ارتبك الكاهن الصغير أمام الابتسامة المائلة على شفتي ولي العهد، فضم كتفيه بخوفٍ وتحدث مترددًا،
“لـ، لكن….هناك أعرافٌ يجب اتباعها..…”
“لا شأن لي بذلك. أعطني عملاً قبل أن أجعلها أوامر ملكية. أنا أمارس تدريب السيف يوميًا، لذا يمكنني القيام بالأعمال التي تتطلب القوة البدنية، كما أني أجيد الأعمال الورقية أيضًا. أما اللعب مع الأطفال…..فلم أفعل ذلك من قبل، لكن يمكنني المحاولة.”
ولي عهد يلهو بمرح مع أطفال ملطخين بالوحل؟ لا يمكن تخيل ذلك أبدًا.
ولي عهد يخلع زيه الرسمي وينقل الحجارة في الحديقة؟ هذا أيضًا خارج حدود المنطق.
صحيحٌ أن الملك الصالح هو من يحب شعبه ويكرمهم، لكن منذ تأسيس مملكة تريان لم يأتِ أي فرد من العائلة الملكية إلى دار الأيتام ليقوم بخدمة تطوعية بنفسه.
ومع ذلك، ها هو ولي العهد هذا، يرفع كميه معلنًا استعداده للعمل الشاق بنفسه.
فتح الكاهن فمه مذهولًا حتى كاد فكّه يسقط، غير قادر على النطق لوهلة. و بدأ يظن أن كل من جاء اليوم إلى المعبد قد فقد عقله، لكن لم يكن لديه وقتٌ أو وسيلة للتأكد.
“سأنقل ما قلته إلى الكاهن الأكبر، سموك..…”
لم يجد الكاهن بدًا من قول ذلك أمام نظرة فيريك التي حملت تهديدًا صامتًا.
ثم هرع راكضًا عائدًا في الطريق الذي أتى منه، ووجهه أشحب من يوم فشله في امتحان الكهانة الأول.
“يا إلهي! أيها النور العظيم!”
صرخ دون وعي، واندفع إلى غرفة الاستقبال التي كانت تنتظر فيها القديسة والكاهن الأكبر.
“و، ولي العهد رفض المقابلة….وطلب عملًا بدلًا منها..…”
حتى وهو يتكلم، بدا ما قاله كأنه كذبةٌ لا تُصدق. ومع نظرات الدهشة التي انهالت عليه من كل صوب، ابتلع الكاهن دموعه داخله.
“أنا أقول الحقيقة!”
بدأت الهمسات تعلو، وتحول جو غرفة الاستقبال إلى فوضى بمجرد سماع الخبر.
وكان أكثر من رفع صوته هو الكاهن الأكبر، جورت.
“ولي العهد رفض المقابلة؟! ماذا تقول بحق؟!”
انتفض واقفًا، ولحيته البيضاء الطويلة تتأرجح في الهواء. و لم يدرك حتى أن تاج الكهنة على رأسه قد انحرف، وبدأ يتحدث بامتعاض واضح،
“هل ارتكب أحدكم ما يجعله يكرهنا؟ صحيحٌ أن سلطة الملكية ضعفت، لكن إن توقفت الدولة عن دعمنا فلن يبقى لنا سوى التبرعات التي يرميها النبلاء عندما يملّون! أنتم تدركون ذلك جيدًا!”
كانت كلماتٌ غريبة تصدر من فم رجل يزعم خدمة المعبد، لكنها في الوقت نفسه لم تخلُ من الحقيقة.
خفض الكهنة رؤوسهم خجلًا من ثورته، باستثناء واحدة فقط…..القديسة المجنونة، أنيلا.
تحدّثت، وهي جالسة في المقعد المقابل له، ترمش بعينين نصف مغمضتين كمن يشعر بالملل،
“ليس من اللائق أن تفقد أعصابكَ هكذا بسبب ولي عهد، وليس حتى ملكًا.”
“مـ، ماذا قلتِ؟! أيتها القديسة، حتى لو كنتِ مباركةً، فهل تظنين أنه يجوز لكِ التحدث بهذه الوقاحة؟!”
“ولِم لا؟”
“…..غـه.”
انخفض صوته الذي كان يرتفع تدريجيًا في لحظة واحدة، أمام ابتسامة أنيلا البريئة المبهرة.
من لفّها لخصلات شعرها بإصبعها إلى ميل رأسها وهي تسند ذقنها، كلها حركاتٌ لا تليق بمعبد مقدس، لكنها كانت جميلةً إلى حد لا يُوصف، نقية، ومحبوبة.
“في الأساس، السبب في رفض ولي العهد المقابلة هو أنتِ! تأخرتِ في تبديل ملابسكِ، وتمشيط شعركِ، وتناول وجبتكِ الخفيفة، فجعله ذلك ينتظر بلا طائل!”
حاول جورت أن يقاوم ابتسامتها الساحرة، لكن دون جدوى.
“يا إلهي، أنا آسفة حقًا. لكن رجاءً سامحني. القديسة يجب أن تحافظ دائمًا على هيئة نظيفة، ومظهرٍ أنيق، وبطن ممتلئة.”
“بـبطن ممتلئة؟! ما هذا المنطق!”
كانت أنيلا تدرك تمامًا ما تفعله. فقد عاشت حياتها محاطةً بحب الناس، لذا كانت هذه الردود مألوفةً جدًا بالنسبة لها، مملةً إلى حد السأم.
“على أي حال، تحملي مسؤوليتكِ. أنتِ من سيذهب إلى ولي العهد لتسأليه بنفسكِ عن سبب رفضه المقابلة، فحينها لن يستطيع تجاهلكِ.”
“هاه؟ أوه يا إلهي، كاهننا الأكبر، لماذا تصر على هذا؟”
“القديسة أنيلا!”
لكن هذه المرة لم تفلح ابتسامتها المعتادة. فانتفخت وجنتاها غضبًا، ثم وقفت بتثاقل كما لو كانت تُجبر نفسها على الحركة.
إذاً، يريدون مني فقط أن أجلب ولي العهد إلى هنا، وبعدها لن يزعجوني؟
كان كل ما تفكر فيه هو العودة سريعًا إلى سريرها لتحتضن وسادتها الناعمة وتنام.
“حسنًا، حسنًا، سأذهب. إن أفلس المعبد حقًا فسيكون ذلك مزعجًا لي أيضًا.”
ومع إعلانها ذلك، عادت الحياة إلى وجوه الكهنة المرهقة، كأن بصيص أمل أضاء من جديد.
كان الجميع في المعبد يعلم أن أنيلا تُعد من أجمل نساء المملكة بأسرها، لا في المعبد فحسب. وإن أضفت إلى جمالها ذلك النقاء المتعالي الذي يجلّ أن يُمسّ؟ فلن يكون بوسع حتى ولي العهد نفسه أن يرفض لقاءها.
و تحت أنظار الكهنة المفعمة بالرجاء، خطت أنيلا خطواتها الواثقة.
‘ولي العهد، إذن…..سمعت أنه ذو طبعٍ قوي.’
ولدت ونشأت في المعبد، ولم يسبق لها أن رأته من قبل.
ربما سمعت شائعاتٍ عن وسامته، لكنها لم تعلق آمالًا كبيرة؛ فقد قابلت من الرجال الوسيمين ما يملأ سلةً كاملة من لقاءاتها السرية في عطلات نهاية الأسبوع.
و قلائل جدًا هم الرجال القادرون على بلوغ معاييرها التي ارتفعت إلى حدود السماء.
“إذاً، ما غرضك؟”
“أوه.…”
تجمدت أنفاسها للحظة. لقد كان فيريك وسيمًا إلى درجةٍ غير متوقعة، بل وسيمًا بما يكفي ليعيد تعريف الجمال نفسه.
ملامح حادة متقنة، قامة شامخة، وتلك النظرة اللامبالية التي ألقاها عليها من الأعلا بعد أن مسح عرقه عن جبينه بظهر كفه…..
توقفت أنفاس أنيلا وفتحت فمها ذهولًا.
‘لم يقل لي أحدٌ إنه بهذا القدر من الوسامة!’
لقد كانت مكافأةً غير متوقعة. فاستعادت وعيها بسرعة، واشتعلت فيها طبيعتها الأنثوية المجبولة على الإغراء.
أما الخطة الأصلية، المتمثلة في اصطحابه إلى غرفة الاستقبال، فقد طارت أدراج الرياح.
“القديسة أنيلا ميديا تَمثل أمام سمو ولي العهد الجليل.”
قالت ذلك بابتسامةٍ نقية خالية من الكسل، تخفي وراءها دهاءً لطيفًا.
وكانت تنوي، ما إن يلتقي نظره بنظرها، أن تنحني ابتسامة عينيها الساحرتين لتسلب لُبه كما فعلت مع كل الرجال من قبل.
‘هـه؟!’
لكن الموقف الآن كان مختلفًا. فقد انتظرت طويلًا دون أن يأتيها أي رد، فرفعت رأسها لتراه.
غير أن فيريك لم يكن ينظر إليها أصلًا، بل كان بصره متجهًا نحو مكان بعيد — نحو شخص تحيط به مجموعة من الأطفال.
‘إلى من ينظر إن لم يكن إليّ؟!’
هذا الموقف لم يحدث لها قط. فارتبكت القديسة، و تبعت نظره بعينيها. وهناك رأت امرأةً ذات شعر أحمر، ترتدي فستانًا متسخًا، تلعب مع الأطفال في ساحة اللعب.
لم تتعرف عليها أنيلا، إذ حال الغبار الملطخ لوجهها وثيابها دون تمييز ملامحها.
‘حقًا؟ يشيح بنظره عني لينظر إلى…..تلك؟ ما علاقته بها أصلًا؟!’
اشتعلت في داخلها نار الغيرة، لكن أنيلا لم تكن من النوع الذي يستسلم. و كانت تثق تمامًا بقدرتها على لفت انتباه أي رجل — حتى ولي العهد نفسه.
كل ما تحتاجه هو بعض اللباقة. تبدأ بتحية تقليدية أخرى تجذب انتباهه، ثم أثناء انحنائها تتظاهر بأنها تلامس يده برقة، فيستحيل عليه تجاهلها.
“لقد تكبدتَ عناء المجيء إلى هنا، أشكركَ علـ….آه، إلى أين تذهب؟”
“يجب أن أذهب. لا أستطيع تجاهل هذا الشعور.”
‘ماذا؟!’
“قلتِ أن اسمكِ أنيلا ميديا، أليس كذلك؟ سنكمل حديثنا لاحقًا. بلّغي الكاهن الأكبر سلامي.”
لم تتح لها حتى فرصة لمس يده. فقد أبعدها بخفة ومضى بخطواتٍ سريعة. فتجمدت أنيلا في مكانها، وفمها مفتوح، عاجزةً عن التصديق.
‘ما هذا بحق؟!’
قبضت على يدها التي بقيت معلقةً في الهواء، وعيناها تتبعان ظهره الذي يبتعد على عجل.
لم تستطع أن تصدق ما حدث. كيف يمكن أن يدير ظهره لأنيلا ميديا — المحبوبة من الجميع، والمفضلة حتى لدى العالم — ويذهب إلى…..
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 10"