لبرهة، احتضنني كارلوس بين ذراعيه صامتًا. لكن هذا لم يعني أننا لم نكن نتواصل.
تبادلنا الطاقة، ودخلنا في حديثٍ متواصلٍ بلا كلمات.
كان التأثير مفيدًا حقًا. بمجرّد تبادل الطاقة، استطعتُ أن أشعر بحالة الشخص الآخر بشكلٍ غامض.
كان كارلوس متحمّسًا وعاطفيًا للغاية في تلك اللحظة. استطعتُ أن أستنتج ذلك من موجات الطاقة المتدفّقة داخلي.
من ناحيةٍ أخرى، كنتُ هادئةً نسبيًا.
حاولتُ تهدئة كارلوس بنشر طاقتي قدر الإمكان.
التقت طاقة كارلوس المضطربة بطاقتي، وهدأت تدريجيًا.
“هاا.”
تنهّد كارلوس تنهيدةً قصيرة، ربما شعر ببعض الغرابة بينما امتزجت طاقتنا.
ابتعد قليلًا ونظر في عينيّ.
“لقد … عادت إلى زُرقة السماء.”
جعلتني كلماته أتنهّد ردًّا على ذلك. كان ذلك تنهّدًا من الراحة.
نقرتُ على ذراع كارلوس، مُشيرةً إلى أن وقت قد حان لتركي، فأفلتني على مضض.
بعد أن خرجتُ من حضن كارلوس، شعرتُ بفراغ، كما لو أنني فقدتُ شيئًا ذا قيمة.
لكنني حاولتُ ألّا أُظهِر ذلك وابتسمتُ لكارلوس.
حدّق بي كارلوس للحظةٍ في ذهول.
“كما هو متوقّع، الأصلي يُناسبكِ أكثر، أيّتها القائدة.”
“… حقًا؟”
بعد لحظة، أدركتُ أنه كان يُشير إلى لون عيني.
“من الجيد أنني عُدتُ إلى طبيعتي.”
قلتُ وأنا أهزّ كتفي، فأومأ كارلوس موافقًا.
“لكن لا يُمكننا أن نرتاح حتى يُعاقَب ولي العهد ويُباد جميع المُلحِدين. لا نعرف أبدًا متى وكيف ستظهر الآثار الجانبية التالية.”
أومأتُ برأسي مجددًا، أؤيد كلام كارلوس.
تلا حديثنا لحظة صمت. كان الأمر مُحرِجًا بعض الشيء، لكنه لم يكن صمتًا سيئًا.
“حسنًا، هل نعود إلى مقرّ الوسام الثالث؟”
حاولتُ تهدئة الجو، متحدّثةً بسرعة.
“لنذهب.”
ناولني كارلوس الزيّ المُعلَّق في الخزانة.
بينما كان يحرس الباب، غيّرتُ ملابسي وعدتُ إلى مقرّ الوسام الثالث وأنا أرتدي زيّي.
“أيّتها القائدة! سمعتُ أنكِ قد أُصِبتِ بجروح بالغة. هل أنتِ متأكدةٌ من أنه لا بأس بالعودة؟”
حالما وصلتُ إلى المقرّ، رحّب بي سيزار بلهفة.
“أوه، لا بأس. أنا بخيرٍ تمامًا.”
“ياللراحة. كان لديّ الكثير من العمل.”
قال سيزار وهو يرتجف.
“كان السير إلفينجتون يحرس غرفتكِ في المستشفى بإحكامٍ شديدٍ لدرجة أنني شعرتُ أنه حتى إرسِل الأوراق التي تحتاج إلى معالجةٍ مستعجلة ذنبٌ كبير.”
لا بد أنه يقصد مايكل بالسير إلفينغتون، أليس كذلك؟ مايكل … هل كنتَ تضغط على مرؤوسي بهذا الشكل؟
“حسنًا، أوافقه الرأي بعض الشيء، المريض بحاجةٍ إلى الراحة، ولكن نظرًا لخطورة الوضع، أردتُ أيضًا إنجاز الأمر بسرعة.”
أشار سيزار إلى إلسون. ثم اقترب إلسون حاملًا كومةً ضخمةً من الأوراق.
“… هل هذا كلّ ما عليّ فعله؟”
“لا، هناك المزيد.”
“أعتقد أنني سأتناول غداءً سريعًا أولاً.”
كانت هذه أوّل وجبةٍ لي خارج غرفة المستشفى، ولكن بالنظر إلى كمية الأوراق، ظننتُ أنني سأكتفي بشطيرةٍ في مكتبي.
دخلتُ أنا وكارلوس المكتب وبدأنا نتصفّح الأوراق.
كانت هناك معلوماتٌ كثيرةٌ لم أرَها أثناء وجودي في غرفة المستشفى.
“هل يعارض مجلس الشيوخ لائحة اتهام ولي العهد؟”
“نعم.”
أومأ كارلوس، ووجهه عابسٌ لكلماتي.
“لأيّ سببٍ يفعلون ذلك؟”
سألتُ مذهولة.
لم يكتفِ بالتواطؤ مع الكفار، بل أقام مذبحاً للتضحية البشرية في قبو القصر. إذًا، لا يوجد مجالٌ لعدم مقاضاته، أليس كذلك؟
“كانوا قلقين من أنه إذا وُجِّهَت اتهاماتٌ إلى ولي العهد، وأُدين، وجُرِّد من لقبه، فسيُصبح المنصب شاغراً.”
“لا …”
هل هذا هو الوقت المناسب للقلق بشأن ذلك؟ هل أنتم جميعاً في كامل قواكم العقلية؟
“في الواقع، لا أحد تقريباً يُدرِك خطورة هذا الأمر. لقد برع فريق ولي العهد في التلاعب بالرأي العام. لقد غطّوا ما يجب تغطيته، وقلّلوا ممّا يجب التقليل من شأنه.”
“هذا صداع.”
لمستُ جبهتي عند سماع تقرير كارلوس.
“لماذا لم تُخبِرني بهذا عندما كنتُ في المستشفى؟”
“… أنا آسف.”
بدا أن كارلوس يعتذر كثيراً اليوم.
“لا بأس. أتفهّم شعورك.”
ربما لم يُرِد أن يُضيف عبئًا آخر عليّ، لأنني كنتُ أشعر بالقلق بسبب جسدي الذي صغر فجأة.
“علينا وضع خطّة.”
كان التفكير في المستقبل أهمّ من التذمّر من الماضي.
“هل مجلس الشيوخ هو الوحيد الذي يدعم ولي العهد؟”
“مجلس الشيوخ وبعض النبلاء المُحافِظين.”
“همم.”
لو تدخّلوا، لكان من الصعب على الوسام الثالث أن يُطالِب بمحاكمته بمفرده.
“نحن بحاجةٍ إلى بعض التأثير هنا أيضًا.”
ربما يُمكننا إشراك الوسام الأول. كان قائده مايكل، وكان قائده السابق ماركيز إلفينجتون.
“جانب الوسام الثاني غامضٌ بعض الشيء.”
من المُرجّح أن تبقى ناتاشا قائدة الوسام الثاني على خطّ الحياد.
إنها حذرةٌ إذا تكلّم الشخص الكلام الطيب، ومتردّدةٌ إذا تكلّم بسوء. كما أن لديها نزعةٌ مُحافِظةٌ إلى حدٍّ ما.
“هل هناك أحدٌ من النبلاء يمكننا ضمّه إلينا؟”
“لقد أعددتُ قائمة.”
“أعطِني إياها بسرعة.”
ناولني كارلوس قائمةً بأسماء النبلاء الذين قد ينضمّون إلينا.
لكنها لم تكن مُرضِية.
بدا الجميع متردّدًا في المشاركة الفعّالة في هذا الوضع.
حسنًا، مع تورّط العائلة الإمبراطورية، قلب الإمبراطورية، لم يستطيعوا الانخراط بنشاطٍ في معركة العدالة.
“ها، ألا يمكننا أن نقضي عليهم جميعًا؟”
“هل تريدين أن أقضي عليهم لأجلكِ؟”
“لا، لستَ جادًّا في هذا، أليس كذلك؟”
كنتُ أنا وكارلوس نعاني لأن قوّتنا العسكرية لم تكن فعّالةً في هذا النوع من الصراعات السياسية.
لو كان يمكننا إخضاعهم بالقوّة، لما اضطررنا للقلق بشأن هذا.
‘لكن لا يمكننا التعامل مع الأمر بإهمالٍ لمجرّد صعوبته.’
كانت هذه خطوةً حاسمةً نحو نهايةٍ سعيدة. لذا كان علينا حلّها بشكلٌ صحيح.
كم من الوقت مضى وأنا أحدّق في القائمة؟
خطر اسمٌ فجأةً في ذهني.
“لنذهب إلى عائلة سبنسر.”
تربطني بعائلة علاقةٌ وديّة، وقد ساعدتُ الكونتيسة سبنسر ذات مرّةٍ في العثور على أغلى كنزٍ لديها، لذا فالأمر يستحقّ المحاولة.
“هذا أفضل ما يمكننا فعله الآن.”
أومأ كارلوس مُوافٌقًا على كلامي.
أنجزنا بعض الأعمال الورقية العاجلة وتوجّهنا مباشرةً إلى الكونتيسة سبنسر.
“سير إيليا، لم أركِ منذ وقتٍ طويل.”
رحّب بنا كبير خدم عائلة سبنسر بأدب. لكنه كان مهذّبًا فقط، لم يكن ترحيبًا حارًّا.
‘قد يصبح الأمر معقّدًا.’
نقرتُ على لساني في داخلي، مدركةً بشكلٍ غامضٍ من موقف كبير الخدم أن الكونتيسة سبنسر اختارت البقاء على الحياد.
“السيدة خارج المدينة حاليًا.”
وبالفعل، أُبلِغتُ أنني لا أستطيع مقابلة الكونتيسة سبنسر.
“بما أنكِ أتيتِ دون سابق إنذار، فأنا على ثقةٍ بأنكِ ستتفّهمين الأمر.”
تنهّدتُ قليلاً لأمر كبير الخدم بالمغادرة.
بالطبع، لم أستطع العودة.
“سأنتظر. أودّ التحدّث مع الكونتيسة، ولو للحظة.”
“…..”
بدا كبير الخدم مضطربًا.
“سير إيليا، هذا أمرٌ لا أستطيع مساعدتكِ فيه.”
تنهّد كارلوس مجدّدًا لكلمات كبير الخدم.
بدا كارلوس أيضًا مُحبَطًا.
ماذا عساي أن أفعل؟ لم يكن لديّ خيارٌ سوى طرح ‘ذلك الأمر’.
“إذا ساعدتَني هذه المرّة، فسأردّ لكَ الجميل بالتأكيد.”
“كيف؟”
قال كبير الخدم، وكأنه مستعدٌ للاستماع.
“عائلة سبنسر تُعاني حاليًا من مشكلة اجتياح المُلحِدين لأراضيها، أليس كذلك؟ سأتولّى الأمر.”
“… هذه مسألةٌ تخصّ آل سبنسر.”
لم تكن هناك سوى مجموعتين في الإمبراطورية تتمتعان بسلطة التحقيق مع المُلحِدين وإخضاعهم: وسام الفرسان الثالث، وكونت سبنسر.
إذا نظرنا فقط إلى تاريخ أَسر المُلحِدين وقتلهم، فإن تاريخ كونت سبنسر في هذا المجال كان أطول.
لهذا السبب، عندما تجسّدتُ في البداية، طلبتُ منهم معلوماتٍ عن المُلحِدين.
ربما لهذا السبب لم يبدُ كبير الخدم مُعجبًا بشكلٍ خاصٍّ عندما عرضتُ التعامل مع المُلحِدين.
لكن مَن أنا؟ ألستُ شخصًا متجسّدًا؟
من خلال معرفتي بالعمل الأصلي، عرفتُ شيئًا لم يعرفه الآخرون.
“لا بد أن هناك مشكلةً ناشئةً تتجاوز قدرة كونت سبنسر على التعامل معها.”
تردّد كبير الخدم، كما لو كان قد تأثّر بشدّةٍ بكلماتي.
التعليقات لهذا الفصل " 95"