ما الخطب؟
أملتُ رأسي في حيرة، سعل الأمير الثاني، وقد احمرّ وجهه بشدّة، بشكلٍ مبالغٍ فيه، وحاول أن يتمالك نفسه.
“يـ يبدو الجو حارًّا في هذه الغرفة، ألا تعتقدان ذلك؟”
“…؟ ليس تمامًا.”
“همم، فهمت.”
نبس الأمير الثاني مُحرَجًا. وسرعان ما عاد وجهه إلى لونه الأصلي.
ما هذا التصرّف؟ لا بد أن أمرًا مهمًّا قد حدث.
“سير إيليا، هل أنتِ جادّةٌ فيما قلتيه للتوّ؟ لقد قلتِ إنكِ ستحمينني …”
“بالتأكيد. طلبتُ منكَ الوقوف في المقدّمة، لذا سأحميك.”
احمرّ وجه الأمير الثاني مرّةً أخرى من كلامي.
“لا تقلق. ليس أنا فقط، بل أيضًا السير إيباخ هنا سيبذل قصارى جهده لحماية سموّك.”
“أوه، كان السير إيباخ هناك أيضًا.”
تبادل الأمير الثاني النظرات بيني وبين كارلوس بتعبيرٍ غريب.
ابتسمتُ بأقصى ما أستطيع، وتعلّقت نظراته بخاصني. كنتُ بحاجةٍ لتعاونه مهما كلّف الأمر.
لكن كارلوس كان مختلفًا.
بدا عليه القلق من نظرة الأمير الثاني.
‘ما خطبه؟’
كنتُ محتارة، لكنني لم أستطع السؤال الآن. نظرتُ إلى كارلوس، ثم عدتُ برأسي إلى الأمير الثاني.
“إذن، لا داعي للقلق.”
“أحتاج لبعض الوقت للتفكير بشأن هذا.”
“بالطبع، لم نتوقّع إجابةً فورية.”
قال الأمير الثاني، فأومأتُ برأسي بتفهّم.
“لن يطول الأمر. سأناقش الأمر مع حاشيتي. هل يمكنكِ الانتظار في غرفة الاستقبال الأخرى للحظة؟”
وافقتُ، ودقّ الأمير الثاني الجرس، مستدعيًا كبير الخدم الذي كان موجودًا سابقًا.
صُدِم كبير الخدم عندما علم أنه لن يطردنا فورًا، بل عرض علينا غرفة، لكنه في النهاية نفّذ أوامر الأمير الثاني دون تردّد.
أردتُ أن أسأل كارلوس عن سبب انزعاجه سابقًا، لكنني تردّدتُ.
كان هذا قصر الأمير الثاني، ولم أكن أعلم إن كان أحدٌ سيتنصّت على حديثنا.
كما قال الأمير الثاني، لم يطل الانتظار.
بعد أن انتهيتُ من كعكة الشوكولاتة الثالثة، طُلِب منّا العودة.
“لقد قررتُ قبول عرضكِ.”
قال الأمير الثاني، وتعابير وجهه متناقضةٌ تمامًا مع جديّته السابقة.
“لقد اتّخذتَ قرارًا صائبًا.”
ابتسم، غير قادرٍ على إخفاء فرحته، قبل أن يغيّر تعبير وجهه بسرعةٍ ليعكس جديّة الأمير الثاني.
“إذن، بدءًا من الغد، سألتقي ببعض الأشخاص، وبعد أسبوع، سأتوجّه إلى القصر. يمكنكِ مناقشة الباقي مع مساعديّ وتولّيه بنفسكِ.”
“شكرًا لك.”
اغتنم الأمير الثاني الفرصة، وقدّم مساعديه.
جلسنا جميعًا في غرفة الاستقبال، نخطٌط للمستقبل ونناقش أمورًا محدّدة.
استمر النقاش أكثر من المتوقّع، واستغرق الأمر عدّة ساعاتٍ قبل أن نتمكّن أخيرًا من مغادرة قصر الأمير الثاني.
ظلّ كارلوس صامتًا طوال طريق عودتنا إلى مقرّ الفرسان الثالث.
‘هل هو قلقٌ من أن يسمعنا أحد؟ عادةً ما يُلقي بتصريحاتٍ مُهِمّةٍ حتى في الشارع.’
استغربتُ، لكنني ظننتُ أن لديه ما يقوله، لذا التزمتُ الصمت.
استمرّ الصمت حتى وصلنا إلى مقرّ الفرسان الثالث، وسلّمنا اللجام لإلسون، وعُدنا إلى مكتبي.
“أنا سعيدةٌ بتعاون الأمير الثاني معنا.”
بعد أن أغلقتُ باب المكتب وتأكّدتُ من أننا وحدنا، تحدّثتُ.
“نعم، هذا أمرٌ مطمئن.”
“…..”
لم أكن مخطئة. بدا أن كارلوس غير راضيٍ عن الأمير الثاني لسببٍ ما.
“ماذا دهاك؟”
“ماذا تقصدين؟”
“ألستَ هكذا لأن شيئًا ما في الأمير الثاني لا يعجبك؟”
“… كان الأمر واضحًا. أنا آسف.”
“إذن تقول إن هناك شيئًا لم يعجبك؟”
عند هذه الكلمات، خفض كارلوس رأسه. شعرتُ أنه يحاول إخفاء تعبير وجهه.
“ماذا؟ أخبِرني. سنعمل معًا في المستقبل، لذا علينا معالجة هذا الأمر.”
بقي كارلوس صامتًا، عاجزًا عن الإجابة. ثم نظر إليّ بنظرةٍ حارقة.
بطريقةٍ ما، توتّرتُ تحت تلك النظرة.
“هل أخطأ الأمير الثاني بأمرٍ ما؟”
“الأمر ليس كذلك. إنها مشاعري الشخصية فقط.”
“إذن …”
“كنتُ حذرًا.”
أذهلتني كلمات كارلوس، ولم أستطع السيطرة على تعبيري.
حَذِر؟ بشأن الأمير الثاني؟ لماذا؟
“كما هو متوقّع، أنتِ لا تعرفين.”
قال كارلوس بنبرةٍ مستسلمةٍ بعض الشيء.
“الأمير الثاني مغرمٌ بكِ، قائدة.”
“ماذا؟”
تفاجأتُ بالكلمات التالية غير المتوقّعة، فسألتُه ردًّا.
“لكن تلك النظرة … أوه، هل تقصد وجه الأمير الثاني المحمرّ؟”
ألم يقل إن ذلك بسبب حرارة الغرفة؟ لكن بالتفكير في الأمر، كانت درجة حرارة الغرفة ثابتة، لذا ربما كان هذا مجرّد عذر.
“عندما اكتشفتُ أن الأمير الثاني منجذبٌ إليكِ، واجهتُ صعوبةً في التحكّم بمشاعري.”
نطق كارلوس الكلمات الصادمة بهدوء. ضحك عندما رأى وجهي.
“يمكنكِ أن تفكّري بي كأحمق.”
“لم أفكّر بكَ هكذا قط.”
قلتُ بإلحاح.
“لقد فوجئتُ فقط … بالكلمات غير المتوقّعة.”
كان قلبي ينبض بقوّة. حقيقة أن كارلوس كان حذرًا من الأمير الثاني بسببي جعلت قلبي ينبض بغرابة.
ما هذا؟
هل أنا متأثّرةٌ لأن كارلوس كان يغار؟
لا.
لا يجب أن أغرق في هذا الشعور بالسعادة وأنا لا أحبّ كارلوس أصلًا. هذا سيكون سخريةً من مشاعره.
حاولتُ مواساة نفسي، لكن قلبي ظلّ ينبض بقوّة.
“سأحاول ألّا أُظهِر ذلك في المستقبل.”
قال كارلوس بنبرةٍ صارمة.
“أنا آسف، لقد أزعجتُكِ.”
أضفتُ.
رفعتُ رأسي ونظرتُ إلى كارلوس. كان لا يزال يحدّق بي بنظرةٍ ثاقبة.
فجأة، شعرتُ برغبةٍ في قول شيءٍ ما. لم أستطع تحديد ما أريد قوله، لكنني شعرتُ برغبةٍ في الكلام.
“لا، لم يكن الأمر مزعجًا.”
ما خرج من فمي كان مجرّد تعليقٍ بسيط، بل سخيفٌ تمامًا.
“بل …”
بدافعٍ من الإلحاح، حاولتُ إضافة شيء، لكنني أغلقتُ فمي بسرعة.
بل ماذا؟ ماذا كنتِ تحاولين قوله بإضافة حرف العطف هذا، إيليا؟
نظر إليّ كارلوس بنظرةٍ مندهشة. لمعت في عينيه لمحةٌ من الترقّب.
“لا شيء. هل عليّ، همم، الذهاب إلى العمل؟”
هززتُ رأسس على عجلٍ وعدتُ إلى مكتبي، متظاهرةً بجمع أوراقي.
كنتُ مستعدّةً لمزيدٍ من النقاش حول الأمير الثاني، لكن كارلوس أومأ بصمتٍ وتبعني في جمع أوراقه.
وفي صمتٍ مُحرِج، بدأنا بجمع الأوراق.
* * *
في اليوم التالي، وردت أنباءٌ أن الأمير الثاني قد بدأ بلقاء الناس.
“هل يسعى سموّه إلى العرش؟”
“أليس من السابق لأوانه قول ذلك؟ لا يمكنه العيش تمامًا دون لقاء الناس، أليس كذلك؟”
“حسنًا، لا يزال من السابق لأوانه قول أيّ شيء.”
في ذلك الوقت، كان الجميع متردّدين.
“هل عاد سموّه إلى القصر؟”
لكن بعد أسبوع، تغيّرت الأمور.
أثار وصول الأمير الثاني فوضًى في كلّ مكان.
“سمو الأمير الثاني يتقدّم، ما الذي يحدث بحق السماء؟”
“ما زلنا نستكشف الوضع …”
“إنه لا يخطّط لمواجهةٍ شاملةٍ مع سمو ولي العهد، أليس كذلك؟”
كان الفصيل المؤيّد لولي العهد قلقًا بشكلٍ خاص.
كانوا متلهّفين لفهم نوايا الأمير الثاني، واكتشفوا في النهاية أنه التقى بي وبكارلوس قبل أن يبدأ أنشطته الاجتماعية الشاملة.
“اضغطوا على الوسام الثالث! لا تدعوهم يتّهمون سمو ولي العهد!”
لكننا كنّا أسرع.
تقدّمتُ أنا وكارلوس، إلى جانب قوّات الأمير الثاني، بُخطًى ثابتةٍ في لائحة اتّهام ولي العهد.
بدا أن كلّ شيءٍ يسير بسلاسة.
حتى وصلت رسالةٌ من الإمبراطور.
“رسالةٌ من القصر؟”
في ذلك اليوم، كنتُ متّجهةً إلى العمل بعد أن نمتُ في غرفة المهجع، عندما أعلن سيزار، بوجهه المتوتّر، عن وصول رسالة.
“هل وصلت رسالة … من جلالة الإمبراطور؟”
“هذا، حضر مسؤول البلاط في القصر الإمبراطوري شخصيًا …”
“إذن، هل يريد رؤيتي شخصيًا؟ فهمت.”
ارتديتُ ملابسي وتوجّهتُ إلى غرفة الاستقبال مع كارلوس.
هناك، كان تشامبرلين، مسؤول بلاط القصر الإمبراطوري، بملابسه الرسمية الفاخرة، بانتظارنا.
(تشامبرلين: لقب لمسؤول ملكي رفيع المستوى مسؤول عن إدارة شؤون القصر الملكي .)
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 98"