كانت المرة الأولى لي بالخروج منذ أن دفعني لينيل إلى داخل متجر الأدوات المتنوعة. في تلك الأثناء لم يكن هناك سبب يجعلني أخرج، إذ كان لينيل يجلب لي الملابس وحتى البقالة البسيطة. لذلك كنت خائفة، لكن في الوقت نفسه متحمسة.
كان الخروج سهلًا جدًا. كل ما علي فعله هو أن أمشي للخارج. كنت قلقة من أن تُفعَّل أي تعويذة في أي لحظة، لذا نظرت حولي في المتجر بعينين لامعتين.
عندما شعرت ببعض الثقة، صارت خطواتي أخف. أسرعت بخطاي لأخرج من هذا الزقاق الكئيب. عندما سألت الأشرار الذين كانوا يأتون كزبائن، قالوا إنه إن كان لدي مال، يمكنني أن أتسلل خلسة إلى مقصورات العربات خارج المدينة.
كما أخبروني بموقع مكتب تشغيل العربات. إن وصلتُ إلى هناك…
“آه!”
ما إن استدرت عند الزاوية حتى انحنيت فجأة.
كان من الجيد أن أجد شارعًا يبدو طبيعيًا بمجرد خروجي من المنطقة المظلمة.
لكن المشكلة كانت حراس المدينة، المتمركزين بين تلك الشوارع المضيئة والمتاجر العادية. كانوا يتجولون مسلحين، وجميع أنواع المنشورات التي تحمل وجوه المطلوبين كانت معلقة على جدار مركز الحراسة.
هل جنوا؟ هل من المنطقي أن تكون المسافة بين المتجر ومركز الحراسة الذي يستخدمه الأشرار لا تتجاوز 100 متر؟ حتى يوم وصولي إلى هنا لم أكن أعلم ذلك. لماذا لم يخبرني أحد أن هناك شيئًا كهذا؟
أه… أظن أنني فكرت في هذا الأمر المرة السابقة أيضًا.
“إن تقدمتِ أكثر قليلًا للأمام فسوف يمسكون بك أيضًا.”
لقد أفسدتُ الأمر مجددًا.
“هاها. مضى وقت منذ أن رأيتك.”
“لقد مضى يومان أو ثلاثة.”
لا أعرف عن ذلك، لكنني أعلم أن الجنون يتلألأ في عينيك.
واضعة يدي على صدري، حاولت أن أبدو طبيعية قدر الإمكان وأنا أعتدل في وقوفي. بعد أن التصقت بالجدار لأتأكد إن كان الجنود يستطيعون رؤيتي، ظللت أستحضر الأمر في رأسي مرارًا.
مديري أمامي. بصفتي موظفة مؤقتة في متجر، عليّ أن أبذل قصارى جهدي لأبتسم. فعندما أخرج، حياتي ليست مجرد مهددة بالرزق بل مهددة بالموت.
“أقول لك مسبقًا كي لا تسيء فهمي، لم أكن أنوي الهرب.”
لم أبتعد سوى 50 مترًا عن المتجر، ومن الظلم حقًا أن يقال إنني تركت كل شيء خلفي. ألن يكون الأمر أفضل لو هربت من المدينة كلها؟ شخصيًا، هذا لا يُعتبر حتى نزهة.
“وهل ستسلمين نفسك ما دمتِ لا تهربين؟”
“ليس هذا أيضًا.”
“حقًا؟ كنت أظنك أخيرًا عازمة على تحدي حبل المشنقة.”
الشنق ليس تمرينًا ولا تحديًا.
كدت أفقد ابتسامتي بسبب لينيل الذي ابتسم وقال هراء، لكن لحسن الحظ تمكنت من الحفاظ على وجهي متماسكًا. فتحت عينَيّ بدموع مصطنعة لأبدو صادقة قدر الإمكان، وأجبت بصوت ثابت:
“مستحيل. لقد خرجت فقط لأتمشى لأنني شعرت بالاختناق بعد بقائي في المبنى لعشرة أيام. لدي عادة أن أخطو خطوة واحدة كل يوم.”
“تمشية؟”
“نعم، أنصحك بها. ستصبح بصحة ممتازة.”
أمال لينيل رأسه، ثم اتسعت عيناه بدهشة وكأنه مهتم حقًا.
“وهل أحضرت السم لتشربيه إن عطشتِ أثناء التمشية؟”
…منذ متى وأنت تراقب؟ هل كان عدم مجيئك لثلاثة أيام لاختباري؟
شعرت بعرق بارد يتصبب على ظهري. لكن إن انسحبتُ الآن، ستكون نهايتي. لم أضيع حياتي العملية بلا فائدة، لذا تظاهرت ببرود بأني لا أفهم قصده. عندما أتصرف بجدية ومنطقية أحيانًا ينجح الأمر.
“لكي لا أفقد شغفي وروح العمل أثناء التمشية…”
“وماذا عن المال؟”
“فكرت بالأمر ووجدت أنني لم أشكر لينيل بما يكفي على مساعدته لي، لذا كنت أفكر بشراء هدية في طريقي للعودة.”
إن سألني عن نوع الهدية، رغم أنه ليس مالي، فسأقول: “نسيت أن أطلب منك دفع راتبي مقدمًا.” وبينما كنت أنتظر هذا السؤال المتوقع، ظل لينيل صامتًا بوجه غريب.
لماذا؟ هل كان في جوابي ثغرة؟
…بالطبع هناك الكثير من الثغرات.
شعور بالغرابة تملكني متأخرًا. حاولت تجاهله ونظرت بجمود إلى لينيل، الذي عقد شفتيه قليلًا وتمتم لنفسه.
“هاه. عندما تكونين مستعجلة تميلين إلى الخضوع.”
…حاولت أن أرسم ابتسامة رغم ارتجاف شفتيّ.
“لكنّك نعتّني بالوغد في السجن.”
في الواقع، أحيانًا حتى الآن ما زلت أنعته بذلك. وأحيانًا أستخدم كلمات أكثر قسوة.
“متى كان ذلك؟ أظن أن التفكير بطريقة أكثر إنتاجية وتقدمًا والمضي نحو المستقبل أفضل بكثير من التمسك بالماضي.”
“ذلك كان قبل عشرة أيام فقط.”
“عشرة أيام؟ أليس ذلك ماضيًا؟ هاها!”
تمكنت من ابتلاع ضحكة مرتفعة، ورفعت كتفيّ بشكل مبالغ فيه وأدرت رأسي. كلما أطلت النظر إليه بدا وجهه وكأنه يزداد كآبة.
وفي مجال رؤيتي المنحرف، رأيت مركز حراسة قريب. كان الحراس يقفون بملل، لكن فجأة لم يعد لهم أثر.
لكن على العكس، شعرت بتوجس. دون وعي، أخرجت رأسي وحدقت في مركز الحراسة، فإذا بالباب يفتح وعدد من الحراس يندفعون خارجه. أداروا جميعًا رؤوسهم نحونا دفعة واحدة. ثم بدأوا يتقدمون في هذا الاتجاه.
“آآه…!”
لم أعد أعرف ما الصوت الذي خرج مني، وأسرعت باستدارة ظهري.
هل رأوني؟ لا بد أنهم رأوني! القلنسوة لم تغطِّ وجهي بالكامل، ربما يأتون ليتأكدوا من هويتي؟ اللعنة، بسبب آثار السحر الأسود التي بقيت في السجن، قد أتعرض حقًا للإعدام!
“ما الذي تفعلينه؟”
كان صوت لينيل فوق رأسي مليئًا بالدهشة، لكنني لم أستطع أن أركز عليه. اقتربت من لينيل وأمسكت بمعطفه المفتوح بكلتا يديّ وجذبته بقوة.
“انتظر. الجنود قادمون. أرجوك ابقَ ساكنًا! سأتعامل مع الأمر!”
خفضت رأسي قدر الإمكان وحاولت تغطية وجهي بمعطفه بطريقة ما، لكنه وكأنه لن يسمح بذلك، فتح المعطف بالكامل. وحتى عندما حاولت إبعاد يده لم يتحرك أبدًا.
لماذا أنت قوي هكذا؟ أليس الساحر ضعيفًا؟
بعد أن شددت على طرف معطفه مرتين، خفضت صوتي يائسة وهمست:
“تظاهر فقط بأننا حبيبان انسحبا إلى زقاق مظلم لأننا لم نستطع كبح شغفنا! هكذا لن يزعجونا!”
“يمكنكِ الهرب.”
“سأبدو مشبوهة إن هربت فجأة! إنه طريق مسدود. في مثل هذه الحالة يجب أن أتصرف ببرود.”
لم أطلب شيئًا صعبًا، حاولت فقط أن أغطي وجهي بسحب المعطف، فكيف يكون بخيلًا هكذا؟
دست على قدميه وخفضت رأسي، لكن لينيل قال بصوت هادئ مطمئن:
“آها، إذن في هذا الموقف عليّ أن أتجنب الخطر ونجعلهم يظنون أننا عاشقان انسحبنا إلى الزقاق لأننا لم نستطع كبح شغفنا؟”
“بالضبط، إذا فهمت فأعطني معطفك لأغطي وجهي…!”
دفعت بقوة قبل أن أكمل كلامي. ارتطم ظهري بجدار صلب وكدت أصرخ لا إراديًا. عضضت على أسناني وكتمت الصوت بصعوبة، عابسة رفعت رأسي.
كنت على وشك الاحتجاج، لكن عندما التقت عيناي بعيني لينيل الذي كان يحدق بي من الأعلى، تجمد عقلي.
“ماذا؟ أنتِ من قلتِ إن علينا أن نبدو كعاشقين.”
لينيل، الذي حاصرني بين ذراعيه، ابتسم بعينيه وهمس. كانت عيناه الحمراوان تفضحان استمتاعه بالوضع حتى الموت. كنا قريبين لدرجة أنه لو خفض رأسه قليلًا للامست شفتاه شفتيّ، وكان يبتسم بحلاوة وكأنه سيقبلني فورًا.
لكن بطريقة ما، كنت متأكدة أنه لن يلمسني.
بفضل ذلك، انفتح حلقي الذي كان مغلقًا وعاد إليّ رشدي الذي كان غائبًا للحظات. ابتلعت ريقي الجاف وقلت بهدوء:
“الفكرة ليست أن نتظاهر بالعشق بل أن نتجنب الموقف بذلك، هاه؟ مهلاً، لقد تلاقت أعيننا…!”
بعد أن التقت عيناي بعيني لينيل ثم بمجموعة الحراس، تجمدت لثانية، ثم أمسكت بطرف معطفه.
من دون اضطراب في تمييز الوجوه، لا بد أنهم عرفوا من أكون من هذه المسافة فورًا!
“ابتعد، ابتعد…”
لم أتمكن من الكلام بسبب العجلة، فدفعت صدر لينيل القريب مني. لكنه لم يتحرك أبدًا، ولم يبدُ أن
ه ينوي تغطيتي.
إن كنت ستدفعني إلى الجدار، فغطّني بالكامل! كان عليك أن تقبّلني! يبدو أنك لا تريد مساعدتي!
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات