“إنها المرأة التي أعمل على استمالتها مؤخرًا. فبد انتشرت شائعة تقول أن تلك الشريرة أصبحت طيبة، فقلت في نفسي لأجرب حظي وألقي الطعم مرة، لكنها ابتلعته من أول لحظة.”
“أها……”
“إذًا ما الذي تخططين له أنتِ؟ كما قلتُ، أنا من وضعتُ عيني عليها أولًا! ومهما كنتِ قديسةً متعالية، إن حاولتِ التدخل فلن أقف مكتوف اليدين……”
“هكذا إذًا؟ لا، هذا رائع في الحقيقة. يا للعجب، منذ متى أصبحتَ تقدم لي يد العون؟”
لكن أنيلا لم تغضب، بل انفجرت بضحكةٍ خفيفة. فنظر إليها يوليان بوجهٍ حائر، غير قادر على فهم ما يجري.
ثم غطّت فمها الصغير براحتها وهي تبتسم، فبدت للحظة كطفلة بريئة لا يشوبها غبار.
“الشخص الذي أستهدفه هو ولي العهد الذي خُطبت إليه تلك المرأة! تعرفه، أليس كذلك؟ الوسيم جدًا؟”
“هذا يعني……”
“يعني أن أخذَك لتلك المرأة سيكون أمرًا ممتازًا بالنسبة لي! سمعت أنه خُطِب إليها بالإجبار على أي حال، أليس كذلك؟ يتظاهر بالكبرياء، لكنه في الحقيقة مسكينٌ للغاية.”
كانت كلماتها تلك، الخارجة من بين شفتيها الناعمتين، لا تحمل ذرةً من النقاء الذي توحي به ملامحها، بل مكيدةً ماكرة فحسب.
ضحكتها الخفيفة، وهي تفرح بتعاسة غيرها بلا تردد، جعلت قشعريرةً تسري في عنق يوليان.
رغم أنه لم يكن غريبًا عن حياة الخداع، إلا أنه أدرك أن هذه “القديسة” تقف في مرتبة فوقه بكثيرٍ في الخبث.
“لذا عليّ أن أُنقذه بنفسي. فذلك واجب القديسة، أليس كذلك؟”
قالت ذلك بفخر، ثم حرّكت شعرها للخلف بحركةٍ أنيقة. فتألقت خصلاته بلون الشفق القطبي كزخات الثلج المتطايرة.
كان من الصعب تصديق أن من نطقت للتو بأنها ستخطف خطيب امرأة أخرى يمكن أن تبدو بهذا الجلال والنقاء.
وبنبرةٍ متعالية لا تليق إلا بمن حظي بمودة المعبد، أمرت يوليان،
“أدرجني في خطتكَ. متى بالتحديد موعد لقائكَ التالي معها؟”
***
“خروج؟! هذا أمرٌ مرفوضٌ تمامًا!”
ترافق الصوت الغاضب مع طرقٍ حاد للعصا على أرضية الرخام. كان ذلك إعلان رفض قاطع.
أما أنوين، الذي كثيرًا ما شُبّه بإنسانٍ من حجر بسبب ثبات مشاعره، فقد صار في الآونة الأخيرة أكثر انفعالًا من أي وقتٍ مضى، والسبب في ذلك ابنته العزيزة، ليرييل تِينبريس.
“لم تمضِ سوى أيامٍ قليلة على أمركِ بالبقاء في المنزل عقوبةً لكِ، والآن تريدين التجول في الخارج؟ ماذا لو تأثرتِ مجددًا بتلك الأفكار الغريبة؟!”
“أبي، قلتُ لكَ مرارًا! يوليان لم يرتكب أي خطأ! أنا من أصبحتُ طيبةً فحسب……”
“كفى!”
ما إن خرجت كلمة “طيبة” من فمها حتى اقشعر أنوين كما لو سمع شتيمةً بذيئة. ثم ضرب عصاه بالأرض مرة أخرى بقوة جعلت الخدم القريبين يرتجفون في أماكنهم.
“توقفي عن قول الهراء! أنتِ فقط مضطربةٌ بسبب خطوبتكِ المفاجئة، وهذا أمرٌ طبيعي بالنسبة لعروسٍ جديدة.”
“….…”
“لقد بدأتُ بالبحث عن طبيبٍ نفسي ذو سمعة طيبة في المملكة. وحتى يأتي، فمهمتكِ الوحيدة هي البقاء في المنزل والراحة، مفهوم؟”
لكن ليرييل لم تتحرك من مكانها، بل رفعت رأسها تنظر إليه بثبات. و كان عنادها القديم لا يزال كما هو.
ولوهلة كاد أنوين أن يتراجع، فقد همّ بالسماح لها بجولة قصيرة لتهدئة نفسها، لولا ما قالته بعد ذلك.
“الشيء الوحيد الذي سأفعله من الآن فصاعدًا هو نشر الخير.”
“ليرييل، هل أنتِ حقًا……!”
“أنا نادمة على ما فعلته في الماضي. لا يمكنني محوه، لكن أقلّ ما يمكن أن أفعله هو التكفير عنه، أليس كذلك؟”
‘هكذا سأُدان وأُحرم من الحياة……’
تمتمت في نفسها بتلك الحقيقة التي لا تستطيع البوح بها، وواجهت والدها بعينين لا ترفّان.
فتح أنوين فمه ليصرخ مجددًا، لكنه ما لبث أن أغلقه وهزّ رأسه بيأس. فقد كان يدرك تمامًا أن أي كلام لن يصل إليها الآن.
و كل ما فكر به في تلك اللحظة هو أنه يجب أن يجد الطبيب في أسرع وقتٍ ممكن.
“عودي إلى غرفتكِ. لم يعد في هذا النقاش أي جدوى.”
وهكذا، طُردت ليرييل من مكتب والدها. ومع همهمات الخدم خلفها، عادت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها.
ما إن أصبحت وحدها حتى أطلقت تنهيدةً طويلة.
كانت تعلم أن خيبة أمل والديها هي النتيجة التي أرادتها في الأصل، لكن التوقيت لم يكن في صالحها أبدًا.
‘لم أتوقع أن يفرض عليّ حبسًا إضافيًا……بهذا الشكل لن أستطيع حتى المشاركة في البعثة التطوعية……’
تمتمت وهي تسند ظهرها إلى الباب الخشبي، ثم ألقت بنظرةٍ نحو مكتبها.
كان هناك ظرفٌ ما زال موضوعًا في مكانه منذ ثلاثة أيام. ختمه يحمل رمز جناحٍ أبيض ناصع — رسالةً من يوليان.
[آنستي العزيزة ليرييل،
أهنئكِ مجددًا على انضمامكِ إلى جمعية «الجناح الأبيض». إنني أتطلع إلى الأيام التي سنقضيها معًا في خدمة الآخرين.
بالمناسبة، بعد أسبوعٍ من الآن، ستنطلق بعثةٌ تطوعية ميدانية. صحيحٌ أنها مهمة شاقة، لكنها تستحق كل جهد يُبذل فيها!
أتطلع إلى ردٍّ إيجابي منكِ. — يوليان.]
تكررت تلك الجمل في ذهنها بعدما قرأت الرسالة للمرة الألف، فطبعت على شفتيها غصةٌ مريرة.
بعثة تطوعية، إذًا. كانت مختلفةً تمامًا عن الأعمال الخيرية الصغيرة داخل البلاد. فهي رحلةٌ إلى الخارج، محفوفةٌ بالمشقة والخطر، وتستمر لأيام عديدة.
وفي العادة، لا تُطلب المساعدة من الغرباء إلا في حال وقوع كارثةٍ كبرى — هجوم وحوش أو كارثة طبيعية — مما يعني أن أدنى درجات الأمان غير مضمونةٍ أبدًا.
لكن في المقابل، كانت تلك التجارب تُعتبر من أسمى وأشرف أنواع العمل الخيري، مما يجعلها تنال الاحترام والإعجاب أينما ذُكرت.
“انظروا! القديسة قد عادت من رحلتها بعد أن صنعت معجزة!”
“يا الهي! لقد مدت يدها حتى لمن لا يستحق! إنها حقًا امرأةٌ مقدسة طيبة القلب!”
تذكّرت ليرييل أن الأصل في القصة يروي حلقةً مشابهة، حين ذهبت أنيلا في بعثة كهذه. وكيف أن عودتها كانت مهيبة لدرجة أن التصفيق والهتافات ملأت الشوارع كلها.
أما الدافع الحقيقي وراء سفرها، فكان مجرد ذريعة لتلتقي بالبطل فيريك بعيدًا عن أعين الناس.
لكن المهم هنا لم يكن نية أنيلا، بل ما مثلته تلك الرحلة من فرصة ذهبية لتحسين الصورة أمام الجميع.
‘بهذا فقط، حتى لو كانت ليرييل الشريرة التي عاشت عشرين عامًا في الخطايا، فسيسمونها أخيرًا “طيبة”!’
تملّكها الأسف، فقبضت على أطراف ثوبها بعصبية، لتتجعد الأقمشة الفاخرة دون أن تهتم.
كانت خطواتها القلقة تتنقل جيئةً وذهابًا فوق السجادة، فيما كانت تعض شفتيها القرمزيتين وتفكر.
‘عليّ أن أشارك في هذه البعثة مهما كلف الأمر. لا بد من طريقةٍ ما……’
أفضل طريقةٍ كانت إلغاء قرار الحبس، لكن بعد ما رأت من رد فعل والدها، أدركت أن إقناعه أمرٌ مستحيل.
كأن كلمة “الطيبة” تسبب له حساسيةً مفرطة؛ فما إن يسمعها حتى يصر على الرفض والتوبيخ.
وإذا كان قد رفض طلبها لمجرد “الخروج”، فكيف سيقبل أن تذهب في “بعثة خارجية”؟
‘إذًا، لن أخبره على الإطلاق……سأهرب فحسب.’
خطر في ذهنها هذا القرار المجنون لوهلة، لكنها سرعان ما تراجعت عنه.
‘اهدئي يا ليرييل. الخروج هكذا بلا خطة لن يحل شيئًا.’
الي يضحك لو اجتمعوا ثلاثتهم كل محادثاتهم بتصير نفاق حتى ليرييل 😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 23"