Chapters
Comments
- 1 - لا بأس أن أكون سيّدة تافهة. منذ 24 ساعة
حين فتحتُ عينيّ، وجدت نفسي قد صرتُ “سيّدة تافهة في رواية”.
لكن الأمر لم يكن سيئًا، فقد عشتُ في كوريا الجنوبية حياةً أحقر من حياة صاحب الملعقة الملطّخة بالتراب.
“لقد أُعدّت الماكرونات التي طلبتِها يا سيدتي.”
رجل غربي، ذو شعرٍ أشقر وعينين خضراوين، يشبه إلى حدٍّ بعيد الممثل الأمريكي براد بيت، تقدّم نحوي بابتسامة منعشة، ووضع على الطاولة صينيّة مكوّنة من ثلاث طبقات من الماكرونات.
“شكرًا لك.”
أنا الآن داخل رواية خيالية مظلمة ورومانسية مصنّفة للبالغين بعنوان «رجال القديسة روزيتا». لستُ في كوريا الجنوبية، ولا في أوروبا، ولا في هوليوود. وإلا كيف أُفسّر المشهد الذي أراه الآن؟.
داخل مقهى فخم على الطراز الفيكتوري، تمازجت فيه الزخارف الذهبية والخضراء في لوحة بديعة، كان يجلس شبّان وشابّات بملابس رسمية وفساتين أنيقة، متقاربين كعيدان المثلّجات، يحتسون الشاي ويتبادلون النظرات والأحاديث الحميمة.
وبالطبع، كنتُ واحدة منهم.
غير أنّ الفرق بيني وبينهم أنّني لم أكن أبدي أدنى اهتمام بالرجل الجالس أمامي في لقاء خطبة رتّبه الأهل.
“تبدو عليكِ محبّة الماكرونات. هل اعتدتِ أن تطلبي هذا القدر منها؟.”
الفارس النبيل، شريك لقائي هذا، لم يتوقف عن محاولة فتح حديث معي. وعلى الرغم من أنّني كنت أتجاهله تمامًا التزامًا بدوري في الرواية كشخصية “الآنسة الطفولية الشريرة يوريا غراهام”، إلّا أنّه لم ينهض ليغادر، بل ظلّ متحمّلاً لامبالاتي لوقت أطول مما توقعت.
‘هيا، غادر… لا وقت لديّ لإضاعة دقيقة واحدة معك.’
لأخفي نفاد صبري، تماسكت وأخفضت نظري نحو المائدة. فوق الصينيّة ثلاثية الطبقات، ارتصّت الماكرونات الملونة بأناقة.
حتى القليل منها يساوي عشاءً كاملاً في حياتي السابقة. أما الآن… فيمكنني التهامها حتى أتخم من الحلاوة.
تناولتُ ماكرونًا ورديًا ووضعته في فمي، فانحلّ برائحة الفراولة العذبة.
‘يذوب بسلاسة…’
كان لذيذًا للغاية حتى إنّ قدميّ، المخفيتين تحت الفستان، أخذتا تخبطان الأرض سرورًا.
مددت يدي بسرعة إلى ماكرون أزرق سماوي ووضعته في فمي، ثم أسندت وجهي إلى النافذة بابتسامة مترفة. تناثرت بتلات أزهار الكرز مع نسيم الربيع، متلألئة بضياء أبيض صافٍ تحت أشعة الشمس.
‘يا للجمال.’
فصل الربيع في مقاطعة “بينز” مشهور بطرقات أشجار الكرز المتراصّة، وهي وجهة مثالية للأزواج الشباب الذين يواعدون بعضهم.
‘حقًا، ما أطيب أن يمرح المرء ويقع في الحب.’
“الآنسة غراهام.”
‘آه… كم أحب الاستمتاع!.’
“الآنسة يوريا غراهام؟.”
زفرت بضيق.
مع تكرار صوته المزعج، سحبت نظري من النافذة لأحدّق إلى الأمام. كان الشاب المقابل لي، “الفيكونت هاريس”، يجلس فاتحًا ساقيه على اتساعهما وينظر إليّ بتركيز.
‘أما كان أجدر بك أن تُغلق ساقيك قليلاً؟.’
“ماذا قلتَ؟.”
أجبتُه ببرود بينما أبلع آخر قطعة من الماكرون في فمي.
“الزوجة ذات الشهية الكبيرة تفتقد إلى الفضيلة. الزوجة الجيدة يجب أن تكون مقتصدة. وإذا تزوجتِني، فهناك أمور كثيرة يجب أن تتعلميها.”
ما هذا؟ لم نلتقِ إلّا اليوم، وأنت تتحدث عن الزواج بالفعل؟.
بوجه متجهّم، دفع الفيكونت صينية الماكرونات بعيدًا عني. كانت الحركة فجائية حتى إنّني رمشت بدهشة.
“لماذا أبعدتها؟ لقد دفعت ثمنها، وسآكلها. ألا تعرف مبدأ: مالي، طعامي؟.”
أطبقت شفتيّ كي لا أفقد أعصابي.
لقد مرّ شهران منذ أن وجدت نفسي داخل هذه الرواية الكئيبة المصنّفة للبالغين «رجال القديسة روزيتا»، وما زلت غير قادرة على التكيّف مع هذه العقليات القديمة، التي تبدو أحيانًا أكثر تخلّفًا حتى من عصور جوسون.
أهذا الغرب؟ لعلّه أشبه بالعصور الوسطى.
حتى حين قطّبت حاجبيّ في وجهه، واصل الفيكونت خطبته بلا انقطاع.
“أليست مهمّة الزوجة أن تدبّر أمور المنزل بحكمة وتدعم زوجها؟.”
“…”
“المرأة التي تدعم زوجها هي أفضل عروس على الإطلاق.”
كان صوته يزداد ثِقلاً.
“ألا تعرف سمعتي؟.”
“هاها، بالطبع. أنتِ الآنسة ‘الشريرة الطفولية’، أليس كذلك؟ إذا تزوجتِني، فسأساعدكِ على محو هذا اللقب! واللوم كلّه على أنّ والديك لم يربّياكِ كما ينبغي.”
“أوه، إذن لستُ مناسبة لأن أكون عروسك.”
قاطعته قبل أن تتعفّن أذناي من حديثه.
“فكما يُشاع، أنا أحب الخروج ولا أطيق المكوث في المنزل. فكيف أستقيم مع رجل متعلّم وهادئ مثلك؟.”
“آحم…”
سعل الفيكونت في حرج، متلعثمًا.
هل سيغادر أخيرًا؟.
“إذن… هل فكّرتِ أين سنعيش بعد الزواج؟.”
ما زلتَ جالسًا؟!.
“ليس لي أدنى نيّة في مغادرة بينز. أريد أن أبقى ملتصقة بوالديَّ العزيزين كالشوك.”
“رائع! فبما أنّ البارون لا يتاجر بالسلاح، فقد بنيتُ صلات مع بعض تجّار الأسلحة.”
رغم ردودي القاطعة، ظلّ الفيكونت يتشبّث بالحديث، بل أخذ يتحدث عن أمور لا تمتّ للموضوع بصلة.
“لا أفهم ما تقول.”
“رجاءً، تحدّثي مع البارون غراهام. أطلبي منه أن يُعدّ لي منصب نائب رئيس في النقابة. أليس هذا من صميم دور الزوجة الداعمة لزوجها؟ هاها.”
آها… الآن فهمت. كلّ هذا الإصرار لم يكن سوى محاولة للتسلّق نحو منصب في عائلة غراهام.
فالبارون غراهام، الذي أصبح الآن والدي، وإن لم يكن من أعاظم النبلاء، إلّا أنّه يحظى بمهابة كبيرة بوصفه حاكم مقاطعة بينز، كما أنّه ثريّ للغاية.
بل لأصحّح، هو من أثرى أثرياء إمبراطورية بريلانت بأسرها.
تجارتنا الأساسية توريد المواد العسكرية لمختلف الممالك. غير أنّ البارون، لكونه مسالمًا، لم يتعامل يومًا مع السلاح رغم أرباحه الكبيرة، واكتفى بالربح الهائل من الأغذية، الأدوية، الجرعات، الألبسة، الزيّ العسكري، الأدوات السحرية، والأيدي العاملة.
ثروة تكفي لأن أشتري ما أشاء بلا حساب.
حتى وإن كنتُ شخصية هامشية في الرواية، فأنا على الأقل أملك ملعقة مرصّعة بالألماس.
رفعت فنجان الشاي إلى شفتيّ، ثم ابتسمت وأنا أدفع صينية الماكرون نحوه.
“لا بد أنّك تعاني نقص السكر. لذا تتفوه بمثل هذا الهراء.”
ولم أنسَ أن أرميه بنظرة ساحرة، وأغمض عينَيّ الزرقاوين على هيئة هلالين، بابتسامة رقيقة. فالمزج بين السخرية والابتسام الساحر هو علامة يوريا غراهام المميّزة.
في النهاية، تجعّد وجه الفيكونت بغضب، وانتزع رباط عنقه الملوّن بعنف.
“لقد تغاضيت عن ردودكِ السطحية، لكن… ماذا قلتِ الآن؟!”
ارتجفت جفون عينيه الكثيفتين.
“أوه… لا بد أنّك تفتقر إلى المغنيسيوم. ماذا قلتُ؟ لا أذكر…”
“كنتُ على وشك الزواج بكِ رغم عنادكِ وطيشكِ، ومع ذلك لا تشكرينني بل تسخرين مني؟!.”
ولماذا؟ أفعل هذا عمدًا! ثم من قال إنني سأرتبط برجل مثلك؟.
بدأ رواد المقهى يلتفتون نحونا، فأدركت أنّ وقت التخلّص منه قد حان.
“أيها الفيكونت… أتعرف السبب؟.”
ابتسمت ابتسامة مشرقة، وعيناي مقوّستان كالهلال. عندها هدأ وجهه قليلاً.
صحيح أنّ يوريا غراهام شخصية ثانوية، لكنها مرسومة بجمال فائق.
‘شكرًا لكِ أيتها الكاتبة.’
“السبب ببساطة… أنّني لا أحبك.”
“ماذا؟!.”
انكمش وجهه مجددًا.
“وفوق ذلك، ذوقك فظيع.”
“ذوقي؟!.”
“بل وأفكارك أيضًا بائسة.”
“هاه؟.”
“لهذا، لن أتزوجك. إلا إن كنتَ دوقًا وسيمًا مثل زافيار أوغست.”
“أغغ…”
“إذن، وداعًا.”
“يا لها من امرأة وقحة!.”
استغرق الأمر عشر دقائق فقط ليغادر هذا الشريك الغاضب مهرولاً. رقم قياسي!.
“ماذا سنفعل الآن يا آنستي؟! لماذا أفسدتِ لقاء الخطبة مجددًا؟!.”
ركضت خادمتي المخلصة “مايا” نحوي من طرف القاعة، غاضبة وهي تراقب ظهر الفيكونت المنسحب.
“أما كان يكفي والدي؟! هل يُعقل أن يرسل ابنته، التي بالكاد تعافت من انهيارها، إلى لقاءات زواج متتالية شهرين كاملين؟.”
“إن لم تتزوجي يا آنستي، فقد يرسلكِ والدكِ إلى ديرٍ أشد قسوة من بينز.”
“هاها… والدي لا يقصد ذلك، لن يفعلها أبدًا. ثم إنني… لن أتزوج إلا رجلاً أحبّه.”
“ألهذا ذكرتِ اسم الدوق أوغست آنفًا؟.”
“ولمَ لا؟ ألم تقولي إنكِ رأيتِه أيضًا في مراسم التوديع، يا مايا؟ إن رجلاً وسيمًا مثله نادر الوجود.”
“أجل، لا أنكر وسامته.”
لكن، في الحقيقة، لم أرَه بعد بعيني.
ارتبكت مايا، واحمرّ وجهها، ثم قالت بحزم:
“لا يجوز هذا! دوق أوغست من أعاظم النبلاء. وبفضله، نعيش في سلام بعيدًا عن شبح الحرب بين مملكة الوحوش والإمبراطورية. رجل مثله أكبر من أن يليق بآنسة طفولية مثلكِ.”
صحيح…
رغم أنّ الحرب قائمة بالفعل على حدود مملكة الوحوش، فإن الشباب هنا يتبادلون الغرام في المقاهي الفاخرة ويتنزهون في شوارع الكرز، بفضل سيف الدوق المبارز، زافيار أوغست.
“مايا، أليس حكمكِ عليّ قاسيًا؟ أنا أعلم أنّه عظيم الشأن.”
“حتى لو كنت أحبكِ يا آنستي، فالخطأ خطأ. لا أجيد الكذب.”
“لكن… لديّ أمر لا بدّ أن أفعله حين ألتقي الدوق. لقاءات الزواج هذه مضيعة للوقت.”
أطرقت مايا برأسها متنهدة، وضفائرها تتأرجح.
“أما تذكرين؟ قبل الحرب، ارتكبتِ من الحماقات في حق الدوق ما لا يُحصى. أتظنينه سيقابلكِ بعد كل ذلك؟.”
“لا أذكر… ذاكرتي مشوشة.”
لا يمكن أن أتذكر ما لم يُذكر أصلاً في الرواية.
رغم أنني سكنت جسد هذه الفتاة، لم أرث كل تفاصيل حياتها. عكس بطلات الروايات الأخريات، لم أنل أية ميزات إضافية عند الانتقال.
نظرت إليّ مايا بنفاد صبر، ثم تابعت.
“ذاكرتك مشوشة؟ ألا تذكرين أنّكِ رُفضتِ حين اقتحمتِ قصره بلا إذن؟.”
تلك لم أكن أنا، بل يوريا الأصلية.
“وفي حفلٍ كبير، تقرّبتِ منه لتقديم هدية، ثم تقيأتِ على ثيابه.”
“أوغغ…”
“بل وطلبتِ ثوب زفاف وأرسلته إليه عبر رسول.”
“آه…”
“انتظرتِ يومًا كاملًا أمام نادي الرجال.”
“توقفي!.”
يا إلهي… لقد زرعت يوريا كل شارة موت ممكنة.
“وحين فشلتِ، أضربتِ عن الطعام سبعة أيام تصرخين بطلب الزواج، حتى انهرتِ مغشيًّا عليكِ.”
“مايا، انسَي الماضي. جهّزي عربة، سأتوجه إلى النقابة الآن.”
“مجدّدًا؟!.”
تنهّدتُ بحدّة، فخضعت على مضض، واستدعت أحد الخدم ليحمل الأكياس.
حملتُ مروحة يدي فقط، وغادرت المقهى إلى العربة الفاخرة بانتظاري. امتلأ الجو بداخلها برائحة فاخرة.
إنّه عبير الثروة…
استنشقت بعمق ونظرت من النافذة بينما تتحرّك العربة. المباني العتيقة التي ألفتها مرّت سريعًا أمامي.
بعيدًا في الأفق، كان يمتدّ جبل شاهق، خلفه قصر الدوق أوغست، الرجل الذي ترهبه الإمبراطورية بأسرها وتبجّله.
زافيار أوغست، الدوق الوسيم، البطل الثانوي في «رجال القديسة روزيتا».
وفي الوقت ذاته، هو الرجل نفسه الذي سيقطع عنقي في مستقبل قريب.
‘أتظن أنّني سأجلس بانتظار موتي؟ كلا. سأعيش… ولو كان عليّ أن أغيّر أحداث القصة نفسها!.’
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات