11. “أن ترغب في شخصٍ ما”
في وقتٍ متأخر من الليل، كان القصر يلفه السكون.
حدق “رينيال” في الردهة الطويلة بعينين لا تبديان اهتمامًا.
كان هذا المشهد مألوفًا له. فقبل أن تدخل “جيزيل” إلى هذا القصر، كانت هذه العزلة جزءًا من حياته اليومية.
عبر الممر بهدوء، دون أن يصدر صوتًا يُذكر، وبوجه خالٍ من التعابير.
هل هي نائمة؟
لم يسمع من “رين” و”بان”، اللذين كانا يراقبان محيط غرفة جيزيل، أي شيء يثير القلق.
في العادة، تكون جيزيل نائمة في مثل هذا الوقت، لذا لم يكن هناك ما يدعو لهذا التأكد، ومع ذلك كان يفعل.
لو أننا جمعنا غرفنا منذ البداية، لكان الأمر أسهل.
كان القصر كبيرًا للغاية، وكانت المسافة بين غرفته وغرفة جيزيل بعيدة.
غرفة جيزيل كانت في الجهة التي تتلقى أشعة الشمس، أما غرفته فكانت في أعلى نقطة من القصر، معزولة عن الضوء، كئيبة.
لو كنت فكرت قليلًا قبل اختيار غرفتي، لما ندمت الآن.
لا، الأدق هو أنه لم يتوقع أنه سيجد نفسه قلقًا على سلامة جيزيل حتى وهو داخل القصر.
طالما اعتبر هذا المكان الأكثر أمانًا بالنسبة له… حتى اخترقت جيزيل الحاجز الذي وضعه وخرجت.
[سيدي!]
[أهلاً بعودتك، سيدي!]
كانت الفراشات السوداء التي تحلق في الممر المظلم تطير نحوه بترحاب ما إن رأته.
قطب رينيال حاجبيه ووضع إصبعه على شفتيه. فتوقفت الفراشات عن الثرثرة وبدأت تطير بصمت حوله.
توقف رينيال أمام باب غرفة جيزيل، ووضع كفه عليه.
انتشرت هالة من السحر الأسود من راحة يده، متفرعة كشبكة عنكبوتية.
تحركت الطاقة السوداء الرقيقة، التي تشبه الستار، ببطء عبر الأرض والجدران والسقف.
أثناء ذلك، شعر بقوة ضبابية تملأ الغرفة من الداخل.
طاقة غير محددة العناصر…
لم يخبر جيزيل من قبل، لكن رينيال خاض صراعات عدة مع هذه الطاقات غير المصنفة.
وكان السبب يعود إلى طبيعة السحر الأسود العنيفة.
فهو يحمل نية القتل بسهولة، بينما هذه الطاقات كانت تبطل سحره بالكامل في كل مرة يظهر فيها هذا العنف.
كانت هذه الاستجابة الفورية مفيدة، دون شك، في حماية جيزيل.
لكن المشكلة أن رينيال قد لا يتمكن من استخدام سحره الهجومي حين تكون جيزيل قريبة.
صحيح أن هذا سيمنع الهجمات المعادية أيضًا، لكن…
شعر بعدم الارتياح لفكرة أنه لا يستطيع استخدام أقوى قواه حين تكون جيزيل قربه.
ولم يكن هذا ينطبق عليه وحده. فحتى لو أتى بـ”سوليان” أو “غيلبيرتون” أو أي ساحر ظلامي آخر، فسيواجه نفس المشكلة.
أما “غيلبيرتون”، الذي يجيد استخدام السيف، فمهاراته النقية لا تطمئن بما يكفي.
جرب رينيال بثّ شيء من الهجوم في طاقته السوداء المتلوية كالأفعى.
فما إن فعل، حتى التصقت بها طاقة غير مصنفة بعنف وأفقدتها توازنها.
تفو.
تأكّد رينيال بانزعاج أن تلك الطاقات لا تزال صلبة ولا تتراجع.
إن أراد استخدام قوته، فلا بد أن تكون جيزيل بعيدة.
لكن، إن أبعدها وحدث لها مكروه؟
من المؤكد أن اللعين “بيريـفين غريند” سيعود للاقتراب منها. فما مقدار الحماية التي يمكن أن يقدمها لها إن لم يكن بقربها؟
القوة الجسدية ستكون أنفع.
لذا، أنقذ “ديلون” وأحضره ليكون بجانب جيزيل.
فبعد أن يتحدث معها، لا بد أن يقع في حبها.
كان يظن أن إعجاب ديلون الخفيف بها سينقذها.
ديلون، قبل كل شيء، هو أقوى سياف يعرفه رينيال، من دون أي اعتماد على السحر.
وجيزيل بحاجة إلى شخص قوي لا يعتمد على المانا ولا السحر، بل على مهاراته النقية.
لم أكن أعتقد أن الأمر سينجح بهذه السهولة.
ولم يتوقع أن رؤية الأمر بأم عينه ستكون بهذه المرارة.
لقد استهان بمقدار غيرته، وها هو الآن يحترق بنارها أكثر مما تصور.
ورغم ذلك، كان عليه أن يتحمل.
فلا ضرر في توفير وسائل حماية كثيرة لها. وإن لم تكن بيده، فحتى لو كانت بيد العدو، فلا بأس.
جيزيل ما زالت ضعيفة.
سواء كانت تحظى بحماية الطاقات، أو تدّعي أن القوى تحبها…
كل ذلك لا يعني شيئًا لرينيال.
طالما أن تأثير تلك القوى لا يتعدى السحر والمانا، فهي قشرة جميلة لا أكثر.
بل إنها، في نظره، مجرد ذيل مزعج يجذب الانتباه غير الضروري.
وحتى عودة “بيريـفين” إلى الظهور، كانت بسبب هذه الطاقات الغريبة.
ما دام بيريـفين قد عاد، فالأرجح أن “فيفيانا” تعرف عن جيزيل أيضًا.
إن سارت الأمور هكذا، فسوف أموت…
وهو يبعد يده عن الباب، تذكر رينيال كلمات ديلون.
لكن فكرة موته لم تثر فيه الخوف.
بل على العكس، شعر وكأنها مجرد تهديد متأخر.
منذ نجاتي في تلك المرة، لا بد أن فيفيانا أرادت أن تضع حدًا لحياتي بأسرع وقت.
بل يرى أنها كانت متهاونة أكثر من اللازم.
أو ربما تطوير “دواء السحر” ذلك أصعب مما توقع.
في الحقيقة، لو لم يستخدم بيريـفين جيزيل كطُعم، لما اضطررت للظهور مجددًا.
من وجهة نظر أعدائه، كانت جيزيل تؤدي دورها على أكمل وجه.
أتمنى فقط ألا ينسوا نواياي الصادقة حين علمت جيزيل فنون الكيمياء.
مرة أخرى، وللتأكيد، لم يكن رينيال يخشى الموت.
فقد أصبح متبلدًا تجاه مثل هذه المشاعر منذ زمن.
استدار بصمت، لكنه لم يتجه إلى غرفته، بل خرج من القصر.
وقف يتأمل الحديقة السحرية التي تزدهر بالأزهار، وأخرج من صدره كرة الاتصال.
– “رينيال، سيدي.”
كان الصوت العميق يعود لـ”بايدرو”.
“هل تحققت من الأمر؟”
– “نعم، راجعت زوار القصر في الأيام الثلاثة الماضية، ولم أجد شيئًا ملفتًا.”
“أعد المحاولة.”
– “عذرًا؟”
“افحص زيارات الأسبوع كاملًا.”
وبصوت بارد، تابع رينيال كلامه وهو يحدق في الحديقة:
“وإن لم تجد شيئًا، فراجع شهرًا كاملًا. بأي طريقة، اعثر على أثر بيريـفين غريند.”
تردد بايدرو قليلًا، ثم قال بصوت متحفظ:
“…إن كان قد تسلل بالطريقة نفسها كما في السابق، فلن نتمكن من كشفه حتى يظهر بنفسه.”
لو كان ساحرًا، لكان من السهل تعقبه.
لكن للأسف، بيريـفين الآن ليس بساحر، وتتبع طاقته مستحيل.
ما لم يترك خلفه أثرًا كما فعل “تونز” سابقًا، أو يترك علامة بيضاء عن طريق الصدفة.
وكان هناك خيط وحيد يملكونه.
“سيتحكم في العناكب السامة.”
– “يوجد أكثر من 100 مجرم يتعامل مع الحشرات السامة في فانهيل.”
“أوه. أقل مما توقعت. ابحث عن الزائرين مؤخرًا بينهم، إذًا.”
– “تم التأكد مسبقًا، جميعهم من السكان الدائمين.”
قطب رينيال حاجبيه، ورفع رأسه لينظر إلى السماء، وأطلق تنهيدة خفيفة.
“بايدرو.”
– “نعم؟”
“لأني أبتسم في وجه جيزيل مؤخرًا، تظن أني سأفعل معك الشيء نفسه؟”
رغم أن نبرته كانت ناعمة، فإن بايدرو فهم الرسالة جيدًا.
– “أمهلني يومين فقط، وسأبذل كل جهدي.”
يومين، كاملين.
عبس رينيال، لكنه لم يضغط عليه أكثر. فقد علم أن الأمر لا يُحل بالإلحاح.
“حسنًا.”
– “وأيضًا… ظهرت النتائج أخيرًا.”
كانت هذه أخبارًا جيدة. أومأ رينيال برأسه وبدأ بتفقد الحاجز السحري المحيط بالقصر.
“سأذهب الآن.”
إن تحرك بسرعة، سيتمكن من العودة قبل طلوع الفجر.
جيزيل تستيقظ باكرًا، لكنها لا تحب أن تُريه وجهها دون زينة، لذلك لا تظهر إلا بعد أن تنهي استعدادها للعمل.
حتى بعد أن رآها على طبيعتها، لم يتوقع أن يتغير شيء من سلوكها.
قرر الإسراع في الذهاب، وكان على وشك استخدام سحر الانتقال، عندما توقف فجأة.
منذ متى كانت هناك؟ كانت “إيزابيل”، تحمل فأسًا كدمية، تحدق فيه من أسفل. ويبدو أن “بان” كان يطير حولها.
“ما الأمر؟”
“رين” و”بان” لا يتحركان وحدهما إلا إن تعلق الأمر بسلامة جيزيل.
وهكذا، فإن خروجهما الآن لا بد أن يكون لنفس السبب.
تغيرت ملامح رينيال تلقائيًا.
لوّحت إيزابيل بفأسها محاولة التحدث، لكن كالعادة، لم يصدر منها صوت.
قام “بان” بترجمة ما قالته:
[تقول إنها تريد رؤية الدواء.]
لا بد أن المقصود هو الدواء الذي كان “سوليان” يعمل عليه. كانت إيزابيل تبدي اهتمامًا به منذ البداية.
“ولماذا؟”
[تقول إنها هي من يجب أن تتأكد منه.]
“لا حاجة لذلك.”
[تقول إن الدواء قد يكون خطرًا على جيزيل أيضًا.]
آه… لهذا السبب أحضرتها بان إلى هنا.
ابتسم رينيال بسخرية ونظر إلى إيزابيل بعين باردة.
“لا تخططين لشيء أحمق، أليس كذلك؟”
كانت هذه الدمية مزعجة.
قد تكون جيزيل تعلقت بها، لكن رينيال لم يثق بها قط.
وليس بدافع الغيرة لمجرد قربها من جيزيل…
…حسنًا، الغيرة موجودة. بل كبيرة جدًا.
لكن هذا ليس كل شيء.
“السحرة جميعهم متماثلون… جشعون، ملحّون.”
ما يجعل رينيال أكثر تشككًا هو أن من يسكن هذه الدمية هو روح ساحر.
ورغم أنه ساحر بنفسه، أو ربما لهذا السبب بالذات، لم يثق بها.
رغم كل ذلك، بقيت إيزابيل هادئة.
[تقول إنها فقدت طاقتها غير المصنفة بعد
تناولها للدواء.]
نقل بان الرسالة بسرعة:
[وإذا كان العدو يعلم بشأن جيزيل، فقد يسلب منها تلك الطاقات أيضًا.]
ضاقت عينا رينيال وهو يحدق في الدمية.
عيونها الزجاجية لم تتجنب نظرته، بل قابلته مباشرة.
[رغم أنها فشلت مع نفسها، إلا أنها تقول إنها لن تفشل مرة أخرى.]
التعليقات لهذا الفصل " 124"