“هل سنتسلّل بين المُلحِدين؟”
سألتُ مرّةً أخرى، متسائلةً إن كنتُ قد أخطأتُ الفهم.
“نعم.”
أجاب كارلوس بحزم. كان صادقاً.
“أنتَ تُدرك خطورة ذلك، أليس كذلك؟”
كانت قصّةً مختلفةً تماماً عن التظاهر بكوننا مُلحِدين والاقتراب من ولي العهد.
بالطبع، مع كارلوس وقوّتي، لن تكون حياتي في خطر، لكن إذا تعرّضتُ لسحرٍ غريب، فسيكون ذلك مشكلة.
“هل من طريقةٍ أخرى؟”
لكن كارلوس كان حازماً.
“لا تقلقي. سأُنهي هذا الأمر بأسرع ما يمكن وأعود.”
عندها فقط أدركتُ ما كان يُفكّر فيه كارلوس.
“أنتَ لا تُخطط للذهاب وحدك، أليس كذلك؟”
“إذن كيف أجرُؤ على إشراك القائدة في هذه العملية الخطيرة؟”
“لكن ذهابكَ وحدكَ سيكون عاديًّا برأيك؟”
أصبح تعبير كارلوس مُعقّداً عند سماع كلماتي.
ساد الصمت. كان صمتًا مُحرِجًا وغير مريحٍ للغاية.
“إذا كنتَ ذاهبًا، فسأذهبُ معك.”
“لكن …”
“لا اعتراض. هذا أمر.”
“… هل هذا أمرٌ من القائدة إلى نائب القائد؟”
“نعم.”
“…..”
“صحيحٌ أنني لا أملك قوّتك، لكنني قويّةٌ أيضًا. وسيكون الأمر أكثر أمانًا إذا ذهبنا معًا.”
صمت كارلوس مجددًا.
كان ذلك نذير شؤم، علامةٌ على استياء كارلوس العميق من الوضع.
“لا أرغب في الدخول في جدالاتٍ غير ضروريةٍ معكِ، أيّتها القائدة.”
قال كارلوس. بدا أن نبرته تُخفِي شيئًا ما.
“سأُطيعُ أوامركِ. تعالي معي.”
لحسن الحظ، قَبِل كارلوس أمري دون أيّ اعتراض.
بالكاد تمكّنتُ من كتم تنهّد ارتياح.
لم يكن كارلوس من النوع الذي يُعبِّر عن استيائه بطرقٍ غير لائقة، لذلك سيتعاون معي بإخلاصٍ في هذه العملية.
“حسنًا، فلنستعدّ إذن.”
ربتُّ على كتف كارلوس وقلت. أومأ كارلوس برأسه ببساطة.
تفحّصت تعبير وجهه بحذر، متسائلةً إن كان يكتم شيئًا ما. لكن سرعان ما أدركتُ أن وجهه كان خاليًا من أيّ تعبيرٍ كعادته، فشعرتُ بارتياحٍ تام.
بدأت الاستعدادات للتسلّل إلى صفوف المُلحِدين بسرعة.
كانت خطّتنا بسيطة.
أن نتنكّر بهيئة ‘مواطنين إمبراطوريين يريدون أن يصبحوا مُلحِدين’.
“كما تعلمين، شبكة المُلحِدين ضيّقةٌ وكثيفة، لذا يصعب التسلّل مباشرةً.”
كان ذلك لنفس السبب المذكور أعلاه.
“ولكن بما أن الشبكة ضيّقة، فهم يرحّبون بالوافدين الجدد، لذا لا يوجد تمويهٌ أفضل.”
كان مظهرنا اللافت والنبيل مشكلة، لكننا حللناه بتغميق شعرنا وإضافة السخام إلى وجوهنا.
قلّل المظهر العام البسيط بالتأكيد من بروزنا.
“مخبأ المُلحِدين، الذي لم يتمّ اجتياحه بعد … لنرَ، يقع أسفل نهر ساناو.”
وبالتحديد، كانت الوجهة المُحدَّدة لحملة الإحضاع الأولى في العام المقبل.
‘يبدو غريبًا التسلّل إلى مكانٍ نحن على وشك تدميره.’
هززتُ رأسي لأطرد الأفكار العقيمة، ووضعتُ مع كارلوس اللمسات الأخيرة على استعداداتنا للتسلّل.
ونتيجةً لذلك، تمكّنا من الانطلاق إلى أسفل نهر ساناو بعد أسبوعٍ واحدٍ فقط من عودتنا من الفيلا الصيفية.
كانت الذريعة التي قدّمتُها للفرسان هذه المرّة هي مسح موقع حملة الإخضاع الأولى للعام المقبل مُسبَقًا.
«إذا كان هناك الكثير من الناس، فقد يُلاحظ المُلحِدون ذلك، لذا سأذهب أنا والسير إيباخ فقط.»
مع هذا التفسير، تركتُ سيزار خلفي، وهذه المرّة لم يكن معي سوى كارلوس.
غادرنا العاصمة وخلعنا على الفور زيّ الفرسان خاصّتنا، وارتدينا ملابس عادية. تنكّرنا في هيئة أناسٍ يائسين ومشمئزّين من الحياة في الإمبراطورية.
عند وصولنا إلى أعالي نهر ساناو، تخلّينا عن خيولنا. كنا نعلم أن ركوب الخيل لن يجذب سوى انتباهٍ لا داعي له.
“ها هو ذا.”
بعد نزول نهر ساناو لمسافةٍ قصيرة، ظهر أخيرًا مخبأ الكفار.
كان مخبأ نهر ساناو صغيرًا، إذ اختير كأوّل موقع إخضاع.
ومع ذلك، كانت أهمّيته لا تقلّ أهميةً عن المخبأ على جبل لوبس، ثالث موقع إخضاعٍ لهذا العام.
لأن …
“رامادا هناك.”
كان ذلك لأنه المكان الذي أقام فيه رامادا، أحد كبار السحرة.
‘إذا قاتلنا رامادا الآن، فهل سنتمكّن من الفوز؟’
خطرت لي هذه الفكرة.
‘سيكون كارلوس بخير، لكن إذا قاتلتُ رامادا، فقد أُدفَع للخلف.’
عند تلخيص المعلومات من العمل الأصلي، كان الأمر كذلك. لو كنتُ إيليا الحقيقية، لحسّنتُ مهاراتي أكثر بعد البصمة، لكنني لم أفعل.
‘توقّفي عن التفكير في أمورٍ لا طائل منها. على أيّ حال، من المستحيل أن أواجه رامادا وجهاً لوجه.’
بالتفكير بهذه الطريقة، شعرتُ براحةٍ أكبر.
“لنقترب قليلاً. حتى يلاحظونا.”
واصلنا السير، وكما هو متوقّع، كان هناك ردّ فعلٍ من المخبأ.
“مَن أنتم؟”
خرج بعض المُلحِدين من المخبأ، أحاطوا بنا وهدّدونا بالسلاح.
‘ألا يجب أن نقضي عليهم فوراً؟’
كبتُّ رغبتي في إخضاع المُلحِدين، التي أصبحت غريزةً ثانية، ورفعتُ يديَّ الفارغتين إليهم.
“هل أنتم مُلحِدون؟”
بدلاً من الإجابة، قلتُ.
“مَن أنتم؟ أجيبوا على أسئلتنا أولاً.”
“نحن أُناسٌ نرغب في مشاركة الهدف معكم.”
“هل ترغبون في الانضمام إلينا؟”
تبادل المُلحِدين النظرات المتشكّكة.
“كيف يُمكننا تصديق ذلك؟”
الأمر أصعب ممّا ظننتُ.
بالطبع، لم أتوقّع منهم أن يقبلونا بسهولةٍ بمجرّد أن أعربنا عن رغبتنا في الانضمام.
“بإمكاننا فعل أيّ شيء. أرجوكم، فقط أشرِكُونا في تطهير هذه الإمبراطورية الفاسدة.”
حاولتُ إقناعهم بالكلام.
“لا أصدّق ذلك.”
لكن لا!
لم يقتنع المُلحِدون بالكلمات.
“ماذا علينا أن نفعل للانضمام إليكم؟”
عندما سألتُ، ابتسم أطول رجلٍ من بينهم، رجل ذو شعرٍ أسود.
“إذا أردتُم التخلّي عن الإمبراطورية والانضمام إلينا، فعليكم دفع الثمن.”
قال الرجل ذو الشعر الأسود.
“بالدم.”
“الدم؟”
صُدِمتُ من هذا الطلب غير المعقول.
هل تخطّط للتضحية بي وبكارلوس؟ إذًا علينا فقط أن نطعنهم في أحشائهم ونهرب …
“أنا لا أهدّد حياتك.”
ضحك الرجل ذو الشعر الأسود ضحكةً مكتومة، وهو يقرأ تعبير وجهي.
“لماذا، هل أنتِ خائفة؟”
هذا الشيء مزعج. لا يبدو حتى جديرًا بلكمةٍ واحدة.
فكّرتُ في ضربه، لكنني تراجعتُ وكبحتُ غضبي.
ماذا أفعل؟ أشعر وكأنني أشبه زاكاري أكثر فأكثر.
أخذتُ نفسًا عميقًا وواجهتُ الرجل ذو الشعر الأسود.
“كم من الدماء تريد؟”
“دلوٌ لكلّ شخص.”
“…..”
أنتَ تطلب مني أن أموت.
“لا تقلقا، سنعالجكما بالسحر بعد ذلك. إنه أشبه بمعمودية الإمبراطورية.”
أعادتني كلمات المُلحِد إلى ذكرياتي عن النص الأصلي.
بالتأكيد، كانت هناك تعاويذٌ تشفي مَن فقدوا الكثير من الدم.
هناك رامادا هنا، لذا ما لم يكونوا يكذبون، فإن دلو الدم سيكون مقبولاً.
لكنني شعرتُ بعدم الارتياح، فرفضتُ…
“بالتأكيد.”
أو كنتُ على وشك الرفض، لكن كارلوس أجاب أولاً.
“سأتكفّل حتى بدم ليا عنها.”
تفاجأتُ من كلمات كارلوس، فالتفتُّ إليه.
‘هل أنتَ مجنون؟’
همستُ.
‘لا يمكن أن يكون كلانا عاجزين عن القتال.’
ثم أمسك كارلوس بذراعي، وجذبني إليه، وهمس في أذني.
هذا … لكن.
“حسنًا. سأتكفّل بالدلوين أنا.”
“لا، ليا.”
“كارل، هذا …”
“أرجوكِ، استمعي لي هذه المرّة.”
كانت عينا كارلوس ثابتتين. استطعتُ رؤية المشاعر المكبوتة فيهما.
للحظة، سرت قشعريرةٌ في عمودي الفقري.
خطر ببالي ‘إذا رفضتُ حتى هذا، سينفجر كارلوس حتمًا’.
لكن ……
تصفيق، تصفيق، تصفيق.
بينما كنتُ أفكّر في هذا، سمعتُ ضحكة الرجل ذي الشعر الأسود الحماسية وتصفيقه.
“يا إلهي، هذا مؤثّر. هل أنتما حبيبان؟”
“…..”
بقيتُ صامتة، لا أشعر بأيّ دافعٍ للإجابة.
“ألا تريدان الإجابة؟ لا تتعبا نفسيكما. من المفترض أن نحتفظ بحياتنا الخاصة لأنفسنا.”
خفض الرجل ذو الشعر الأسود يده وتحدّث.
“ليس الأمر وكأنني أريد سماع ذلك عندما يتوسّل الرجل هكذا. سآخذ دلوين من دم المرأة.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 82"