1
-مقـدمه-
«بيون روسا إليانت.»
كأنني أشاهد مشهدًا يُعرض على خشبة المسرح، أدركتُ – في لحظة ما – أنني كنت أشهد حياة امرأة بأكملها.
وُلدت ابنة شرعية وحيدة لماركيز.
بجمالها الرقيق وسلطة نسلها النبيل الساحقة، كان طبيعيًا أن يترسّخ الغرور في أعماقها. أينما ذهبت ومهما كان من حولها، كانت دائمًا البطلة. والناس من حولها لَمْ يتوقفوا أبدًا عن إغداق المديح والإعجاب عليها. حتى عندما بلغت أعلى مركز يمكن لامرأة أن تصل إليه، ظنت أنه مجرد حقّها المطلق. ذلك المكان كان ملكها – لا يُنازَع ولا يُرجّ. لا أحد يستطيع أن يطمع فيه.
«امرأة غبية.»
كل ذلك كان وهمًا، وهمًا خاصًا بها وحدها. والأوهام لا تدوم إلى الأبد.
مضى الوقت. بدأت الحياة التي تسلّقتها بثقة في الهبوط. تحول العرش المقدّس الذي اعتلته إلى نصل بارد حادّ لا يعرف الرحمة، يضيق على عنقها. الذين كانوا يرفعونها إلى السماء تحوّلوا إلى وحوش جائعة، ذئاب تعوي وتكشّر عن أنيابها لتمزيقها.
حتى في لحظاتها الأخيرة، صرخت من الظلم. لعنت العالم وهي تسعل الدم كأن روحها تفرّ من جسدها.
ضحكة ساخرة مريرة ارتفعت في ظلّ سقوطها. لماذا تتوقين لحبّ من لَمْ يحبّوكِ قط؟ لماذا تطمعين فيما لَمْ يكن لكِ يومًا؟
«كان يكفيكِ لو تخلّيتِ عن الذين لَمْ يحبّوكِ.»
كأنها تُطلق آخر زفير، انهار جسدها والدم القرمزي يتناثر كبتلات ورد مبعثرة.
وفجأة، حين بدا كل شيء قد انتهى، رفعت رأسها ببطء.
عينان زمرديتان عميقتان، صافيتان كالجوهر، تلمعان جنونًا، وانغرزتا مباشرة في عينيّ.
شفتاها الملطّختان بالدم، المصبوغتان كأنما قبّلتهما النار، تحرّكتا بهمس متعمّد:
«لا تنسي. أنا أنتِ. لي جي آه.»
{لي جي آه اسم كوري}
اجتاحتني الظلمة وابتلعتني بالكامل.
الفصل الأول – بيون روسا إليانت
بدأ الوعي الضبابي يعود تدريجيًا.
كأن مسرحية بانورامية تُعرض أمام ناظريّ، شاهدتُ حياة امرأة كاملة: ضحكاتها، دموعها، صرخاتها.
———————————
**تعريف مختصر للشرح:**
«مسرحية بانورامية» = رؤية شاملة وسريعة لحياة شخص ما كاملة (من البداية إلى النهاية)، كأنها فيلم سينمائي ضخم أو عرض مسرحي محيطي يُعرض أمامك مرة واحدة بكل التفاصيل والمشاعر.
———————————-
والآن… فتحتُ عينيّ.
كانت ظلمة الفجر الشاحبة لا تزال تتشبّث بالغرفة بخفة.
رفعتُ يدي أمام وجهي وأنا ما زلت مستلقية. ظهرت يد صغيرة شاحبة رقيقة.
«تتحرك…»
قبضتُها وفككتُها عدة مرات.
كانت اليد تطيع إرادتي بطاعة تامة.
جلستُ وأخرجتُ قدميّ من تحت الغطاء. كما توقعتُ، أصابع قدميّ البيضاء الناعمة تحرّكت قليلاً استجابةً لأمري.
فتحتُ كفّي مجددًا، ثم نظرتُ إلى أصابع قدميّ مرة أخرى.
كل شيء كان… مألوفًا، وفي الوقت ذاته غريبًا جدًا.
سحبتُ قدميّ كليًّا من تحت الغطاء وأدخلتهما في النعالين بجانب السرير. برد هواء الفجر ودفء فراء النعال الواخز جعلاني أقشعرّ.
‘حسنًا، هذا أيقظني تمامًا’
دلكتُ باطن قدميّ على الفراء مستمتعة بالشعور الدغدغي.
وضوح اللمس أثبت أن هذا ليس حلمًا.
عدّلتُ النعالين وتحركتُ.
حتى في الظلام، وجد جسدي تلقائيًا الستائر الثقيلة المعتمة التي تغطي النافذة.
أمسكتُ بطرفها وسحبته بقوة.
بدلاً من أن تنزلق بهدوء بصوت «سويش» ناعم، رفرفَت الستارة بعنف مرة واحدة ثم عادت فورًا لتغطي النافذة مجددًا.
ارتبكتُ للحظة مما حدث.
‘لماذا… لماذا لا تُفتح؟’
رفعتُ طرف الستارة مرة أخرى.
رغم الجو الخافت، تسلّل ضوء الفجر الناعم إلى الغرفة.
أبقيتُ الستارة مرفوعة ونظرتُ إلى الأعلى نحو المثبت.
بدلاً من قضيب الستائر الذي أتذكره، كان هناك خطاف معدني بارز من الجدار يمسك الستارة بقوة. مألوف… لكنه ليس تمامًا كما أعرفه.
فككتُ الستارتين من خطافيهما على جانبي النافذة واستدرتُ.
انساب الضوء من النافذة المكشوفة الآن وملأ الغرفة بأكملها.
مع وصول الشمس إلى كل زاوية، التفتُ أخيرًا أبحث عن الشيء الذي كنت أريده من الأساس: المرآة.
كانت في مكانها المعتاد تمامًا، ساكنة بهدوء.
خطوة إثر خطوة، مشيتُ نحوها.
تحت الضوء، تألق شعري بموجات ناعمة – بني ذهبي يكاد يكون أشقر – ينسدل إلى ما بعد خصري.
وفي المرآة، حدّقتني فتاة صغيرة.
عيناها الخضراوان العميقتان الكبيرتان تلمعان كالزمرد. عينان مرفوعتا الزوايا قليلاً تعطيانها مظهرًا متكبرًا كالقطط – جميلة وباردة.
رفعتُ إصبعي ولطمتُ خدي برفق.
غاص لحم الخد الطفولي المنتفخ ثم عاد مرنًا.
مألوف… وغريب.
شددتُ خدي.
ككعكة الأرز اللزجة، تمطّى ثم عاد بألم لاسع.
وجه أصغر سنًّا مما أتذكر. أو… بالضبط كما أتذكره.
«بيون روسا إليانت.»
تردّد الاسم داخل فمي – مألوف، وبعيد بشكل غريب.
حدّقتُ في المرآة مجددًا.
اختفى وجه الطفلة المنتفخة الخدود، وحلّ مكانه وجه امرأة بالغة.
‘لا تنسي. أنا أنتِ!’
العينان الخضراوان في المرآة، المجنونتين، حدّقتا مباشرة في عينيّ.
تحرّكت شفتاها القرمزيتان ببطء:
‘لي جي آه.’
في لمح البصر، اختفى صورتها – وحلّ مكانها وجه يحمل الإرهاق والاستسلام.
مختلف عن المرأة التي رأيتها للتو… ولكنه مألوف بشكل غريب.
كأنني أشاهد عرضًا تمثيليًا، كأنني طرف ثالث في قصتها.
حياة ليست حياتي… ولكنها متشابكة معي بعمق.
هل أنا تجسّد بيون المتوفاة؟
أم أنا لي جي آه التي كانت تتوق إلى الهروب من حياة باهتة؟ أم ربما بيون الصغيرة التي رأت المستقبل؟
أيهما جاء أولاً، وأيهما جاء لاحقًا؟
الفتاة في المرآة – بيون الصغيرة – كانت الآن تحدّق بي مباشرة.
«ربما… كل هذا مجرد حلم. حتى الذكريات ليست ذكريات.»
امتلأ رأسي بعلامات استفهام، ومع ذلك لَمْ أكن مرتبكة على الإطلاق.
مع ذكريات متشابكة كهذه، كان من المتوقع أن تحدث أزمة هوية.
لكن عقلي كان صافيًا بشكل مفاجئ، كأن أحدًا قد همس لي بالإجابات مسبقًا عن لغز لَمْ أسأله بعد.
أنا بيون روسا إليانت التي لعنت العالم وهي تموت.
أنا لي جي آه التي عاشت حياة هادئة غير ملحوظة قبل نهايتها.
والآن، أنا بيون روسا إليانت مجددًا، أقف أمام المرآة أنظر إلى نفسي من جديد.
«آه يا إلهي!»
صوت مفزوع قطع أفكاري. التفتُ نحو مصدر الصوت.
خادمة، عيناها جاحظتان، التقت نظراتها بنظري للحظة، ثم غطّت فمها بسرعة وانحنت.
«ل-لم أعلم أنكِ مستيقظة يا سيدتي! سأحضر ماء الوضوء فورًا!»
قبل أن أنطق بكلمة، هرعت خارج الغرفة بأهداب تنوراتها المتطايرة.
واضح أنها لَمْ تتوقع أن أكون مستيقظة بهذا الوقت المبكر.
حتى الأمس، «أنا» التي تعرفها كانت قد جهّزت كل شيء بدقة بحلول هذا الوقت:
وعاء ماء فاتر، لا حار جدًا ولا بارد جدًا، معطر برفق ببتلات عطرية، وفستاني ومجوهراتي اليومية مرتبة بعناية.
لو اختلّ تفصيل واحد فقط، كنتُ سأقضي اليوم كله في نوبة غضب.
كان على الخدم أن يكونوا مستعدين لكل تقلب مزاجي مهما كان وقت استيقاظي غير متوقع.
على الأقل… هكذا كان الأمر. حتى الأمس.
«أ-أعتذر يا سيدتي.»
عادت الخادمة راكعة تنحني بشدة وهي تحمل طشت الوضوء بيدين مرتجفتين.
لو كنتُ نفس الشخصية التي كنتُ عليها بالأمس، لكنتُ انفجرتُ غضبًا الآن.
لكن الآن… لَمْ أشعر بغضب خاص.
‘ليس غضبًا… مجرد حيرة.’
نظرتُ إليها من الأعلى وأنا لا أعرف كيف أرد.
يداها المشدودتان بقوة على حجرها تحت حافة تنورتها كانتا ترتجفان بشكل يرثى له.
يدين خشنة مليئة بالندوب والجروح الصغيرة.
« اسمك؟»
«… عفوًا؟»
«سألتُ عن اسمك.»
رفّت عينيها مذهولة من السؤال غير المتوقع ورفعت بصرها نحوي.
رغم أنها أكبر مني الآن سنًّا، إلا أن وجهها لا يزال يحمل بقايا دهون الطفولة، شاب وناعم، مسفوع بالشمس.
لا بد أنها من أدنى رتب الخادمات.
حتى بين الخادمات توجد تسلسلات هرمية.
ينقسمن إلى فئتين رئيسيتين: من يقمن بكل أنواع الأعمال الشاقة من غسيل وتنظيف وجلب، ومن يخدمن بجانب السيد مباشرة.
الأخيرات يُطلق عليهن وصيفات السيدة ولسن مجرد خادمات، وغالبًا ما يتصرفن بتعالٍ ويحتقرن الباقيات.
‘كأن النبلاء يرون الفرق أصلاً. بالنسبة لهم نحن جميعًا دون مستوى الاهتمام!’
اللواتي يقمن بالأعمال الشاقة يعملن غالبًا في الخارج.
بشرتهن المكشوفة دائمًا للشمس تُصبح داكنة بالطبع.
أما الخادمات اللواتي يبقين قرب سيدهن فنادراً ما يضعن قدمًا خارج القصر. عملهن يقتصر على تلبيس السيد أو إحضار أغراض صغيرة.
لهن متاعبهن الخاصة، لكن مقارنة بالأخريات يعشن براحة أكبر، وقت كافٍ للعناية بمظهرهن على الأقل.
«ا-اسمي ماري يا سيدتي.»
«ماري إذن. قولي لي، لماذا أنتِ هنا؟»
شفتان متشققتان. وجه مسفوع بالشمس. يدان متشققتان.
واضح أنها خادمة مكلّفة بالأعمال الشاقة، وليست من يُسمح لها بإحضار ماء وضوئي أو مساعدتي في اللبس.
هذا العالم يحكمه تسلسل هرمي صلب.
تحت العائلة الإمبراطورية يقف النبلاء، ثم العامة، وأخيرًا العبيد.
الفجوة شاسعة لدرجة أن نبيلاً يمكنه قتل عابر سبيل من العامة دون تبعات تُذكر.
غرامة ربما، لكن ليس جريمة قتل.
الذين يرون أنفسهم «نبلاء» يبالغون في انتقاء حتى من يقترب منهم.
كل من يخدم جسد السيد مباشرة يجب أن يتمتع بمظهر لائق، وعلى الأقل بقدر ضئيل من الذكاء.
أنا الابنة الشرعية الوحيدة لماركيز قوي.
لم يكن يخدمني سوى مرضعتي التي أرضعتني صغيرة، ووصيفات مختارات بعناية. خادمة دنيا لَمْ يكن لها الحق أبدًا في الاقتراب.
«ال-المربية… ارتكبت خطأ يا سيدتي… أرجوكِ سامحيني…»
ابيضّ وجه ماري تمامًا.
بكلمة واحدة مني قد تنتهي حياتها هنا والآن.
ألقت بنفسها عند قدميّ ترتجف.
«أرجوكِ ارحميني يا سيدتي!»
ماذا كانت «أنا» القديمة لتفعل؟
نظرتُ إليها وهي ملتوية على الأرض ترتجف كورقة شجر.
بلا شك كنتُ سأصرخ: «كيف تجرؤين يا شيء قذر أن تلمسي أغراضي!»
في أحسن الأحوال جلد. في أسوأها… إعدام.
كان عمري أحد عشر عامًا.
سن الغرور والدلع المفرط، كبيرة جدًا على البراءة، صغيرة جدًا على الحكمة.
تربيتُ بين أيدٍ مدللة، محاطة بخدم متوترين يتسابقون لإرضائي.
ماذا كنتُ أعرف عن الحياة الحقيقية؟
إذا ضايقني شيء كسرته. إذا أزعجني أحد عذبته.
بالنسبة لي، الخدم والوصيفات لم يكونوا حتى بشرًا.
حتى الوصيفات، لَمْ أفكر يومًا أنهن يتألمن حين يُضربن، أو يبكين حين يُهانن.
لكن الآن… أصبحتُ أعرف.
التعليقات لهذا الفصل " 1"