نعم، كان حدسُ ليرييل صائبًا. يوليان لم يكن سوى رجلٍ مهووسٍ بالمال.
كل التطلعات التي أظهرها لم تكن موجّهة نحو ليرييل نفسها، بل نحو الأرباح الطائلة التي يمكن أن تجلبها له.
إذاً، لِمَ لم يذكر المال ولو لمرةٍ واحدة؟
ببساطة، لم يكن ذلك ضروريًا. فأمامه ما هو أثمن من بضع تبرعاتٍ زهيدة؛ ولو حاول أن ينتزع منها بعض الفتات بحديثٍ أحمق، لانتهى به الأمر بخسارة الصفقة كلها.
‘ليرييل تينيبريس…..إن استطعتُ فقط أن أجعلها لي، فسيصبح كل ما في بيت الدوق بين يديّ.’
كانت تذكرةً لحياةٍ مترفةٍ إلى الأبد، دون أن يكلّف نفسه عناء التظاهر بالطيبة.
وأمام تلك الصورة الذهبية التي رسمها في ذهنه لمستقبلٍ مشرق، لم يتمالك يوليان نفسه فالتفت إلى الخلف.
هناك، كان قصر الدوقية شامخًا، مزدانًا بأفخر المواد وأجود الزخارف التي تليق بمكانة عائلة تينيبريس.
في عينيه، بدا ذلك القصر أشبه بحامل الكعكات الثلاثي في شاي ما بعد الظهيرة.
في الطبقة الأولى مقبلاتٌ مالحة، وفي الثانية كعكات اسكون الهشة، أما في الثالثة…..
‘قالوا أنها شريرة لا يولد مثلها إلا كل ألف عام…..لكنها ساذجة إلى حدٍ يثير السخرية.’
كعكة باهظة الثمن لدرجةٍ تجعل المرء يتردّد في تناولها.
لعق شفتيه بتلذذٍ خفي، ومضى في طريقه بخطى واثقة.
***
‘ما هذا؟ من هذا الوغد المزعج؟’
لمحَت عينُ فيريك تلك الطبيعة الحقيقية في يوليان، حين وصل في تلك اللحظة إلى القصر. فانعقد حاجباه تلقائيًا.
‘أمثلُ هذا الرجل يدخل قصر الدوقية؟’
***
قبل ساعاتٍ من مجيء فيريك إلى قصر تينيبريس، كان في زيارةٍ لدار الأيتام. فقد أعلنت ليرييل أنها ستتطوع هناك لمدة أسبوعٍ كامل.
“سموّ ولي العهد، لِمَ أتيتَ وحدكَ اليوم؟”
“….…”
لكنها لم تظهر لأيامٍ عدة. ولم يبقَ فيريك إلا زائرًا وحيدًا، يلاعب الأطفال ويقضي وقتَه بينهم.
وبين يديه كانت قصةٌ مصوّرة، أعطاها له أحد الكهنة بابتسامةٍ قائلاً: “اقرأها لهم.”
غير أنه لم يجد ما يقوله. لم تكن المشكلة في ضعف هيبة التاج فحسب، بل كان هناك ما هو أعمق من ذلك.
“هل انفصلتَ عن تلك الأخت الجميلة؟”
ما إن سمع السؤال حتى حدّق بالأطفال بعينين غاضبتين، فصرخوا وفرّوا هاربين.
ثم تنفّس بعمقٍ ومسح شعره بتعبٍ وندم. فما فائدة أن يصبّ غضبه على الصغار؟ تصرّفٌ غير ناضجٍ حقًا.
‘ولِمَ عليّ أن أسمع مثل هذا الكلام أصلًا؟’
وبدل أن يهدأ، خطرت بباله صورةُ شخصٍ آخر — السبب الحقيقي لكل ذلك: ليرييل تينيبريس.
‘إذن، كانت كذبةً عندما قالت أنها تريد أن تصبح إنسانة طيبة؟’
صحيحٌ أن الخبز كان يُرسل يوميًا من رمينغتون، لكنها لم تظهر ثانيةً منذ يومها الأول في التطوّع.
مجرد فعلٍ شكليّ، كأي نبيلٍ يتظاهر بالتقوى. لا أكثر ولا أقل.
فاجتاحه شعورٌ خافت من الخيبة أثقل صدره.
ىإذًا، كان بإمكانها أن تكتفي بإرسال المال منذ البداية.’
أسئلةٌ بلا إجابة أخذت تعبث بذهنه.
قبض قبضتَه بغيظٍ وهو يقطّب حاجبيه. فلم يكن يتخيّل أن يأتي يومٌ يضطر فيه للتفكير فيها.
لكن الانتظار السلبي لم يكن طبيعته. فخصمه هي ليرييل تينيبريس، وريثة عائلة تينيبريس العظيمة.
من يعلم أي شرٍّ تُدبّره الآن؟ لو تراخى للحظة، لوجد نفسه مرةً أخرى في قبضتها، كما حدث في يوم الخطوبة المشؤوم.
تلك الإهانة كانت كافيةً لمرةٍ واحدة.
‘عليّ أن أذهب إلى القصر بنفسي.’
عليّ أن أرى بعينيّ وأستجوبها عمّا تخطط له.
وما إن نهض بعزمٍ من مكانه حتى…..
“سموّ ولي العهد~!”
امتدت يدٌ خلفه وأمسكت بيده.
شعرٌ أبيض براق كقوس قزح انعكس عليه ضوء الشمس، وعينان صافيتان أكثر من زرقة السماء، تحملان في نقائهما سحرًا سماويًا.
لكن شفتيها المتورّدتين كانتا تنضحان بإغراءٍ لا يوصف، يتناقض مع تلك الهالة القدسية التي تحيط بها.
إنها القدّيسة أنيلا.
“لقد جئتَ مجددًا اليوم!”
“…..القدّيسة أنيلا.”
“أوه، لا تقل قدّيسة! هذا رسميٌ جدًا. أنيلا فقط تكفي.”
غير أن ملامح فيريك لم تتغيّر، وسحب يده بهدوءٍ من قبضتها. و ارتجفت زاوية عينيها قليلًا، لكنها سرعان ما استعادت ابتسامتها واقتربت أكثر.
فهي لا تترك فريستها أبدًا ما إن تضع عينها عليها.
“زيارتكَ اليومية لنا تغمرني امتنانًا لا يوصف. وددتُ لو أستطيع مكافأتكَ بطريقةٍ ما…..”
“لم أفعل ذلك طمعًا في مكافأة.”
“أنا فقط ممتنّةٌ للغاية…..ألا يمكن أن أعبّر عن امتناني بشيءٍ شخصيّ؟”
بكل ما فيها من رجاء، أمالت رأسها قليلًا، وكانت تقوسات حاجبيها تبدو بريئةً إلى حدٍّ يبعث على الشفقة.
وانتهزت الفرصة لتقبض بأطراف أصابعها على كمّ معطفه الرسمي.
“بوسعي أن أفعل أي شيءٍ من أجلكَ.”
ابتسامةٌ لا تحتمل التأويل، واضحةُ النوايا حتى النهاية.
حدّق فيها فيريك طويلًا.
اعتادت أن ترى في عينيه ضيقًا أو نفورًا أو أن يشيح بنظره عنها كما في كل مرة، لكنه هذه المرة التقى بها وجهًا لوجه.
ورأت القدّيسة أن مجهودها خلال الأيام الماضية بدأ يؤتي ثماره.
“أنيلا.”
ناداها بصوتٍ خفيضٍ عميق، باسمها لا بلقبها، فغمرها الفرح حتى كادت تقفز في مكانها.
“نعم، سموّ ولي العهد.”
“شكرًا لكِ. برؤيتكِ تأكدتُ من شيءٍ مهم.”
بالطبع، هكذا ينبغي أن يكون. كان عليه أن يشكرها.
ابتسمت أنيلا ابتسامةً مشرقة وأومأت برأسها. فها هو ولي العهد نفسه، الرجل الذي تتطلع إليه كل نساء المملكة، يخصّها هي بالاهتمام.
لو كان أي رجلٍ آخر مكانه، لكان ركع عند قدميها يقبّلها بلا تردد.
‘إذاً، ولي العهد ليس استثناءً بعد كل شيء.’
لكنها لم تكد تُكمل الفكرة حتى،
“يبدو أن النوايا الدنيئة تظهر مهما أخفاها صاحبها.”
“…..عفوًا؟”
“حين كانت ليرييل تتطوّع، لم تكن كذلك. على عكسكِ تمامًا.”
ليرييل. ذلك الاسم اللعين مجددًا.
تلعثمت أنيلا ولم تستطع حتى أن تتحكم بتعبيرات وجهها.
“ماذا…..ماذا قلتَ للتو؟”
“أرى بوضوحٍ رغبتكِ في التقرّب مني، لدرجةٍ تثير الاشمئزاز.”
ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ هادئة لا تخلو من السخرية. لكنها لم تكن ابتسامة حبٍّ أو إعجاب، بل كانت مهزلةً تهينها في جوهرها.
كان يسخر منها. فقد كانت مكشوفةً أمامه أكثر مما كانت ليرييل يومًا.
“قالوا أنكِ قدّيسةٌ لا تتكرر إلا مرة كل ألف عام، لكنكِ لا تختلفين عن ثعلبةٍ ماكرة ليس إلا.”
قال ذلك ببرودٍ ومضى بخطواتٍ ثابتة متجاوزًا إياها.
وأنيلا بقيت في مكانها، جامدةً لا تقدر حتى على الالتفات.
‘هل…..هل وصفني بالثعلبة للتو؟’
لم تسمع في حياتها إهانةً أكثر انحطاطًا من تلك.
اعتادت أن يُشبّهها الناس بالحمام، أو بالغزال، أو بالقطط البيضاء الرقيقة التي لا تُرى إلا في الشرق البعيد. لكن ثعلبة؟!
كأن خنجرًا انغرس في صدرها، وشرخًا انشقّ في كبريائها. هذه المرة كانت الضربة قاسيةً فعلًا.
“قدّيسة، ما بكِ واقفة هكذا؟”
“…..اغرب عن وجهي، لستُ في مزاجٍ جيّد الآن.”
“آه! آسف!”
“اخرس! أنتَ تزعجني أكثر!”
اقترب منها أحد الأطفال بقلقٍ حين رآها متجمّدةً في مكانها، لكنها رمقته ببرودٍ ودفعته بعيدًا. فوقع الطفل على الأرض وانفجر بالبكاء.
ازداد غضبها أكثر، فركلت الأرض بعشوائية قبل أن تغادر المكان غليانًا.
‘كيف يجرؤ على تجاهلي؟ وهل ليرييل تلك أحبّ إليه مني؟!’
ومع أن كراهيتها كانت موجهةً نحوه، إلا أن غضبها الحقيقي صُبّ على ليرييل — تلك المرأة التي سرقت منها اهتمامه.
ولماذا؟ لأن فيريك كان وسيمًا أكثر من أن تكرهه.
‘أليست تلك المرأة مشهورةً بأنها شريرة؟ ألم يُجبر ولي العهد على خطبتها؟’
فلماذا إذًا!
توقفت فجأة في منتصف الممر. وعيناها المتقدتان غضبًا وقعتا على مزهريةٍ فاخرة تصطف على جانب الرواق.
قبضت عليها دون تفكيرٍ ورمتها بكل ما أوتيت من قوة نحو الحائط. فتحطّم الزجاج بصوتٍ مدوٍّ اخترق المكان.
“ما هذا الصوت؟!”
ركض عددٌ من الكهنة خارج غرفهم، وبمجرد أن رأوا ظهرها أدركوا من تكون، فخفتت حدّة أصواتهم على الفور.
“قدّيسة، هل أنتِ بخير؟”
“يبدو أنكِ فزعتِ، لا بأس، سننظّف هذا فورًا.”
“لا بد أن المزهرية سقطت وحدها، لقد أخافتكِ فحسب.”
كان واضحًا أنها لم تسقط من تلقاء نفسها، لكنهم تسابقوا في التملّق طمعًا في رضاها.
عندها فقط بدأ مزاجها بالتحسّن. و التفتت مبتسمة، وفي وجهها عاد ذلك النقاء الزائف المعتاد.
“أوه، شكرًا لكم.”
__________________________
مجنونه
المهم اشوا فيريك ماعطاها وجه احسن شييي
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 16"