“المخزن الوحيد الذي يديره رومني هو الواقع في بوسلان فقط، لكن وفقًا لمراجعتكِ، لم تُفقد أي حبوب من بوسلان. وهذا يثبت براءته.”
شعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي، حتى وقف شعر بدني كله.
لم أتذكر اسم رومني، لكنني كنت متأكدة تمامًا من أن مدير مخزن بوسلان لم يكن يُدعى رومني.
من كان إذًا…؟
ذلك الشخص تعمّد ألّا يرسل المؤن العسكرية إلى جيش الدوق كايرون، مما أسهم بشكل كبير في هزيمته. لقد كان خائنًا.
بمعنى آخر، حين أثبتُّ براءة الإداري رومني، كنت قد منعتُ للتوّ ذلك الخائن نفسه من تولي مسؤولية مخزن بوسلان.
كان من المرجّح للغاية أن من اتهم رومني لم يكن سوى الخائن ذاته، أو أحد أعوانه.
أطبقتُ على كفّي المتعرّقتين بقوة. كان سؤالًا جريئًا من خادمة، لكن لم يكن بوسعي تجاوزه.
“سيدي الدوق، إن تم عزل الإداري رومني، هل لي أن أسأل مَن كنتم تفكرون بتعيينه بدلًا منه؟”
“ذلك أمر يُنظر فيه بعد إثبات التهمة عليه.”
كان ردّ الدوق كايرون مقتضبًا.
لم أستطع تحديد ما إذا كان ذلك لأنه يثق ببراءة رومني، أم لأنه ببساطة لا يرغب في الحديث معي بشأن الأمر.
“هل يمكنني معرفة مَن قدّم الشكوى—”
“—أرييلسا.”
“نعم، سيدي الدوق.”
“يمكنكِ الانصراف الآن. استدعي تشاييرس.”
كان ردًا طبيعيًا. مجرد كوني قد ساعدتُ قليلًا في ترتيب السجلات لا يعني أن الدوق سيُطلع خادمة على شؤون إدارة الإقليم.
“نعم، سيدي الدوق.”
انسحبتُ بهدوء، لكنني شعرتُ بضيق يخنق صدري.
هل كانت بذور كل هذه الأحداث قد زُرعت بالفعل هنا وهناك؟
الأحداث التي اعتدتُ الاستمتاع بها كقارئة رواية، بدأت الآن تُحدّق بي كواقع أعيشه—والإدراك بذلك جعل الدم يتجمّد في عروقي.
في تلك اللحظة، ناداني الدوق كايرون.
“أرييلسا.”
كنتُ على وشك الذهاب لاستدعاء تشاييرس، فاستدرتُ فجأة على وقع ندائه.
“أحضري لي كوبًا آخر من شاي القرفة.”
كان الأمر غريبًا. فجأة، ومع تلك الجملة فقط، بدا أن التوتر الذي كان يلفّني قد تلاشى كضباب تناثر بفعل نسيم ربيعي.
“شايك يا سيدي الدوق.”
أسرعتُ بإعداد كوب دافئ من شاي القرفة وقدمته له. لقد أصبح هذا الشاي رابطًا صامتًا يربطني به.
❄❅❄
استلقيتُ على سريري أحدِّق في السقف، وأعيد في ذهني حديثي مع الدوق كايرون.
والحقيقة أن أول ما تبادر إلى ذهني كان مظهره—ذلك التوهج الخافت الذي بدا وكأنه يشعّ من دوقنا.
أعني، كيف لي أن أقاوم ذلك؟
لو تحدثنا بموضوعية، فقد كان جافًّا، ويبدو أنه ينظر إلى أرييلسا بازدراء هادئ. ولعل السبب في أنني لم أشعر بانزعاج كبير من ذلك هو وسامته التي تكاد تكون خيالية.
هل كنتُ دومًا بهذه السطحية؟
أغمضتُ عيني بإحكام وركّزت، فبدأت شظايا من ذكريات طفولة أرييلسا تعود إليّ شيئًا فشيئًا.
لطالما كانت أرييلسا لطيفة وهادئة منذ نعومة أظافرها. كانت خجولة، من النوع الذي ينفجر بالبكاء لمجرد أن يحاول والدها، جورج، تهدئتها.
لم يكن من الممكن وصفها بالذكية أو سريعة البديهة، ومع ذلك لم يبدُ أن الدوق كايرون قد انزعج يومًا من بطئها.
ربما لأنه، منذ طفولته، كان يملك من الذكاء ما يكفي لشخصين أو ثلاثة.
بعد أن أصبحت أرييلسا رفيقة لعب للورد كايرون الصغير، بدأت تعتني به بلطف بالغ. كانت نصف مشاعرها تشبه الاعتناء بأخٍ صغير، والنصف الآخر كأنها تلعب بالدمى—رغم أن “الدُّمية” هنا كانت اللورد نفسه.
لم تحاول أبدًا التقرّب من الدوق المستقبلي بدافع المصلحة، بل كان ذلك جزءًا من طبيعتها الطيبة.
ولذا، لم يكن من المستغرب أن يُفضِّل اللورد الصغير صحبتها على أولئك الفتية الحمقى الذين حاولوا منافسته باستمرار، ويشعر بالراحة في وجودها، ويتركها تبقى إلى جانبه.
طفت على السطح ذكرى باهتة—كايرون الصغير يُقدِّم لأرييلسا سوارًا من الزهور صنعه بنفسه. كان ذلك أثناء استراحة من الدراسة في الحديقة المشمسة.
وبدا من تعبير وجهه أنه كان يفكر: “الأطفال يفعلون مثل هذه الأشياء، فجربتُ أنا أيضًا. لكن لا أعرف ماذا أفعل به الآن.” ومع ذلك، بدت أرييلسا في غاية السعادة.
وكان هناك أيضًا ذلك الوقت حين كان بعض أولاد القصر يضايقون أرييلسا في الطريق، ومرّ اللورد كايرون بالصدفة فتدخّل وأنقذها.
مع كل حجر صغير كان يرميه، كان أحد الأولاد يتلقى ضربة مباشرة على رأسه ويصرخ.
حتى حينها، كانت مهاراته الحركية استثنائية. يا له من رائع!
بعد أن هرب الأولاد جميعًا، حاولت أرييلسا أن تشكره قائلة: “شكرًا لك، سيدي اللورد.”
لكن خجلها جعل من الصعب عليها الكلام، وبحلول الوقت الذي فتحت فيه فمها، كان كايرون قد استدار واختفى.
لم يكن قد بلغ العاشرة حتى، ومع ذلك بدا بذلك القدر من البرود والجاذبية.
وحتى أنا، وأنا أسترجع ذاكرتها، شعرتُ بدفء يملأ قلبي.
“إذًا، لهذا السبب بقيت أرييلسا بصمتٍ إلى جانبه—بفضل تلك الذكريات الجميلة.”
أعجبني أن شخصية ثانوية مثلها تمتلك ماضيها الخاص وذكرياتها الثمينة. وأما بطلنا—الدوق كايرون—فجديته وكتمانه لمشاعره منذ الطفولة جعلا قلبي يخفق. كان مؤسفًا أن هذه الأحداث لم تظهر في الرواية الأصلية.
ولهذا شعرتُ أنني أستطيع أن أسامحه على بروده مئة مرة.
أن يُلقى بي فجأة داخل عالم رواية كان من المفترض أن يكون أمرًا مروّعًا تمامًا، لكن ولعي بالبطل جعلني أنسى كل شيء.
…هل هذا شيء جيد؟
— أرييلسا، هل نمتِ؟
نهضتُ من السرير بفزع. كان الطارق هو جورج.
“نعم. تفضل بالدخول.”
لكنّه لم يكن وحده. دخل معه تشاييرس ورجل مسن لم أره من قبل.
وسرعان ما استعدتُ ذكرى—أدركتُ أنه طبيب.
“أرييلسا، جئتُ لأتفقد حالتكِ. هل تشعرين بألم؟ صداع؟ دوخة؟ هل تنسين بعض الأشياء؟”
رؤية ثلاثة رجال غرباء يقتربون من سريري دفعة واحدة جعلتني أشدّ الغطاء حتى أنفي تلقائيًا.
لماذا اجتمعوا فجأة هكذا؟
عضضتُ شفتي حين أدركتُ السبب فجأة. لا بد أن الدوق كايرون ظنّ أن تصرفاتي الغريبة بسبب إصابتي، فأرسل الطبيب.
هززتُ رأسي بعنف.
“أ-أنا بخير!”
رغم أن الاحتمال ضعيف، انتابني الذعر من أن الطبيب قد يكتشف أنني لست أرييلسا الحقيقية.
لكن بدا أن لا أحد يصدق كلامي. في الواقع، ولو كنتُ مكانهم، لما صدّقتُ نفسي أيضًا.
وقف جورج إلى جوار سريري، بينما جلس الطبيب على كرسي خشبي صغير، وقلب جفنيَّ بعناية، ثم مرر إصبعه أمام عيني ذهابًا وإيابًا.
ثم سأل مجددًا:
“هل تتذكرين ماذا أكلتِ البارحة؟”
أجبتُ وأنا أحرّك عيني بتوتر:
“بطاطا مسلوقة وحساء…”
“متى؟”
“الغداء والعشاء معًا.”
نظر الطبيب إلى جورج، الذي أومأ برأسه—فهو من أحضر الطعام.
“وماذا عن اليوم الذي قبله؟”
“الحساء… وبطاطا مشوية في الفرن مع دجاج مسلوق.”
رمقتُ الطبيب بطرف عيني، أحاول قراءة ردّ فعله.
“وكيف لي أن أعرف، أيها الطبيب؟!”
أجبتُ على عجل، مفترضةً أننا نتناول الحساء كل يوم، لكن بعد ذلك شلّ تفكيري تمامًا. وبينما كنتُ مرتبكة، نطقتُ بما أكلته اليوم دون تفكير.
لكن ردّ فعلي جعل وجه جورج يتشنج بغضب، وتصلبت كتفاه بتوتر واضح.
بدا وكأنه كان على وشك أن يتحول تدريجيًا إلى وحشٍ أخضر عملاق. كنتُ مرعوبة بالفعل.
حتى تشاييرس عقد حاجبيه بنظرةٍ حادة.
من ذا الذي يتذكر كل وجبة تناولها؟ وهل تتذكرها أنت، أيها الطبيب؟
تحدث الطبيب بنبرةٍ لطيفة، وإن كانت يشوبها بعض التوتر:
“هل يمكنكِ أن تحاولي التذكّر مجددًا، أرييلسا؟”
“نحن نتناول أشياءً متشابهة كل يوم، لذا يصعب تذكّر كل واحدة منها…”
لكن جورج لم يعد قادرًا على كبت مشاعره، فانفجر غاضبًا:
“في اليوم السابق ذبحنا بقرة لإقامة وليمة فاخرة! كيف يمكن ألا تتذكري ذلك؟!”
“هممم…”
زحفتُ إلى داخل البطانية حتى لم يَبقَ ظاهرًا مني سوى عيني، فتدخل الطبيب سريعًا:
“رويدك، يا سيد جورج. لا يجوز لك أن تُرعب المريضة. من الواضح أن حادثة السقوط من السلم أثّرت على ذاكرتها.”
“السلم…”
تمتم جورج وتشاييرس في آنٍ واحد، وكأن وقع الصدمة نزل عليهما، فأومأ الطبيب بوقارٍ وأجاب:
“نعم، السلم. إن التعرّض لضربةٍ قوية في الرأس قد يؤدي إلى فقدان الذاكرة للأحداث التي سبقت السقوط مباشرة.”
أيها الطبيب، تشخيصك فيه شيء من المبالغة…
“آهغ…”
أطلق جورج أنينًا متألمًا، ثم بوجهٍ عابس، طرح تشاييرس سؤالًا لا يخلو من القسوة:
“هل ستكون قادرة على خدمة الدوق بالشكل المناسب إذًا؟”
“أي نوعٍ من الأسئلة هذا؟!”
صرختُ دون وعي، ففتح الرجال الثلاثة أعينهم على اتساعها وحدّقوا نحوي.
كيف يجرؤون على قول هذا لشخصٍ يتحمّل حياةً أشبه بالتقمّص الروحي فقط من أجل رؤية بطلنا الوسيم، وليس من أجل الطعام!
أسرعتُ بالعودة إلى البطانية مجددًا، وتحدثتُ بصوتٍ خافت يناسب شخصية أرييلسا:
“ع-على ما يبدو، أنسى بعض الأشياء أحيانًا… لكن خدمة الدوق لن تكون مشكلة. حقًا، أ-أبي.”
“آه، أرييلسا يا صغيرتي!”
ناداني جورج بنبرةٍ يائسةٍ متألمة، وكأنني مصابةٌ بسرطان الدم أو بورمٍ في الدماغ.
لكن استخدامي المتعمّد لكلمة “أبي” بدا فعّالًا جدًا؛ إذ بدا عليه الارتياح فجأة.
ربّت الطبيب على ظهر جورج وهو يقوده للخروج، وقال:
“ارتاحي جيدًا، أرييلسا. وإن شعرتِ بأي صداعٍ أو أعراض، تعالي إليّ.”
“نعم، شكرًا يا دكتور.”
لكن تشاييرس بقي في الغرفة، يحدق فيّ بصمت. كانت نظرته الباردة والمرتابة كفيلة بإعادة العرق البارد الذي توقّف لتوه.
في الرواية الأصلية، صُوّر على أنه رجلٌ عقلاني وذو ذكاء حاد.
ولو كان يملك مظهر “الوسيم المثالي ذي النظارات”، ربما كنتُ سأشعر نحوه ببعض الانجذاب، لكن شخصيته تميل أكثر إلى النمط المتشائم الذي لا يثق بالناس.
وبعيدًا عن القاسم المشترك بينه وبين الدوق—وهو الطبع الصعب—فبينما كان الدوق كايرون يتمتع بالبصيرة الثاقبة والحسم، كان تشاييرس يمتلك نوعًا من الإصرار المندفع… لكن بمعناه السلبي.
ببساطة، كان من أولئك الأتباع الذين يفعلون أي شيء في سبيل سيدهم، دون أن يُلقي بالًا لما تمليه عليه ضمائرهم.
لذا كان من الواضح أنه لم يأتِ للاطمئنان عليّ بدافع القلق، بل فقط ليتأكد من أن وقت الشاي الخاص بالدوق لن يتأثر.
لكن فجأة، قال تشاييرس شيئًا لم أكن أتوقعه:
“الدوق… كان قلقًا عليكِ.”
“…ماذا؟”
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "005"