“أه؟”

ما كان ذلك الصوت قبل قليل؟

كان صوتًا خافتًا وثقيلًا، كأن القلب يسقط إلى قاع الجسد—صوتًا ينبئ بالشؤم.

وفي اللحظة نفسها، سُمعت خطواتٌ كثيرة تتقاطع معًا. بذلك الطنين المعدني المألوف.

ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى أدركت ليرييل ما هو. إنه صوت اصطكاك دروع الجنود بعضها ببعض.

وإن كان كذلك….فإن الصوت الكبير الذي دوّى قبل قليل لم يكن سوى صوت فتح أو إغلاق باب الحديد السميك المؤدي إلى ممر السجن.

لقد كانوا يتجهون نحوها. 

لماذا؟

“آه، لا….لا!!!”

وبدا أن لوفرين تعرف السبب.

كانت ترتجف وهي تمسك بقضبان الحديد حتى ابيضّت مفاصل يديها. بل مدت ذراعها من بين القضبان محاولة الإمساك بيد ليرييل التي لم تصل إليها.

وبوجهٍ شاحب راحت تردد كلماتٍ مبعثرة لا يُفهم منها شيء،

“هذه الفتاة….لا، لا يمكن! خذوني أنا بدلًا منها.…!”

ملكة المجتمع المخملي المتعجرفة تتشبث بالقضبان متوسلةً باكية.

وبينما كانت ليرييل تحدق فيها مذهولة، ترمش بعينيها دون أن تستوعب المشهد—

“تنحي جانبًا.”

وصل ستة أو سبعة جنود أمام السجن، ودفعوا يد لوفرين بعيدًا بقسوة، ثم فتحوا باب زنزانة ليرييل.

“كـييييك—” صدى الصوت البارد ارتد في الممر. ولا تزال ليرييل غارقةً في ذهولها.

“حسنًا، بما أنكِ استيقظتِ في الوقت المناسب. اخرجي، ليرييل تينيبريس.”

‘في الوقت….المناسب؟’

لقد تصرفوا وكأنهم حضروا إلى هنا وفق خطةٍ محددة ليأخذوها لمكانٍ ما.

هل نجح سموّه في إخراجها من السجن بطريقةٍ ما؟

كانت تريد التعلّق بتلك الفكرة العذبة، لكن حدسها أخبرها بأن هذا ليس ما يحدث.

‘لا يمكن…..’

تحريض أنيلّا….سقوط عائلة تينيبريس….ثم ماذا بعد؟

كانت ليرييل تعرف تمامًا ما سيأتي لاحقًا، فقد قرأت الرواية. بل كان ذلك من أكثر المشاهد شهرةً في القصة.

وبينما تحاول الوقوف، تمايل جسدها. لم يكن الأمر بسبب المدة التي قضتها فاقدةً للوعي فحسب، بل لأن أرجلها بالكاد تحملها.

حدّق الجنود فيها ببرود بلا نية لتقديم العون. واكتفوا بإلقاء جدول مصيرها بصوتٍ جاف،

“غدًا، سيتم تنفيذ حكم الإعدام عليكِ. سننقلكِ الآن إلى مكانٍ أقرب إلى الساحة، فاتّبعيْنا.”

‘آه….كما توقعت.’

كادت تضحك ضحكةً هستيرية—فعودة الأحداث للسير وفق الرواية كانت حتميةً لدرجة السخرية.

نعم، هذا ما كان مكتوبًا. هكذا كانت نهاية ليرييل.

مهما حاولت الفرار، فإن قدر الرواية ابتلعها مجددًا.

فاتّبعت الجنود باستسلام—كخروفٍ يُساق إلى المسلخ.

وبقي صوت بكاء لوفرين خلفها يتلاشى شيئًا فشيئًا، قبل أن يختفي تمامًا بعد إغلاق باب الممر الثقيل.

تجلرج… تجلرج…

و لم يبقَ بجانبها إلا صوت السلاسل التي تهتز كلما تحركت خلف الجنود.

“اصعدي هنا.”

وهكذا خرجت ليرييل من السجن.

كان النهار، لكنه بدا كليلٍ كثيف الظلام. السماء ملبدةٌ توشك على أن تمطر، والهواء مشبعٌ برطوبة خانقة. بكل معنى الكلمة، كان يومًا مناسبًا لسقوط عائلةٍ بأكملها.

وقبل أن تشعر حتى بثقل الجو الكئيب، وبمجرد أن حاولت الصعود إلى عربة السجناء البدائية الشبيهة بعربة نقل البضائع—

“أيتها المرأة الشيطانية!”

اندفع الناس الذين سمعوا بالخبر وراحوا يصرخون ويقذفونها بالشتائم.

“أهكذا تستهزئين بالشعب!”

“لمَ لمْ تموتي بعد أن شربتِ السم؟ لماذا استيقظتِ؟!”

شتائم لم تسمعها قط أيام كانت آنسةً من عائلة الدوق، صارت الآن تضرب أذنيها بلا رحمة.

وحاول بعضهم الانقضاض عليها، لولا أن الجنود الذين ينقلونها بذلوا جهدهم ليحموا طريقها حتى تمكنت أخيرًا من الصعود.

ثم انطلقت العربة مع صهيل الخيول.

وكانت تهتز بعنف لا تتحمله فتاةٌ اعتادت ركوب عربات الدوقية أو العربة الملكية الفاخرة.

وظلت الشتائم والاتهامات تلاحقها حتى أصبح صوتها باهتًا خلفها. ومع ذلك، ظل وجه ليرييل ثابتًا، هادئًا، بلا انكسار.

هل استسلمت؟ كلا….لم يكن ذلك السبب.

‘إن كان الأمر قد عاد فعلًا ليسير وفق مجرى الرواية الأصلية….’

ما زال أمامها فرصةٌ واحدة متبقية. على الأقل كانت ليرييل تظن ذلك.

‘في الليلة السابقة لإعدامي، ألن تأتي أنيلا لزيارتي؟’

كانت ليرييل على يقين من ذلك.

‘ثم ستصبُّ على رأسي كل تلك السخريات اللاذعة التي يزعمون أنها “انتقامٌ منعش” من أجل القرّاء.’

وبما أن ذلك الجزء كان يوصف في الأصل كحدثٍ مهم، لم يكن ممكنًا أن يُحذَف، بل لم يكن مسموحًا أن يُحذَف.

أعادت تصفح صفحات الرواية التي جالت في ذهنها عشرات المرّات.

في ليلة اليوم المقرر لإعدام ليرييل، وفي ساعةٍ متأخرة، تذهب أنِيلا لرؤيتها.

وهي مسجونةٌ في القبو، تظل عاجزةً عن استيعاب واقعها، فتقابل أنِيلا التي جاءت لرؤيتها بوابل من الشتائم والسُّباب الحقير.

عجزت عن تقبّل حالها بعدما كانت ابنة دوقيةٍ مرموقة وفجأة أصبحت مجرد مجرمة.

وليرييل تلك، تُريها أنِيلا حقيقة الواقع.

“ألَا تدركين بعد ما الذي اقترفته؟”

تدحض كلامها كلمةً كلمة، وتسدُّ أمامها كل طريقٍ للهروب أو التبرير، حتى لا تتمكن من خداع نفسها.

ثم تدير ظهرها وتخرج من السجن قائلة: لنلتقي غدًا.

‘آه، آآآآاااه!!!’

في تلك اللحظة ينهار وعي ليرييل، ويملأ صراخها أرجاء ممرّات الزنزانة. وبذلك الوصف يُختَتم المشهد، وفي الحلقة التالية يبدأ تنفيذ الإعدام.

و ينتهي بذلك كلّ ظهور ليرييل. ولا يظهر بعدها إلا زفاف أنِيلا وفيريك الفخم، وعدّة فصولٍ من الحلقات الجانبية تصف حياتهما الهانئة معًا.

أما الشريرة وقصّة عائلة تِينيبريس فاختفتا تمامًا بعد ذلك.

‘….لن أسمح أبدًا بأن تنتهي قصتي بتلك الطريقة الحقيرة.’

كانت خاتمةً تقشعرّ لها الأبدان، لكن ليرييل هزّت رأسها تُبعد الفكرة عنها.

على أي حال، ما هو مؤكّد أنّ أنِيلا ستأتي لزيارتها الليلة.

وفوق ذلك، بخلاف الرواية، لم تعد أنِيلا الحالية تشبه دور البطلة الأصلية، بل فسدت تمامًا.

والكلمات التي ستتقيّأها عليها لن تكون الانتقام المنعش الذي ينتظره القرّاء، بل غالبًا ستكون سردًا لجرائمها التي ارتكبتها فقط لتزجّ بها في السجن، وهي تتفاخر بذلك.

وإن شهد أحدهم تلك الحقيقة….

‘قد أستطيع نزع قناع القديسة عنها.’

كان ذلك سبيلها الوحيد للنجاة.

غير أن أكبر عقبةٍ كانت حاجتها لشخص ثالث يسمع هذا الحوار.

فالحرّاس والجنود سيُطرَدون جميعًا قبل دخول أنِيلا، وبما أنها محكومةٌ بالإعدام فستُحبس في زنزانة انفرادية، ومن الصعب التعويل على سماع أحد السجناء لحديثهما.

إذًا، من سيكون.…؟

“انزلي.”

ما إن وصلت لهذا الحد في التفكير حتى توقفت العربة.

ارتجّ الباب، ورُسم خطّ ضوءً باهت على وجه ليرييل مع فتحه.

‘آه، لقد وصلتُ أخيرًا.’

لقد وصلت، وانتهى الأمر.

نزلت ليرييل من العربة بملامح متوترة، ورفعت رأسها لتنظر إلى المبنى الحجري الكئيب.

كان دخولها إليه أشبه بخطوةٍ نحو قبرها….أو نحو فرصة قلب الموازين.

ازدادت توترًا حتى خالطها ضيقٌ في التنفّس. لكنها ما لبثت أن رسمت على وجهها تعبيرًا حاسمًا واتجهت نحو السجن.

فما زال أمامها بعض الوقت قبل حلول الليل.

‘عليّ أن أفعل أي شيء هناك….بأي طريقة.’

عاهدت نفسها مرارًا وتكرارًا. 

قد يراها الآخرون مجرد محاولاتٍ بائسة لأبنة دوق منهارة، لكنها لم تكن تريد سوى النجاة.

النجاة….لإنقاذ عائلتها، وإنقاذ فيريك تريان من تلك القديسة الزائفة.

وحتى لو ماتت، فكل ما تريده هو أن ينالوا حرّيتهم. ولهذا وحده حافظت ليرييل على ما تبقى من وعيها.

وما إن دخلت الزنزانة الانفرادية في أقصى أعماق السجن، حتى أُغلِق الباب خلفها بقوّة.

و تأكد الجندي من إحكام القفل، ثم تركها وحدها ورحل.

نظرت ليرييل حولها وقد تسلّل إليها القلق بلا سبب.

كان هناك فجوةٌ صغيرة لا يمكن تسميتها نافذة، ومن بين قضبان الحديد المتراصة ظهر لها جزءٌ من السماء المظلمة.

فحدّقت فيها طويلًا بقلقٍ مضطرب.

و اختفت الشمس سريعًا خلف السحب الداكنة الثقيلة، وبدأ القمر الذي سيحسم مصيرها في الارتفاع ببطء.

______________________

طلع القمر وفيريك ما جا يا حسره 

بعدين لحظه هيفال توه ورع وش الترويع الجماعي الي قاعدين تسوونه فيه😔

بعد مايخلص كل ذاه مب بس ليرييل الي بتروح لمستشار نفسي العايله كلها لازم تروح😭

Dana