تكوّنت المانا التي كانت تدور حول أطراف أصابعه تدريجيًا على شكل معين. كان شكلها فراشة سوداء ذات بقع حمراء، تلتها فراشة سوداء أخرى ذات بقع بيضاء.
«يا إلهي.»
حلّقت الفراشتان من أطراف أصابع لينيل. تحركت عينا جيزيل الزرقاوان مع حركة أجنحة الفراشتين. كانت الفراشة تطير بخفة في الهواء وتدور حول جيزيل.
«هل هي فراشات حقيقية؟»
جزيل، التي كانت قبل لحظة خائفة ومستعدة للهرب، لمعت عيناها باهتمام. في كل مرة تخفق فيها الفراشة بجناحيها، يتناثر مسحوق أسود دقيق، مما يجعل المشهد غاية في الغموض والجمال. تساءل لينيل كم ستظل تحبها إن عرفت حقيقتها.
فتح لينيل فمه وهو يراقب عيني جيزيل بتفصيل:
«ستراقبك هذه الفراشات من الآن فصاعدًا.»
«إذن ستكونان معي إلى الأبد، أليس كذلك؟ وهل تتحدثان أيضًا؟»
للحظة، شكّ فيما إذا كانت قد فهمت حقًا معنى كلمة «مراقبة»، لكنه قرر ألا يأخذ الأمر على محمل الجد.
«يمكنهما التحدث معي.»
«أنت شرير! أريد أن أتحدث إليهما أنا أيضًا! يا إلهي، كيف تكون أجنحتهما بهذا الجمال؟»
«الحمراء سامة.»
«لا بأس، فأنا لا أموت من السم.»
«أما البيضاء فتبصق لعابًا مشللاً.»
«حتى الفراشات تبصق؟ يا للعجب! هذا مذهل حقًا.»
(هل عليّ أن أقول المزيد؟)
فكّر لينيل لبرهة وقرر التوقف. كان هذا أول مرة يرى فيها وجه جيزيل يبتسم كطفلة بعيون متلألئة.
فعلى الرغم من أنه لم يمضِ أكثر من خمسة عشر يومًا منذ أن تعرف عليها، إلا أن كل ما رآه منها سابقًا كان مزيجًا من الحماقة والخضوع أو البرود. مقارنة بما مضى، كانت جيزيل الحالية بلا أي دفاع، طبيعية بالكامل.
لو أشار إلى ذلك، ربما كانت لتضحك مرة واحدة، ثم تعود لتنظر إليه وتقول شيئًا غبيًا كعادتها. لكن جيزيل الآن كانت أكثر «عفوية» بكثير، وكان هذا مشهدًا ممتعًا يستحق المشاهدة.
«ألا ترى أنها جميلة جدًا بالنسبة لساحر أسود؟ كنت أتوقع شيئًا أكثر رعبًا.»
قالت جيزيل كلامًا غريبًا وهي تفتح ذراعيها كما لو كانت تتحول إلى خفاش.
كان خيالها غريبًا جدًا، ولينيل أدرك بوضوح أنها ليست خبيرة أبدًا في هذا المجال.
«بالتأكيد، يوجد ما يشبه ما تتخيلينه. لكن هذا غير عملي.»
«كما توقعت، هناك استخدامات مختلفة إذن.»
وبينما كانا يتحدثان، بقي تركيز جيزيل على الفراشات التي تطير حولها، ولم تولِ أي اهتمام للينيل. هذا الأخير، الذي كان يسند ذقنه إلى يده، سأله بنبرة لا مبالية:
«ماذا تعرفين عن وين آيور؟»
كان يظن أنها ستصمت بوجه جاد مجددًا، لكن المفاجأة أن الجواب جاء بسهولة.
«أعتقد أنه الأقوى بين جميع الأشرار.»
«… هذا صحيح.»
توقف لينيل لحظة ثم أومأ برأسه. عندها نظرت إليه جيزيل بسرعة.
«أرجوك أخبره عندما تراه لاحقًا أنني قلت إن رئيسك هو الأقوى في العالم. وسأكون شاكرة لو ساعدتني في الحصول على وظيفة لديه.»
رئيسه؟ انفجر لينيل ضاحكًا من دون أن يقصد.
«قلتِ شرير؟»
«بالطبع.»
تمتمت جيزيل بشكوى: «هل يجب أن أشرح ذلك بالكلمات؟»
«هل تريدين حقًا العمل لديه؟»
«لا أظن أنني سأبقى على قيد الحياة في هذا العالم القاسي وحدي على أي حال، وماذا بوسعي أن أفعل إن كنتُ عدوة الجميع؟ عليّ أن أضع نفسي تحت جناح الشرير. وذيل التنين أكثر أمانًا من رأس الأفعى. لا أريد أن أعمل في شركة صغيرة ومتوسطة فأتحول إلى موظفة تقوم بكل شيء.»
فرك لينيل ذقنه بأصبعيه ثم نظر إلى الورقة على المكتب.
«هل ستقومين باختبار السموم؟ يجب أن ترتبيها في جدول بحيث لا يستطيع أحد سواك معرفة طعمها. كيف ستمنعينه من التسمم؟»
«يمكنني أن أتناول كل شيء قبله أولًا وأتأكد من سلامته.»
التفتت جيزيل تمامًا هذه المرة، وشرحت بحماس أنها يمكن أن تتذوق الطعام قبله بفضل حاسة التذوق الحساسة لديها، والتي تمكنها من تمييز كل المكونات.
«هل ستوظفني إذن؟»
رفعت جيزيل عينيها المتلألئتين بالأمل. ابتسم لها لينيل ابتسامة مشرقة.
«لا.»
اختفى بريق الأمل من عينيها فورًا.
«لماذا؟»
«عندما تقولين إنك ستتذوقين طعامه، هذا يعني أنكِ ستكونين دائمًا إلى جانب وين آيور، صحيح؟»
«سيكون الأمر فقط في وقت الوجبات…»
«لكنه يشرب الشاي، ويتناول الحلوى، ويذهب إلى كل المناسبات خارج القصر، وكلما أراد أن يأكل شيئًا ستضطرين لمرافقته.»
استمعت جيزيل إلى كلماته بوجه حائر ثم أومأت ببطء.
«… صحيح.»
«بالتالي، ستكونين معه طوال اليوم.»
«… إذن هذا ما سيحدث بالفعل.»
«ولهذا لا أريد ذلك.»
«ماذا؟»
عقدت جيزيل حاجبيها. سارع لينيل بالكلام قبل أن تبدأ بقول حماقات جديدة.
«إذن ألقي نظرة على المتجر. سأدفع لك راتبًا شهريًا.»
«راتب!»
«بالطبع، إن أصبحتِ موظفة بدوام كامل.»
اختفت البهجة من وجهها بسرعة، لكنها بدت وكأن فكرة جديدة خطرت ببالها، فتغيرت ملامح عينيها فجأة. تضايق لينيل من نظرتها المفاجئة.
هل كان هدفها التظاهر بالغباء، الاقتراب من وين آيور، ثم اغتياله؟ أمر ممكن لو أن «جسيل الحقيقية» أرادت الانتقام. ليس من الغريب أن تحمل ضغينة ضده لأنه تجاهل طلب مساعدتها.
عندما رفرف لينيل بأصابعه، اقتربت الفراشات السوداء من جيزيل، وتكاثف المسحوق الأسود المتناثر من أجنحتها. وقبل أن يصدر أمره، تحدثت جيزيل بوجه جاد ونبرة رسمية أكثر من أي وقت مضى:
«سيدي، لقد تعلمت أن عقد العمل هو عقد يتم التفاوض عليه بين العمال وأصحاب العمل ويُوثَّق لضمان عدم وجود مجال للنزاع لاحقًا. فترة التجربة والراتب مسائل تتطلب تفاوضًا. سأجلب لك قلمًا.»
قفزت فجأة وركضت إلى الطاولة الخلفية لتبحث بحماس عن قلم وورق. نظر إليها لينيل بذهول للحظة، ثم انحنى رأسه فجأة وانفجر ضاحكًا حتى سالت دموعه.
«هاهاهاها!»
وفكّر بين ضحكاته:
(جسيل رويسفين… أيًا كان ما استدعيته، فهذا أفضل شيء فعلته في حياتك.)
—
**(وجهة نظر جيزيل)**
«مرحبًا، جيزيل المجنونة!»
«مرحبًا، تين. أنا الآن لست عاملة مؤقتة، بل متدربة رسمية.»
«لقد جننتِ تمامًا خلال الأيام الماضية.»
مهما قال تين، كان الأمر رائعًا. لقد وقّعت عقد عمل رسمي!
إن حقيقة أن فترة التجربة والانتقال إلى الوظيفة الدائمة قد تم تحديدها بوضوح تعني ضمنيًا أنني لن أُقتل بإرسالي إلى مختبر للتجارب على الأقل.
لذلك، كان هذا العقد أكثر من مجرد دليل على توظيفي — كان إنجازًا حقيقيًا يثبت أن عمري قد تم تمديده بنجاح.
«جئت اليوم لأشتري شيئًا. أريد تلك الدمية الصغيرة هناك.»
«حسنًا، لن أنزلها لك، لذا أحضريها بنفسك.»
«لا أستطيع الوصول إليها.»
«هناك سلم هناك!»
وقفت أمام الصندوق وابتسمت من دون نية للتحرك، فحدّق تين بالدمية بوجه حزين.
«إن لمستها سأتعرض للعنة…»
«يا إلهي، لكن هذا مكان يبيع أدوات اللعن أصلًا.»
أدار تين وجهه محرجًا بعد ردي وكأنه شعر بالشفقة. تنفست الصعداء. صحيح أنني أصبحت أكثر ألفة مع إيزابيل عبر التواصل المتكرر بالعين، لكنني لم أستشرها عن نواياها بعد. ألن يكون أمرًا خطيرًا لو غضبت إيزابيل ولعنتني؟
على أي حال، لم أصدق أن أحدًا اشترى هذه الدمية. على من سأركز الآن؟
وبينما كنت غارقة في أفكاري السخيفة، خفقت الفراشتان وكأنهما قرأتا أفكاري.
(آه، لديهما.)
كانت الفراشتان جميلتين حتى عندما أنظر إليهما الآن. رغم أن أجنحتهما سوداء، إلا أنهما ما زالتا تبهران العين. رفرفت الفراشة أمام وجهي وكأنها تعرف أنني أُعجب بها.
شعرت لوهلة وكأنني أتعرض لإغراء متعمد. وبينما كنت أراقب حركتها وكأنني مسحورة، تذكرت فجأة السحر الأسود الذي رأيته قبل مدة.
ذلك الشيء الأسود الذي كان يتجمع عند أطراف أصابع لينيل لا بد أنه كان سحرًا أسود. لكن الغريب أنه بدا مختلفًا عن الظل الأسود الذي جفّف القاتل في السجن. هل كان أشد بريقًا؟
مددت يدي دون وعي، لكنني سحبتها فورًا خوفًا من أن ألمسها بلا قصد.
هل لأن صاحبها جميل؟
«أرجوك احسب الثمن.»
أمسك تين بطرف شعر الدمية بين إصبعيه، ثم وضعها بعناية على الطاولة.
كان علي أن أدرك أنه مجرد مساعد متجر. ربما ليس شجاعًا كفاية ليصبح ساحرًا أسود.
«حسنًا، انتظر لحظة.»
كنت أودّع إيزابيل في قلبي وأنا أجهز الحساب، لكن فجأة فُتح الباب بصوت عالٍ. التفتُّ، فرأيت زبونًا جديدًا يرتدي عباءة سوداء. ألقى نظرة سريعة على المكان، ثم ما إن رآني حتى تقدم بخطوات سريعة نحو ا
لطاولة.
«مرحبًا بك…»
«أأنتِ هي؟ المحكوم عليها بالإعدام التي أخذها لينيل؟»
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات