتلوى لتفلت من ألسنة النار التي كانت تلتهمها، لكن دون جدوى.
وبينما أيقنت أنها ستموت محترقة، انشقّ الهواء أمامها عن صوتٍ لطالما تمنّت أن تسمعه في تلك اللحظة بالذات.
“ليرييل.”
“سموك!”
كان فيريك تريان يقف هناك ينظر إليها من أسفل المنصة. وعلى خلاف وجوه العامة المشتعلة غضبًا، بدا وجهه كما كان دومًا، خاليًا من أي انفعال، وذلك الجمود بدا في تلك اللحظة مدهشًا ومريحًا على غير العادة.
فتوسلت إليه ليرييل بصوتٍ مرتجف يغالب البكاء.
“أرجوكَ، أنقذني! أنت تعلم أنني تغيّرت!”
“…….”
“لقد تبرعتُ لدار الأيتام، وأحسنتُ إلى الخادمات، بل وشاركت في بعثةٍ تطوعية! لا يمكن أن يحدث هذا لي!”
حينها ابتسم فيريك. رغم أن ألسنة اللهب المتراقصة رسمت ظلالًا على وجهه، إلا أن ابتسامته كانت مشرقةً حد الإبهار.
حتى وهي تحترق، ظلت ليرييل مأخوذةً بجماله الأخّاذ. لم يكن غريبًا أن يُطلق الناس على ولي العهد لقب “التراث الثقافي لمملكة تريان”.
“إذاً؟”
لكن الكلمة التالية خرجت ببرودٍ لا يليق بعينيه المنحنيتين بابتسامةٍ وادعة.
“ماذا……؟”
“إذاً ماذا تريدين؟ أنتِ ما زلتِ ابنة الدوق الشرير، والشر يجري في دمكِ منذ ولادتكِ.”
انحنى رأس ليرييل إلى الجانب بدهشة. لا يجوز أن يستخدم بطل الرواية كلمة “شرير”، فهي لا تناسب عالم القصة أصلًا.
وفيما كانت تفكر إن كان عليها أن تقول ذلك أم لا، رمى فيريك بالمشعل الذي كان في يده نحوها بخفة.
فوووش!
اشتعلت النيران وارتفعت إلى السماء بشكلٍ يفوق الخيال.
صرخةٌ أخرى خرجت من فم ليرييل، لكنها سرعان ما اختنقت، إذ لم يعد في صدرها ما يكفي من الهواء لتصرخ.
وبينما كانت محاصرةً داخل عمودٍ من اللهب تصرخ صرخةً صامتة، تحدّث فيريك ببرود،
“لقد فات الأوان لتغيير قدركِ.”
لم يكن يبتسم بعد الآن. و بين النيران المتأججة لمحَت ليرييل ملامحه الصلبة، باردةً كالجليد.
ثم رأت شيئًا آخر. امرأةٌ صغيرة الجسد تقف بجانبه، وقد شبكت ذراعها بذراعه. و شعرها اللامع كان يتلألأ بألوان الشفق القطبي المتبدلة.
“لذا، سأرحل الآن لأكمل حبّي مع حبيبتي الطاهرة النقية منذ البداية.”
“وأنا؟!”
“أنتِ؟ ……فلتَمُوتِي وحسب.”
ماذا قلتَ؟!
شهقت ليرييل من شدة الصدمة وبدأت تتخبط بعنف، لكن الجذع الذي كانت مربوطةً إليه لم يتحرك قيد أنملة.
لم يبقَ لها إلا أن تحدّق في ظهر الحبيبين اللذين يبتعدان عنها شيئًا فشيئًا. و حتى ذلك المشهد اختفى خلف ما ذاب واحترق، تاركًا إياها في ظلمةٍ خانقة.
“لااا!!!”
صرخت، وفجأةً انتفضت من على السرير جالسة. و لهاثها كان متقطعًا، وكأنها ركضت مسافاتٍ طويلة.
عينان الخضراوان واسعتان أخذتا تتفحصان المكان، تبحثان بلهفةَ عن خيطٍ يفصل الحلم عن الواقع.
أول ما رأته كان سقفًا من قماشٍ على شكل مخروط، يلتقي في الوسط بعمودٍ خشبي متوسط السمك يرتكز إلى الأرض.
الغطاء الرخيص الذي غطّى جسدها كان الآن يئن بين راحتيها المبتلتين بعرقٍ بارد.
تدلى شعرها البرتقالي الغزير فوق وجهها، و عندما رأت أنها لم تُصَب بسوءٍ كما في الحلم، بدأت تدريجيًا تستعيد عقلها الهارب.
و بعد لحظاتٍ من الصمت والذهول، همست لنفسها.
“هل……كان حلمًا؟”
ما إن أدركت أن ما تعيشه الآن هو الحقيقة، حتى تنفست الصعداء بارتياحٍ عميق. فقد كان الكابوس حيًّا لدرجةٍ جعلتها لا تزال شاردة الذهن.
لماذا كان عليّ أن أحلم باحتراقي حيّة؟ يا لسوء الطالع!
تمتمت في نفسها بضجر، ومدت يدها تمسح العرق عن جبينها، لكن شيئًا ما جعلها تتوقف.
“هاه؟”
يدها لم تؤلمها. لم يكن هناك أي موضعٍ خشن، ولا أثر لحرارةٍ أو وجع.
وكان ذلك غريبًا. كان يفترض أن تبقى آثار الحروق أو حتى بعض الألم.
تفقدت ليرييل راحة يدها بلهفة، لتجدها ناعمةً ونظيفة كما لو لم يمسسها شيءٌ قط.
لكن، كانت لدى ليرييل أمورٌ كثيرة تشغلها.
بدأ الأمر حين احترقت بقوة القداسة المنبعثة من أنيلا، ثم قضت بقية يومها في القيام بأعمالٍ شاقة تطوّعية، تنقل الدلاء وتعمل هنا وهناك، إلى أن سقطت في البئر في النهاية.
‘لكن كيف يمكن أن تكون يداي نظيفتين هكذا……؟’
كان من الطبيعي أن تسوء الجروح أكثر في مثل تلك الظروف، لا أن تلتئم بهذه السرعة.
وبينما كانت مذهولةً من هذا الوضع غير المنطقي، خطر ببالها شيء آخر.
‘مهلًا، لقد سقطت في البئر؟!’
أدركت فجأةً حقيقةً كانت قد غفلت عنها تمامًا.
“سموه! الآن تذكرت، ماذا حلّ به؟!”
آخر ما تتذكره كان في قاع البئر، حين كانت ملتصقةً بفيريك تتبادل معه دفءَ الجسد.
بمجرد أن استعادته ذاكرتها، احمرّ وجهها خجلًا من تلك الصورة الفاضحة، لكن الامتنان والقلق غلبا على إحراجها.
“لا يكون……هل أُصيب بسبب ما حدث لي؟!”
شحبت ملامح ليرييل، تمامًا كما حدث عندما سقطت في البئر.
أسرعت بالنزول من السرير باحثةً عن حذائها، وفجأةً شعرت بوجود أحدٍ خارج الخيمة.
وقبل أن تتمكن من قول شيء، ارتفع ستار المدخل، ودخل شخصٌ لم تتوقعه أبدًا. لا فيريك، ولا يوليان، بل شخصٌ آخر تمامًا.
“استيقظتِ إذاً؟”
“…….”
الشخص الذي واجهته أولًا بعد استيقاظها لم يكن سوى أنيلا ميديا نفسها. فسعلت ليرييل بقوة وقد كادت تختنق من المفاجأة.
‘أنيلا؟! ماذا تفعل هنا؟!’
لم يكن الأمر منطقيًا على الإطلاق. أن تأتي لزيارتها في غرفتها، وفوق ذلك في هذا الوقت المبكر؟ لم يحدث شيءٌ كهذا حتى في القصة الأصلية!
رغم أن يدها التي أحرقتها أنيلا لم تعد تحمل أثرًا واحدًا، إلا أنها ارتجفت لا إراديًا حين تذكرتها.
لكن ما فعلته أنيلا بعد ذلك فاق كل التوقعات.
“أريد التحدث معها على انفراد. لا تسمحوا لأحدٍ بالدخول.”
“حاضر، يا سيدتي القديسة.”
سمعت ليرييل كلامها وهي غير مصدقةٍ لأذنيها.
على انفراد؟ حديث؟ هاتان الكلمتان لا تناسبان على الإطلاق من يُلقب بـ”القديسة المتهورة”!
‘أنتِ……تتحدثين؟ هذا لا يعقل!’
لو كانت أنيلا من النوع الذي يحل الأمور بالكلام، لما كانت يد ليرييل احترقت بتلك الطريقة أصلًا.
من دأب على استخدام القوة المقدسة لمجرد أن مزاجه تعكر، فجأة يريد التحدث؟
توترت حواس ليرييل دفعةً واحدة. كان واضحًا أن وراء هذه الزيارة نيةً خفية.
وبالفعل، صوّبت كل انتباهها إلى أول جملةٍ خرجت من فم أنيلا بعد أن رمقتها بنظرةٍ متفحصة من أعلى إلى أسفل.
“ألن تشكريني؟”
سؤالٌ لم يخطر ببال أحد. من ذا الذي يتوقع أن تبدأ المحادثة بمطالبةٍ غريبة كهذه؟
فرمشت ليرييل بدهشة، ثم أجابت بسرعة.
“أشكركِ……على ماذا بالضبط؟”
“هاه!”
أطلقت أنيلا ضحكةً ساخرة وأشاحت بنظرها نحو كف يدها.
“علاجكِ طبعًا. أنقذتكِ من الموت بردًا، وداويتُ كفّكِ أيضًا.”
“آه……”
“ثم قضيت على الوحوش التي تجمعت حولكِ، والآن تتظاهرين وكأنكِ لا تعلمين شيئًا؟”
‘لا أتظاهر! أنا حقًا لم أكن أدري! كنت على حافة الموت آنذاك!’
لكن لا، لا يمكن أن تقول ذلك بصوتٍ عالٍ. فابتلعت كلماتها، وحدّقت في أنيلا بهدوءٍ محسوب.
كانت ملامحها لا تزال مذهلةَ الجمال، نقيةً إلى حدٍ يصعب تصديقه، لكن ليرييل لم تشعر تجاهها الآن بشيءٍ يُذكر.
منذ أن أحرقتها أنيلا بقداستها دون سببٍ يُذكر في الصباح، كانت ليرييل قد تخلّت نهائيًا عن أي إعجابٍ بها.
فردّت بنبرةٍ هادئة ومتزنة،
“أنا ممتنةٌ لمساعدتكِ حقًا، لكنني كنت فاقدةً للوعي وقتها، لذا لم أعلم ما حدث. كما أنني استيقظتُ للتو الآن.”
‘ثم إنكِ أحرقتِ يدي أولًا، فحتى لو شفيتها بعد ذلك، لا أظن أنني سأشعر بالكثير من الامتنان.’
كادت أن تضيف هذه الجملة الأخيرة، لكنها تراجعت. فلم يكن من الحكمة استفزاز البطلة التي يحبها الكاتب.
“على أي حال، هل يمكنني أن أعرف ما حدث لسموه؟”
___________________________
سألت عنه الحين انيلا بتفقعها دراما 🌝
يوم تحلمت حسبت لتقوم تصرخ وتلقى فيريك يعاينها بس ماش شكله بعد هو تعب او انيلا تعمدت تبعدهم تـء
التعليقات لهذا الفصل " 40"
وانا بعد اشتقت الهم كانو يسوو اجواء 😔