تقلّص ما بين حاجبي دوق زافيار وهو ينظر إليّ من فوق، فانحفرت تجعيدة عميقة في جبهته. أما عيناه ذاتا اللون الأزرق المخضر، اللتان كنت قد أعجبت بجمالهما في داخلي قبل لحظات، فقد ارتسم فيهما ازدراء واضح.
ظنّ الدوق أنني لم أفهم قصده، فأعاد كلامه بوضوح أشد:
“سبق أن قلتُ لكِ بوضوح، ليس لدي أي نية للزواج من آنسة غراهام.”
“…الزواج؟.”
ارتسمت على وجهه الوسيم، كأنه منحوت بدقة، لمحة اشمئزاز سرعان ما اختفت.
صحيح، يوريا هذه كانت مطاردة للدوق.
في لحظة، تدفقت إلى ذهني أفعال يوريا قبل تجسدي، وكل ما اقترفته بحق دوق زافيار. وبعد كل ما عاناه منها، فإن ردّة فعله هذه تبدو… مفهومة، إلى حدّ ما.
‘تماسكي. لا تصطدمي به الآن. الانطباع الأول الجيد قد ينقذ حياتك على المدى الطويل.’
أجبرتُ جبيني على الاسترخاء، وابتسمت قائلة:
“هاها… يبدو أن هناك سوء فهم كبير. لم آتِ لأطلب الزواج. أنا هنا بصفتي نائبة لرئيس شركة غراهام التجاري. ولهذا السبب أود التحدث إلى سموّك على انفراد، لو سمحت.”
اعوجّ فم الدوق قليلًا، ثم زفر زفرة قصيرة.
“بالطبع، كما توقعت. اتبعيني.”
“سيدي! أنا—”
تقدّمت الجنرال جود فجأة وهي تصرخ، ففزعتُ من حدّة صوتها وارتعش كتفاي.
“جود، هذا معسكر لا ساحة معركة. اخفضي صوتكِ.”
“آه…”
“لا بأس، حقًا.”
تراجعت جود معتذرة بعد توبيخ الدوق، غير أن عينيها البنفسجيتين ظلّتا مشتعلة وهي تحدّق بي.
نظراتها لا تبدو معتذرة أبدًا…
استدار الدوق فجأة وبدأ يمشي بخطوات واسعة. بدا أنه متجه إلى خيمته الخاصة. ترددت لحظة، ثم أسرعت ألحق به. كان طويل القامة إلى حدّ أنني اضطررت إلى رفع عنقي كثيرًا لأرى جانبه.
كأنه تمثال، لولا أنه الشرير الخفي، لكان… يا للخسارة.
‘مثّلي. أنتِ لا تعرفين شيئًا. لا تعلمين أن يوريا كانت تطارده.’
لكن تعابيره تجمّدت فورًا.
“ومن كانت تزور منزلي حتى اهترأ بابُه؟ شخص آخر؟.”
آه! كان يتذكر كل شيء!.
“…أنا آسفة.”
“بل وأرسلتِ فستان الزفاف إلى منزلي. يا له من تصرّف وقح.”
ليتني أستطيع القول إنه خطأ في التوصيل…
“وتقيأتِ على بدلتي. ما زلت أشعر وكأن الرائحة العفنة لم تفارقني.”
“أوه… ذلك لأنني فقدت الوعي حينها…”
طبعًا، لا يمكنه أن ينسى.
كان يتذكر كل أفعال يوريا المهووسة دون أن يفوّت شيئًا.
أرجوك، انسَ، أرجوك!.
لكن لا يبدو أن لديه أي نية لذلك.
“وهناك المزيد.”
ماذا بعد؟.
“كنتِ ترسلين لي رسائل حب بلا انقطاع.”
“أنا؟!.”
مايا لم تذكر هذا! لماذا أفعل هذا دون علمي؟!.
لماذا ترتكب يوريا الفضيحة، وأنا من ينظف؟!.
“ربما كانت يوريا غراهام أخرى.”
…لقد سقطت في الحفرة بيدي.
اشتعل وجهي حرارة.
“آنسة غراهام.”
تغيّرت ملامحه فجأة، وبرودة صوته بثّت قشعريرة في جسدي.
“نعم؟.”
“لن أفترض سبب قدومكِ. لكن إن كنتِ هنا لتعيدي الحديث عن الزواج، فاسمعي جيدًا: لا نية لي للزواج. ولا للعلاقات. الحرب وحدها كافية لاستنزافي.”
كان صادقًا، ظاهريًا.
رائع، لو كان هذا صحيحًا فعلًا. لكنني أعرف كم ستقع في حب القديسة روزيتا لاحقًا. أنا أعرف، والسماء تعرف، والأرض تعرف، والقراء يعرفون!.
تمالكت نفسي وقلت بهدوء: “…فهمت.”
“وخاصة معكِ، لا أفكر بالزواج إطلاقًا.”
‘ولا أنا أيضًا، صدقني.’
اكتفيت بالإيماء.
منذ ذلك الحين، لم يفتح الموضوع مجددًا. ساد الصمت بيننا، ولم يُسمع سوى وقع خطواتنا.
استغليت الصمت لأتأمل المكان. كانت أوضاع المعسكر سيئة للغاية. ملابس عسكرية ملطخة بالدماء اليابسة مكدّسة، أنين الجرحى يتسلل من الخيام، وبعضهم ممدّد على الأرض ببطانيات فقط.
كان هناك متطوعون ومعالجون، بدوا هم أيضًا مرهقين ومتّسخي الهيئة. حرب تجاوزت أربعة أشهر، كان الإرهاق واضحًا.
توقف الدوق أمام خيمة كبيرة.
“هنا.”
دخلت خلفه. كانت الخيمة أوسع مما توقعت، ومجهّزة بكل ما يلزم.
“تفضّلي بالجلوس.”
جلست على الأريكة.
“هل تودّين شرب شيء؟.”
“آه… قهوة.”
كرّر الكلمة باستغراب.
“…قهوة؟.”
طبعًا، غير موجودة.
“لا، لا، لا بأس.”
جلس مقابلًا لي، وقال:
“إذًا، لِنسمع ما لديكِ.”
تنفست بعمق.
“أعتذر عن كل ما فعلته سابقًا. مطاردتي لك، وإلحاحي على الزواج… أعتذر رسميًا. وأؤكد لك أنني لم آتِ بدافع المشاعر.”
“وكيف أصدق ذلك؟.”
“لأنني… متّ مرة، ثم عدت للحياة.”
رفع حاجبه بدهشة.
“لقد تخلّيت عنك تمامًا. أنا هنا بصفتي نائبة لرئيس شركة غراهام.”
تنفّس بارتياح.
“عمل؟ هذا خبر سار. تابعي.”
“سمعتُ أنكم دخلتم حربًا جديدة مع مملكة الوحوش. جئت لأقدّم المساعدة، ولو كانت متواضعة.”
التعليقات لهذا الفصل " 7"