9
أطبقتُ شفتي بإحكام.
انزلقت المنشفة التي كنت أستخدمها لتجفيف شعره من يدي وسقطت على الأرض، ولم تسعفني نفسي على التقاطها.
كان معصمي، الذي قبض عليه، قد بدأ يشعر بوخز خفيف غريب.
كانت عيناه الصافيتان، حد البرودة، تحدّقان فيّ كما لو كان يقرأ كل أسراري. نظرته الخالية من المشاعر، والمليئة بالريبة، كانت تجمّد قلبي.
ذهني شُلّ تمامًا.
تنفّسي ازداد ثقلًا، حتى أنني اضطررت إلى فتح فمي قليلًا لأتنفس.
ومع ذلك، تحدّث ببرود، دون أدنى شفقة:
“لن أمانع لو كنتِ فقط تجيدين تحضير الشاي.”
“…نعم.”
“لكن بهذا الشكل، لدي شعور بأنكِ ستجعلين حياتي أكثر تعقيدًا. أليس كذلك، أرييلسا؟”
هززتُ رأسي بعنف.
“لا، لا يا سيدي الدوق. أنا فقط… فقط…”
أنا فقط أريد مساعدتك! حينها فقط سأشعر أن لي قيمة في هذا العالم!
لكن هذا الصراخ الملهوف بقي محبوسًا في صدري. لم أستطع البوح به. ولم يكن يجدر بي أن أفعل.
“هل هو تأثير ما بعد عودتكِ من ذلك العالم؟”
“…”
كان الدوق كايرون نفسه هو من منحني مخرجًا.
لطالما انتشرت الحكايات عن أناس تغيّروا بعد تجربة الاقتراب من الموت، فاكتسبوا شخصيات جديدة أو قدرات لم تكن لديهم من قبل.
كان عليّ أن أغتنم الفرصة وأقول: “نعم، هذا هو السبب!”
لكن، لسببٍ ما، الكلمات لم تخرج.
كل ما فعلته هو التحديق في قطرات الماء المتساقطة من خصلات شعره عند عنقه.
وفي النهاية، حرّر معصمي من قبضته.
“جفّفيه.”
أسرعت بالتقاط المنشفة وعدتُ إلى تجفيف شعره.
عندها فقط، بدأت أشعر بدفء الموقد.
“سيدي الدوق…”
“لا داعي لأن تقولي شيئًا اليوم. لكن، في يومٍ ما، سيكون عليك أن تخبريني، أرييلسا.”
“…”
ثم أضاف بصوت منخفض:
“لقد أنقذتِ حياتي. شكرًا لك.”
لو كان هذا مشهدًا من رواية، ولو قرأتُ تلك الكلمات على الورق، لكنتُ صرخت من الفرح.
لكنني كنت واقفة خلفه، أعض شفتي بقوة.
خشيت أن يلاحظ رجفة أصابعي أو السخونة المفاجئة في يديّ، فتمسّكت بالمنشفة بخفة متعمّدة، وبدأت أفرك فروة رأسه برفق.
في أذنيّ، بدا صوت نبضات قلبي أعلى من صوت احتراق الحطب في الموقد.
❄❅❄
حتى بعدما عدت إلى غرفتي، لم تهدأ مشاعري.
كان معصمي — الذي أمسكه — كأنما قد اشتعلت فيه نار. لا، لم يكن المعصم فقط؛ بل ذراعي بأكملها حتى قلبي، كله كان يؤلمني بلسعة دافئة ووخز غريب.
هل جننتِ؟ هل فقدتِ صوابك؟ توقفي عن هذا، يا قلبي.
فتحتُ النافذة عمدًا لأدع الهواء البارد يصفع وجهي. عندها فقط بدأت أشعر ببعض الهدوء.
ومع ذلك، وجدتُ نفسي، من دون وعي، أضمّ معصمي بيدي الأخرى — كأنني أخشى أن يتبخّر دفء لمسته في الهواء.
الدوق كايرون، الذي رأيته في ساحة التدريب، كان تجسيدًا صارخًا للكمال البارد والقسوة الدقيقة.
وصف “قاسٍ لا يرحم” الذي يُقال عن تشايرس لم يكن سوى استعارة مقتبسة من قاموس كايرون نفسه.
ومع ذلك، ذلك الدوق القاسي بدا لي لطيفًا بشكل خفي.
صحيح أنه لم يكن يُظهر حنانه علنًا، لكنه لم يكن يقسو عليّ كما يفعل مع الآخرين، بدا وكأنه يتعامل معي كما يتعامل الأخ الأكبر مع أخته الصغيرة الغريبة الأطوار التي لا يستطيع كرهها مهما حاول.
وكأنه لا ينوي، حتى الآن على الأقل، أن يوجّه قسوته المعتادة نحوي.
ربما كان يخشى أن تتسرّب الفضيحة إلى الخارج، لذا تظاهر بعدم المعرفة واحتواء الأمر مسبقًا.
لو تصرّف تشايرس كما فعلت، لكان دوق كايرون قد استخدم شتى الوسائل ليجعله يعترف بكيفية معرفته بأن القارب سيغرق.
لكن في النهاية، لم يواصل استجوابي، بل تركني وشأني.
وهذا بالذات ما أربك أفكاري.
هل لأنني امرأة؟
أم لأنه يثق بي، بعدما عرفني منذ الطفولة؟
أم أنني، بكل بساطة، لست سوى كائن تافه لا يشكّل أي تهديد حقيقي له؟
ومع ذلك، لم تكن نظرته إليّ نظرة ازدراء. ولم تصل إلى حد المودّة، لكنها حملت شيئًا من التسامح الاستثنائي، ونوعًا من اللطف الخجول. وطالما شعرت بذلك، لم أملك إلا أن أبذل جهدي من أجله.
لكن كلما فعلتُ ذلك، زادت شكوكه تجاهي.
يا لها من حلقة مفرغة غريبة.
“هاه…”
تنهدتُ تنهيدة طويلة، وجلست على السرير.
نعم، شكوك دوق كايرون كانت مصدر قلق… لكن كان هناك أمر آخر أكثر إلحاحًا.
منذ أن رأيت جسده بعد خروجه من الحمام، تسللت إلى رأسي أفكار وقحة لا يمكن تجاهلها.
ظللت أقنع نفسي أنه بطل الرواية، ومن الطبيعي أن يبدو مثاليًّا بهذا الشكل. لكن، رغم محاولاتي، لم أستطع منع أنفاسي من الإسراع.
“هممم…؟”
وفجأة، أدركت الأمر.
لم تكن هناك من ندبة على خاصرته.
في منتصف الرواية، تتسلل البطلة لتراه وهو يستحم، وتتساءل عن تلك الندبة—من أين جاءت؟ لكن قبل قليل… لم تكن هناك أي ندبة. جسده كان خاليًا من العيوب. مثاليًّا على نحو لا يُصدّق.
وهذا يعني… أنه لم يُصب بتلك الندبة بعد.
“الصيد…”
لاحقًا، حين تسأله البطلة عن تلك الندبة، يجيبها دوق كايرون ببرود وصدق أنها جاءت إثر سقوطه عن ظهر حصانه أثناء الصيد.
البطلة، التي نشأت في كنف والدها الماركيز القويّ الثريّ، اعتادت على الرجال المتفاخرين الذين يسعون لشدّ انتباهها.
ولذا، حين علمت أنه سقط عن الحصان، شعرت بخيبة أمل خفية—ظنّت أن دوق كايرون، الذي تتحدث عنه الشائعات بإعجاب، ليس بتلك العظمة في الواقع.
بل ذهبت إلى حدّ السخرية منه علنًا.
[أوهانا: يع كيف صارت البطلة، بس تبون الصراحة أنا متحمسة وقت تظهر، أحس بيكون أكشن]
ذلك المشهد مزّق قلبي عندما قرأته لأول مرة… حتى إنني بكيت.
أذكر أن قسم التعليقات في تلك الحلقة قد انفجر غضبًا.
فهي، التي نشأت كزهرة ناعمة في قصر والدها، لم تملك البصيرة الكافية لتُدرك أن دوق كايرون يملك من القوة ما يجعله قادرًا على سحق والدها ومَن معه إن أراد.
بل وحتى في وقت لاحق، لم تُدرك قيمته الحقيقية، بل إن الحب والكراهية تداخلا في قلبها شيئًا فشيئًا ضمن سياق معقد ومشحون بالعاطفة.
والدي الحقيقي—لا أقصد جورج، بل والدي الفعلي—كان دائمًا يقول إن الإنسان يحتاج إلى هدف يعيش من أجله.
والآن، أصبح لي هدف: أن أمنع إصابته في تلك الحادثة أثناء الصيد، تلك التي ستترك الندبة على جسده.
هذا الهدف أوضح لي كل شيء. الرهبة والارتباك اللذان اجتاحاني مساء اليوم، تبلورا أخيرًا في شعور حاسم وواضح.
وبينما كنت أتدحرج تحت الغطاء، همست في داخلي:
“سأرعى بطلنا بعناية، وسأحفظه من كل ندبة.”
❄❅❄
في الأيام التي يسمح لي فيها دوق كايرون بالمغادرة مبكرًا، كنت أتوجّه إلى مكتبة القصر بحثًا عن كتب تتحدث عن الأعشاب الطبية.
كنت أفتقد ميزة البحث الإلكتروني بشدة، لكن لم يكن أمامي خيار سوى استخدام ما هو متاح.
ورغم صعوبة الأمر، فوجئت بوجود معظم المراجع التي كنت أحتاجها.
وهكذا، تعرّفت على كثير من الفواكه والنباتات الطبية التي تنمو في هذه المنطقة.
كنت أزور الدفيئة الزجاجية من حين لآخر أيضًا. تقع على طرف حديقة الدوق، وتضم أشجار التفاح وغيرها من النباتات المزهرة. هناك، كنت أزرع أنواعًا مختلفة من الأعشاب الطبية والنباتات التي تُغلى وتُستعمل كعلاج.
وفي أحد الأيام، وقفت داخل الدفيئة أحدّق بشجرة التفاح—كانت عليها آثار خدوش حيث كان يُسنَد إليها السلم.
من هنا سقطت إذًا… يا لها من نهاية تعيسة لشخصية ثانوية.
“لا، لا… تفاؤل! فقط تفاؤل!”
صفعتُ وجنتي بخفة وعدتُ أتفقد الأعشاب. كانت الأعشاب التي زرعتها أرييلسا في الغالب ذات خصائص تدفئ الجسد أو تهدّئ الأعصاب.
وبما أنها كانت تعتني بها بكل هذا الإخلاص، فلا شك أن دوق كايرون كان يحب الشاي بصدق.
قمت بتقليم النباتات التي نمت أكثر من اللازم، وقطفت بضع أوراق من عشبة ليليس ذات الرائحة الفريدة.
وعلى عكس ما يُطلق عليه زورًا “ربيع الشمال”، والذي لا يكاد يتجاوز كونه إشاعة، كان الهواء داخل الدفيئة دافئًا بحق، كعصر ربيعي حقيقي.
وبمجرد أن تدخل، لا ترغب في الخروج.
لكن فجأة، شعرت بقليل من البرودة، ونظرت من حولي لأجد أن الشمس بدأت تميل إلى الغروب.
كانت الدفيئة حارّة قليلًا في ساعات النهار، لكن ما إن تغرب الشمس حتى تنخفض درجة الحرارة بسرعة.
لقد فقدتُ الإحساس بالوقت أثناء الاعتناء بالأعشاب.
سمعت باب الدفيئة يُفتح والتفتُّ بسرعة.
“السير تشايرس.”
“كنتِ هنا إذًا؟”
نظر هو أيضًا، كما فعلتُ من قبل، بهدوء إلى شجرة التفاح التي سقطتُ منها، ثم أعاد نظره إليّ.
شعرتُ بانزعاج خفي لا أستطيع تفسيره.
“أنتِ دائمًا تأتين إلى هنا عندما يكون لديكِ وقت فراغ.”
يبدو أن تصرّفاتي تطابقت مصادفةً مع ما اعتادت أرييلسا فعله. وهذا كان مطمئنًا.
لكن ما لم يكن مطمئنًا هو أنني الآن بمفردي معه.
“لأنني أزرع الأعشاب التي يحبها الدوق في شايه.”
“هممم…”
ألقى نظرة غير مبالية على سلة الأعشاب التي جمعتها، وتحدّث بنبرة باردة، لكن مضمون حديثه كان أبعد ما يكون عن البرود:
“القارب يُعاد بناؤه الآن. أما القارب الذي كنتِ عليه، فقد حُطِّم واستُخدم وقودًا للنار.”
حين رمقته بنظرة دهشة، هزّ كتفيه بلا مبالاة.
“لقد كان الدوق غاضبًا جدًا. والخادم المسؤول عن صيانة القوارب عوقب.”
“عُوقب؟”
“سُجن.”
“آه…”
حسنًا، لقد كان حادثًا كاد يودي بحياة الدوق. لم يكن أمرًا يُستهان به.
“أما أنتِ، فينبغي أن تُكافئي، أليس كذلك؟”
هززت رأسي نفيًا.
فـ”مكافأة” على لسان تشايرس، بنبرته الباردة تلك، لم تكن تبشّر بخير أبدًا. أردت فقط مغادرة هذه الدفيئة قبل أن تبرد أكثر.
نطقت أنا وهو في الوقت ذاته تقريبًا:
“لا حاجة لذلك.”
“لو أنكِ فقط تخبرينني كيف عرفتِ أن الدوق كان في خطر.”
في تلك اللحظة، بدأ أحد الخدم بتغطية سقف الدفيئة بالأغطية، فغرق المكان في ظلام مفاجئ. كانت الليالي لا تزال شديدة البرودة، لذا كانوا يغطّون الدفيئة لحماية النباتات من الصقيع.
خفق قلبي بعنف. هذا الرجل الشمالي لم يكن خطيرًا على قلبي فحسب، بل كان خطيرًا على صحتي وحريتي أيضًا. كنتُ أتمنى لو كان مصدر الخطر مصدرًا واحدًا فقط.
عندما هممتُ بالرد، قاطعني تشايرس، كأنما كان يتوقع مني ذلك:
“بالطبع، ستقولين إنه كان مجرد مصادفة. لأنني طلبت منكِ تحضير وجبة خفيفة للدوق، وبما أنه انتقائي جدًا في ذوقه، كان من الطبيعي أن تتحققي ما يريده أولًا.”
كان هذا خطرًا حقيقيًا. شعرتُ أن التزام الصمت أو الرد بخجل كما كانت تفعل أرييلسا لن ينفع هذه المرة.
فرفعت نبرة صوتي قليلًا وأجبت بصرامة:
“هل فعلتُ شيئًا خاطئًا؟ نبرتك توحي وكأنك تتهمني.”
وما إن أنهيتُ جملتي، حتى اكتملت تغطية الدفيئة، وغرقت في ظلام دامس.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 9"