كانت هيئة الابنة العائدة إلى المنزل أسوأ بكثير مما كان متوقعًا.
فستانها اتّسخ بالغبار، وشعرها اللامع تلبّد وتشابك حتى تدلّى عند خصرها.
كانت المنظر صادمًا لدرجة أنه كاد ينسى خطته لتوبيخها، لكن لمسة لوفرين التي وخزت ظهره من الخلف أعادته إلى وعيه بصعوبة.
صحيح، عليه أن يهددها بالعقاب. إن فعل ذلك، فسيتمكن من رؤية ابنته ترفع رأسها بعنادٍ كما كانت تفعل دائمًا في الماضي.
وسيعلَم حينها أن وراء كل هذا مخططًا أكثر خبثًا.
بهذه التوقعات نظّم أنوين ملامحه ورفع صوته. عندها، ألقت لوفرين على وجهها الإيصال الذي كانت تمسكه، كما لو أنها كانت تنتظر تلك اللحظة.
‘هيا يا ليرييل، قاومي بفخرٍ كما تفعلين دائمًا.’
كان الزوجان ينتظران ردّها بخفقان قلوبهما.
“هل تعتقدان حقًا أنني أخطأت؟”
كانت البداية جيّدة.
ما إن سمعت لوفرين الجملة الأولى حتى بدا على وجهها الارتياح. أما أنوين، فقد شعر بالفخر بابنته التي كانت تتمرّد كما توقع.
……حتى ثلاث ثوانٍ فقط.
“أنا فقط……أردت مساعدة الأطفال لا أكثر.”
“ليرييل؟”
“لكنكم محقّان، لقد استخدمت مال عائلة تينيبريس دون إذن، وأتفهم غضبكما. أعتذر يا والديّ.”
ثم انحنت أمام والديها بكل أدب. حتى في أسوأ كوابيسهما لم يشهدا شيئًا كهذا.
ولم يستطع أنوين هذه المرة الحفاظ على هدوء وجهه، فتراجع مترنحًا إلى الخلف. لم يشعر يومًا أن ابنته غريبةٌ عنه إلى هذا الحد.
“تـ……تعتذرين؟ أنتِ؟”
“نعم، بصدق. لا أشعر إلا بالخجل لأنني سبّبت لكما القلق.”
رفعت ليرييل نظرها إليهما وهي تضيف ذلك، وبدا أن عينيها الخضراوين الداكنتين تتلألآن بدفءٍ لم يكن فيهما من قبل.
“أمي!”
سقطت لوفرين على الفور مغمىً عليها، بينما صرخ هيفال باحثًا عن الطبيب.
أما أنوين، فظلّ وسط هذه الفوضى ينظر إلى ابنته التي كانت دائمًا سبب صداعه، وقد تجمّد في مكانه.
***
تلقت ليرييل عقوبة الإقامة الجبرية لسبعة أيام.
لم يكن أنوين يتخيل يومًا أنه سيضطر فعلًا إلى معاقبتها، لكن الواقع البارد فرض نفسه أمام عينيه.
لقد أصبحت ليرييل تينيبريس فتاةً صالحة.
“سبعة أيامٍ فقط؟ هذا غير ممكن!”
كان يظنّ ذات يوم أن هناك أملًا. لم يكن يرجو شيئًا أكثر من ذلك كما يفعل الآن.
“وماذا عن التطوع في دار الأيتام! لقد وعدت سيمي أن أعود غدًا!”
“ومن تكون هذه سيمي بحق……؟”
لكن ذلك لم يكن سوى سراب. فوضع أنوين يده على جبينه وأطلق تنهيدةً جديدة لا يدري كم مرةً كررها اليوم.
كان عليه أن يعترف أخيرًا أن ابنته تغيّرت تمامًا خلال أسبوع واحد فقط.
لقد كان تحوّلًا لا يمكن تفسيره بكلمة “مرحلة المراهقة”، بل كان أعظم أزمة في تاريخ عائلة تينيبريس.
“مالكوم.”
ناداه بصوتٍ منخفض مثقل بالهمّ، ولم يكن تعبير وجه مالكوم أقل كآبةً من سيده.
كلما ازدادت ليرييل إشراقًا، ازداد الظل حولها ظلمة.
و بوصفه أبًا وربّ أسرة دوق تينيبريس، كان أنوين يتحمل مسؤولية احتواء هذه الكارثة.
“اذهب واستخرج قائمة بجميع الأطباء النفسيين العاملين في المملكة، لا تستثنِ أحدًا.”
“نعم، مفهوم.”
وما إن أصدر أوامره حتى غادر مالكوم المكتب بخطى سريعة كما لو كان ينتظرها.
ثم نظر أنوين إلى الباب الذي أُغلق بهدوء وأطلق تنهيدةً أخرى. كان رأسه يؤلمه، وتجعدت جبهته بتجاعيد لم يسببها العقوق، بل البرّ المفرط.
“يا له من يومٍ فظيع……”
تمتم وهو يرفع رأسه نحو اللوحة المعلقة في منتصف جدار المكتب.
كانت صورةً عائليًا رسمه أحد كبار الرسامين خلال يومين كاملين.
فيها أنوين جالسٌ على الكرسي، وعن يمينه ليرييل تضع يدها على كتفه بابتسامةٍ باردة.
تداخلت في ذهنه صورة تلك الفتاة في اللوحة مع وجهها اليوم، فلم يستطع الصبر وأدار وجهه بعيدًا.
تلك اللوحة التي كانت دومًا تمنحه القوة، أصبحت اليوم مؤلمةً للنظر إليها.
***
“همهمهم……”
كانت ألحانها الخفيفة تتردد بين أرجاء الغرفة. وعلى وجه ليرييل التي كانت تراقب المنظر الهادئ من النافذة، ارتسمت ابتسامةٌ مشرقة.
لقد وصلت أخيرًا إلى مرحلة العقوبة. لا تزال تتذكر بوضوحٍ وجه أبيها وهو يعجز عن إخفاء خيبته عندما نطق بحكمه عليها.
‘لم أتمكن حتى من التحدث عن موضوع الخطوبة.’
لكن ما كان يؤسفها حقًا هو أن والدتها أغمي عليها قبل أن تخرج كل ما كانت قد أعدّته، فانتهى الموقف دون نتيجة.
“هل أنتِ بخيرٍ يا أمي؟”
في اليوم الأول من العقوبة، قررت ليرييل زيارة والدتها التي كانت تقلق عليها، لكن ما إن دخلت غرفتها حتى انتفضت لوفرين فزعًا وكأنها رأت شبحًا، وارتجف جسدها بشدة.
والسبب الحقيقي كان ما تحمله ليرييل بين يديها.
“ما……ما الذي تحملينه الآن؟”
“منشفةٌ مبللة.”
“منشفةٰ مبللة؟ لا تقولي لي أنكِ……!”
وكانت بالفعل هي، فابتسمت ليرييل ودخلت الغرفة وسط دهشة الخدم المذعورين.
رنّ صوت الماء وهو يصطدم بالوعاء برنينٍ صافٍ. و غمست المنشفة في الماء الفاتر الذي أعدّته بعناية ثم أخرجتها.
عصرتها بقوة وتحدّثت بهدوء،
“بسببِي أُغمي عليكِ، لذا سأعتني بكِ بنفسي.”
“تعتنين بي؟!”
كادت لوفرين أن تفقد وعيها مجددًا، فأسرعت إلى زاوية السرير، تلوّح بيديها بعنف.
“لا تجرّبي ارتكاب مثل هذا الفعل الشنيع على جسدي!”
وبسبب مقاومتها الشديدة، لم تستطع ليرييل فعل أي شيء، وطُردت في النهاية من الغرفة.
ومنذ ذلك الحين، حاولت زيارتها مرارًا، لكن الطبيب منعها تمامًا بحجة أن والدتها تحتاج إلى “راحةٍ تامة”.
“كنت فقط أشعر بالذنب وأردتُ المساعدة……”
تمتمت ليرييل بأسف وهي تستعيد صورة وجه والدتها المذعور.
ثم ابتعدت عن النافذة وسارت نحو السرير، و ألقت بنفسها عليه مستلقيةً دون حراك.
تلقيها العقوبة كان مقبولًا، لكن الملل بات قاتلًا.
“في مثل هذا الوقت، كنت لأفعل عملًا صالحًا آخر على الأقل……”
تمتمت بضجر، ثم استدارت على ظهرها، مستلقيةً بطولها.
تألقت نقوش السقف الفخمة أمام ناظريها.
‘ما الذي سأفعله بعد ذلك؟’
انجرف تفكيرها بطبيعة الحال إلى ما بعد انتهاء العقوبة.
وأول ما يجب عليها فعله بعد انتهاء فترة التأديب، هو إلغاء الخطوبة بالتأكيد. فلو كانت قد أنهت تلك المسألة من البداية، لما وصلت الأمور إلى هذا الحد.
خطر لها ذلك فجأة.
‘لا، ما زال من الخطر أن يُربط اسمي بهذه العائلة. فالطرف الآخر هي القديسة نفسها. امرأةٌ يمكنها، في أي لحظة، أن تعتبر عائلة تينيبريس تجسيدًا للشر وتقضي عليها!’
أسرعت ليرييل تهز رأسها لتستعيد رباطة جأشها.
عليها ألا تنسى……بطلة هذه الرواية لم تكن هي. بل كانت القديسة الجذابة أنّيلا ميديا.
ورغم كل محاولاتها الهرب من مصيرها المرسوم، فإن تلك الفتاة — التي كانت تحظى بحب البشر بل وحتى المؤلف الأصلي — تستطيع أن تغيّر مجرى الأحداث كلها في لحظةٍ واحدة.
‘من الأفضل أن أقطع علاقتي بهذه العائلة تمامًا، سيكون ذلك أريح لقلبي.’
هزّت رأسها مجددًا لتؤكد لنفسها هدفها.
و لحسن الحظ، لم يكن لفعل الخير أي حدود. الشرّ يرهق الضمير، أما الخير فيملأ القلب بالرضا.
“حسنًا، ربما المرة القادمة سأجمع بعض القمامة في الطريق.”
في تلك اللحظة، وبينما كانت تضع خطةً جديدة من شأنها أن تحفر اسم عائلة تينيبريس في التراب، سمعت صوتًا من خلف الباب.
“عذرًا، أختي……هناك ضيفٌ يودّ مقابلتكِ.”
“هاه؟”
كان الصوت مألوفًا — إنه صوت أخيها هيفال.
‘ولِمَ هو من يقوم بعمل الخدم؟ ومن يكون هذا الضيف؟’
“ادخل.”
صرّت المفصلات بإزعاج، واستغرق الباب وقتًا طويلًا حتى يُفتح تمامًا رغم الإذن. و دخل هيفال مترددًا بوجه مرتبك يشي بالخوف، كما لو كان يخشى نظراتها.
وكان ذلك مبررًا تمامًا — فمن الطبيعي أن يشعر بالحيرة بعد أن تغيّرت أخته المحبوبة بهذا الشكل الغريب.
“أين الخدم؟ ولماذا أنتَ من ينقل الخبر؟”
بادرت ليرييل بالسؤال بصوتٍ لطيف. لكن هيفال لم يجرؤ حتى على النظر في عينيها وهو يجيب بصوتٍ خافت،
“الجميع يخافون منكِ يا أختي، ورفضوا إبلاغكِ. لم يكن أمامي خيار آخر.”
“يا إلهي، ولماذا يخافون مني؟ لقد كنت في غاية اللطف معهم طوال الأيام الماضية!”
و هل كانت تعلم أن “لطفها” ذاك هو بالضبط السبب الذي جعل الخدم يفرّون؟
تراجع هيفال خطوةً إلى الوراء وهو يحدّق في أخته التي تتحدث بكل برود واطمئنان.
يبدو أن هذه المحادثة لن تكون مريحةً على الإطلاق.
_________________________
الاحداث هنا حوفياً معكوسه يعني يخافون منها عشانها صارت حليوه؟ المشكله حتى اخوها😭
وامها ارتاعت عشانها بتعتني بها اجل البر صار عقوق😂
المهم من ذاه الي جا تو بعد به شخصيات ماطلعت؟ وناسه
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 13"