أشار زافيار إلى ريكستون بيده، دالًّا على مدخل الخيمة. رفع ريكستون الستار، فظهرت جود واقفةً بوجهٍ متورّد قليلًا.
تبادلَت جود نظرة سريعة مع وجه ريكستون الجامد، ثم أدّت التحية العسكرية لزافيار. وحين ردّ التحية، سألها بهدوء:
“ما الأمر يا جود؟ قلتِ إن له علاقة بآنسة غراهام.”
“هناك أمر لا بدّ أن تعلمه، سيدي.”
“أمرٌ يجب أن أعلمه؟.”
“نعم.”
“اقتربي وارفعي تقريركِ.”
تقدّمت جود بخطوات مشدودة، وقد شدّت إحساسها القتالي إلى أقصاه، ووقفت أمام المكتب حيث يجلس زافيار. ما إن خرج ريكستون وابتعد صوته، حتى اكتسى وجهها ملامح جادّة حازمة.
“سيدي، تلك المرأة ليست بريئة.”
كانت يوريا غراهام تثير انزعاج جود. لم يعجبها مجيئها إلى ساحة المعركة متذرّعة بالخدمة، وهي ترتدي درعًا غريب الشكل، والأهم من ذلك أن نواياها المريبة كانت واضحة في عيني جود. مجرّد نبيلة شابة بلغت سن الرشد حديثًا، تملك بعض المال، وتتصرف وكأن الأمر لعبة أطفال، كان ذلك يثير اشمئزازها.
قال زافيار بلهجة صارمة:
“جود، نائبة رئيس تجارة غراهام هي ضيفة، وهي أيضًا ابنة بارون. تحفّظي في كلامكِ.”
لم يكن يجهل سبب توترها.
‘تظنّ أن نبيلة متهوّرة جاءت إلى ساحة قتال دامية لتُفسد الأجواء بلا داعٍ، أليس كذلك؟.’
في الحقيقة، هو نفسه لم يستسغ يوريا غراهام في البداية. ظهرت فجأة بلا سابق إنذار، وراحت تفاوضه، بل وتدسّ العقد أمامه بجرأة.
لكن عند التفكير بالأمر، لم يكن خيارها سيئًا. بل إن الجيش بأكمله استفاد منها استفادة عظيمة.
بل أكثر من ذلك، كان يشعر بالامتنان. كما أن تصرّفاتها الغريبة كانت تثير فيه شيئًا من السخرية الخفيفة.
الخلاصة أن يوريا غراهام كانت مختلفة.
على الأقل، حتى الآن.
“إن كنتِ ستستمرين بهذا الحديث، فتوقفي.”
“وهل ستظلّ ترى الأمر كذلك بعد أن تسمع هذا، سيدي؟.”
وضعت جود أداةً سحرية فوق المكتب. رفع زافيار نظره إليها باستفهام.
“هذه أداة تسجيل. لقد سجّلتُ حديث الآنسة غراهام. أرجو أن تستمع بنفسك.”
“جود، ما الذي تفعلينه؟.”
“أعلم أنني أخطأت باستخدام أداة عسكرية لأمرٍ شخصي، وسأتقبّل العقوبة. لكن، أرجوك، استمع.”
تنفّس زافيار بحدة وقال:
“ليست هذه المشكلة! لقد سجّلتِ حديث شخصٍ آخر دون إذنه!.”
ضرب المكتب بقبضته غاضبًا، فصرخت جود في اللحظة نفسها:
“لكنها قالت بنفسها إنها «مجنونة بالزواج من سيدي الدوق»!.”
دوّى صوتها في الخيمة.
“جود، أظن أنكِ فقدتِ صوابك.”
“سيدي، أرجوك، استمع مرة واحدة فقط!.”
نادته باللقب الذي كانت تناديه به في طفولته. تلاقت عيناها البنفسجيتان، المتناقضتان مع شعرها الأحمر، بنظراته. تردّد زافيار قليلًا، ثم أذعن.
“حسنًا. شغّليها.”
بلهفة، ضغطت جود الزر، فأضاءت الأداة السحرية وبدأ التسجيل. انساب صوت يوريا غراهام وصوت امرأة أخرى خافتًا.
“هيك، آنسة، ستعودين إلى المنزل الآن، أليس كذلك؟… المتطوعون والمعالجون…”
“لا، لن أعود بعد.”
“ماذا؟.”
“يجب أن أُري سيدي الدوق صدق مشاعري.”
‘صدق مشاعرها؟.’
كان الصوت خافتًا بالكاد يُسمع. اقترب زافيار من الأداة ليستمع بوضوح، فارتبكت جود وضغطت زر الإيقاف.
“أ… أعتذر، لم أُتقن استخدامها بعد. كما أنني سجّلت من مسافة بعيدة…”
لم يردّ زافيار، بل أشار بيده أن تتابع. وقد احمرّ وجه جود وهي تعيد التشغيل.
“ماذا؟ هل حقًا تنوين الزواج من الدوق؟.”
“مايا، ما بكِ… كأنني…”
“أعتذر…”
“لا داعي للاعتذار… سأبقى هنا حتى… المرتزقة… سأستريح قليلًا ثم أساعد…”
“حقًا؟.”
اختلطت الأصوات بالتشويش، وابتلع الضجيج أهم المقاطع.
‘…غريب.’
تشنّج وجه جود. كانت متيقنة أنها سمعت بوضوح: «أنا مجنونة بالزواج من الدوق».
لكن جهلها باستخدام الأداة، أو خلل التسجيل، أضاع الدليل.
قال زافيار ببرود:
“وأين هو الكلام المريب؟ لم أسمع سوى رغبة صادقة في المساعدة.”
“هذا مستحيل! لحظة واحدة فقط…”
بدأت جود تعبث بالأداة مرتبكة، بينما كان الغضب قد استقر في صدر زافيار، وامتزج بشعورٍ غير مريح من الذنب تجاه يوريا غراهام.
“كفى. اخرجي.”
“سيدي، هذا صحيح! لقد قالت بنفسها إنها «مجنونة بالزواج»!.”
نظر إليها زافيار بنظرة ضيق، ثم أغمض عينيه بقوة.
“خيّبتِ أملي يا جود.”
حين رأت وجه الرجل الذي تحبه وتجلّه يكتسي رمادًا، أدركت خطأها واعترفت بسرعة:
“سيدي، لقد تجاوزتُ حدّي.”
“آنسة غراهام سترحل قريبًا. بعد أيام فقط. فلماذا كل هذا الإصرار على طردها؟.”
“ذ… ذلك لأن…”
تنهد زافيار في سرّه، لكنه لم يُظهر شيئًا، وقال ببرود:
“الجنرال جود، عقوبة استخدام أداة عسكرية دون إذن، والتجسّس على الآخرين، هي خصم ثلاثة أشهر من الراتب، مع تنفيذ عشرين دورة حول المعسكر بحمولة كاملة. لا اعتراض؟.”
“…نعم، سيدي.”
غادرت جود وهي تعجز عن إخفاء خيبة أملها. وبعد تأكده من خروجها، مسح زافيار وجهه بخشونة.
‘ما الذي أفعله حقًا؟.’
شعر بالاختناق، فخلع قميصه متجهًا إلى الاستحمام.
كان الحمّام المؤقت بجوار الخيمة يغصّ بالهواء الساخن. بدا أن مُستحضِر الماء الذي جلبته يوريا غراهام يضخّ الماء، فيما تولّت أحجار المانا تسخينه.
انهمرت المياه على عضلات صدره المشدودة، وتجمّعت عند قدميه.
“يوريا غراهام…”
انساب الاسم من بين شفتيه بصوت خافت.
ألم تكن هي نفسها المرأة التي كانت تطارده بالرسائل الغرامية حتى ساحة القتال؟.
«لقد تخليت عنك تمامًا، سيدي الدوق. أنا هنا بصفتي نائبة رئيس شركة غراهام.»
تذكّر وجهها الواثق.
هل تخفي نية أخرى؟ ينبغي أن أكون حذرًا.
تراكمت الأفكار في رأسه، فهزّ رأسه بقوة، محاولًا طردها مع تدفق الماء.
—
لم يظهر الدوق حتى بعد أن انتهينا من تقشير البطاطس والبصل، ووضعناها في قدر الحساء، بل وحتى بعد سلق اللحم والذرة. كان بوق إعلان الطعام قد دوّى في المعسكر منذ وقت.
أي دوق كسول هذا؟ أعددّتُ حتى لحمًا مسلوقًا على الطريقة الكورية!.
التعليقات لهذا الفصل " 10"