تجمّد يوليان في مكانه مذهولًا من الزائرة غير المتوقعة، حتى نسي أن يبتسم.
بينما اقتربت أنيلا منه بابتسامةٍ خفيفة، وأمالت رأسها جانبًا، فتراقص شعرها الأبيض المتلألئ بألوان الشفق خلفها.
كان جمالها من النوع الذي يأسر القلوب على اختلاف أعمار أصحابها وجنسهم.
وبعد لحظة من الصمت، فتح يوليان فمه ببطء.
“ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟ أليست لقاءاتنا السرّية تقتصر على عطلة نهاية الأسبوع؟”
“هناك ظرفٌ بسيط، لذا جئتُ.”
“ظرف؟ لا بد أنكِ وجدتِ رجلًا جديدًا يروق لكِ.”
لكن رده لم يكن يشبه ردود الرجال الذين تسحرهم بجمالها عادة، بل عبّر عن طبيعته الحقيقية. فاختفت ابتسامة أنيلا وهي تدير رأسها بامتعاض.
“حسنًا، كفى. ادخل، علينا أن نتحدث.”
“نتحدث عن ماذا؟ أُخبركِ سلفًا، ليس عندي مالٌ أقرضكِ إياه.”
“آه! دائمًا المال، المال، المال! الأمر ليس كذلك أصلًا!”
“أجل، صحيح. فقديستنا تفضّل الرجال الوسيمين على المال الدنيوي، أليس كذلك؟”
كان يوليان من القلائل الذين لم يقعوا في سحر أنيلا. فهو يحب المال أكثر من أي امرأة. وأنيلا بدورها كانت تعرف هذا جيدًا.
فقطّبت حاجبيها وقد بدا عليها الانزعاج.
“تجرّأ وقل شيئًا كهذا مرةً أخرى فقط، وسألصق على جدران الساحة قائمةً بالمبالغ التي اختلسْتها من التبرعات!”
“حقًا؟ إذًا سأعلّق بجانبها قائمةً بأسماء الرجال الذين قضيتِ معهم وقتكِ……انتظري، في الحقيقة هذا صعبٌ قليلًا، أليس كذلك؟ ستطول الورقة حتى تجرّ على الأرض.”
“أيها الوغد……!”
لم يرمش يوليان حتى وهو يرد عليها، و لم يُبدِ احترامًا ولا مودة، بل سخر منها بلا تردد. أما هي فكانت تتنفس بغضب، وقد نفد صبرها معه.
‘هذا البخيل الملعون، كان على هذا الحال منذ لقائنا الأول.’
『يمكن لقطعةٍ نقدية واحدة أن تُشبع ثلاثة أطفال! شاركوا الخير، رجاءً!』
كان ذلك قبل عامٍ تمامًا. في ذلك اليوم، كانت أنيلا كعادتها تتجول في الشوارع بحثًا عن رجل وسيم، حين لفت انتباهها يوليان. كان يوزع منشورات منظّمته الخيرية ويحثّ الناس على التبرع بانتظام.
أي إنسانٍ عاقل ما كان ليفكر بالاقتراب من رجل يفعل الخير، لكن قدّيسةٌ فاسدة مثلها لم تعتبر الأمر مشكلةً على الإطلاق.
“آه! لقد أسقطتَ منديلكَ يا سيدي……”
“أوه، شكرًا لكِ!”
بطبيعة الحال، نصبت له فخًّا متقنًا متخفيةً وراء صدفةٍ مفتعلة، ووقع فيه بسهولة مذهلة.
و كحال غيره من الرجال، لم يستطع حتى النظر إليها مباشرة، ووجنتاه محمرّتان كالتفاح. فهتفت أنيلا في سرّها بفرح.
“كعربون شكر، أودّ أن أشتري لك كأس شراب……هل لديكِ وقت؟”
“لـ، ليس هناك داعٍ لذلك……”
“بل أريد ذلك، حسناً؟”
لكن ذلك الحماس تلاشى سريعًا كما يفرغ الهواء من بالون. فكلما تحدثت معه أكثر في الحانة، ازداد يقينها بشيء واحد……أنه لا يهتم بها مطلقًا، بل بما قد يكون في جيبها.
“ما هذا؟ هل دعوتني للحانة وليس معكَ حتى ثمن الشراب؟”
ولم تخطئ حدسها؛ فبمجرد أن علم أنها قدّيسة ولا تملك المال، بدت خيبة أمله واضحة.
اتضح أنه إنما انجذب إليها بسبب مظهرها الباهر وهالتها الطاهرة، فظنها فتاةً نبيلة ثرية يمكنه استغلالها.
“قدّيسة يجب أن تحافظ على طهرها، تتسكع ليلًا لتلتقي الرجال……”
“وأنتَ؟ رئيس منظمةٍ خيرية يحاول استدراج النساء للحصول على مصروف جيب؟”
كان كلاهما من الطينة ذاتها، بشرٌ تملؤهم الرغبة في استغلال الآخرين لإشباع أطماعهم الخفية.
فبينما كانت أنيلا مهتمةً بجماله، لم يكن هو يرى فيها سوى كيس مال محتمل.
ذاك كان الفارق الوحيد بينهما.
وسرعان ما توصلا إلى استنتاجٍ مشترك: ما دام كلٌ منهما كشف وجه الآخر الحقيقي، فالأفضل لهما أن يتعاونا لإشباع رغباتهما المتبادلة.
『منظمة الأجنحة البيضاء هي المؤسسة الخيرية الوحيدة المعترف بها رسميًا من قبل المعبد!』
كان اتفاقًا مجديًا أكثر مما توقعا.
فبواسطة أنيلا، حاز يوليان على ثقة المعبد ورسّخ مكانة منظمته، بينما حصلت هي في المقابل على المال والأماكن التي تحتاجها للقاءاتها السرّية.
ورغم بعض المشادات التي كانت تحدث بينهما أحيانًا لاختلاف الطباع، فقد استمر هذا التعاون حتى الآن بسلاسة لا بأس بها.
كانت بينهما علاقةٌ غريبة، يسودها الانسجام لا رغم اختلافهما، بل بسببه؛ إذ كان كلٌّ منهما يعرف تمامًا ما يريده من الآخر.
“أتظن أنني جئتُ إليكَ لأسمع منكَ كلامًا كهذا؟”
لكن في كل مرة كان يوليان ينظر إليها باستخفاف، كانت أعصاب أنيلا تغلي أكثر فأكثر.
فقد كانت متوترةً أصلًا منذ أن جرح فيريك كبرياءها مؤخرًا، فجاءت كلمات يوليان لتشعل الفتيل.
“!”
ثم انبعث صوتٌ غريب مرتجّ في الهواء، ومعه تدفّقت خلفها أنوارٌ خضراء وزرقاء متلألئة كالشفق القطبي.
كانت تلك هي القوة المقدسة الهائلة التي تليق بلقب “القدّيسة”.
و لم يدرك يوليان أنه تجاوز حدّه إلا حين شعر بتلك الطاقة تزلزل المكان، فسارع وهو يرفع يديه مستسلماً،
“حسنًا، فهمت. لنتحدث بهدوءٍ في الداخل.”
كم هو عجيبٌ أن امرأةً مهووسة بالرجال كهذه تحظى بمحبّة المعبد نفسه!
تراجعت أنيلا خطوةً فاختفت الأضواء شيئًا فشيئًا، ثم أطلقت شهيقًا ساخرًا وهي تمدّ لسانها نحوه.
كان يوليان يرغب في الردّ، لكنه التزم الصمت في النهاية. فما زالت خزينته لم تمتلئ بعد، وليس مستعدًا للاحتراق بنورٍ مقدّس بسبب كلمة طائشة.
“إذًا؟ ما الأمر الذي جئتِ لأجله؟”
‘لنسمع ما تريد بسرعة ثم أطردها.’
فكّر يوليان بذلك جازمًا، وجلس على الأريكة مائلًا رأسه بكسل.
لكن جرحه الذي أصابه في جبهته في وقتٍ سابق بدأ ينبض بألم حاد، فقبض حاجبيه بلا وعي.
عندها فقط لاحظت أنيلا أنه مصاب، فتنهدت ناهضةً من مكانها. و جمعت طاقتها المقدسة بين راحتيها، ثم نقرته بخفة على جبهته.
لمع الضوء لحظة، واختفى الألم كما يذوب الجليد تحت الشمس. فتحسّس يوليان جلده الأملس بدهشة، ثم رمقها بنظرةٍ جانبية.
“……واو، لو استخدمتِ هذا في العمل، لجنيتِ ثروة.”
“حقًا؟ هذا ما ستقوله بدلًا من «شكرًا لكِ»؟! كفّ عن الثرثرة واسمعني، فأنا غاضبةٌ الآن.”
ربما كانت قد ضاقت ذرعًا به إلى أقصى حد، إذ حتى بعد أن رأى بعينيه تلك القدرة لم يبدُ عليه سوى اهتمامه الدائم بالمال.
فقبضت حاجبيها و تحدّثت بنفاذ صبر،
“هناك شخصٌ أريد منكَ أن تحقق في أمره. لديكَ شبكة علاقاتٍ واسعة، أليس كذلك؟ ساعدني.”
“حسنًا……لا أرى مانعًا. لستُ جديدًا على هذا النوع من الطلبات. لكن، من يكون هذه المرة؟ رجلٌ أيضًا؟”
“لا. امرأة.”
رمش يوليان بدهشة وعدّل جلسته ببطء. بدا مذهولًا أكثر من ذهوله حين شُفي قبل لحظات.
“……هل سمعتكِ جيدًا؟”
“بلى. أحتاج إلى معلوماتٍ عن امرأة، مشهورة جدًا.”
“من؟ من تكون؟”
لكن الجواب كان صاعقًا أكثر من السؤال.
“ليرييل تينِبريس. تعرفها، أليس كذلك؟ المرأة الأشهر في مملكة تِريان، سيّدة النفوذ والشرّ.”
“ليرييل تينبريس؟!”
قفز يوليان من على الأريكة وهو يصرخ، فانتفضت أنيلا بدورها.
“يا إلهي! ما بكَ تصرخ هكذا فجأة؟!”
“أنتِ مهتمةٌ بتلك المرأة؟! لا تقولي أنكِ أيضًا وضعتِ عينكِ عليها؟!”
“لحظة، ماذا تعني بـ«أيضًا»؟ ما الذي تقصده؟”
هذه المرة كانت أنيلا هي التي تجمّدت بدهشة، فيما أدرك يوليان متأخرًا أنه أفلت لسانه بكلمةٍ ما كان يجب أن تُقال……لكن الأوان كان قد فات، وكلاهما عرف ذلك جيدًا.
___________________________
الصدق عجبني تعاونهم بس ذي انيلا تقرف كم واحد لاحقته
المهم يوليان شكله بينقذ الصيدة حقته بس لو درا انها تبي فيريك يمكن يقول خل نتعاون انا اخذها وانت فيريك؟ نو بليز
على طاري فيريك وين تبخر بس كذا بيستناها شهر ؟
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 22"