عندما التفت الكاهن الرفيع مذعورًا، رأى نصف الباب وقد ذاب وتمزق، ملقىً على أرض الممر.

وفي مكان الباب المفقود….وقفت هي. القديسة، أنِيلا ميديا.

وتحدّثت بابتسامة نقية حدّ البراءة، وشَعرٍ يتطاير في الهواء، 

“يا إلهي، عن أي حديثٍ ممتع كنتم تتكلمون؟”

“ذ….ذلك هو….”

“دعوني أنضم أيضًا. فأنا أعشق الأحاديث المرحة.”

وفي كل مرة تؤكد فيها كلمة أعشق كانت الهالة المقدسة حولها تشتعل أكثر.

بشعورٍ واضح بتهديد حياته، لم يستطع الكاهن الرفيع حتى الإجابة، بل انحنى بزاويةٍ قائمة وقدم لها صينية الطعام المرتجفة بين يديه.

“أ….أحضرتُ الطعام، سيدتي القديسة.…”

“كم أنتم لطفاء. لا أعرف كيف أشكركم. سأتناولها جيدًا.”

نظرت إليه أنِيلا بنظرة احتقار واضحة لمدى خضوعه المفاجئ، ثم أخذت الصينية والتفتت ودخلت الغرفة مجددًا.

ثم حاول الكاهنان الهرب فورًا وقد أصابهما الذعر.

“آه، صحيح. هل يمكنكم إصلاح الباب فورًا؟ من غير اللائق….أن يرى أحدٌ امرأةً وهي تأكل.”

“نعم….بالطبع، فورًا.”

“وبعد أن تنتهوا….أحضروا لي شيئًا من الحلويات. طازجًا وساخنًا. لا تنسوا ذلك.”

“كما تأمرين.”

لم يكن أيٌ من ذلك قابلًا للرفض. فالكاهنان تحركا فورًا دون أي تذمر تجاه أوامرها التي رمتها بلا مبالاة حتى دون أن تلتفت.

وبعد أن عاد كل شيء إلى مكانه، دخلت أنيلا غرفتها تمامًا وصعدت إلى السرير.

وضعت الصينية بقوةٍ على الطاولة الصغيرة بجوار السرير حتى صدمت سطحها، فعضّت شفتيها بعصبية لتحبس غضبها.

كانت خطوط العبوس على جبينها عميقةً لدرجة يصعب معها تخيل تلك الابتسامة اللطيفة التي أظهرتها للكهنة قبل لحظات.

‘هؤلاء التافهون….أيجرؤون على التمادي عليّ؟’

لقد كانت تغلي غيظًا. فسوء المعاملة والنظرات الباردة التي لم تعتد عليها قط كانت تمسّ كبرياءها.

وكانت تعرف تمامًا من السبب: ليرييل تينيبريس.

شربت السّم الذي كان من المفترض أن يشربه ولي العهد، ثم سقطت مريضةً بعد أن شربت شيءً بسيطاّ كهذا.

في داخلها، كانت تريد تركها تموت. لكن خوفًا من آراء الناس أبقت حياتها، والآن؟ الناس باتوا يشككون في قدراتها؟

مؤخرًا، لم يهدأ غضبها يومًا واحدًا.

‘بصراحة….أرغب في حرقهم كلهم بالقوة المقدسة الآن.’

ومع ذلك، خلال الأسبوع الماضي، التزمت أنِيلا بالبقاء في المعبد بهدوء. والسبب كان تهديد يوليان.

قبل أن يغادر ليرشي الخادم الذي رآها في المطبخ، هدّدها بأنه إن تسببت بمشكلاتٍ مجددًا فلن يساعدها بعد الآن.

لقد سمعت تهديداته آلاف المرات، لكن….هذه المرة بدا الأمر جديًا بشكلٍ مختلف، ولهذا لم تستطع سوى الالتزام رغم امتعاضها.

‘ولماذا عليّ أنا أن أختبئ كأنني المخطئة.…؟’

اليوم الأول والثاني كانا محتملين، لكن بعد أسبوع كامل بدأ رأسها يؤلمها من شدة الملل.

فهي امرأةٌ اعتادت الخروج كل ليلة لتلتقي الرجال سرًا وتعيش مغامراتها…|كيف تتحمل هذا القيد؟

‘آه….أعصابي تحترق.’

وبينما كانت تعضّ على تفاحة من الصينية محاولةً تهدئة نفسها، بدأ القلق يتسلل إليها.

فهي لم تسمع أي خبر من يوليان منذ أيام. هل من الممكن أن تكون ذلك الخادم قد خان الاتفاق….وانضم إلى ليرييل؟

مجرد تخيل ذلك كان مرعبًا، حتى أن التفاحة بدأت تنضغط تحت قوة طاقتها المقدسة.

“سيدتي القديسة.…؟ أعذريني لمقاطعتكِ أثناء الطعام.”

رفع كاهنٌ صغير رأسه بحذر من وراء العتبة حاملاً أدوات إصلاح الباب.

فابتلعت أنِيلا ما في فمها بسرعة، وسعلت مصطنعةً لتشتري وقتًا لتعديل تعابير وجهها. ثم التفتت بابتسامةٍ تبدو رقيقة على السطح،

“ما الأمر؟”

“لقد وصلت رسالةٌ من رئيس جمعية الجناح الأبيض….السيد يوليان.”

“ر….رسالة؟”

لم تصمد ابتسامتها أكثر من ثلاث ثوانٍ. فالخبر بأن يوليان أرسل رسالةً جعل القلق يظهر جليًا على وجهها.

فلو أنه أنهى المشكلة لكان جاء بنفسه….أو أرسل الرسالة سرًا. أما الرسالة الرسمية….فهذا لم يكن مبشرًا.

ابتلعت ريقها، وطردت الكاهن الصغير الذي كان يتلفّت بتوتر، ثم فتحت الظرف الخارجي بخجلٍ وحذر.

كان يبدو وكأنه قد كُتب قبل لحظاتٍ فقط، فالكلمات المدوَّنة بخطٍّ متعجِّل على الورقة الصلبة لم تكن سوى جملةٍ واحدة.

[تعالي تحت الجناح. بأسرع وقتٍ ممكن.]

ما إن قرأت أنِيلا المحتوى حتى مال رأسها بلا وعي.

‘بأسرع وقتٍ ممكن؟’

هي فهمت عبارة تحت الجناح. كان يقصد بالتأكيد القبو الذي لا يدخله إلا أفراد جناح الريش الأبيض.

لكن المشكلة كانت في الجملة التي بجانبها. يوليان بالطبع يعرف أن خروج أنيلا من المعبد ليس بالأمر السهل نظرًا لكونها القديسة. فكيف يكتب بأسرع وقتٍ ممكن؟

‘هل يظنني خادمةً لديه؟ ليس و كأنني أستطيع الخروج متى أشاء.’

ضحكت أنيلا بسخريةٍ من نبرة الأمر الفجة، ثم رمت الرسالة في سلة المهملات بلا اهتمام.

صحيحٌ أنه طلب منها الحضور سريعًا، لكنها اعتقدت أنه في أسوأ الأحوال سيغضب قليلًا ثم يهدأ، فهكذا هو طبعه.

وفوق هذا، أنِيلا كقديسة لا يُسمح لها بالخروج إلا سرًا وفي أوقاتٍ لا يراها فيها أحد، ما لم يكن هناك ظرفٌ خاص. فلم تكن الظروف ملائمة لمساعدته.

تجاهلت الاستعجال الواضح الذي فضحته الكتابة العشوائية، وعادت لتلتقط التفاحة التي كانت تأكلها.

لكن، في اللحظة التي فتحت فيها فمها الصغير لتغرس أسنانها في اللبّ المليء بالعصير….

“…….”

أغلقت فمها ببطء. و حدّقت في التفاحة بنظرةٍ متوجسة، ثم وضعتها جانبًا وهي تشعر بانقباضٍ غريب.

تحول نظرها بدلًا من ذلك إلى سلة المهملات التي رمت فيها التلغراف قبل قليل.

كان هناك شعورٌ نافذ يصعب شرحُه….كأن شيئًا ما ليس في مكانه، كأن ورقة الرسالة تبثّ نذيرًا غامضًا، كتحذيرٍ سماوي.

‘هناك شيء غير طبيعي.’

أكثر ما أقلقها هو أن يوليان لم يسبق أن أرسل إليها رسالةّ رسمية قط.

فهو كان شديد الحذر في كل تحركاته لدرجة تُشعر بأنها مبالغٌ فيها، فقط كي لا يُكشف وجهه الحقيقي.

فالرسالة الرسمية يمكن لأي شخصٍ الاطلاع عليها، أو حتى إتلافها، لذلك لم يستخدمه أبدًا. ومع ذلك….أرسلها الآن إليها. وبأقصى سرعة.

تذكرت أنيلا الختم الأزرق على الظرف، فتقلصت عيناها. فهي تعرف أن الرسالة المرسلة بالبريد السريع كانت الأغلى ثمنًا.

هل يمكن أن يكون يوليان قد أنفق مالًا كهذا بلا تردد؟ و بحسب معرفتها، مستحيل.

‘لا بد أنني يجب أن أذهب.’

أخيرًا، غيّرت أنِيلا رأيها على غير عادتها، وقررت إيجاد طريقةٍ لمغادرة المعبد.

لكن لسوء الحظ، كونها حطمت الباب قبل قليل جعل من التحرك دون لفت الأنظار أمرًا صعبًا.

وبما أن الصينية التي وصلتها كانت بمثابة وجبة العشاء، فقدّرت أنه بمجرد الانتهاء من إصلاح الباب والانتظار قليلًا ستتمكن من الخروج.

فكهنة هذا المعبد يخلدون للنوم مبكرًا استعدادًا لاجتماع الفجر.

إنها تحتاج فقط لساعتين لتضييع الوقت، وهذا يكفي. وبهذا قررت أن تخاطب الكاهن الشاب الذي كان يصلح الباب.

“عفوًا.”

“نـ….نعم، سيدتي القديسة.”

“هل يمكنكَ إصلاح الباب بأسرع وقتٍ ممكن؟ خلال ساعةٍ على الأكثر.”

شعر الكاهن الشاب بالحرج وبدأ يتلعثم.

“ساعة.…؟ أظن أن الوقت ضيقٌ جدًا….والناس قليلون الآن مع اقتراب نهاية العشاء.…”

“إذن اجلب آخرين ليساعدوكَ.”

وعندما قالت ذلك بنبرةٍ طبيعية كأن الأمر بديهي، لم يجد الكاهن ردًا يناقضها.

فعقد حاجبيه بقلق، ثم انطلق راكضًا في الممر لإيقاظ الكهنة الكبار الذين كانوا قد جهزوا أنفسهم للنوم.

وبعد أن اختفى، عادت أنِيلا إلى سريرها، ثم وقفت عند النافذة تتأمل الليل.

كان القمر محجوبًا بالغيوم، مما يوفر لها غطاءً ممتازًا للخروج سرًا. غير أن الضباب الخفيف والظلال المتموجة جعلت قلبها يضطرب أكثر….

ووقفت تنتظر، بقلقٍ متزايد، أن يُصلح الباب بسرعة.

_____________________

صدق المؤلفه معطتها وجه وتمدح فيها حسيتها (اسمك) الي في الترند 

فمها الصغير🥺 ابتساكتها البريئة🥺 اصابعها الصغيره🥺 يدها الناعمه🥺

Dana