لم يكن بإمكانه أن يخسر ليرييل بهذه الطريقة. فبينهما أكوامٌ من القضايا التي لم تُحسم بعد.
ألم تقل أنها ستثبت له أنها أصبحت لطيفةً معه؟
بل ووعدته حتى بفسخ الخطوبة، ثم تموت الآن بسبب شيء سخيف كهذا؟ ماذا يُفترض به أن يفعل؟
انفجر فيه شعورٌ لا يعرف إن كان سخطًا، أم لومًا، أم ندمًا مكبوتًا.
ربما كان ذنبًا…..فبالأساس، سقوطها في البئر كان نتيجةً لاندفاعه وضغطه عليها.
‘لو كنتِ أنتِ التي قبل شهر…..لما اهتممتُ لو متِّ أو عشتِ.’
فلماذا الآن؟
جزّ فيريك على أسنانه، وأجبر نفسه على جرّ الحديث كي لا يفلت وعيها.
“قلتِ أنكِ ستلبّين لي طلبًا واحدًا مقابل مساعدتي لكِ على المشاركة في بعثة التطوع، أليس كذلك؟ هل تتذكرين؟”
“….…”
“إذًا هذا طلبي الآن. لا تجرؤي حتى على التفكير في الإغماء. تشبثي بوعيكِ مهما حصل. نحن…..لم نُنهِ ما بيننا بعد!”
وفي النهاية، انفجرت مشاعره من قبضته وارتفع صوته بدون أن يشعر.
كرهها…..لأنها تترك له كل الفوضى وترحل لتستريح وحدها. فلا شيء يدفع الإنسان للجنون أكثر من لغزٍ بلا جواب.
“ليرييل تينيبريس!!!”
وحين دوّى صوته مجددًا كأنه سيصدّع جدار البئر…..
حفيف-
صوتٌ غريب تسلل بين صدى ندائه.
“!”
تيبّس فيريك كاملًا حين مرّ الصوت قرب أذنه.
‘ما الذي سمعته الآن؟’
ظنّ أنه توهّم، فأصغى…..ثم تكرر الصوت مرتين بوضوح، كشيءٍ يدوس العشب.
اتسعت عيناه الحمراوان فورًا، وبغير أي تردد اندفع صوته متشققًا من بين حنجرته،
“هنا! لقد سقطتُ في البئر مع الآنسة ليرييل! نحتاج دعمًا عاجلًا فورًا!”
كانت تلك أول علامة حياةٍ يسمعها بعد عشرات الدقائق.
إن ضاعت هذه الفرصة…..لا أحد يعلم متى ستتكرر. و بالنسبة لليرييل، قد تكون الفرصة الأخيرة.
كان الوضع حرجًا حدّ الاختناق. فالذراعان اللتان كانتا متشبثتين بعنقه ترهلتا منذ وقتٍ طويل وغرقتا نصف غرق في الماء، وأنفاسها التي تلامس ترقوته كانت واهنة جدًا، كالجمر الأخير فوق رماد محترق.
كأنها شخصٌ ميت.
لا حركة في جفونها، بل رموشها المبتلة منسدلةٌ بلا أي علامة وعي. وذلك وحده…..جعل قلب فيريك يهوى كما لو سقط إلى قاع البئر ليرتطم بالحجر.
رأى عشرات الكوابيس منذ أن تشابكت حياته مع ليرييل، لكن أيًّا منها لم يكن أكثر وحشيةً وواقعيةً من هذا اليأس الذي أمام عينيه الآن.
شعرها الأحمر الطويل كان يطفو على سطح الماء، يتمايل معه…..كأنَّه دمٌ انسكب من جسد بلا حياة.
كانت تحتاج إلى منقذٍ الآن…..أكثر من أي شيء.
“ألا تسمعونني؟ أقول أننا بحاجة للمساعدة!”
لكن صوته كان يخفت بدل أن يرتفع…..فالبقاء واقفًا في ماءٍ بارد كالثلج وحده استنزف قواه.
جمع فيريك كل ما تبقى من طاقته ليصرخ مرة أخيرة…..
خطى تقترب-
ثم سمع صوت خطواتٍ في الطين تتجه نحو البئر.
واحد… اثنان… لا، ربما أربعة أشخاص أو أكثر.
بهذا العدد، يمكن بدء الإنقاذ دون تأخير.
وفي اللحظة التي شد فيها ذراعه ليرفع ليرييل أولًا…..ظهر ظلّ فوق حافة البئر.
“غررر……”
وزمجرةٌ غريبة تزامنت معه.
“!”
عيونٌ تلمع في الظلام…..صفراء بالكامل، حتى بياضها. وحين دقق في الأطراف التي ظنّها بشرية…..رآها مغطاةً بالفرو الكثيف.
والرأس الذي انحنى لينظر إليع…..كان فكٌ طويل أشبه بالذئب.
“تباً!”
تراجع فيريك غريزيًا، ضامًّا ليرييل إليه، وسبح بها نحو زاوية البئر بلا صوت.
‘قطيعٌ من المستذئبين…..الآن؟’
الأقدام التي سمعها لم تكن فريق إنقاذ…..بل وحوش.
تذكّر فجأة أن مملكة موماترا كانت تعاني مؤخرًا من تزايد الوحوش، وأن حملات “التطوع” لم تُطلق إلا لهذا السبب.
لكن…..أن تصل الوحوش إلى معسكر للبشر؟ هذا ما لم يتوقعه أبدًا.
جزَّ فيريك على أسنانه ثم خفّض جسده أكثر. واصبح منسوب الماء الذي كان عند صدره مرتفعاً ليبلغ عنقه دفعةً واحدة.
عمق البئر يمنع المستذئبين من النزول فورًا، لكن هذا لم يكن مطمئنًا، بل مشكلةً بحدّ ذاتها…..لأن التأخير في الإنقاذ سيطول، والوقت الذي سيقضيانه هنا سيزداد.
“….…”
راقب الوضع بهدوء، ثم نقل إحدى يديه التي كانت تحتضن ليرييل إلى خصره، يتحسس مقبض السيف.
لكن كان واضحًا أن سحبه الآن لن يفيد كثيرًا. فأصابعه المتجمدة لا تتحرك كما يجب، كأن مفاصلها صدئة.
وحتى إن استطاع الإمساك به، فالماء الذي يصل إلى صدره سيجعل أي ضربةٍ بطيئة وبلا قوة.
وفوق كل ذلك…..كان عليه حماية شخصٍ بين الحياة والموت.
وضعٌ محاصرٌ من كل الجهات.
“غررر…”
وكأن الوضع لم يكن سيئًا بما يكفي…..أحد المستذئبين الذي كان يشم الهواء قرب فوهة البئر وقف شعر ظهره فجأة، متخذًا وضع الهجوم.
لقد شمّ رائحة الجرح. القيح المتسرب من كف ليرييل أيقظ غريزته الجائعة.
سال لعابه الكثيف من فكه يسقط على سطح الماء
قطرةً بعد قطرة، ليُحدث تموّجات صغيرة. و انحنى بجسده أكثر، كأنه سيقفز في أي لحظة.
في تلك اللحظة…..بات الهجوم أمرًا محتومًا.
و بعد ترددٍ أخير، لم يجد فيريك سوى أن يضمّ ليرييل إليه، محنيًا جسده حولها لحمايتها.
تاااك!
في اللحظة التي قفز فيها الوحش للأسفل، تساقط معه رذاذٌ من الحجارة. وبعدها مباشرة…..ملأ البئرَ عبقُ رائحة الدم الحادّة.
الدم المتفجر صبغ جدران البئر، وحتى المياه، بلونٍ أحمر قانٍ.
“كيااان!”
و بدل الألم الذي انتظره، تناثر دمٌ لزج على وجه فيريك.
ففتح عينيه بحذر…..و رأى المستذئب الذي كان على وشك مهاجمته، طافيًا بجانبه على سطح الماء.
أو بالأحرى…..ما تبقى من رأسه فقط.
“ما الذي…..يحدث؟”
رفع رأسه ليفهم ما جرى، فإذا بضوءٍ أبيض ساطع ينهمر عليه، أشد إشراقًا من القمر نفسه.
“آه!”
دفء الضوء كان ثقيلًا….مقدسًا….بشكلٍ مبالغ فيه.
فتح عينيه نصف فتحةٍ بصعوبة، ليرى صاحبة النور واقفةً في الأعلى، تناديه بلا اكتراث،
“يا إلهي، هل أنتما بخير، سموّك؟”
كانت أنيلا تنحني من فوق البئر، مبتسمةً ببراءة، بعد أن أحرقت نصف جسد المستذئب بقوتها المقدسة في لحظة.
ويبدو أنها سحقت كذلك بقية الوحوش في الجوار…..فوجهها وشعرها كانا ملطخين بالدماء.
صوتها كان مرحًا كعادته، لكن يخفي خلفه فراغًا ما.
و احتفظت بابتسامتها الطفولية الغريبة وهي تتحدث كطائرٍ فرح،
“لقد بحثت عنكما طويلًا، حقًا.”
***
حين يتعرض الإنسان للبرد القارس لفترةٍ طويلة…..قد يشعر بحرارة مفاجئة.
و هذا ما مرّت به ليرييل أيضًا.
داخل البئر…..بين الرطوبة والبرودة القاتلة…..كانت ترتجف حتى آلمها جوفها، وسواد أطراف رؤيتها يزداد شيئًا فشيئًا…..حتى ظنت أنها ستموت متجمدة.
ثم….
‘دافئ..…’
من لحظةٍ ما…..شيءٌ دافئ بدأ يزحف من عند رأسها، يتغلغل في جسدها ببطء، ويحتويها بلطف.
استسلمت ليرييل لذلك الدفء بلا مقاومة. كأنها مستلقيةٌ تحت لحافٍ من الريش.
لا…..بل أعمق نعومةً ودفئًا من ذلك.
كانت، كأي نبيلة، تنام كل ليلة تحت لحافٍ من حريرٍ فاخر يُصنع خصيصًا في القارة الغربية. لكن…..هذا الشعور كان ألين حتى من ذلك.
آه…..أريد أن أظل في هذا الحضن إلى الأبد….
وفي اللحظة التي تمتمت فيها بذلك، انزلقت قطرة عرق على صدغها.
‘لحظة…..لماذا هو حارٌ إلى هذا الحد؟’
في لحظةٍ ما…..تغيّر نوع الحرارة.
إن كان ما قبلُ بدا كشمسِ ربيعٍ لطيفة…..فما بعده صار شمسَ ذروة الصيف في عز الظهيرة.
بل….أشبه بأرضية مدفأة بالكامل!
كيف يكون في قصرٍ مغطى بالرخام شيءٌ كهذا؟!
شعورٌ لم تعرفه إلا في حياتها السابقة….حرارة…..لا، احتراقٌ كامل.
فبدأت ليرييل تتصبب عرقًا وتضرب قدميها في الهواء مذعورة،
‘سأحترق….سأموت…..سأتحول لفحم!’
_____________________
انيلا قاعده تحرقها؟🌝 وين فيريك ياحمار ام عيالك!
ليه احس انيلا متعمده تأخرهم او هي الي جايبه الذيابه او مسويه شي اكيد مستحيل جاتهم صدفه
ثم الحين يجي يوليان يركض وعيونه تلاقط اهيي ليريييل خفت عليس وكذا وهو مير تسذوب
التعليقات لهذا الفصل " 39"