نزل زافيار على عجل من الجبل، وما إن وصل إلى خيمة القيادة حتى استدعى ثلاثة من قادته العسكريين، وعقد اجتماعًا طارئًا على الفور.
ساد داخل الخيمة جوٌّ غريب ومشحون. فتلقي الدعم اللوجستي ليس أمرًا نادرًا في زمن الحرب، لكن أن تحضر ساحة المعركة آنسة نبيلة بنفسها؟ كان ذلك سابقة لم يشهدوها من قبل.
*الدعم اللوجستي العسكري هو توفير كل ما تحتاجه القوات المسلحة للعمل بكفاءة، ويشمل الإمدادات، المعدات، النقل، الخدمات، الصيانة، والبنية التحتية.
بل الأسوأ من ذلك، أن تكون تلك الآنسة هي ذاتها “الشريرة الصغيرة” سيئة الصيت، المرأة التي لاحقت زافيار قديمًا بإلحاحٍ يشبه التصاق العلقة، والتي شاع ذكرها في الأوساط الأرستقراطية بسلوكها الأحمق.
كان زافيار نفسه في حالة من الارتباك الخفيف، وكذلك حال القادة الثلاثة.
قال الجنرال فيلهلم، صاحب الشعر الأشقر الطويل والعين الواحدة، وهو يبصق كلماته بغضب:
“سيدي، هذا فألٌ سيئ! أن تأتي آنسة نبيلة لا تعرف سوى الفساتين والمجوهرات إلى ساحة المعركة؟!.”
“صحيح، يجب منعها فورًا.”
أيده الجنرال إيثان، ذو الشعر الأسود والندبة الطويلة الممتدة على وجهه.
وقبل أن يزداد الأمر احتدامًا، رمقتهم الجنرال ذات الشعر الأحمر القصير بنظرة حادة قاتلة، وقالت ببرود:
“وماذا عني أنا إذًا؟ انتبهوا لألسنتكم، فيلهلم، إيثان.”
كانت تختلف عن الرجلين؛ فبدل الندوب، كانت النمشات تزين أرنبة أنفها.
ضحك فيلهلم بسخرية:
“جود، أنتِ ترتدين زيًّا عسكريًا وتحملين سيفًا، لكنكِ في النهاية مجرد جنرال، لا امرأة.”
ردّت عليه بابتسامة قاسية:
“فيلهلم، يبدو أنك لم تخسر عينك فقط على يد وحوش مويراي، بل فقدت عقلك معها أيضًا.”
“ماذا؟! فقدت عقلي؟!.”
ثار فيلهلم واندفع نحوها، لكن إيثان تدخّل سريعًا بينهما، وقد لاحظ نظرة زافيار القاتلة.
“كفى، كلاكما!.”
وفي تلك اللحظة، ارتجفت الندبة الغائرة في خدّ إيثان فجأة، كجرس إنذار. كان ذلك إحساسًا غريزيًا غامضًا أنقذه مرارًا في ساحة القتال. وكان فيلهلم وجود يعلمان ذلك جيدًا.
استدار القادة الثلاثة في آنٍ واحد نحو الدوق. فقد بدأت هالة قاتلة، خاصة بسيد السيف، تتصاعد من جسده.
قال زافيار بصوت منخفض لكنه مرعب:
“هل ترغبون بالموت؟.”
“لا، سيدي!.”
أجاب الثلاثة في انسجامٍ تام، وكأن شجارهم لم يحدث قط.
كانوا جنودًا لا يُشكّ في مهارتهم أو ولائهم، لكن غبائهم وصراحتهم المفرطة كانت تُفقد زافيار أعصابه أحيانًا.
وكأن هؤلاء الثلاثة لا يكفون، والآن آنسة بارون أيضًا؟.
في زمن الحرب، لا وقت ولا رجال لرعاية فتاة نبيلة. بالأمس فقط خاضوا معركة شرسة لدفع الوحوش عبر نهر هيوم.
سيكون هذا مُرهقًا…
لو أرادت إرسال الإمدادات، لكان يكفي أن تفعل ذلك عبر والدها، تاجر الإمدادات. بل إن شركة غراهام انسحبت أصلًا من هذا العقد. فلماذا جاءت بنفسها؟.
“لماذا…؟”
تمتم زافير دون وعي.
رفع فيلهلم يده بحماسة وقال دون أن يُطلب منه:
“ألا تعتقد أن السبب هو… حبها لك؟.”
“ماذا تقصد؟.”
“آنسة غراهام، يُقال إنها مغرمة بك، سيدي. فقد كانت تزور القصر الدوقي باستمرار—”
وقبل أن يُكمل، صبّ عليه زافيار نظرة مرعبة جعلته يخفض رأسه فورًا. ثم التقت عيناه بعيني جود، وكاد شجار ثانٍ أن يندلع.
في تلك اللحظة، دخل جندي الخيمة وهمس في أذن ريكستون.
“سيدي، لقد وصلوا.”
“حسنًا. دعهم يدخلون.”
تنفّس زافيار بعمق وخرج من الخيمة التي عمّها التوتر.
—
وصلت عشرون عربة كبيرة تهتز بقوة إلى المعسكر بعد يومين من السفر.
حُمّلت عشر عربات بالمؤن والأدوية والجرعات السحرية، بينما حُملت العشر الأخرى متطوعين ومعالجين جرى اختيارهم بعناية بعد مقابلات دقيقة، مع “تعزيز” حماستهم بالمكافآت المالية.
وعدتهم براتب مضاعف ومكافأة حياة، عليهم أن يؤدوا عملهم جيدًا.
قالت مايا بصوت مرتجف:
“آنستي… أنا خائفة.”
“لا تقلقي، مايا. سنبقى داخل المعسكر فقط.”
“لكن…”
“لهذا قلت لكِ ألا تأتي.”
رغم كلمات الطمأنة، كنت خائفة مثلها تمامًا.
لا بأس، في الرواية، زافيار ينتصر دون خسائر كبيرة. سأكون بخير.
كنت أراهن على الرواية وحدها. وقد يكون هذا تهورًا حقيقيًا.
يا إلهي، كل هذا بسبب دوق واحد!.
شدّت مايا يدي فجأة، وقالت وهي ترتجف:
“حتى لو طار سيف في الهواء، سأحميكِ بنفسي!.”
ضحكت بمرارة:
“بهذه الحالة؟ لكن، شكرًا لكِ.”
نظرت عبر نافذة العربة المفتوحة، فرأيت خيامًا عسكرية زرقاء داكنة تصطف أسفل الجبل.
توقفت العربة على بُعد مئة متر من خيام فرقة الدوق.
اقترب رجل خشن الملامح، كثيف اللحية، من النافذة. كان قائد المرتزقة الذين استأجرتهم.
“وصلنا، آنستي. سنعود من هنا.”
“شكرًا على تعبكم.”
“كنا قلقين لقربنا من مملكة مويراي، لكننا لم نواجه وحشًا، وكأن شخصًا ما تولّى الأمر عنا.”
رمشت بدهشة.
“شخص؟ من؟.”
ضحك:
“مجرد تعبير. لم أعبر هذه المنطقة بهذه السهولة من قبل.”
التعليقات لهذا الفصل " 6"