كان هذا أول ما خطر ببال ليرييل وهي تنظر إلى أنيلا الممددة على الأرض.
‘حقًا، انتهى أمري هذه المرة.’
ثم جاءها هذا التفكير وهي تحدّق من فوق في خصلات شعرها المتلألئة بألوان الشفق.
‘كنت أريد فقط أن أؤدي عملي التطوعي بهدوءٍ ثم أعود!’
كانت بعثة الإغاثة هذه أصلًا من أهم الأحداث في القصة الأصلية. ففيها تنقذ أنيلا حياة فيريك، ليبدأ من بعدها وعيه بمشاعره تجاهها، وتنطلق العلاقة بينهما على نحو جدي.
لذلك كان من الطبيعي أن وجودها في البعثة يعني أنها لا مفرّ من لقاء أنيلا.
ومع ذلك، اختارت ليرييل المخاطرة والمشاركة. إذ لم يكن بوسعها التفريط في فرصةٍ ثمينة كتلك لتُعرف بأنها “ليرييل الطيبة”.
‘إن كانت ليرييل الأصلية لربما واجهتها، لكنني أنا لم ألتقِ أنيلا ولو مرةً واحدة. لو تصرفت بهدوءٍ وعدتُ دون أن أثير أي ضجة، ألن يكون كل شيءٍ على ما يرام؟”
إن لم تلتقِ بها فذلك أفضل، وإن اضطرت للقائها فليكن مرورًا عابرًا بلا أثر.
بهذه الأمنية الصغيرة وصلت إلى مملكة موماترا.
لكن لم تمضِ ثلاث دقائق على وصولها حتى كانت أنيلا مطروحةً عند قدميها، وشَعرها المتلألئ ملطخٌ بالرماد.
لم يكن هذا في الحسبان إطلاقًا.
قبضت ليرييل على أسنانها محاولةً كبح الصداع المفاجئ، بينما تسربت إلى أذنيها همساتٌ من حولها.
“أنظروا هناك، القديسة ساقطةٌ أمام ليرييل تينيبريس.”
“لا يمكن! هل سحبتها من عند ولي العهد لأنها لم تحتمل بعد؟ هذا فظيع!”
‘لكنني كنت واقفةٌ هنا فقط……’
ارتجفت قبضتها الصغيرة غضبًا.
“يقولون أنها تبعت ولي العهد إلى هنا لمراقبته.”
“لم أستغرب، فهي ترتدي ثيابًا فاخرة أكثر مما يليق بمهمةٍ تطوع. ظننتُ أنها تغيّرت فعلاً وجاءت لتخدم!”
‘تصحيح بسيط: أنا من تتم مراقبتي هنا! جئتُ للمشاركة في العمل التطوعي! والثياب؟ هذه أبسط ما عندي في الخزانة، فماذا كنتُم تريدون أن أرتدي، ملابسي الداخلية مثلاً؟!’
أغمضت عينيها محاولةً كتم غضبها، ثم فتحتها لتلقي نظرةً باردة على المتفرجين. فما لبث أن ساد الصمت، وتراجع الهمس.
لكنها لم تشعر بالارتياح؛ فذلك الهدوء لم يكن احترامًا بل خوفًا.
‘اهدئي، لا فائدة من الغضب الآن. هذا لن يغيّر شيئًا، بل سيزيد الشائعات سوءًا.’
استعادت ليرييل رباطة جأشها سريعًا، تنفّست بعمق، ثم رفعت رأسها ونظرت إلى أنيلا الملقاة أرضًا.
كانت لا تزال تحدق فيها بذهنٍ شارد، على ما يبدو من شدّة الصدمة بعد أن رفضها فيريك علنًا.
كلما رمشت رموشها الطويلة البيضاء اختفى اللون الأزرق في عينيها ثم عاد يظهر ببطء.
وعلى الرغم من أن شعرها وأطراف ثوبها غطاهما الرماد، إلا أن هالةً من الصفاء والنقاء كانت ما تزال تشعّ من حولها.
بخلاف ملامح ليرييل التي اتسمت بالنضج والرزانة، كانت ملامح أنيلا دقيقةً وصغيرة، تبعث على اللطافة البريئة.
‘أهي حقًا المرأة التي طُردت للتوّ بعد أن حاولت إغواء رجل؟’
رؤيتها أمامها، بعد أن اعتادت رؤيتها فقط في الرسوم التوضيحية للرواية، جعلت ليرييل تفقد النطق للحظة.
والآن أدركت بوضوح لِمَ يتسامح الجميع مع أنيلا، مهما فعلت أو تجاوزت أو ظلمت.
فحتى لو طالبت بإبادة عائلةٍ كاملة من أقاربها البعيدين، لوجدت من يؤيدها.
أحسّت ليرييل بقشعريرةٍ تسري في عنقها وهي تستوعب مدى ما تملكه أنيلا من سحر وتأثير.
“هل أنتِ بخير؟”
لم تشأ أن تترك سوء الفهم يتفاقم أكثر من هذا.
وبما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، فقد قررت أن تنهي الخلاف من جذوره، ومدّت يدها نحو أنيلا.
“….…”
نظرت أنيلا إلى تلك اليد قليلًا، ثم وضعت يدها الصغيرة عليها بتردد.
كانت راحة يدها دافئةً وناعمة كيد مخلوقٍ صغير.
‘هاه؟ بدايةٌ موفقة على ما يبدو.’
تنفست ليرييل الصعداء في سرّها؛ فتصرف أنيلا كان أهدأ مما توقعت.
إن كانت شخصيتها مطابقةً لما في الرواية، لكانت صرخت أو دفعتها بعيدًا، لكنها لم تفعل.
‘حتى لو كانت قديسة مهووسة بالرجال، فلن تجعل من امرأةً لا تعرفها عدوةً مباشرة، أليس كذلك؟’
لو فقط أوضحت أنيلا للحاضرين أن ما جرى مجرد سوء فهم، لانتهى كل شيء بسلام……
‘هاه؟’
لكن قبل أن تتمّ تلك الفكرة، لاحظت ليرييل ابتسامةً مائلة لا تليق بملامحها الوردية.
ثم ترددت صرخةٌ حادة في المكان.
“آآااه!”
وفي اللحظة نفسها التي أمسكت فيها أنيلا بيد ليرييل لتنهض، ارتدّت إلى الخلف وسقطت أرضًا من جديد.
انتشر صوتها الضعيف في المكان بأسره. و تجمّد الناس في مواقعهم من هول المشهد الذي وقع أمام أعينهم.
منذ أن مدّت “الشريرة” يدها لتساعدها على النهوض، كان الجميع يشعر بأنّ في الأمر شيئًا غريبًا، لكن لم يتوقع أحدٌ أن تكون تلك مجرّد مقدمةٍ لمكيدة.
تدفقت نظرات الصدمة نحو شخصٍ واحدٍ بعينه. وفي وسطها، فتحت ليرييل عينيها عن آخرهما ونظرت إلى يدها المرتجفة.
و كانت حدقتاها الخضراوان ترتعشان بعجزٍ عن الفهم.
‘ما الذي حدث للتو؟’
لم يكن من الصعب استيعاب الموقف.
لقد بدا الأمر وكأنّ ليرييل تينيبريس أمسكت بيد أنيلا ميديا لتساعدها، ثم دفعتها بعيدًا فجأة.
ذلك كان ما شاهده الجميع للتو. لكن المشكلة أنّ ليرييل لم تكن تنوي فعل ذلك مطلقًا. ورغم ذلك اضطرت لترك يدها……
لأنّ الجلد الذي لامسها كان ساخنًا، كأنها أمسكت بحديدٍ متوهج.
“آه……”
شهقت وهي تكتم ألمًا حارقًا، تعقد حاجبيها وتسحب يدها بسرعة. وحين نظرت إلى راحة يدها، وجدتها محمرةً كما لو كانت قد أصيبت بحروق.
‘هذا غير ممكن……متى حدث هذا؟!’
وبينما كانت تحاول فهم ما يجري، لمحت من بين أصابعها أنيلا الملقاة أرضًا.
كانت تحاول الابتسامة رغم القلق الذي ارتسم على وجوه الحاضرين، لكن ملامحها أظهرت بوضوحٍ تأثرها من تصرف ليرييل.
‘لا، لم أقصد هذا حقًا……!’
همّت ليرييل بالاعتذار غريزيًا تحت وطأة الذنب، لكنها توقفت فجأة.
ظنّت أنها تتوهم، فأغمضت عينيها وأعادت النظر أكثر من مرة، لكنها كانت على حق.
كان الهواء حول أنيلا مشوَّهًا بشكلٍ غريب. انبعاجٌ طفيف لا تراه إلا من كانت قريبةً جدًا منها.
وليرييل كانت تعرف تمامًا ما يعنيه ذلك. وفي اللحظة ذاتها، شعرت بأنّ شيئًا داخلها تجمّد كليًا.
صوتٌ خافتٌ في أعماقها أعلن انطفاء آخر ذرةٍ من المودة التي كانت تحملها تجاه بطلة الرواية، أنيلا ميديا.
‘هل استخدمت قوتها المقدسة عليّ؟’
كانت ليرييل من المعجبين بالرواية الأصلية، وقد قرأتها مرارًا بعد نهايتها لأنها أحبت حبكتها الباردة والسلسة.
ولذلك كانت تحفظ أوصاف القوة المقدسة التي تملكها البطلة أنيلا عن ظهر قلب، بكل تفاصيلها.
من أبرز خصائصها ظاهرتان واضحتان: انكسار الفضاء حولها عند استخدامها، وارتفاع الحرارة في محيطها.
حين تستخدمها لمعالجة من تحب، تكون دافئةً كأحضان النور، أما عندما تعاقب من تكره، فتصبح نارًا سماويةً حارقة.
تلك هي القوة المقدسة التيتم وصفها لأنيلا.
لكنها الآن، استخدمتها ضد ليرييل. فقط لتجعلها تظهر بمظهر الشريرة أمام الجميع.
“….…”
كانت يد ليرييل تشتعل ألمًا، لكن مشاعرها غاصت في برودةٍ لا قاع لها، كأنها في أعماق بحرٍ مظلم.
ومع اشتداد الهمسات والأنظار من حولها، لم تفكر حتى في تمالك ملامحها؛ فقد كان ما تشعر به من خذلانٍ أكبر من قدرتها على الاحتمال.
‘ما الذي فعلته لأُعامل بهذه الطريقة؟’
تفجّرت في صدرها مشاعر غبنٍ وغضبٍ لم تعرف مثلها من قبل.
في الرواية الأصلية، كانت ليرييل تينيبريس شريرةً حقًا، ضحيةً كُتبت لتنال جزاءها العادل.
كانت تستحق مصيرها المأساوي، حتى وإن انتهى بها الأمر تحت شفرة المقصلة.
لكن ليرييل الحالية كانت مختلفةً قليلًا.
صحيحٌ أنها في الجسد نفسه، وأنها ارتكبت أفعال الشريرة ذاتها، لكنها لم تقترف بعد أي ذنبٍ تجاه أنيلا.
ومع ذلك، استعملت تلك “القديسة” قوتها المقدسة عليها كما لو كانت تكويها بحديدٍ محمّى.
ولِمَ؟ لأنّ ليرييل تينيبريس كانت خطيبة الرجل الذي وضعت أنيلا عينها عليه.
‘حقًا……كم هذا مضحك.’
رفعت نظرها فرأت بين خصلات شعرها المنسدل وجه أنيلا، بابتسامةٍ متعجرفةٍ تُخفي وراءها سخريةً لاذعة.
كم كان مظهرها بطوليًا في الرواية حين كانت تسحق “الشريرات” واحدةً تلو الأخرى…+لكن في هذه اللحظة، لم ترَ فيها سوى طفلةٍ متصنعة، تافهةٍ، تثير الاشمئزاز.
________________________
واو كفو آخر كلمه صدق توصف انيلا تستسيه
بعدين فيريك ليه مايقول شي يعني تشوف كل ذاه قدامك وعادي؟ توك تبي ليرييل وش صار؟ بس ذي حوكات المؤلفه تطرد كم شخصيه من المشهد ثم ترجعن الفصل الجاي 😂
المهم تدرون وش ودي؟ ودي يوليان يطيح لليرييل صدق ويحبها ثم طاع يلقم رفض زي جبهته المفقوعه
التعليقات لهذا الفصل " 31"