4
فعل الخير، يا له من لفظٍ غامضٍ ومجرد.
أين يبدأ الخير وأين ينتهي؟ ما الذي يجعل المرء يُوصف بالطيب؟ وما تعريف الشخص الخيّر أصلًا؟
‘لسنا في حصة فلسفة، التفكير العميق في هذا لا فائدة منه.’
أزاحت ليرييل بسرعة تلك الأفكار المرهقة، وأومأت برأسها.
المهم الآن هو إثبات أنها لا تليق أبدًا بعائلة تينيبريس. ولتحقيق ذلك، لا بد أن تنتشر الأقاويل أولًا. يجب أن يعرف الجميع أن ليرييل تينيبريس قد أصبحت طيبة.
وأكثر طريقة فعّالة لفعل ذلك هي……
‘متى كان موعد العشاء الذي تجتمع فيه العائلة كلها؟’
هكذا عقدت هان جيوول العزم على أن تصبح “ليرييل تينيبريس الطيبة”.
وبالفعل بدأت بتنفيذ خطتها، وكانت النتائج مثيرةً للجدل.
فكما يُقال، الكلمة تسافر بلا قدمين آلاف الأميال. ورغم محاولات أنوين لاحتواء الموقف، خرجت الأقاويل من قصر الدوق وانتشرت في أرجاء المملكة كلها.
“……ماذا قلتَ للتو؟”
“إنها…..آنسة تينيبريس، يُقال أنها فجأة أصبحت طيبة.”
ولم يطل الوقت حتى وصلت تلك الشائعة إلى مسامع خطيبها، ولي عهد مملكة تريان، فيريك تريان.
“تلك المرأة؟”
أطلق ضحكةً ساخرة وهو يستمع لحديث مساعده، بينما راح يفرك ذقنه.
حتى تعبير العبوس الذي عقد حاجبيه بدا على وجهه وسيمًا للغاية. حقًا، لا عجب أن اختارتْه تلك القديسة المتمردة بعينها زوجًا لها؛ فقد كان مظهره يليق بذلك.
ومرّر كفه عبر خصلات شعره الأشقر الباهت الذي انساب قليلًا، متذمراً لنفسه،
“مستحيل أن يكون هذا صحيحًا…….”
أن تصبح ليرييل تينيبريس طيبة؟ ما أضحك هذا الكلام!
ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ كسولة ساخرة، لكن عينيه الحمراوين المظلمتين، اللتين تشبهان جوهرة الرمان، لم تخلُ من البرود.
فمهما كان الأمر مسليًا، إلا أنه أشعره بالقرف. فأي خبرٍ عن ليرييل لم يكن يجلب له سوى الاشمئزاز، ما لم يكن خبر وفاتها.
“ما الذي تخططين له، يا ليرييل؟”
تمتم كأنه يسألها مباشرة.
فهي لم تكن من النوع الذي يفعل أي شيء بلا غاية. كل فعل، و كل كلمة، حتى كل ابتسامةٍ كانت تحمل معنى مقصودًا.
وفي هذا، لم يكن أحدٌ يعرفها أفضل منه. فمنذ اللحظة التي تمّت فيها خطوبته عليها قسرًا، كان واثقًا من تلك الحقيقة.
“وبهذا نعلن في هذه اللحظة أن ليرييل تينيبريس وفيريك تريان قد تعاهدا على الارتباط مستقبلًا.”
في ذلك اليوم، سقطت هيبة العائلة المالكة إلى الحضيض.
في ذلك اليوم، بِيع هو كسلعةٍ للحدّ من تغطرس النبلاء.
“على الأقل منظره يعجبني.”
هذا ما قالته ليرييل في يوم خطوبتهما المشؤوم، مظهرةً ابتسامةَ رضا.
ابتسامةً شريرة وجميلة، وفي الوقت نفسه وقحة لدرجة أنه كان يرغب بقتلها فورًا.
كيف يمكن أن تُمحى من ذاكرته؟
دوى صرير أسنانه الحاد في أرجاء مكتبه.
“لا بد أن أرى هذا بعيني.”
وعندها اتخذ فيريك قراره: عليه أن يلتقي بها بنفسه.
‘لا بد أن أعرف ما الذي تخطط له بالضبط. لا يمكن لشخص أن يتغير فجأةً كما لو قلب كفّه إلا لسببٍ خفي.’
ولحسن الحظ، كان هناك ذريعةٌ مناسبة.
استدعى فيريك مساعده الذي كان بجانبه وسأله،
“ميلر.”
“نعم، سموك.”
“أليس هناك حفلٌ للبلاط مقررٌ الأسبوع القادم؟”
“بلى. لقد أُجِّل الشهر الماضي بسبب حفل الخطوبة، وهو محددٌ الآن لليوم الأخير من هذا الشهر.”
أعاد فيريك التأكد من الموعد، وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ رفيعة، بل وحتى عيناه ضاقتا بابتسامةٍ مماثلة.
“وعائلة تينيبريس أكّدت حضورها، أليس كذلك؟”
“نعم……؟ بالطبع. كيف لا؟ إنه حفلٌ برعاية العائلة المالكة، وإن تغيبت عائلة المخطوبة لولي العهد فسيكون الأمر حرجًا جدًّا بالنسبة لنا…….”
أجاب ميلر وهو يتردد مراقبًا نظرات ولي العهد.
لكن بالنسبة لفيريك، كان ذلك الجواب كافيًا. فالآن صار يملك المبرر ليرى ليرييل وجهًا لوجه. فلا يمكن لعائلة تينيبريس أن تفوت الحفل. وما على فيريك إلا أن ينتظر.
“حسنًا، فهمت. يمكنكَ الانصراف.”
وحين كان يلوّح بيده ليأمر مساعده بالمغادرة، خطف بصره شيءٌ يتلألأ. كان خاتم الخطوبة في إصبعه الرابع.
“ليضع العريس في إصبع العروس خاتمًا يرمز للوعد المقدس.”
فجأة عاد بذاكرته إلى لحظة الخطوبة، حين لامست يده يد ليرييل.
لم يكن في لمستها أي أثرٍ لمودة أو حنان. لم يكن فيها سوى فرحة الانتصار بحصولها على ما تريد.
“والآن، لتضع العروس خاتمًا يرمز للوعد المقدس في إصبع العريس.”
وحين جاء دور ليرييل لتضع له الخاتم، كاد يخلعه ويلقيه أرضًا، لكنه قاوم تلك الرغبة بصعوبة.
غير أنها أمسكت يده المتخشبة وأدخلت الخاتم بابتسامة متألقة، وهي تهمس له،
“شش، كن هادئًا. إنه حفل خطوبتي. إن أفسدته فلن يمر الأمر بسلام.”
لم تكن تلك نبرة امرأةٍ تخاطب خطيبها المستقبلي، بل أقرب ما تكون إلى طريقة صاحبةٍ تُؤدب كلبًا عنيدًا.
أياً يكن، كان بالنسبة لفيريك موقفًا بالغ الإذلال. والآن، بعد كل هذا، تريد أن تتقمص شخصية “الفتاة الطيبة”؟
‘هاه، هراء محض. لا بد أن وراء ذلك مخططًا خفيًا.’
قبض على يده التي تحمل الخاتم بقوة، وأوقف سيل الذكريات.
و مهما كان ما تخطط له، فلا سبيل لمعرفة الحقيقة إلا بمواجهتها مباشرة.
هل مر شهرٌ كامل منذ حفل الخطوبة؟
وبينما تداخلت الأسئلة في ذهنه، تداخل معها صوت الباب وهو يُغلق خلف المساعد، صوتٌ مكتوم يشبه تمامًا انسداد مستقبله.
لكن فيريك لم يكن لينوي التوقف أو الاستسلام. إن كانت قد شدّت بقدميها لتسحبه إلى القاع، فهو بدوره سيجرها لتسقط معه.
‘أيًّا كان طموحكِ يا ليرييل، سأكون من يعرقل طريقكِ.’
فحتى وإن كانت العائلة المالكة قد تدهورت سياسيًا وصارت أقل شأنًا من بيوت النبلاء، فلا يزال بمقدورها جرّ عائلة تينيبريس إلى مستواها.
منذ الخطوبة، وهذه أول مرة سيلقاها وجهًا لوجه، لذلك كان قلب فيريك ينبض هذه المرة بمعنى مختلف.
كان يتوق لرؤيتها سريعًا، ليرى بأم عينيه لحظة سقوط قناعها. ذلك وحده كان كل ما يتمناه من ليرييل.
***
بصراحة، كانت تظن أنها إن تصرفت بلطفٍ عدة مرات فقط فستُقصى سريعًا.
فالخدم عادةً ما يستغلون البطل الطيب ويعاملونه كالأبله، والوالدان الرديئان لا يفخران بالابن الصالح بل يعدّانه عبئًا.
هكذا كان يُصور لقب “الطيبة” في هذا النوع من الروايات غالبًا.
‘لكن ما هذا……؟’
غير أن ليرييل قد استهانت بعائلة تينيبريس، وتجاهلت ركام الشرور المتراكمة خلال عشرين عامًا.
فامرأةٌ قضت عمرها كشريرة لن تنقلب سمعتها بين ليلةٍ وضحاها لمجرد بضعة أيام من التصرفات اللطيفة.
بل إن أعمالها الحسنة تحوّرت إلى شبه مؤامرات وانتشرت مشوهة.
“سمعت أن الآنسة ليرييل أصبحت ودودةً مع الخدم هذه الأيام؟”
“معناها أنها لا تهتم إلا بأهل بيتها فقط. هذه عادة تينيبريس، يعاملون من أقسم بالولاء لهم جيدًا، أما البقية فلا ينالون حتى الفتات.”
“يا إلهي، ما أقساها.”
وحين انتشرت هذه الأحاديث، ارتبك أنوين و لوفرين قليلًا في البداية، لكن سرعان ما شعروا بالارتياح. بل إنهم استدعوا ليرييل.
“في البداية، حيّرنا ما تفعلينه…….لكن الآن نفهم، لقد كان وراءه قصد.”
“صحيح، فالتنمّر على الخدم لا يجلب سوى السمعة السيئة. لا بد أن نُظهر أننا نكافئ المخلصين، ولا رحمة لمن لا يخضع.”
‘لكن الأمر ليس كذلك…….’
حتى شقيقها الأصغر، هيفال، كان ينظر إليها بعينين مملوءتين بالإعجاب، ما جعلها تضطر إلى تحويل وجهها هربًا من ذلك العبء الثقيل.
“حقًا إنكِ أختي العظيمة! فأنتِ لا تديرين شؤون عائلة تينيبريس فقط، بل تستعدين منذ الآن لحكم مملكة تريان بأسرها!”
‘قلت لكَ ليس هذا…….’
وما هي إلا أيام حتى صار أخوها يحاول تقليدها، فيتعامل مع الخدم بليونةٍ زائدة.
فأصبح الخدم بدورهم في حيرة، يراقبون بحذر أجواءَ السادة التي انقلبت فجأة، وقد زاد ارتباكهم يومًا بعد يوم.
وعندما رأت ليرييل ظلال الإرهاق تتعمق تحت عيونهم، أدركت أن خطتها بحاجة إلى تعديلٍ جذري.
________________________
ذي حرفياً اعمل خيراً تلقى شراً😭 ومدحاً من اهلك
شكل خطيبها البطل؟ يعني المؤلفة مب معطية واحد وجه نص فصل وهو مب البطل 😘
المهم واضح انه يكرها مره ابي اشوف شلون بيحبها😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 6 - لِنَرقص منذ 11 ساعة
- 5 - لايمكن….. منذ 11 ساعة
- 4 - خطيبها، ولي العهد منذ 11 ساعة
- 3 - لن أقوم الا باختيار الطيبة فقط منذ 11 ساعة
- 2 - إن لم يكن، فالموت هو المصير الوحيد منذ 11 ساعة
- 1 - لم تكن ابنتنا هكذا! منذ 11 ساعة
- 0 - المقدمة منذ 11 ساعة
التعليقات لهذا الفصل " 4"