—
تعلّقت إيزابيل بذراعي، وهي تشكو من تصرفات رينييل:
**”ذلك اللعين لا يفوت فرصة لإهانتي!”**
كنت أعلم مسبقاً مدى انزعاج رينييل من إيزابيل، لذا لم يكن عليّ أن أسمع الشكوى بالتفصيل لأتخيل الأجواء.
أفهم حذره من ديلون، لكن ما الذي يدفعه إلى كره إيزابيل بهذا الشكل؟
عندما مدت إيزابيل ذراعيها نحوي، سارعت إلى احتضانها، ثم رمقت رينييل بنظرة حادة:
**”لماذا تبكي الفتاة؟!”**
**”فتاة؟ لقد نسيت أن الروح التي تسكن جسدها عتيقة جداً؟”**
**”الآن هي مجرد دمية ملعونة مسكينة وبريئة.”**
نظر رينييل إلى إيزابيل بنظرة غير راضية وأجاب بنبرة متذمرة:
**”عندما جاءت أول مرة إلى المتجر، لم تكن تجرؤ على لمس دمية ملعونة، والآن باتت تدافع عنها!”**
**”هذا حديث قديم، على الأقل لا تكن طفوليًا.”**
**”أممم…”**
ضحك رينييل ساخرًا عندما وبخته:
**”طفولي؟ أنا فقط أقول الحقيقة. ثم أنتِ، سمعْتُ أنك قلتِ لسوليان وجيلبيرت إنك تكرهينني؟”**
**”متى قلت شيئًا كهذا؟!”**
**”هاه؟!”**
اتسعت عيناي وأنا أحتج، بينما عبس رينييل بشدة وعبّر عن خيبته:
**”كنت تؤكدين دائمًا ولاءك لي أمامي، والآن تستعدين للاستقالة؟ حتى لو كان كلامًا قديمًا، لقد أزعجني.”**
**”يا إلهي، انظر كيف تلفق الأمور! سوليان، قل شيئًا! متى قلت ذلك؟!”**
**”آه…”**
منذ أن عملت في هذا المتجر، كم كنت مخلصة وجادة!
نظرت سريعًا إلى سوليان لطلب المساعدة، فرفع يديه بجدية:
**”لن أتدخل. وتذكري، جيزيل المجنونة قالت إنها مرتبكة لأن مديرها أبدى اهتمامًا بها!”**
**”لكنني كنت أتحدث عن صديقتي!”**
**”انتظري…”**
ارتفعت نبرتي لا إراديًا من الصدمة، لكن رينييل تنهد قائلاً وكأنه يعلم ما أفكر به:
**”ليس لديك أصدقاء.”**
**”سيدي! أنا شخصية اجتماعية ومحبوبة من الجميع!”**
**”جيزيل، الفراشة والدمية لا يُعتبرون بشرًا.”**
فاغلقت فمي من شدّة قوله القاسي.
حتى الأرواح المسكونة والدمى يجب اعتبارهم أفرادًا مستقلين!
وقبل أن أنطق للدفاع عنهم، عبس رينييل فجأة وأشار نحو اتجاه معين:
**”لا تقولي لي أن ذلك الغبي صديقك؟”**
توجهت بنظري حيث أشار، لألتقي بنظرة ديلون ستاسي، الذي كان ينظر نحونا.
…والآن فهمت مصدر الضجيج المزعج منذ قليل. لقد كان صوت ديلون ستاسي!
عيناه الثابتتان عليّ بدتا مشوشتين جدًا.
**”ما الذي تنظر إليه؟”**
سألته بحدة، فتفقدنا واحدًا تلو الآخر وقال:
**”هل تتعاملون دومًا بهذه الطريقة؟ أم أنكم تؤدون مسرحية لخداعي؟”**
**”وماذا سنستفيد من خداع شخص غير متعاون مثلك؟ فقط ابقَ مقيدًا، سوليان سيكتشف نوع الدواء الذي أخذته.”**
ذلك الغرور المفرط…!
هززت رأسي مستنكرة، لكن ديلون بدا مرتبكًا أكثر. هل من الصعب عليه أن يُتجاهل هكذا؟
**”هل اعتاد على الاهتمام الدائم لدرجة أن التجاهل يربكه؟”**
بيبيانا كانت هكذا أيضًا. كانت تعتقد دائمًا أنها البطلة، فلا بد من أن تمر بالمآسي.
نظرت إلى ديلون بعين الشفقة، فعبس قائلاً:
**”ألن تعذبوني؟”**
تعذيب؟ هل يريد أن يُعذب؟
**”آسفة، نحن لا نقدم هذا النوع من الخدمات. ابحث عنه في مكان آخر.”**
تذكرت حينها أن بيبيانا كانت عنيفة جدًا مع تين ووندريا.
هل يُعقل أن يكون هذا الزوج منحرفًا بهذا الشكل؟
أبعدت الفكرة بسرعة وأنا أشعر بالغثيان، فصرفتها عن رأسي، ثم تدخل رينييل فجأة:
**”أليس هذا مجنونًا؟ من يطلب شيئًا كهذا؟”**
رينييل الداعم القوي بدا أكثر عقلانية بكثير من هذا الزوج الغريب.
**”…رجاءً، دعونا ننهي هذا الحديث السخيف.”**
قالها ديلون وهو يتنهد، وكأنه خسر الجدال.
**”سنكتشف مكونات الدواء في جسدك، وبعدها نقرر إن كنا سنبقيك حيًا.”**
رد رينييل بسخرية، ثم تلاشى سحره الأسود الذي كان يتجمع في يده.
**”لو كانت المسألة تُحل بالسحر، لكانت أسهل بكثير.”**
**”لا! إذا لمست ذاكرته مجددًا، فقد يفقدها تمامًا كما حدث في المرة السابقة!”**
قال سوليان وهو يلوّح بيده مذعورًا.
نظر رينييل إلى ديلون بنفور، ثم صرف نظره، وقد اختفى السحر من يده.
تنهد سوليان براحة، وأنا خمنت أن استخدام السحر على ذهن ديلون قد يتلف ذاكرته.
**”سأبذل جهدي!”**
قالها سوليان بجدية، ثم جلس إلى مكتبه المؤقت، الممتلئ بزجاجات دواء وأجهزة غريبة.
**”هل اكتشاف نوع الدواء الذي أخذته بهذه الأهمية؟”**
سأل ديلون بنبرة خافتة، فأجابه رينييل مباشرة:
**”نحتاج تقدير مقدار المانا التي قد تكون ابتلعتها ملكتك.”**
**”…تقول إن بيبيانا تمتص المانا؟”**
أوه، لم يكن فقط يجيبه، بل يقصد إثارة أعصابه.
ابتسم رينييل بخبث واتكأ بكسل:
**”نعم.”**
**”ربما لديها قدرة على امتصاص القوة السحرية، لكن مانا الفرسان تختلف عن طاقة السحرة.”**
ظننت أنه سيغضب لوصفها بالساحرة، لكنه تقبّل الفكرة جزئيًا.
**”يا إلهي، يبدو أن عقل ديلون تضرر فعلًا، كما قالت إيزابيل…”**
فيما استمرت مناقشته مع رينييل:
**”لهذا نحتاج التأكد من مكونات الدواء. هل هذا صعب الفهم؟”**
**”أقول لك، هذا مستحيل من الأساس.”**
هو مصرّ أن المانا لا يمكن امتصاصها.
أو لعلّه فقط **يرفض التصديق**.
ديلون وبيبيانا كانا أصدقاء منذ الطفولة، فربما يصعب عليه قبول أنها تستهدف قوته.
وهذا ما جعله يبدو… مسكينًا بعض الشيء.
**”سألتني إن كانت قد كسرت وعاء طاقتي، أليس كذلك؟”**
قال رينييل فجأة، فتغيرت نظرات ديلون.
**”هل تعرف ما الذي كانت تنوي فعله؟”**
ابتسم رينييل بسخرية:
**”بعد كسر وعاء طاقتي، أرادت امتصاص الطاقة السوداء المتناثرة.”**
انصدمت، حتى أنا لم أتخيل هذا.
**”هي هكذا دومًا، تسعى خلف القوة مهما كان الثمن. تؤمن بوهم أنها ستصبح ساحرة عظيمة.”**
تنهد رينييل وهو يتكئ بكسل، ثم أضاف:
**”ربما وجدت طريقة.”**
صوته بدا هادئًا للغاية، كأنه يروي شيئًا تافهًا.
**”وأنت على الأغلب تعرف الطريقة، لكنك ترفض قولها.”**
ارتجفت عينا ديلون.
ثم قال ببطء:
**”لماذا لم تُبلّغ عن بيبيانا فورًا؟”**
**”لأن الأمر لم يعنيني.”**
قاطع رينييل كلامه بابتسامة ساخرة.
**”سواء سرقت قوتي أم لا، ما دخلي أنا؟”**
تلك كانت إجابة “رينييل” بحق.
كما لو كان الحديث عن شخص آخر، لا عن نفسه.
لكن لا بد أن شخصيته الحالية صُنعت من تجارب عديدة.
**”هل فشلت في امتصاص الطاقة السوداء؟”**
**”طبعًا، الخصائص كانت مختلفة. لكنها ظنت أنها قادرة على فعلها.”**
**”إذن يمكنها النجاح الآن، إن غيّرت خصائص الطاقة؟”**
**”بالضبط، لهذا تبحث عني.”**
هزّ كتفيه وكأن الأمر لا يعنيه.
**”إن لم تقتلني أو تسلب قوتي، سأصبح أقوى
منها.”**
رغم أنه يدافع عني بشراسة، إلا أنه لا يكترث لمصيره.
شعرت بغصّة وقلت بعصبية:
**”لا تتقبل الأمر بهذا الهدوء. علينا أن نجد حلًا!”**
**”فعلنا ما بوسعنا. لمَ نضيع الحاضر في القلق بشأن مستقبل مجهول؟”**
—
التعليقات