تلطخت يد ليرييل البيضاء بالطين من يد الطفل الصغيرة، لكنها لم تهتم وأبقتها ممدودةً له برقة.
بينما كان الطفل يتحسس يدها بدهشة وفضولٍ بريء، وكان منظره في غاية اللطافة.
“هل أعجبكَ الخبز؟”
“نعم! لم أكن أعلم أن الخبز يمكن أن يكون بهذه الطراوة والدفء والنعومة!”
“هذا رائع. من الآن فصاعدًا، ستأكل مثله كل يوم.”
“كـ…..كل يوم؟!”
اتسعت عينا الطفل دهشة، بينما اكتفت ليرييل بابتسامة صغيرة. فحتى لو روت له قصة المخبز الذي خضع لثروة عائلة تينيبريس، فلن يفهمها على أي حال.
“عليكَ أن تأكل يوميًا لتكون لديكَ طاقةٌ كافية للعب، تمامًا مثل اليوم!”
“نعم! اللعب معكِ ممتعٌ جدًا يا أختي!”
ضحك الطفل من جديد، واندفع نحوها ليعانقها. فاحتضنته ليرييل بلا تردد، تربت على ظهره برفق، لتتلطخ ثيابها بالطين أكثر فأكثر. لكنها لم تأبه بذلك إطلاقًا.
“ليرييل!”
“…..سموك؟”
أما فيريك فلم يستطع احتمال رؤيتها على تلك الحال.
اقترب منها بخطواتٍ سريعة، فاعتذرت ليرييل من الطفل بلطف ونهضت واقفة.
تساقط الرمل من ثنيات فستانها المهترئ، فحدّق فيريك بها بدهشة لا تصدق.
“يبدو أنكِ كنتِ مشغولةً حقًا بالعمل. فلم أركِ بهذا المظهر من قبل.”
لم تدرك ليرييل كم كانت حالتها فوضوية، لكنها عندما رأت هيئته هو، انفجرت ضاحكة.
كان معطف الزي الرسمي قد اختفى، وكمّا قميصه مطويان حتى المرفقين، مما يدل على أنه شارك بنفسه في أعمال المساعدة.
بالنسبة لمن كان يوبخها في السابق، فقد بدا الآن جادًا ومخلصًا على نحوٍ لا يُصدق.
لم تستطع ليرييل أن تمنع نفسها من الابتسام بصدق. فحدّق بها فيريك للحظة، ثم ابتسم دون وعي، قبل أن يدرك ما يفعله و ارتبك على الفور. ثم خطر له أنه لا بد وأنه فقد صوابه.
“رأيتكِ تمدين يدكِ إلى الطفل، وظننت أنكِ على وشك ضربه، فجريت إليكِ…..لكنكِ كنتِ تعانقينه؟”
قال ذلك بصوتٍ خافت وهو يميل برأسه قليلًا، ثم خرجت منه كلماتٌ لم يقصدها أصلًا.
“أراكِ من جديد بعين مختلفة.”
كانت نفس الكلمات التي قالها قبل ساعات، لكن هذه المرة كان يقصدها حقًا.
وليرييل شعرت بذلك بوضوح. فاحمرّ خداها بلون وردي رقيق، وانعكست ملامح فيريك الجادة في عينيها الخضراوين الصافيتين.
نظرا إلى بعضهما بصمت. و لبرهة، بدا وكأن العالم كله توقف.
كان آخر مرة تبادلا فيها نظرةً كهذه يوم حفل خطوبتهما، وهما ينتظران نهاية المراسم.
ثم تردد فيريك لحظة قبل أن يتكلم — فقد كان هناك سؤالٌ لا بد أن يطرحه الآن.
“واااو! سموّ ولي العهد والأخت النبيلة يتواعدان!”
“رأيتُ ذلك! الوسيم كان سيقبّل الأخت الجميلة!”
لو لم يكن الأطفال قد التفوا حولهما بتلك الحماسة، لربما كانت الأمور لتسير كما تخيّلوا.
“هاه؟”
اقتربت مجموعةٌ من الصغار الذين بالكاد تصل قمم رؤوسهم إلى خصره، وعيونهم تتلألأ فضولًا.
فأغلق فيريك فمه بحرج ورفع يده، يخشى أن يؤذي أحدهم إن تحرك بلا قصد.
“هل أنتما حبيبان؟”
“هذا…..”
“أم لستما كذلك؟”
“ليس الأمر كذلك تمامًا..…”
“إذًا إن كنتما حبيبين، لماذا لم تقبّلها؟”
انهالت الأسئلة البريئة عليهما كالسيل، دون أن يدرك الصغار أنهم يواجهون أكثر امرأةٍ مكروهة في المملكة.
و حتى لقب ولي العهد لم ينفعه الآن. فارتبك فيريك تحت سيل الأسئلة ونظر إلى ليرييل نظرة استغاثة صامتة.
‘افعلي شيئًا، أرجوكِ.’
“حسنًا، أعلم أن لديكم الكثير من الفضول، لكن حان وقت العودة الآن. هلّا تفسحون لنا الطريق؟”
“أوه، إنهما يهربان!”
“لا تذهبا يا أختي! يا أخي!”
حاولت ليرييل تهدئة الموقف بإيماءة من فيريك، لكن الأطفال كانوا في غاية الحماس. فقد كان مظهرهما معًا أشبه بالأميرة والأمير الخارجين من حكاية خرافية.
ثم تنهد فيريك قائلًا بخفة،
“هاه، لا مفر إذاً.”
قررت ليرييل أخيرًا استخدام وسيلتها الأخيرة. و ما إن رفعت رأسها بعد أن خفضته، حتى اختفى أي أثر للابتسامة عن وجهها.
“إن واصلتم هذا، ستغضب الأخت.”
تجمّدت نظرتها الباردة فوق الأطفال، كأنها سكينٌ حادة تقطع الهواء. لم تتحرك شفتاها ولو قليلًا نحو ابتسامة.
لقد عادت لتكون كما يعرفها الجميع — ليرييل تينيبريس، الشريرة الشهيرة.
“….…”
“ها أنتم تطيعون بسرعة عندما أتكلم هكذا، أليس كذلك؟”
وكان تأثيرها فوريًا ومدهشًا. فقد صرخوا هلعًا وهربوا منها واحدًا تلو الآخر، مذعورين من ذلك الشر النقي الذي لم يختبروه من قبل.
راقبت ليرييل ظهورهم الصغيرة وهي تختفي، ثم تراخت ملامحها مجددًا، وعادت الابتسامة إلى شفتيها.
‘لقد انطلت عليهم، كم هم رائعون.’
كانت تنظر إلى الأطفال بعيونٍ مليئة بالحنان الصافي، حتى ليصعب تصديق أنها قبل لحظات فقط بدت كشيطانة.
رأى فيريك هذا التبدل العجيب، فابتلع سؤاله دون أن ينطقه.
للحظة، لمح فيها ليرييل القديمة التي كان يعرفها، لكنه لم يعد قادرًا على تمييز الحقيقة: أيٌّ من هذه الوجوه هو وجهها الحقيقي؟
“بما أننا أنهينا كل شيء، ألن نعود؟ لا بد أن لدى سموك الكثير من الأعمال.”
“…..صحيح.”
إذًا، عليه أن يكون حذرًا. فلم يكن منطقيًا أن تهتز مشاعره بهذه السهولة لمجرد أنه رأى منها لطفًا ليوم واحد.
عضّ شفته بصمت، وسار خلفها بخطواتٍ بطيئة.
كان قد أتى إلى التطوع ليكشف نواياها، لكنه لم يجنِ سوى ارتباكٍ أكبر. وشعر بنسمات المساء بينما يستعيد السؤال الذي لم يجرؤ على طرحه.
‘إن كانت قادرةً على إظهار هذا الوجه اللطيف، فلماذا كانت قاسيةً معي إلى تلك الدرجة يوم الخطوبة؟’
لم يفهم حتى لماذا يريد أن يعرف الجواب، ولا أي إجابة كان يأملها.
ظن أنه يكرهها، لكن مشاعره أخذت تفتر بلا سبب، ولم يشعر بأي خطر في ذلك — وهو ما أقلقه أكثر من الكراهية نفسها.
أغلق على أفكاره وأدار وجهه عنها، ثم صعد إلى العربة المتجهة نحو القصر الملكي.
ومع ذلك، لم يستطع أن يمنع عينيه من تتبع عربةٍ أخرى تتحرك أمامه — تلك التي تقل خطيبته، ليرييل.
راقب مؤخرة العربة التي ابتعدت أولًا متجهةً نحو قصر الدوق، وهمس بصوت خافت بالكاد يُسمع،
“من تكونين حقًا، يا ليرييل؟”
كانت كلماتٍ لن تصل أبدًا إلى مسامعها.
***
‘اليوم كان ناجحًا جدًا، أليس كذلك؟’
ضحكت لسرييل وحدها في عربة العودة إلى قصو الدوق.
أخيرًا، بدأت الأمور تسير وفق الخطة. أنهت أعمال التطوع بنجاح، وخطيبها الذي كان يكرهها أصبح أكثر هدوءًا، والأطفال كانوا في غاية اللطافة.
إذا استمر الحال هكذا، فلن يطول الوقت حتى يُجرّدها والدها الدوق من مكانتها…..
“…..هاه؟”
أسندت ظهرها إلى المقعد، و تمددت قليلًا، ثم تجمدت في مكانها.
ما هذا الإحساس الغريب؟ إنه نفس الشعور المزعج الذي خالجها صباحًا حين تحدثت مع فيريك قبل ذهابها إلى الميتم.
جلست مستقيمةً فجأة، تفكر بسرعةٍ وهي تحلل الموقف.
وقد كان هناك شيءٌ عالق في ذهنها.
‘كل شيء سار على ما يرام…..العمل الخيري، لا مشكلة. الخطيب؟ يبدو بخير. الأطفال؟ رائعون.’
غمغمت وهي تحدق في الفراغ.
‘انتظر لحظة…..قلتُ أن علاقتي بخطيبي لا مشكلة فيها؟!’
“كياااااه!”
اخترقت صرخةٌ حادة الهواء من خارج العربة، فشدّ السائق اللجام متوقفًا في الحال، واستدار بفزع.
لكن ليرييل لم تنتبه له، إذ كانت تمسك رأسها بكلتا يديها ووجهها مصدوم.
يا للمصيبة!
‘يا إلهي! أليس من المفترض ألا أسمح لهذا الزواج أن يتم أصلًا؟!’
نعم، تلك كانت القاعدة الأساسية التي نسيتها تمامًا. لقد كانت سعيدةً بكون فيريك بدأ يلين تجاهها، حتى نسيت الهدف الأكبر.
إن استمر هذا الوضع ووصلت خطبتهما إلى الزواج، فهل ستقف القديسة التي تطمح إلى فيريك مكتوفة اليدين؟
هذا بالضبط ما سيعيد الأحداث إلى مسار القصة الأصلية — الكارثة بعينها.
‘كارثة! كارثةٌ حقيقية!’
همست ليرييل بوجهٍ شاحب،
“الطرد من العائلة لا يهم الآن…..يجب أن أفسخ الخطوبة أولًا!”
يا لسخافتها! كانت تظن أنها تتصرف بذكاء، بينما كانت تسير في الاتجاه المعاكس تمامًا.
لكنها سرعان ما استعادت هدوءها.
‘اهدئي يا ليرييل تينيبريس…..كل ما عليكِ فعله هو العودة إلى المنزل، وإعلان أنكِ لن تتزوجيه.’
صحيحٌ أن والديها سيعترضان، فهذه الخطوبة تمت بصعوبة بالغة. لكنها كانت قد قررت مسبقًا أن تكون الابنة العاقة، لذا لم يهمها ذلك.
‘كل شيءٍ سيكون بخير، بخير تمامًا.’
أخذت نفسًا عميقًا، ووضعت يدها على صدرها المذعور لتهدئ نبضها.
نعم، لن تدع هذا الارتباك الطفيف يفسد ما تبقى من خطتها.
ربّتت بخفة على خديها براحتَيها، ثم رفعت رأسها مجددًا بعينين مفعمتين بالعزم.
وبينما كانت العربة تهتز بخفة في طريقها، لم تستطع إلا أن تبتسم بخبث وهي تتخيل وجهي والديها المصدومين عندما يسمعان ما ستقوله.
_________________________
مؤسسة العقوق
فيريك بيقعد يقكر كذاته ليم يستوعب انه يحبها؟ طيب على الاقل وخر سوء الفهم يومك تحسبها شريرة
البزران ياحرام هم الي لقموا😭😭😭😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 11"