غادر كارلوس مخبئه على نهر ساناو واتّجه مباشرةً نحو قصر ولي العهد.
لم يمتطي حصانًا.
بالنسبة لكارلوس، الذي وصل إلى مستوى سيد السيف، كان الركض أسرع بكثير.
عند وصوله إلى القصر الإمبراطوري، لم يكن لديه وقتٌ حتى للتوقّف عند مقرّ فرسان الوسام الثالث.
توجّه مباشرةً إلى الجانب الغربي من قصر ولي العهد، المجاور للقصر الرئيسي.
“هذه …”
كانت هناك علامةٌ على النافذة، من الواضح أن إيليا قد تركتها.
أمسك كارلوس بها بإحكام.
ثم رفع مرفقه وحطّم النافذة.
“مَن هذا؟”
قفز إليها وهبط على الأرض، فبدأ فرسان قصر ولي العهد، الذين شعروا بوجوده، بالتدافع نحوه.
“مَن … سـ سير إيباخ؟”
رغم تنكّره، تمكّنوا من التعرّف على كارلوس.
“يا له من عملٍ وقح! كسر نافذة قصر ولي العهد والدخول دون إذن!”
حاول فرسان الأمير، الذين ما زالوا يجهلون غرض كارلوس، طرده بكلماتٍ مهذّبة.
ادنفع كارلوس، دون أن ينطق بكلمة، للأمام واستلّ سيف أقرب فارس.
في لحظة، قهر الفرسان الخمسة الذين حاصروه.
لم يكن الفرسان على درايةٍ بما يحدث، فأحضعهم كارلوس بسرعة.
لم يكن لدى كارلوس الوقت الكافي لنزع سلاح الفرسان المذهولين، فبحث عن ممرٍّ سريٍّ وهو مُسلَّحٌ بسيفٍ واحدٍ فقط.
في الحقيقة، لم يكن هناك مَن يستطيع الوقوف في وجه كارلوس حتى وهو يحمل سيفًا واحد.
“هل هذا هو المكان؟”
بفضل تعليمات المُلحِدين المفصّلة، اكتشف كارلوس بسرعةٍ الباب السريّ المؤدّي إلى القبو.
كانت هناك آثارٌ لإيليا على طول الطريق المؤدّي إلى القبو.
كان كارلوس يدعو من كلّ قلبه لسلامة إيليا، ويخطو كلّ خطوةٍ للأمام بإلحاح.
إلى أن ظهر بابٌ مُغلَقٌ في الأفق.
نقر.
لم يُرِد فعل ذلك، لكنه افترض الأسوأ وفتح الباب ببطء.
“سير إيباخ؟”
وعند سماعه الصوت، كادت ساقا كارلوس أن تنهارا من فرط المشاعر.
“قائدة.”
نادى كارلوس إيليا، شاكرًا الإله الذي لم يؤمن به قط في حياته.
“ماذا حدث؟ ألم تكن في مخبأ المُلحِدين؟”
رغم شكوكه، فتحت إيليا ذراعيها لكارلوس بابتسامةٍ مُبتهجة.
“هل أنتِ بخير؟ الدم …”
رأى كارلوس وجه إيليا في الضوء الساطع وسأل بصوتٍ مرتجفٍ ملهوف.
كان ذلك لأن وجه إيليا كان مُغطًّى بالدماء.
“أوه، هذا؟ لا بأس. كانت مجرّد بضع لكمات”
“…..”
وقعت نظرة كارلوس الباردة على ولي العهد، الذي كان يصرّ على أسنانه خلف إيليا وينظر إليه.
“هل هو ولي العهد؟”
“أجل. إنه بارعٌ في القتال بشكلٍ مُفاجئ.”
“هل تعانين من أيّ شيءٍ آخر في جسدكِ؟”
“باستثناء أنفي، كلّ شيءٍ بخير.”
تنهّد كارلوس أخيرًا بارتياحٍ عندما رأى ابتسامة إيليا.
‘لو كانت البصمة كاملة، لكنتُ قد وجدتُ القائدة في وقتٍ أبكر.’
لم يكن مستاءً من البصمة غير الكاملة أكثر مما هو عليه الآن.
اقترب كارلوس من ولي العهد وضربه على فكّه بعنف، فأُغمي عليه.
“دعنا نحلّ هذا الأمر. مجرّد وجود مذبحٍ هنا دليلٌ كافٍ، لذا استدعي الآخرين فورًا. سأحرس المكان.”
قالت إيليا، لكن كارلوس لم يُرِد مغادرة هذا القبو مرّةً أخرى، تاركًا إيليا خلفه.
“سير إيباخ؟”
“سأفعل.”
ألقى كارلوس هالةً فوق راحة يده. ثم أطلقها كحمامةٍ زاجلة، لتُعطي إشارةً إلى أعضاء الوسام الثالث.
“…هل يمكنكَ فعل شيءٍ كهذا باستخدام الهالة؟”
سألت إيليا وعيناها تتّسعان دبهشة.
“إنها ليست الطريقة المُفضّلة، لأنها غير فعّالةٍ جدًا.”
ابتسم كارلوس ابتسامةً متردّدة.
“حتى لو كانت غير فعّالة، فقد تكون هذه مفيدة.”
نظرت إيليا إلى يد كارلوس باهتمام. كانت اليد اليمنى التي فُرِّغت للتوّ من الهالة.
“ماذا حدث؟”
أنزل كارلوس، الذي أصبح الآن حملاً مطيعاً، سيفه وسأل.
“حسناً، إنها قصّةٌ طويلة.”
شرحت إيليا بإيجازٍ الأحداث التي وقعت منذ استيقاظها في قبو قصر ولي العهد.
شعر كارلوس بارتياحٍ حقيقيٍّ لأن إيليا لم تُصَب بجروحٍ خطيرة.
“أنا آسف، لم أستطع الحضور في وقتٍ أبكر.”
“ماذا؟ لا.”
هزّت إيليا رأسها.
“بالنظر إلى المسافة من نهر ساناو إلى هنا، حتى لو كنتُ فاقدةً للوعي لعدّة أيام، كان الأمر سريعًا جدًا … أوه، انتظر.”
إيليا، التي كانت تتحدّث عن مخبأ نهر ساناو، ضيّقت حاجبيها كما لو أن شيئًا ما قد خطر ببالها للتوّ.
“كيف وصلتَ من مخبأ نهر ساناو؟”
سألت إيليا. لم تكن نبرة اتّهام، بل مجرّد فضولٍ حقيقي.
“آه، هناك …”
توقّف كارلوس للحظةٍ نادرة.
“سير إيباخ؟ لم تفعل …”
“لقد تعاملتُ الأمر بشكلٍ مناسب. لقد أدرجتُ قصّة نهر ساناو في رسالة الهالة، لذا يجب حلّها قريبًا.”
“… لم تقتلهم جميعًا، أليس كذلك؟”
“لا، ليس الجميع.”
“بطريقةٍ ما، هذه الإجابة تجعلني أكثر قلقًا.”
ابتسمت إيليا بارتباك. لم يُكلِّف كارلوس نفسه عناء الخوض في تفاصيل ما فعله عند نهر ساناو.
كان يعلم أن إيليا، التي شعرت بالذنب لقتله الناس، ستُعارض ذلك، حتى لو تظاهر بعدم المعرفة.
“قائدة! نائب القائد!”
في تلك اللحظة، جاء صوت سيزار من بعيد.
“ما الذي يحدث بحق السماء؟”
دخل سيزار القبو ورأى ولي العهد وفرسانه فاقدي الوعي والمذبح الملطّخ بالدماء، فانفتح فاهه صدمةً.
“اجمعوا الأعضاء فورًا وسيطروا على الوضع. اعتقلوا ولي العهد أيضًا.”
أصدرت إيليا أوامر مُختلفةً بمهارة، وامتثل سيزار، الذي كان لا يزال عاجزًا عن إغلاق فمه الفاغر.
بفضل سيزار الماهر وفرسان الوسام الثالث، حُلّ الوضع بسرعة.
“ستنقلب العائلة الإمبراطورية رأسًا على عقب.”
تمتمت إيليا وهي تسيطر على قصر ولي العهد.
“إذا لم نكن حذرين، فقد يكون هذا أمرًا مزعجًا للغاية.”
“دليل التواطؤ مع المُلحِدين واضحٌ جدًا، لذا يُفترض أن يكون فتح محاكمةٍ أمرًا سهلًا.”
“أتمنّى ذلك.”
تنهّدت إيليا وأومأت برأسها عند سماع كلمات كارلوس.
“إيليا! ما الذي يحدث بحق الجحيم؟ هناك دماءٌ على وجهكِ!”
“سير إيليا؟ لماذا أغلقتِ قصر ولي العهد؟”
سرعان ما ظهر مايكل، قائد فرسان الوسام الأول، وناتاشا، قائدة فرسان الوسام الثاني، وقاما بتقييم الوضع.
“هذا … هاا، يا رفاق، استمعوا جيدًا دون أن تُصدَموا.”
سعلت إيليا بحرج، ونقلت إلى قائديّ الفرسان خبر تواطؤ ولي العهد مع المُلحِدين.
تصلّب وجه مايكل، وأمسكت ناتاشا بجبهتها في حالةٍ من عدم التصديق.
“بما أن هذه مسألةٌ تتعلّق بالمُلحِدين، فإن قائد فرسان الوسام الثالث يتمتّع بالسلطة الكاملة. للأسف، عليكما انتظار التقرير التالي.”
“مع ذلك، لا يمكننا احتجاز سمو ولي العهد دون اتّباع الإجراءات القانونية الواجبة!”
وكما كان متوقّع، انفجرت ناتاشا احتجاجًا.
حدّقت إيليا في ناتاشا، التي بدت لا تزال غير متأكدةٍ من تواطؤ ولي العهد، ثم التفتت إلى مايكل.
“امم، ماركيز؟”
“نعم. سأتولى أمر فرسان الوسام الثاني.”
اطمأنّ مايكل على سلامة إيليا مرّةً أخيرة قبل أن يسحب ناتاشا بعيدًا.
“يا إلهي، أنا سعيدةّ لأنني تصالحتُ مع أخي.”
تنهّدت إيليا تنهيدةً طويلةً بعد أن تأكّدت من اختفاء مايكل وناتاشا.
“حسنًا، لنبدأ العمل الجديّ الآن …”
كانت إيليا على وشك اقتراح إغلاق قصر ولي العهد والإبلاغ عن فظائعه للعائلة الإمبراطورية.
مدّ كارلوس يده بسرعةٍ وأمسك بإيليا، التي كانت تترنّح.
“أوه، ما خطبي؟”
عبست إيليا، ولمست صدغها الأيمن كما لو كانت تشعر بدوار.
“هل أنتِ بخير؟ لم تتعرّضي لأيّ إصاباتٍ خطيرة، أليس كذلك؟”
سأل كارلوس بقلق.
“لا، سأكون بخير. ربما اصطدمت بجبهة وليّ العهد بقوّةٍ قليلًا في وقتٍ سابق، لذا ربما أُصِبتُ بارتجاجٍ خفيف.”
“يجب أن ترتاحي.”
قال كارلوس بحزم.
“ليس بهذا القدر …”
التوت إيليا قليلاً، محاولةً التحرّر من قبضة كارلوس.
في تلك اللحظة.
“… آوغ؟”
غطّت إيليا فمها فجأةً بيدها وارتعدت.
“قائدتي؟”
“كارل … سير إيباخ …”
سحبت إيليا يدها من فمها مندهشة.
وهي تنظر للشيء الأحمر الداكن الذي سقط من فمها على يدها.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 90"