“ما الذي كنتِ تفعلينه وأين كنتِ تتجولين يا ليرييل تينيبريس!”
صرخ أنوين بصوتٍ غاضب فور أن رأى مظهر ابنته المرهق، كان ذلك انفعالًا نادرًا منه، إذ قلّما يظهر تغيرًا في عواطفه.
“لم أظن أنني سأصاب بخيبة أملٍ كهذه، يا ابنتي! أتعلمين كم أصابنا الذهول عندما رأينا الفواتير القادمة من المعبد ومن مخبز ليمينغتون؟!”
رمت لوفرين بورقةٍ طويلة لا تكاد تنتهي في وجه ليرييل.
لم تكن مؤلمة، لكنها كانت ضربةً قاسية على كرامتها.
“…….”
تحت وطأة الغضب الجارف، لم تستطع ليرييل سوى إطباق شفتيها وخفض رأسها في صمت.
أما الابن الأكبر، هيفال، الذي كان يراقب من الخلف، فقد بدا مرتبكًا لا يدري ما يفعل.
“أختي…..ما الذي يحدث معكِ فجأة؟”
كان سلوك أخته، التي لطالما كانت شريرةً إلى حد يثير الإعجاب، صادمًا حتى له.
لقد أراد أن يسألها عما جرى، أن يتشبث بها ويسمع الجواب. لكن لحسن حظ ليرييل، بقيت رغبته حبيسةَ فكرِه ولم تخرج إلى الفعل.
‘آه، هذا الشعور رائع…..هذا هو بالضبط ما أردته.’
فلو أنه اقترب منها، لكان رأى ابتسامةً غريبة ترتسم على شفتيها في وسط هذا الموقف العاصف.
‘أتدريان كم ساعةً قضيت في العمل التطوعي فقط لأسمع هذه الكلمات؟’
نعم، لقد كانت ليرييل راضيةً تمامًا عن هذا الموقف الذي يُوبّخها فيه والداها.
فإذا استمرت في لعب دور الابنة “الصالحة” بهذا الشكل، فربما يكون طردها من العائلة أمرًا ممكنًا حقًا.
ستُمحى أخيرًا تلك اللعنة المسماة تينيبريس من حياتها إلى الأبد!
‘وبّخاني أكثر، أرجوكما! هيا!’
تمتمت بهذه الحقيقة التي لم تستطع الجهر بها، ونظرت إلى والديها بخفة خبيثة في عينيها.
كانت الأجواء المتوترة أفضل ما يمكن أن تطلبه.
“عزيزي، هل تعتقد أن الأمور ستكون على ما يرام؟”
“لا تقلقي يا عزيزتي.”
لكن دوق ودوقة تينيبريس كانا يملكان خطتهما الخاصة أيضًا.
همست لوفرين بقلق، فأجابها أنوين بصوتٍ خافت،
“ابنتنا الشريرة، ليرييل، لن تكتفي بالاستماع إلى التوبيخ فحسب، سنرى كيف تردّ.”
تذكر بوضوح الساعات القليلة التي سبقت عودة ابنته.
حين دخل الخدم إلى مكتبه يحملون أكوامًا من الفواتير التي بدت وكأنها لن تنتهي، بدأ يشعر بأن شيئًا سيئًا قد حدث.
“ماذا..…؟ مليون ميرك تبرعت ابنتي بها لدعم دار الأيتام الوطنية؟!”
تفحص أنوين شهادة التبرع بعينين مذهولتين، وكأنه لا يصدق ما يقرأ. فهو رجلٌ لم يعرف في حياته شيئًا اسمه التبرع.
كيف يُعقل أن يعطي المال الذي كسبه بجهده وعرقه لأشخاصٍ غرباء مجانًا؟ كان هذا الفعل بالنسبة إليه خارج حدود المنطق تمامًا.
ولهذا كان يحرق في كل عام منشورات المعبد الدعائية في مدفأته دون تردد. وكان إذا صادف في الشارع من يدعوه للتبرع، يقطب جبينه كما لو أنه رأى حشرةً مقززة ويمضي في طريقه.
لكن الآن…..
“هل تقول أن ليرييل نفسها هي التي وقّعت هذه الأوراق المجنونة؟”
“نعم، هذا ما جرى تمامًا.”
لقد أخذت ابنته هذا المبلغ الهائل وقدّمته للمعبد دون أي مقابل. حينها فقط أدرك أنوين أن ما يحدث مع ابنته تجاوز حدود الغرابة، وأن الأمر لم يعد مجرد تصرفٌ عابر.
‘هل يمكن أن يكون هذا هو ما يسمونه…..مرحلة المراهقة؟’
فكّر بذلك وهو يحدق في سلسلة الأصفار الطويلة التي تملأ نهاية المبلغ في الشهادة.
لكن قبل أن يتعمق في التفكير أكثر، دوّى صوت زوجته من خلف الباب،
“عزيزي! مصيبة! مصيبةٌ كبرى!”
اقتحمت لوفرين الغرفة دون أن تطرق الباب، وما زال شالها الخارجي يتدلّى عن كتفيها، يبدو أنها جاءت راكضةً من الخارج.
كان واضحًا أن الأمر عاجلٌ للغاية، لكن أنوين أشار بيده وكأنه يريد إسكاتها.
‘أياً يكن، لا شيء يمكن أن يكون أسوأ من ورقة التبرع هذه التي بين يديّ الآن.’
غير أنه لم يكد ينطق بتلك الفكرة حتى صُدم بما قالته زوجته بعد لحظة،
“لـ…..ليرييل أرسلت جميع مخبوزات مخبز ليمينغتون إلى دار الأيتام! كل شيء، دون أن تُبقي شيئًا!”
“ماذا؟!”
صرخ أنوين مذهولًا ونهض من مكانه، فتكومت ورقة التبرع في قبضته.
وتدلت بضع خصلات من شعره الأملس المنسق بعناية على جبهته، لكنه لم يلحظ ذلك حتى. فهو بالكاد كان يلتقط أنفاسه وسط سيل الأخبار التي تتوالى عن حماقات ابنته.
“كنت ذاهبةً إلى الصالون، فمررتُ بالمخبز لشراء بعض الحلويات، لكنهم قالوا أن المحل مغلق! فسألت عن السبب، وتخيّل ماذا؟ لقد عقدوا عقد توريدٍ حصري مع دار الأيتام بوساطة عائلة تينيبريس، ولن يبيعوا لأي زبون خاص بعد الآن!”
قالت لودفرين ذلك وهي تضحك بمرارة، غير مصدقة لما يخرج من فمها. و كانت تتكلم بسرعة حتى تلطخ أحمر شفتيها دون أن تدري.
ثم نظرت إلى زوجها بعينين ممتلئتين بالرجاء، لا تدري كيف يواجهان ما فعلته ابنتهما.
“هل من الممكن أنني سمعت خطأ..…؟ لا يمكن أن تفعل ابنتنا شيئًا كهذا…..أليس كذلك؟”
كان أنوين يدرك تمامًا أن زوجته تتوسل إليه بعينيها أن يقول لها نعم، أن يطمئنها بأن الأمر ليس كما يبدو.
لكن لم يكن في مقدوره أن يرضي أملها الكاذب، فقد حان وقت مواجهة الحقيقة.
“زوجتي..…”
ابنته التي كانت شريرةً إلى درجة تدعو للفخر، والتي كانت تصلح لتمثيل اسم عائلة تينيبريس نفسها…..
“يبدو…..أن ليرييل أصبحت طيبة.”
“ماذا…..ما الذي تعنيه؟”
طيبة؟! لم تستطع لوفرين تحمل وقع هذه الكلمة، فاهتزت ساقاها وتراجعت خطوةً إلى الوراء. فأسرع أحد الخدم ليسندها كي لا تسقط.
لو قيل لها أن ابنتها مصابة بمرض مميت، لما صُدمت إلى هذا الحد. بل لعل هذا الخبر كان، بمعنى ما، أكثر فظاعة.
“هذا مستحيل! ابنتنا كانت منذ طفولتها تتسلى بالخادمات كما لو كنّ ألعابًا! بل إنها كانت هي من دبرت بنفسها زفافها الملكي وجعلته يتم بنجاح!”
“أعرف ذلك، يا لوفرين، أنا أعرف….لكن.…”
جلست زوجته منهارةً على الأرض، وبدأت الدموع تنهمر من عينيها دون توقف. فشعر أنوين وكأن صدره يتمزق ألمًا، وغمر الحزن أجواء الغرفة شيئًا فشيئًا.
كانت كل هذه الكارثة بسبب أن ابنته…..أصبحت طيبة.
“اهدئي، لا تبكي هكذا، أرجوكِ.”
“هُه….ههك..…”
“لسنا متأكدين بعد، ربما كان هذا مجرد تصرفٍ مؤقت، يومٌ واحد فقط لا أكثر..…”
كان الرجل الجاف الطباع يحاول الآن تهدئة زوجته الحزينة، في مشهد جعل الخدم يتهامسون فيما بينهم بدهشة، غير أن الزوجين لم يكن لديهما وقتٌ أو طاقة لتوبيخ أحد.
“لقد خطرت لي خطة…..يمكننا أن نجربها قبل أن نبدأ بالحزن.”
“خطة..…؟”
رفعت لوفرين رأسها بتردد، بينما كانت لا تزال تبكي مثل طفلة صغيرة، فمسح أنوين دموعها بأنامله برفق، وبدأ يشرح لها الخطة التي لمعت في ذهنه.
“أتذكرين؟ يوم بلغت ليرييل سن الرشد، حين صفعت ابنة الكونت روستانغ لأنها أعلنت إقامة حفل ظهورها في اليوم نفسه.”
“بالطبع أتذكر. كيف لي أن أنسى تلك اللحظة المشرّفة…..”
فاااخ!
مسحت أنفها بمنديل قدمه لها زوجها، وأجابت بصوتٍ مرتعش.
“الصفع بحد ذاته كان عملًا يستحق المديح، لكن لم يكن صوابًا أن تضرب ابنة أسرةٍ أقسمت بالولاء لعائلتنا. لذلك أردنا أن نُظهر أننا سنعاقبها شكليًا، لمجرد المظهر…..”
كانت عيناها الحادتان كعيني قطة، لا يظهر فيهما أدنى أثرٍ للندم.
“لقد كانت تعلم أنني سأقيم حفل ظهوري في ذلك اليوم، لكنها تعمّدت اختيار الموعد نفسه. كم كانت وقحة.”
“لكن، صفع ابنة الكونت روستانغ..…”
“أبي، فكر بالعكس. أنا لم أصفعها ظلمًا، هي التي كانت تستحق الصفعة.”
ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ مائلة، وشبكت ذراعيها بثقةٍ جامحة.
ذلك الكبرياء المتصلب، وتلك الشرارة في عينيها، أوحت لوالدها حينها بأنها شريرةٌ واثقة لا يمكن لأي أمرٍ أن يكسرها. و شعر بقشعريرة تسري في ذراعيه من فخرٍ غريب.
“اذهب إلى الكونت روستانغ وقل له: إن لم يحسن تربية ابنته، فلن ينفعه ولاؤه لنا، وسندوسه تحت أقدامنا. فتلك الابنة كانت تتصرف بوقاحة مؤخرًا، أليس كذلك؟ تافهةٌ حقًا.”
“هاه…..إذًا كنتِ تفكرين باستغلال الموقف لصالحنا؟”
“بالضبط. يجب أن يتعلم الناس ماذا يعني تحدي عائلة تينيبريس، يجب أن أريهم الثمن بأعينهم.”
لقد كانت كلماتها ما تزال ترن في أذنيه حتى الآن، بتلك الثقة القاسية التي لم يعرف مثلها من قبل.
أنهى أنوين استرجاعه لتلك الذكرى، ثم أمسك بيد زوجته وساعدها على النهوض. و كانت قد هدأت قليلًا، فاستندت إلى كتفه، تعض على شفتيها بعزم.
“تذكّري ابنتنا كما كانت، تلك الفتاة المتمرّدة المتحدية.”
“صحيح…..كانت لا تطيعنا أبدًا، بل كانت تتحدى كلامنا بكل جرأة.”
“إذًا لو واجهناها وجهًا لوجه، وأغضبناها عمدًا، ستعود إلى طبيعتها الأصلية التي نعرفها.”
“نعم، نعم، أنتَ محقٌ تمامًا!”
عاد الأمل إلى عيني لوفرين وهي تهز رأسها بحماس، وتدفن وجهها في صدر زوجها.
عندها فقط، التقط أنوين شالها ورماه عرضًا نحو أحد الخدم، وارتسمت على وجهه أخيرًا ملامح الارتياح.
‘نعم، إنها ابنتي، ليرييل، ابنتي التي أفخر بها. تلك الفتاة بالتأكيد…..’
وهكذا، جلس أنوين ينتظر بفارغ الصبر عودة ابنته إلى المنزل.
_______________________
ياناس رومانسيه اهلها حلوه يضحكون كيف يحبون بعض ومتفقين في كلش😭😭😭😭🤏🏻
المهم الفصل الجاي بتصدمهم اكثر بعد امها بيغمى عليها كذا
اخوها بعد مجنون بس شكله كان مقموع من اخته
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 12"