عندما ترجّل الدوق كايرون وتشايرس عن صهوات خيولهم، خرج الخدم المكلّفون بإدارة البحيرة لاستلام الخيول. بدأ بعضهم بإشعال النار عند ضفاف البحيرة استعدادًا لطهي الطعام.
كان ذلك مطمئنًا. ففي حال سقط دوق كايرون في الماء، سيكون بإمكانهم تدفئة جسده على الفور.
في هذا اليوم، كان دوق كايرون على وشك أن يغرق في هذه البحيرة. إن القارب الذي تُرك مهملاً طوال الشتاء، فغرق تدريجيًا بسبب تآكل قاعه.
في القصة الأصلية، لم يدرك مرؤوسوه أن هناك خطبًا ما إلا بعد وقت طويل، عندما لاحظوا أن سطح الماء صافٍ تمامًا حيث كان يجب أن يطفو. وفي خضم ذهول الجميع، يظهر الدوق وهو يسبح خارجًا من الماء، ثم فقد وعيه.
بعد ذلك، يُصاب الدوق بالتهاب رئوي. وفي زمن لم يكن فيه البنسلين¹ موجودًا، كان ذلك بمثابة حكم بالإعدام.
[ الشرح¹: البنسلين هو مضاد حيوي يُستخدم لعلاج العدوى البكتيرية. اكتشفه ألكسندر فليمنغ عام 1928، ويعمل عن طريق قتل البكتيريا أو منعها من النمو. ]
ورغم أنه تعافى بفضل قوته البدنية الخارقة، إلا أن معاناته لا تتوقف، إذ يتعرض لاحقًا لمحاولة تسميم أثناء تلقيه العلاج.
وأثناء انشغالي في الأيام الماضية بالتوهان والارتباك، كنت قد وجدت نفسي دخلت بالفعل في مطلع أحداث الرواية الأصلية. ومن هذه اللحظة، لم يعد هناك وقت يمكنني إضاعته.
“سيدي الدوق، هل ترغب في أن أرافقك؟”
عندما قال تشايرس ذلك، أجابه دوق كايرون بحدّة بينما كان يصعد إلى القارب:
“أنا؟ معك أنت؟ بمفردنا؟”
لكن تشايرس لم يُبدِ أي انزعاج، واكتفى بهز كتفيه ودفع قارب الدوق برفق. وبالفعل، لم يكن القارب مناسبًا أبدًا ليركبه رجلان ضخمان معًا.
ثم التفت ناحيتي وخاطبني قائلًا:
“أرييلسا. حضّري شيئًا ليأكله الدوق عند عودته.”
لكنني لم أسمعه. كانت عيناي مثبتتين على قارب الدوق وهو ينزلق باتجاه وسط البحيرة.
“أرييلسا؟”
“نعم. سأقوم بالتحضير.”
أجبت آليًا دون وعي، ثم توجهت إلى الرصيف وصعدت إلى قارب آخر.
وبالرغم من أنني بدأت التجديف، إلا أنني، بصراحة، كنت مرعوبة حتى الموت. فالقصة الأصلية تحدثت فقط عن تعفّن قارب الدوق، ولم تُشر إلى حالة القوارب الأخرى.
هل يمكن لمهارات السباحة التي تعلمتها في المرحلة الابتدائية أن تنقذني من الغرق في بحيرة شمالية متجمّدة؟
كنت خائفة من أن أكون أنا من تنتهي حياته أولًا بسبب الالتهاب الرئوي.
ولكن مع ذلك…
بدأت أجدّ في التجديف وأنا أصرخ في داخلي: سأنقذ سيدي الدوق!
“أرييلسا!”
كان تشايرس يركض على سطح الرصيف بوجه مصدوم. لو تركته، لقفز إلى قاربي مباشرة.
أجدفت بكل قوتي مبتعدة عنه، وصرخت نحوه:
“عليّ أن أسأل الدوق عمّا يود تناوله!”
توقف تشايرس مذهولًا عند طرف الرصيف وكأن كل طاقته قد نفدت. وفي تلك الأثناء، كانت صورته تتلاشى شيئًا فشيئًا مع المسافة.
وما إن أصبحت بعيدة بما يكفي بحيث لا أستطيع حتى سماع صراخه، شعرت بنوع غريب من النشوة.
في البداية، كان القلق يملأني، لكن صوت ارتطام الماء المتكرر بجوانب القارب واهتزازه اللطيف صار مألوفًا بسرعة. السماء الملبدة بالجليد فوق رأسي بدت وكأنها على وشك أن تتشقق.
كانت أصوات الطيور تتردد بين الحين والآخر، وكانت هادئة للغاية حتى إنني شعرت برغبة في النوم. بدأت أفهم سبب حب دوق كايرون لهذا النوع الفريد من العزلة.
بالنسبة لرجل يتحمّل مسؤولية إدارة إقليمٍ كامل، ربما لا يوجد مكان أنسب من هنا لقضاء لحظات تأمل صامتة.
تأملت المشهد للحظة بذهول، ثم أسرعت باستعادة وعيي.
“أوه!”
وبدافع الفضول، غمست أطراف أصابعي في الماء، فكان برده كافيًا لجعل شعر رأسي يقف من شدّته.
لا يمكنني السماح لبطل روايتي بالسقوط في ماء متجمّد بهذا الشكل! الأمر يتعلق بكرامة المتجسدة!
فتحت عيني جيدًا، أبحث عن قارب الدوق لأتأكد مما إذا كان لا يزال سالمًا.
“آه! سيدي الدوق…!”
القارب، الذي كان يطفو بوضوح في منتصف البحيرة قبل قليل، اختفى تمامًا. كان سطح الماء هادئًا ومتلألئًا.
بدأت أجدّف بجنون، آملة أن تكون العضلات الكامنة في جسد “أرييلسا” ورثت شيئًا من قوة “جورج”.
“سيدي الدوق!”
وصلت إلى آخر موقعٍ شوهد فيه قارب الدوق، لكن سطح المياه المتجمّد لم يرد سوى صدى صوتي.
وبعد أن تلاشى صداي، عادت البحيرة إلى سكونها التام… صمتٌ مخيف، وكأنها ابتلعت كل شيء.
“آه…”
خلعتُ معطفي.
كان قلبي يخفق بعنف من شدة الخوف—ماذا لو أصبت بنوبة قلبية بمجرد أن أقفز في هذه المياه المتجمّدة؟ لكن التردد لم يدم طويلًا. فهناك شخص على وشك أن يموت!
“بفوه!”
في تلك اللحظة، ارتفع رأس الدوق كايرون المبلّل من تحت الماء، وتشبّث بحافة قاربي.
“سيدي الدوق!”
“أرييلسا.”
حاولت أن أتحرك لأراه، فاهتزّ القارب بعنف نتيجة حركتي المفاجئة.
“هل أنت بخير؟”
“هل أبدو بخير؟ اتجهي للجهة الأخرى، أرييلسا.”
“نعم، سيدي الدوق!”
أملت جسدي إلى الجهة المقابلة حتى يتمكن الدوق كايرون من الصعود إلى القارب.
وبمجرد أن صعد، انهار داخله كقطعة قماش مبلّلة. ملابسه الثقيلة كانت مشبعة بالماء، تمامًا كقطعة قماش غارقة.
رغم أنه، بالطبع، كان ألمع قطعة قماش في الوجود.
“سيدي الدوق…؟”
أدار وجهه المبتل نحوي، وكان البخار يتصاعد من جسده.
وقبل أن أفتح فمي، بادر هو بالسؤال:
“ما الذي تفعلينه هنا؟”
“الوجبة الخفيفة…”
تلعثمت وتوقفت للحظة.
هل هذا حقًا أفضل عذر استطعت التفكير فيه…؟
“ماذا قلتِ؟”
“لم أسأل ما الذي تود تناوله كوجبة خفيفة، لذا جئت لأسأل.”
“آه، أرييلسا.”
قالها الدوق كايرون ثم تمدد مرهقًا، بينما بدأت أجدّف عائدة إلى الرصيف بصمت.
عندما عاد الدوق كايرون وهو مبلّل كليًا، عمت الفوضى على ضفة البحيرة. هرع الخدم لإحضار البطانيات من مخزن القوارب، وقاموا بتقوية نار الموقد، وأزاحوا اللحم المشوي وبدأوا بتسخين الماء.
صرخ تشايرس في وجهي:
“ما الذي حدث بالضبط؟!”
[ أوهانا : سلامات يا الحبيب!]
“أنا—أنا لست متأكدة… الدوق ظهر فجأة…”
تحدث الدوق كايرون وهو يحتسي ماءً دافئًا أمام النار، بنبرة تدل على الضيق:
“تشايرس، سنعود. احرقوا بقية القوارب.”
وقف خادم القوارب مذهولًا، ووجهه شاحب كالثلج.
رمقه تشايرس بنظرة كادت تقتله، ثم امتطى جواده ليلحق بالدوق. وأنا تبعتهم دون تفكير.
بعد العودة إلى القصر، سارعت لطلب ماء دافئ ليستحم به الدوق. وخلال استحمامه، دخلت غرفة نومه وجهزت له ملابس نظيفة ووضعتها بعناية على الطاولة.
كانت سراويل الجلد السميكة أكثر نعومة مما توقعت، وكان القميص تفوح منه رائحة الشمس. بالمقارنة مع خادمة متعثّرة مثلي، كانت الخادمات الأخريات في القصر أكثر كفاءة بلا شك.
قلبي لا يزال يخفق بسرعة.
صحيح أن الدوق كايرون سقط في الماء تمامًا كما حدث في الرواية الأصلية، إلا أنه خرج بسرعة. وبالنظر إلى حالته الآن، فلا يبدو أنه سيُصاب بنزلة برد.
وبهذا، فإن الإمبراطور لم يعد قادرًا على اغتنام فرصة إصابة الدوق بالتهاب رئوي ليمنحه “دواءً” مسمومًا.
من الممكن، إذًا، تغيير مجريات القصة.
وكان هذا الإدراك مثيرًا للغاية. راودني شعور غريب، وكأن مصير الدوق كايرون هارفل أصبح بين يديّ الآن.
“…”
وفي تلك اللحظة، دخل الدوق إلى غرفة النوم. كان يقف هناك، لا يرتدي سوى منشفة ملفوفة حول خصره، وشعره المبلل يتدلى على كتفيه.
يا إلهي…
أدرت ظهري له بسرعة، متجنّبة النظر إليه، فلم تكن لدي القدرة الذهنية لتأمل جسده المثالي المليء بالعضلات أمامي دون أن أنهار.
في الغرفة، انتشرت رائحة خفيفة لشاي الزنجبيل الذي أعددته مسبقًا. وعندما التقط أنفه الرائحة، بادر بالسؤال:
“ما هذا؟”
“شاي زنجبيل.”
“شاي زنجبيل؟”
“إنه عشبة طبية مفيدة للجسم، حصلت عليه من الطبيب.”
“أنتِ تأخذين أمر الشاي على محمل الجد، أليس كذلك؟”
“…”
“أرييلسا؟”
اقترب دوق كايرون من خلفي وكأنه ينتظر ردًّا، فأغمضت عيني بقوة وصرخت في داخلي:
ارتدِ ملابسك، أرجوك… فقط ارتدِ ملابسك!
لكنه لم يتحرّك.
تنهد الدوق كايرون ببطء، وعلى ما يبدو، قد نفد صبره:
“هل نسيتِ أن عليكِ مساعدتي في ارتداء الملابس؟”
“آه…”
كان… ينتظر مني أن أساعده في ارتداء ملابسه.
آه، نعم، ربما قلت إن التجسّد كخادمة أفضل من أن أكون البطلة… لكن لم أكن أقصد أن يكون الأمر بهذه الطريقة…
وبينما كنت أحدّق إلى الأرض مترددة، نفد صبره أخيرًا وأخذ القميص بنفسه.
حاولت التغطية على الموقف المحرج بانشغالي بصب شاي الزنجبيل.
ارتدى ملابسه بسرعة ودون اكتراث، ثم جلس على كرسي وقال بنبرة منزعجة بعض الشيء:
“جفّفي شعري.”
وبينما بدأ يشرب الشاي، وضعت المنشفة برفق فوق رأسه وأنا أحبس أنفاسي. ومن خلال لمسة يدي، شعرت بعضلات كتفيه ترتخي ببطء. بدا أنه راضٍ عن الشاي أيضًا.
بدأت بفرك شعره الرطب بالمنشفة. وقد انبعثت منه رائحة زيوت عطرية فاخرة.
كان يتلقى لمساتي براحة تامة، وترك جسده بين يديّ بثقة، كما لو كان يثق بي ثقة مطلقة.
وحين أدركت ذلك، اجتاحتني مشاعر غريبة.
بدأ قلبي ينبض من جديد، لكن هذه المرة لسبب مختلف.
هذا الرجل… يشكّل خطرًا حقيقيًّا على قلوب النساء…
“أرييلسا، كيف عرفتِ؟”
“جدتي كانت تقول إن الزنجبيل الأفضل لتدفئة الجسم… وسمعت هذا كثيرًا في السوق، آه…”
قبض دوق كايرون على معصمي فجأة بيده التي كانت دافئة من أثر الحمّام بينما لا أزال أُجفّف شعره.
“كنت أعني… كيف عرفتِ أن القارب سيغرق، أرييلسا لوكمان؟”
كانت قبضته محكمة.
لم تكن مؤلمة، لكن كان فيها ما يكفي من القوة لتكسير معصمي إن حاولت الكذب أو الهرب.
لكنني لم أملك الوقت الكافي للشعور بالخوف.
كانت راحة يده دافئة، ودقات قلبي المتسارعة كانت مكشوفة تمامًا أمامه.
وذلك وحده كان كفيلاً بجعله يكتشف كذبي.
ومع ذلك… لا خيار لدي سوى الكذب…
“هـ… هذا…”
“لا تقولي لي أن السبب كان من أجل الوجبة الخفيفة. ابنة جورج لا يمكن أن تكون بهذا الغباء.”
ثم أضاف بنبرة هادئة، وكأنه لا يريد أن يهدّدني:
“حتى وإن استغرق منكِ حفظ جدول الضرب وقتًا أطول.”
أجبت بتلعثم، أشبه باللهاث:
“فقط… فقط شعرتُ أن شيئًا سيئًا سيحدث إن لم أتبعك، سيدي.”
حينها، شدّ قبضته أكثر على معصمي، وسحبني نحوه بقوة جعلتني أقف أمامه.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"