1
“لم تكن ابنتي هكذا من قبل!”
صرخت لوفرين تينيبريس بصوتٍ متهدج يغلبه الانفعال.
أما زوجها، أنوين تينيبريس، فقد بدا وكأنه يشاركها الألم تمامًا، إذ لم تفارق محيّاه نظرة الأسى.
“اهدئي يا عزيزتي. ستكون ابنتنا بخير.”
“لكن..…!”
ثم احتضن زوجته محاولًا تهدئتها بصبرٍ وحنيّة. و لوفرين، وكأنها لم تحتمل قول المزيد، أخفت وجهها في صدره وهي ترتجف وتبكي.
عندها، تجرأ المستشار الجالس قبالتهما على فتح فمه بحذر. وقد كانت عيناه الصغيرتان خلف نظارته تدوران يميناً ويساراً مرتبكتين.
“إذاً…..ما هي المشكلة تحديدًا التي تعانون منها مع ابنتكم؟”
“…..قلتَ مشكلة؟”
“هـيك!”
بمجرد أن تفوّه بتلك الكلمة، انكشفت على الفور حقيقة طباعهما. فنظراتهما التي انطلقت نحوه كانت باردةً حدّ القسوة، تكاد تقطع.
تكلم أنوين وهو لا يحاول إخفاء اشمئزازه، وانقباض حاجبيه ينضح بوميضٍ قاتم،
“انتقِ كلماتكَ جيدًا. ابنتنا لا تعاني من مشكلة. إنها فقط تمرّ ببعض الحيرة مؤخرًا، لا أكثر.”
“نـ- نعم..…! بالتأكيد! خطئي، أعذراني! أرجوكما، سامحاني..…!”
فزع المستشار حتى كاد يلتصق جبينه بالطاولة وهو يستجدي الصفح. فراود أنوين خاطرٌ قوي بالتخلص منه والبحث عن بديل أكثر كفاءة، لكنه كبح نفسه بصعوبة.
فما يهم الآن هو ما أصاب ابنته العزيزة، ليرييل تينيبريس، من تغيرت مفاجئ. ولأجل ذلك استدعوا مستشارًا نفسيًا اشتهر ببراعته.
زفر أنوين بعمق، ثم عاد يربّت على ظهر زوجته مشجعًا لها أن تتحدث.
حينها فقط، وبعد أن أرسلت نظراتها الغاضبة كأنها تخترق المستشار، بدأت لوفرين بالكلام بصوتٍ متقطع تغلبه العبرة،
“إنها….ابنتنا.…”
“ابنتكم.…؟”
يبدو أن الوضع أخطر مما ظن. فقد مال المستشار برقبته إلى الأمام بوجهٍ متوتر.
لكن ما جاء بعدها لم يشبه أي استشارة اعتاد سماعها بل كانت مختلفةً تمامًا.
“ابنتنا فجأة…..أصبحت طيبة!”
خيّم صمتٌ ثقيل. حتى المستشار أمال رأسه بتعجب، كأنه سمع خطأً.
‘أليست الطيبة شيئًا حسنًا؟’
كاد يقولها، لكن شفتاه أطبقتا سريعًا وهو يلحظ الجو الثقيل المحيط بالزوجين.
لقد كانا مقتنعَين، بكل جدية، أن طيبة ابنتهما كارثة. وإن تجرأ على الاستهزاء ثانية، فلربما أودت تلك العائلة النافذة بحياته.
فارتجف صوته وهو يحاول ضبط نبرته،
“تقصدان…..أنها أصبحت طيبة؟ أيمكنني أن أعرف ما الذي يجعلكما تعتقدان ذلك؟”
وبينما يكتب ملاحظةً على دفتره: الابنة أصبحت طيبة فجأة (؟؟؟)، حاول جاهدًا أن يبدو حياديًا.
تحدّثت لوفرين، وهي تستعيد صورًا بدا تذكرها عذابًا،
“ألا ترى؟ بدأت تفعل ما لم تفعله من قبل! تهتم بالخادمات…..و تتبرع لدار الأيتام..…”
“آه….نعم، فهمت.…”
“حتى خطوبتها التي أُبرمت كورقة تهديدٍ مع ولي العهد، حاولت أن تُلغيها! آه….آه.…!”
“لوفرين!”
لم تحتمل لوفرين الانفعال الذي اجتاحها، فاهتز جسدها وكادت تسقط، فسارع أنوين ليمسكها ويُسندها إلى كتفه.
ثم انسابت دمعةٌ من عينيها نصف المغمضتين، وبملامح أبٍ وأمٍ مكلومين تمتمت بصوت مبحوح،
“ابنتي….لم تكن هكذا قط….يا ليرييل….لماذا..…؟”
كانت هذه المرة الثانية التي تردد فيها أنها “ليست كذلك”، ما يعني أنها في الماضي لم تُظهر ما يعدّونه مشكلة.
ورغم أن الأمر بدا ملتبسًا إن كان حقًا مشكلةً أم لا، إلا أن المستشار النفسي دوّن كل ما قيل بعناية على دفتره، عازمًا على أداء عمله بأقصى ما يمكن.
خفض رأسه متظاهرًا بالتفكير، ثم سأل،
“منذ متى بدأت تظهر عليها هذه…..الأعراض؟”
“ذلك…..متى كان بالضبط؟”
أجاب أنوين مكان زوجته المرهقة، محاولًا استرجاع اللحظة التي بدأ فيها كل شيءٍ ينحرف.
ابنته التي تربّت على الشر الخالص بلا عيب في نظرهما، متى انقلبت أحوالها فجأة؟
وبعد لحظة من التذكر، رفع رأسه وعيناه مشدودتان بالعزم، وصوته يحمل نبرةً من التمسك بخيط أمل،
“لقد كان ذلك…..منذ شهرٍ مضى.”
***
طَراخ!
كان مساءً هادئًا، تجمعت فيه عائلة تينيبريس حول مائدة العشاء. وفجأة قطع صفو الأجواء صوت زجاجٍ يتحطم.
“آه….هه.…”
ارتجفت يدا الخادمة وهي تحدق في شظايا الكأس المكسور عند قدميها، و وجهها شاحبٌ كالموتى. وحين رفعت رأسها، تلقت طعنات من النظرات المحيطة.
كانت نظرات اشمئزاز، كأنها لا ترى إنسانًا بل دودة حقيرة.
‘ماذا أفعل الآن..…؟’
خفضت رأسها ثانيةً بائسة
. لم يكن في بيتٍ كهذا مجال لارتكاب الأخطاء. لكنها لم ترتكب مجرد خطأ عادي هذه المرة. فالكأس لم يكن عاديًا؛ بل كان يحوي الشراب المفضل لدى ليرييل.
وبسقوطه أرضًا، كان الأمر قد انتهى منذ تلك اللحظة. فالكل يعلم أن ليرييل مشهورةٌ حتى داخل عائلة تينيبريس الشريرة بطبعها القاسي والفظيع. و كم من خادمات تركن الخدمة في القصر، غير قادراتٍ على تحمل تعذيبها.
“أ-أعتذر! سأُنظفه حالًا..…!”
تداركت الخادمة الموقف متأخرة، واندفعت تجمع الشظايا بيدٍ مرتعشة، رغم علمها أن ذلك لن يغير شيئًا.
كانت حركاتها متوترةً ومستميتة، فيما دموعها الحارة غمرت جفنيها.
“توقفي.”
تجمدت يدها في مكانها. فالصوت البارد الخفيض الذي سقط كالسيف جعلها تتصلب.
ارتسم ظِلٌ أسود فوقها؛ ليرييل كانت قد نهضت من مقعدها، وتقدمت خطوتين حتى صارت واقفةً أمامها. بينما لم تعد الخادمة قادرةً حتى على التنفس بانتظام.
“أ-أنا….أقصد….أعتذر حقًا.…”
اختنق صوتها، ولم تعد الكلمات تخرج كاملة. وقد انسابت قطرات الدموع على ذقنها لتلطخ السجادة.
عادت يدها تتحرك بسرعة أكبر، وفي غمرة الارتباك انجرحت أصابعها بالزجاج الناعم، حتى سال الدم. لكنها لم تُعره انتباهًا؛ فما ينتظرها أعظم من أي ألم جسدي.
طَرق!
“ألم تسمعي؟ قلتُ توقفي.”
“آه!”
لكن يدها توقفت قسرًا هذه المرة، إذ أمسكت ليرييل بمعصمها بقوة ومنعتها من الاستمرار. فارتفع رأس الخادمة بغير إرادةٍ منها، ليقع بصرها أخيرًا على وجه سيدتها.
عينان خضراوان غائمة، باهتة كأنهما مسمومتان، حدّقتا فيها ببرودٍ خالٍ من أي إحساس. أما شفتاها الممتلئتان، الوردية اللون، فلم تنبسما ولم تنكمشا، بل ظلت ساكنة تمامًا.
كان من الأفضل لها لو أن سيدتها صرحت بازدرائها مثل بقية أفراد العائلة، أو صبّت جام غضبها عليها. لكن هذا السكون الجليدي في غضب ليرييل كان أكثر رعبًا من أي عقابٍ صاخب.
استسلمت الخادمة لقدرها وأطبقت عينيها بقوة.
صفعة قاسية لا بد منها، يعقبها وابلٌ من الإهانات، ثم ربما ضربٌ مبرّح قبل أن تُلقى خارج القصر. ومعها دينٌ ضخم يفرضونه تحت ذريعة “تكاليف التعويض”.
كل هذا حدث مرارًا من قبل، لم يكن أمرًا جديدًا. فعائلة تينيبريس لطالما عاشت على هذه القسوة، بل كانت تتفاخر بها.
سكنت القاعة للحظة، ثم فُتحت شفتا ليرييل أخيرًا،
“التقاط الزجاج بيديكِ العارية يؤذيكِ. عليكِ أن تكوني أكثر حذرًا.”
في تلك اللحظة، لم يصدق أحدٌ ما سمع.
طقطق!
سقطت أدوات المائدة من يد أنوين. أما زوجته لوفرين ففتحت عينيها إلى حد بدت فيه البياضات من كل جانب.
وها هو شقيقها هيفال، وقد سال الشراب من فمه حين توقف عن الشرب فجأة.
لكن ليرييل لم تكترث بكل ذلك، بل أخذت تتفقد أصابع الخادمة.
كان الجرح سطحيًا، دمٌ صغير يتجمع عند طرف الإصبع، لكن نظراتها كانت جدية كأنها أمام إصابةٍ بالغة.
“أوه…..لقد نزفتِ بالفعل. ما العمل الآن؟”
“آنـ-آنسة.…؟ إنه خطئي….أرجوكِ، توقفي.…”
لم تستوعب الخادمة ما يجري. و بدا لها المشهد ضربًا من السخرية الجديدة، عقابًا ملتويًا أخطر من أي عقوبة.
فتحول وجهها من شاحبٍ إلى أقرب إلى التراب، والذعر قبض على أنفاسها. و أحست أن حياتها ذاتها مهددة.
“آه….نعم، ربما هذا يكون أفضل.”
لكن ليرييل لم تصرخ ولم تعاقب. بل أخرجت من صدرها منديلًا فخمًا، وبدأت تربط أصابعها المصابة بعناية.
ضغطت المنديل بإحكام….إحكام….ثم عقدت شريطًا أنيقًا كأنه ربطة هدية.
بعدها فقط أطلقت يدها. و على وجه ليرييل أشرقت ابتسامةٌ كأول خيوط الشمس في صباح ربيعي.
“احترسي في المرة القادمة، حسنًا؟”
______________________
فكرة ان العائلة كلها شريره ويكملون اكل وعادي عندهم تضحك😭
بس الي يضحك اكثر انهم رايحين لدكتور نفسي عشان بنتهم صارت حبيبه😭😭😭😭😭😭😭
حتى الخدامه تشوف حركتها ذي بدايه عقاب😂 يارب تطول سمعتها الشريره على كذا✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 6 - لِنَرقص منذ 11 ساعة
- 5 - لايمكن….. منذ 11 ساعة
- 4 - خطيبها، ولي العهد منذ 11 ساعة
- 3 - لن أقوم الا باختيار الطيبة فقط منذ 11 ساعة
- 2 - إن لم يكن، فالموت هو المصير الوحيد منذ 11 ساعة
- 1 - لم تكن ابنتنا هكذا! منذ 11 ساعة
- 0 - المقدمة منذ 11 ساعة
التعليقات لهذا الفصل " 1"