منذ زمنٍ بعيد، تخلّى أنوين عن أي أملٍ في أن تعود ابنته طوعًا إلى شخصيتها القديمة.

فمن دون أن يُبقيها حبيسةً القصر إلى حين تحديد موعد جلسة المشورة القادمة، لم يكن يعرف ما نوع “الأعمال الصالحة” الجديدة التي قد ترتكبها مجددًا.

“أبي؟ ما الذي أخرجكَ إلى الخارج اليوم؟”

“…….”

“آه، هذا السيد هو يوليان. أظنها أول مرة تلتقيانه وجهًا لوجه، أليس كذلك؟”

لكن لم يخطر له قط أن ابنته التي خرجت في نزهة ستعود وهي تمسك بذراع رجل آخر.

فشُلّت أفكاره، وفتح فمه مذهولًا قبل أن يدرك حتى ما يرى.

‘تخرج مع رجل غريب رغم أن لها خطيبًا؟!’

ماذا لو علم ولي العهد بذلك واستغل الأمر ليطالب بفسخ الخطوبة؟!

نظر إلى وجه ابنته الهادئ المبتسم، وشعر بألمٍ حاد في مؤخرة عنقه.

لقد تمنى أن تعود تلك الابنة الشقية التي كانت ترتكب الأفعال السيئة بلا توقف، لكنه لم يتمنَّ هذا النوع من الفضائح.

“لحظة، يوليان؟ أتقصدين ذلك الأرعن المطرود من بيت الكونت فيشر؟”

“أوه، يبدو أنكَ تعرفه!”

لكن الصدمة لم تتوقف عند هذا الحد. فابنته، التي كانت تحتقر الطبقات الأدنى من النبلاء وتُفرّق بينهم حسب رُتبهم، جاءت الآن تُعرّفه على رجلٍ سقط إلى مرتبة العامة!

كان ما يحدث أمامه أبعد من أن يُصدَّق. حتى لو تغيّرت ابنته، فليس إلى هذا الحد.

‘ما الذي يجري بحق……؟’

رمش أنوين بعينيه بذهولٍ قبل أن يوجّه بصره ببطءٍ نحو يوليان الواقف إلى جانب ليرييل.

رجلٌ قيل أنه طُرد لأنه كان “صالحًا أكثر من اللازم”. وابنةٌ قيل أنها أصبحت “صالحة أكثر من اللزوم”.

وبينما يعيد الأحداث في ذهنه، بدأت فكرةٌ معينة تتشكل في رأسه……فكرةٌ جعلت الغضب يتسلل إلى وجهه شيئًا فشيئًا.

فقبض بقوة على مقبض عصاه حتى كاد ينكسر.

“إذاً، كان بسببكَ أنتَ……”

“هاه؟ أبي، ماذا تقصد؟”

“أيها الحثالة! كيف تجرؤ على زرع أفكاركَ المريضة في رأس ابنتي؟!”

وما إن أقنع نفسه بأنه وجد المذنب، حتى فاضت مشاعره المكبوتة كلها دفعةً واحدة.

صرخ بصوتٍ هادر وانقضّ على يوليان، رافعًا عصاه بضربة عنيفة.

طعخ! فأصابت العصا رأس يوليان بدقّةٍ تامة. وقد حدث ذلك في لحظة خاطفة.

“أآه!”

“يوليان!!! أبي! ماذا تفعل بحق؟!”

“تنحّي جانبًا! هذا الوغد هو من أفسدكِ وجعلكِ هكذا!”

ترنّح يوليان فاقدًا توازنه من قوة الضربة.

و تشققت جبهته، وبدأ الدم يتسلّل ببطءٍ على وجهه، لكن أنوين لم يتوقف. بل بدا كأنه لم يفرغ بعد من غضبه، فرفع ذراعه من جديد.

فقفزت ليرييل أمامه وأمسكت به بكل قوتها، وتدخّل الخدم الذين هرعوا بعد سماع الصراخ ليُبعدوا بينهما. عندها فقط هدأت الفوضى.

وما إن استقرت الأوضاع، حتى سارعت ليرييل إلى أخذ يوليان والخروج من القصر.

و وجدت مكانًا مناسبًا لتجلسه فيه وبدأت بسرعة بتطهير جرحه.

“يا إلهي……ماذا أفعل الآن……أنا آسفة جدًا يا يوليان.”

كانت الغرّة الأمامية من شعره ملتصقةً بدم متجلّط، وبدا منظره فوضويًا.

وحين ضغطت بلطفٍ بمنديل مبلول على جرحه المفتوح، انقبضت كتفا يوليان مرتين من الألم. وفي الوقت ذاته، ارتسم القلق العميق على وجه ليرييل.

‘لم تُتح لي حتى الفرصة لأروّج بعد لصورتنا الطيبة……والآن أصيب وجه رئيس الجمعية الخيرية نفسه! ما هذه الكارثة؟’

لو أنه شعر بالخوف من عائلة تينيبريس بعد هذه الحادثة وقرر الابتعاد عنها، فلن يُلام أبدًا.

لم تمضِ حتى أربعٌ وعشرون دقيقة على انضمامها إلى “الجناح الأبيض”، فهل سينتهي كل شيء بهذه السرعة؟

ويا لسوء حظها إن انتشر الخبر قائلًا: <رئيس جمعية الجناح الأبيض تعرّض لهجومٍ من قِبَل الدوق تينيبريس نفسه!>

<يقولون إن العائلة كانت تتظاهر بالانضمام للجمعية الخيرية فقط لتستدرجه ثم تقتله!>

<يبدو أن أفعاله الطيبة كانت تثير حنقهم منذ زمن بعيد!>

<أترى؟ أعمال ابنتهم الصالحة السابقة كانت مجرد ستار لكل هذه الجرائم!>

لو خرجت مثل هذه الشائعات، فستنتهي حياتها تمامًا!

فصرخت في داخلها وهي تشتم أباها وتلعنه مرارًا.

لقد بذلت جهدها بكل طاقتها منذ أن حلت في هذا الجسد، وكل ما فعلته يمكن أن ينهار الآن بسبب هذا المشهد وحده.

“من فضلكِ، لا تكوني قاسيةً على نفسكِ يا آنسة ليرييل.”

قال يوليان ذلك بابتسامةٍ لطيفة وهو يمسك بيدها ليخفضها عن وجهه.

“أنا حقًا بخير. وكلام الدوق……ليس خاطئًا تمامًا. فمن الطبيعي أن يظن أن وجودي حولكِ أمرٌ مشبوه، فأنا مجرد رجلٍ من العامة.”

“كفّ عن هذا الهراء. حتى لو كان هناك سوء فهم، فليس من المقبول أن يعتدي أحدٌ على آخر بهذه الطريقة!”

“يسعدني أنكِ ترين الأمر هكذا، لكن……ليس كل الناس طيبين مثلكِ يا آنسة ليرييل.”

قال ذلك بابتسامة حزينة وعينين تتجنبان النظر إليها. فصمتت ليرييل، وشعرت بقطرة عرق باردة تنزلق على ظهرها.

‘لا يمكن……أيمكن أن يُلغى انضمامي إلى الجناح الأبيض بعد كل هذا؟’

سكنت حولها غمامةٌ من التشاؤم والقلق، ثقيلة كسماء ملبدة بالغيوم الداكنة.

“لكن تذكّري هذا فقط، لن ألومكِ أبدًا على ما حدث.”

غير أن رغبة يوليان في المال كانت أعمق بكثير مما تخيلته ليرييل.

“يوليان……”

“منذ بدأتُ هذا العمل، عقدت العزم على ألا أتوقف عن فعل الخير مهما وجّه الناس إليّ أصابع الاتهام.”

قال ذلك وكأنه محاربٌ مقدّس يقف في وجه الشر، وكان شعره المبلل بالدماء والملتصق بجبهته يمنحه تلك الهالة النبيلة.

حتى وهو يتلقى الضرب ظل يتحدث بهذه المثالية، مما جعل ليرييل تشعر بالخجل من نفسها لأنها كانت تستخف به.

“لذا، أرجوكِ يا ليرييل، لا تدعي مثل هذا الأمر يثنيكِ عن فعل الخير.”

‘كي أستطيع أن أستخرج منكِ المال لاحقًا.’

تأثرت ليرييل بنيّته “الطيبة” إلى حد أنها وضعت يدها على فمها متأثرة.

و تدفقت في صدرها موجةٌ من العاطفة، وعجزت عن الكلام لحظةً من شدّة التأثر، ثم أومأت برأسها في النهاية.

وبينما تشابكت أيديهما الملطخة بالدماء، تحدّثت ليرييل بصوتٍ جاد لا يخلو من الحماس،

“أقسم لكَ يا يوليان، حتى لو هاجمني العالم بأسره، لن أتوقف عن فعل الخير.”

‘كي يتمكن يوليان من ابتزاز المال من عائلتي.’

هكذا أضافت في سرّها.

في تلك اللحظة اتحدت إرادتهما القوية، رغم أن الحقيقة أنهما كانا يخططان لاستغلال بعضهما البعض.

على أي حال، بدا المشهد مؤثرًا للغاية من الخارج، وهذا كافٍ.

“شكرًا لكِ.”

شكرها يوليان مبتسمًا بلطف، ثم مال قليلًا ليدعها تمسح الدم عن جبينه.

لكنّ ابتسامةً مختلفة، أقل نقاءً وأكثر مكرًا، ارتسمت على وجهه المنحني، إلا أن ليرييل تجاهلتها عمدًا وأكملت إسعافه.

“هل أنتَ متأكدٰ أنكَ بخير؟ لقد مسحتُ الدم فقط ولم أعالج الجرح بعد.”

“بالطبع! بفضلكِ يا آنسة ليرييل لم أعد أشعر بأي ألم، شكرًا لمساعدتكِ. سأرحل الآن.”

وحين حاولت أن تلفّ له ضمادًا، رفض بإصرارٍ مدّعيًا أنه بخير، ثم ما إن دخل زقاقًا خاليًا حتى أطلق سيلًا من الشتائم، متفقدًا مكان الإصابة بيده.

العين التي كانت قبل قليل تضحك بهدوء انكمشت بشراسة، وتحول صوته اللطيف إلى نبرة خشنة مليئة بالسوقية التي لا تليق بوجهه الهادئ.

تلك كانت حقيقته.

“تباً، الألم فظيع……كان عليّ أن أُميل رأسي أكثر.”

استعاد في ذهنه صورة العصا وهي تهوي عليه. كان يمكنه تفاديها بسهولة.

لكن في تلك اللحظة القصيرة، توصّل إلى نتيجةٍ مفادها أن تلقي الضربة سيكون أكثر فائدة له. فبهذا سيزرع في قلب ليرييل شعور الذنب تجاهه.

“لا بأس، أظن أنه بعد أسبوع ستكون في قبضتي تمامًا.”

ستعاملني بلطف لأنها تشعر بالذنب.

لأنها ببساطة……طيبة إلى حدّ الغباء.

وبينما كان يوليان يبتسم بثقةٍ ظانًّا أنه خدعها تمامًا، غير مدركٍ أنها كانت تعلم كل شيء، سمع فجأة صوتًا ناعمًا كصوت الجواهر يتردد أمامه.

“تأخرتَ كثيرًا، أليس كذلك؟”

“!”

فارتبك يوليان بسرعة وأعاد ضبط ملامحه، محاولًا ارتداء ابتسامةٍ بريئة، لكنها لم تدم طويلًا.

“كنتُ في انتظاركَ.”

“……القدّيسة أنيلا؟”

__________________________

متعاون معها؟ 🤨 اسرع خيانه 

المهم يا اني ضحكت يوم جته الضربه 😭😭😭😭 يستاهل ابوها قام بالواجب 

المهم لاينحل سوء الفهم ذاه خل ابوها يكرهه وكل ماشافه يشتمه وناسه 

وهي بعد ذا الضربه وش همها؟ خطتها بتخرب 😭 يختي انسان قدامس راسه مفلوق بس معها حق لو خربت خطتها فطست 

Dana