بفضل تلك الحمقاء، ليرييل تينيبريس، التي مدت لي يدها، تمكنتُ من قلب الموازين تمامًا.
‘كيف لشريرةٍ مثلها أن تجرؤ على مساعدتي؟ يا للسخافة.’
كلما تذكّرتُ وجه ليرييل قبل دقائق، وهي تحاول مساعدتي ثم تتراجع مذعورةً بعدما احترقت بأنوار القداسة، أكاد أموت من الضحك.
لو أنها فقط فتحت فمها لتعاتبني أو تسألني عمّا فعلت، لكنتُ دستها تحت قدميّ حتى أُشبعها إذلالًا.
لكن للأسف، بدت وكأنها تعرف حدّها، أو ربما لم تفهم ما حدث أصلًا، فانسحبت بهدوءٍ دون أن تتفوه بكلمةٍ واحدة.
تصرفٌ باهت لا يليق بامرأةٍ يُلقبها الناس بـ“الشريرة الأسطورية”.
‘لا بأس، لا يهم. على أي حال، لم يعد هناك أحدٌ سيقف في صفها بعد الآن.’
أليس كذلك؟ سمو الأمير!
رفعت أنيلا بصرها إلى ولي العهد بعينين متلألئتين وكأنها تقول ذلك بصمت.
كانت متأكدةً تمامًا — حين دفعت ليرييل يدها بعيدًا، لم يُبدِ أي نية للتدخل أو المساعدة، بل اكتفى بالتفرج. حتى حين كانت خطيبته تتعرض للإهانة.
ومغزى ذلك واضح كالشمس. هذا الرجل لا يحب ليرييل.
بل أكثر من ذلك، يبدو أنه يكرهها. وهكذا، تبيّن أن الشائعات التي تقول أن خطوبتهما كانت قسرية صحيحةٌ تمامًا.
كانت أنيلا تظن أنه يردد اسم ليرييل ليل نهار بدافع الحب، لكنه في الحقيقة كان يفعل ذلك بدافع الضيق فقط.
‘إذاً، لم تكن إلا شوكةً في خصره.’
ومعرفة ذلك وحده كانت كافيةً لأن تمنح أنيلا شعورًا بالارتياح.
فما دام لم يقع في حب امرأةٍ أخرى — وإن كان قد وقع، فهي لن تتراجع أبدًا — ففرصتها لا تزال قائمة.
التفتت أنيلا نحو مدخل خيمة المُسعف الميداني الذي بدأ يلوح في الأفق، وابتسمت بخبث.
ما إن تصل إلى هناك، ستسقط حصون فيريك واحدًا تلو الآخر. باسم القديسة التي تخدم معبد ريناتريان، تقسم على ذلك!
‘لقد قال يوليان بنفسه أن خيمة المُسعف الميداني ستكون خالية.’
قبل الخروج في الحملة التطوعية، أكد لها يوليان مرارًا تلك النقطة.
عادةً ما يوجد طبيبٌ واحد على الأقل في كل خيمةٍ علاجية، لكن في حالات الكوارث الواسعة كهذه، يُسحب جميع الأطباء والممرضين إلى مواقع الجرحى، وتُترك الخيام مليئةً بالأدوات فقط دون طاقم.
كان على المصابين بجروحٍ طفيفة أن يأتوا بأنفسهم لتلقي العلاج البسيط.
وبالطبع، يعني ذلك أن ظروف التطوع هنا قاسيةٌ للغاية، غير أن ما يهمّ أنيلا لم يكن سوى شيء واحد: أن هذا المكان سيكون شبه خالٍ.
‘أنا وولي العهد وحدنا هناك.’
‘وحدنا’ — كادت أن تصرخ فرحًا وهي تتخيل الموقف.
حتى الآن لم يُبدِ فيريك أي اهتمامٍ بها، لكن هذه المرة كانت متأكدةً من قدرتها على جعله يراها.
خطتها بسيطة: ستدخل الخيمة متظاهرةً بأن ساقها مصابة، ثم ترفع تنورتها قليلًا لتُريه الجرح.
والخطوة الأهم تلي ذلك — أن تطلب منه أن يتفقد كاحلها بحجة أنه التوى، فتُظهر قدميها العاريتين.
في مملكة تريان، يُعتبر كشف المرأة لقدميها أمرًا فاضحًا للغاية.
ليس في عرض ساقيها حرج، لكن القدم العارية بالذات تُعدّ منتهى الإحراج، حتى أن بعض النساء لا يخرجن حافياتٍ مطلقًا.
ويُقال أن هذا العُرف نشأ في العصور القديمة حين كان الفقراء يسيرون حفاةً لعدم قدرتهم على شراء الأحذية.
لكن المهم الآن هو أن القدم العارية رمزٌ يجمع بين الحياء والإغراء في آنٍ واحد. (🫥)
‘وأي رجلٍ يمكنه مقاومة ذلك؟’
كانت أنيلا واثقةً كل الثقة — فقد عرفت رجالًا كثيرين، وكلهم خضعوا لتلك الحيلة من قبل.
كشف نصف الصدر أو الجلد مبالغٌ فيه، وإظهار الكاحل فقط ضعيف التأثير.
أما القدم العارية، المتكشفة “عن غير قصد” بسبب إصابةٍ خفيفة، فهي تمامًا ما يثير اهتمام رجلٍ مثل فيريك.
‘اشكر حظك، سمو الأمير، ستنال شرفًا لا يحظى به غيرك.’
ابتسمت بمكرٍ وهي تزيح ستار الخيمة وتدخل إلى الداخل.
لم يكن يُسمح لأي رجل بلمس قدميها من قبل، إلا أولئك الرجال الوسيمين الذين اختارتهم بنفسها، وكان ذلك دوماً إشارةً خاصة منها.
ولم تفشل هذه الحيلة يومًا. لذا، كانت على يقين بأن النتيجة ستكون ذاتها هذه المرة أيضًا.
و بمجرد أن جلست على السرير المؤقت، مدّت يدها نحو تنورتها لتبدأ بتنفيذ الخطة.
“ما الذي تحاولين فعله؟”
لكن فجأة، أمسك فيريك بمعصمها بقوة. فاتسعت عيناها دهشة.
‘يا إلهي، كم هو جريء!’
رغم أن نبرته كانت قاسية، تكاد تكون تهديدًا صريحًا لا يحمل ذرة عاطفة، فإن أنيلا لم تستطع إلا أن تتأمل وجهه الوسيم وقد اقترب منها.
“ماذا تقصد؟”
تظاهرت بالبراءة كعادتها، متصنعةً الجهل بكل ما يحدث.
فهي لم تكن تعتبر كشفها لقدميها “حيلة” في نظرها — فمهما يكن، كان كاحلها يؤلمها قليلًا فعلًا، وللعلاج لا بد من إظهار القدم، أليس كذلك؟
لم يسبق لها أن كذبت قط. لقد أضافت فقط قليلًا من الهوى الشخصي لا أكثر.
“أعني ما فعلتِه بخصوص ليرييل.”
لكن ما قصده فيريك بـ«الخِدعة» و لم تكن الخطة السرية التي أعدّتها أنيلا أصلًا.
“نعم…..ماذا؟”
“أتظنين أنني لن أعرف؟ حسنٌ، بمجرد أن ذرفتِ بضع دموع بذاك الوجه البريء، صدّقكِ الجميع، بكل سذاجة.”
وجهٌ بريء، قال؟ إنها لهجةٌ في منتهى الوقاحة تجاه قديسة.
لو سمعها العامة لما استطاع حتى وليّ العهد أن يفلت من سخطهم، غير أنّ أحدًا لم يكن هناك سوى أنيلا.
وهذا كان أمرًا طبيعيًا، فهي بنفسها اختارت هذا المكان المنعزل حتى تكون معه على انفراد.
وكانت النتيجة أنها وقعت في الفخ الذي نصبته بيديها.
“لـ……لستُ أفهم ما الذي تعنيه……”
وهكذا لم يكن أمام أنيلا سوى أن تتظاهر بالجهل والارتباك. بعد أن فقدت دعم الحشود، لم يبقَ لها سوى ابتسامةَ متكلفة ونظراتٍ مرتجفة نحو عينيه.
ذلك وحده كان كافيًا ليُثير ضيق فيريك، الذي أزاح يدها عنه بقسوة وتنهد وهو يرفع نظره كمن لا يصدق ما يرى.
تململ في أنفاسه نفَسٌ حاد من الضجر جعل كتفيها ترتجفان.
“اسمعي جيدًا، قد لا تعرفينها كما أعرفها أنا……لكنني أعرف تلك المرأة أكثر من أي شخصٍ في هذا العالم.”
في الأسابيع الأخيرة بدا له وكأنه لم يعد يعرفها، وكأنها تحولت إلى شخص آخر. لكنّه لم يذكر ذلك بصوت عالٍ.
“أعرف كل شيءٍ عن ليرييل تينيبريس — حركاتها، عاداتها الصغيرة، نسب عائلتها، طِباعها، أنماط سلوكها — كل شيء.”
كانت معلوماتٍ جمعها ذات يوم بنيّة الانتقام منها. ولم يكن يتخيل أنه سيستخدمها بهذا الشكل. فابتسم ابتسامةً خاوية وهو يتمتم في نفسه.
كانت تلك أول ابتسامةٍ يوجهها إلى أنيلا اليوم — لكنها لم تشعر بأي سرور لرؤيتها.
“ومع ذلك، تقولين أن تلك المرأة تظاهرت بأنها تمسك بيد القديسة ثم أعادت سحب يدها؟”
اختفت الابتسامة عن وجهه فجأة، وعيونه الحمراء كدمٍ طازج ثبتت على القديسة بحدة.
عندها تلاشى كل أثر للابتسام من وجه أنيلا أيضًا، وابتلعت ريقها في رعبٍ ظاهر.
“هذا مستحيل. تلك المرأة إن كانت تنوي الأذى حقًا، لما اكتفت بسحب يدها. أفعالها الخبيثة أدقّ من ذلك، وأكثر شرًّا.”
بمجرد أن تذكّر ما فعَلَته به، شعر بالغثيان. و أراد أن يتقيأ، لكن لم يخرج شيء.
ابتسامتها الساخرة لا تزال محفورةً في ذاكرته، إلى جانب ابتسامتها اللطيفة الأخيرة التي كانت تضاهيه في الوضوح.
صورتان متناقضتان دوّختاه حتى توقف عن الكلام لوهلة.
كان يحاول أن يستعيد تركيزه، لكن بالنسبة لأنيلا، بدا كأنه يتعمّد الصمت ليمارس عليها ضغطًا نفسيًا.
“لو كانت حقًا تنوي إيذاءكِ، لما انتهى الأمر بسحب اليد فقط. في أسوأ الأحوال، كنتِ ستصبحين أضحوكةً ليس إلا، ولم تتأذي حتى كثيرًا.”
خفض فيريك نظره نحو قدميها. فسارعت أنيلا إلى إخفاء ساقيها تحت ثوبها، وقد احمرّ وجهها كجمرٍ متّقد.
كانت تظن نفسها قد حبكت خطةً مثالية، لكن في عينيه بدت مجرد مكرٍ رخيص. فشعرت بخزيٍ لم تعهده من قبل.
“ومع ذلك، سحبت يدها……ما يعني أنها كانت حقًا تحاول مساعدتكِ، لكنها اضطرت لتركها لسببٍ ما. لذا أسألكِ الآن — ماذا فعلتِ بليرييل؟”
_____________________
بس تسأل؟ ارجفها ورح شف ليرييل!
بس يضحك هو الحين مفروض يدافع عنها شقومه قلب وش يبي بالضبط؟😭
التعليقات لهذا الفصل " 33"