“هل يمكنكَ أن تشرح ما حدث حينها بمزيدٍ من التفصيل؟”
أومأ جيك برأسه ردًّا على سؤالي.
“بالتأكيد.”
بدأ جيك قصّته مجدّدًا.
“في البداية، ظننّا جميعًا أن سمو ولي العهد سيعاقب سوزانا بشدّة. في الواقع، كانت محتجزةً في الزنزانة.”
على الأقل، لم يحدث شيءٌ غير عاديٍّ فور سقوط سوزانا من الشجرة.
“لكن في اليوم الثالث بعد سجن سوزانا، تغيّر كلّ شيء.”
“هل كان هناك دافعٌ ما؟”
“عندما سمع سمو ولي العهد أن سوزانا ربما تكون من نسل مُلحِدة، نزل إلى الزنزانة لرؤيتها شخصيًا.”
“هل تقول إن سموّ ولي العهد غيّر رأيه بعد رؤية سوزانا شخصيًا؟”
“نعم.”
أومأ جيك برأسه.
“ألغى جميع العقوبات التي كان من المقرّر أن تُنزَل بسوزانا، وبدأ يعاملها باحترام، ويغسلها ويُطعِمُها.”
“لماذا؟”
“لا أحد يعلم. لا يسعني إلّا أن أخمّن أنه بما أنها كانت صغيرةً ونحيفة، فقد شعر شخصٌ نشأ في مثل هذا المكان المميّز بالشفقة عليها.”
“…..”
كان لديّ الكثير لأقوله، لكنني التزمتُ الصمت.
لم يكن ولي العهد شخصًا قد يُشفِق على أحدٍ قط.
“لقد اهتمّ سموه بسوزانا كثيرًا، فلماذا ماتت؟”
بدلًا من ذلك، سألتُ عن أمرٍ كان يحيّرني منذ أن سمعتُ القصة.
“هذا …”
نظر إلينا جيك نظرةً خاطفة.
“كانت سوزانا تعاني بالفعل من مرضٍ عُضالٍ في ذلك الوقت.”
“أيّ مرض؟”
“أشياء مثل الحصبة، أمراضٌ شائعةٌ بين الأطفال.”
“هل هذا يعني أنه لم يكن هناك مرضٌ واحدٌ فقط؟”
“نعم، عانت سوزانا من أمراضٍ عديدةٍ نتيجةً لعيشها في الشوارع، وكانت صحّتها ضعيفةً في البداية. لذلك، على الرغم من رعاية ولي العهد، لم تستطع التعافي، وفي النهاية …”
كان لديّ المزيد لأقوله هذه المرّة.
‘إذن، هل اتّحد جميع القرويين على إساءة معاملة طفلةٍ مريضةٍ طوال الوقت؟’
أردتُ أن أردّ بغضب، لكنني بالكاد كبحتُ جماح نفسي.
لأنني لو فعلتُ، فمن المرجّح أننا لن نتمكّن من الحصول على أيّ معلوماتٍ أخرى من جيك.
“كيف كان ردّ فعل سموه بعد وفاة سوزانا؟”
“لم يبدُ عليه أيّ اضطرابٍ أو حزنٍ عميق.”
هزّ جيك كتفيه.
“بالتأكيد. لا بد أن عاطفة سموّه تجاه سوزانا كانت نزوةً عابرة.”
“…..”
“علاوةً على ذلك، عاد إلى العاصمة دون تردّدٍ لحظة وفاة سوزانا.”
كنتُ واثقةً بعد كلمات جيك.
‘التظاهر بعدم الحزن كان مجرّد تمثيل. قرّر ولي العهد التعاون مع المُلحِدين لحظة وفاة سوزانا.’
شعرتُ وكأن حلّ اللغز قد بدأ يتّضح أخيرًا.
“وبعد بضع سنوات، جاء طلبٌ غامضٌ لنبش قبر سوزانا واستعادة محتوياته. هذا كلّ ما أعرفه.”
اختتم جيك قصته.
“ربما يُريد المُلحِدين إيذاء سمو ولي العهد، باحثين عن أيّ أثرٍ له.”
“شكرًا لإخبارنا.”
“ثم التحقيق … وكابوسي …”
“كما قلتُ سابقًا، لا يوجد شيءٌ يُمكنني الجزم به.”
انحنى جيك برأسه، ووجهه مُنكمش.
“وكما تعلم، لا يجب أن تُخبِر أحدًا بما حدث اليوم. إن فعلتَ، فلن ينتهي الكابوس أبدًا.”
كما حرصتُ على تخويف جيك لإبقاء أحداث اليوم طيّ الكتمان.
انحنى جيك برأسه مرارًا، متوسّلًا الصمت مقابل الكوابيس.
تمكّنتُ أنا وكارلوس من تهدئة جيك، ثم غادرنا الكوخ وعُدنا إلى الفيلا الصيفية. بعد التأكّد من أن سيزار لم يعد بعد، دخلتُ غرفة كارلوس. أردتُ تنظيم المعلومات التي جمعتُها اليوم ومناقشة خطوتنا التالية.
“أتعلم، بعد أن استمعتُ إلى جيك، تلك الفتاة التي تُدعى سوزانا …”
كنتُ أول مَن تكلم.
“… أعتقد أنها ابنة ولي العهد غير الشرعية، أليس كذلك؟”
أومأ كارلوس فورًا.
“إن توهّج عينيها في الظلام يوحي بأنها كانت تملك عيونًا ذهبية، رمز عائلة جيروكا الإمبراطورية، ولا بد أن ولي العهد قد رآهما عندما زار الزنزانة.”
قال كارلوس.
“من المُدهش أن ولي العهد أنجب طفلًا من امرأةٍ مُلحِدة.”
وجدتُ ذلك مُفاجِئًا أيضًا.
لا يبدو ولي العهد من النوع الذي يُحبّ شخصًا أو يُنجب طفلًا دون دوافع سياسية.
لكن كلّ شخصٍ لابدّ أن يرتكب أفعالًا غير عقلانيةٍ في الحياة.
“لقد تعاون مع المُلحِدين لإحياء ابنته، هاه.”
وإذا تجاهلنا حقيقة أن ولي العهد هو المقصود، لكانت القصة منطقيةً تمامًا.
أخرجتُ القلادة التي أحضرتُها معي.
لاحظتُ لأوّل مرّةٍ أن النقش البارز على القلادة من الخارج كان صورة طفل.
‘هل هكذا كانت تبدو سوزانا في حياتها؟’
وعندما أعدتُ القلادة إلى جيبي، سمعتُ صوت اصطدام الأسنان ببعضها داخلها.
… حتى لو كان ذلك لإحياء ابنته، فإن التعاون مع المُلحِدين ومحاولة قلب الإمبراطورية كان أمرًا سيئًا.
“إذن، إذا حصلنا على دليلٍ على أن ولي العهد أنجب طفلًا من مُلحِدة، يُمكننا الإطاحة به.”
جمعتُ أفكاري بسرعةٍ ونظرتُ إلى كارلوس.
“وفاة المرأة تجعل إثبات ذلك صعبًا، ولكن بما أننا نعرف الظروف مُسبَقًا، فلا ينبغي أن يكون ذلك مُستحيلًا.”
تحدّث كارلوس، مُفكّرًا فيما سمعه وما وصلنا إليه من فرضيّاتٍ بعناية.
“إذن، علينا التحقيق مع المُلحِدين الآن. شبكتهم ضيّقةٌ للغاية، لذا من المُرجّح أنهم يعرفون هوية تلك المرأة.”
كان لدينا اتجاهٌ واضحٌ لخطوتنا التالية.
بينما كنّا نناقش طُرُقًا مُحدَّدةً لاستخلاص المعلومات من المُلحِدين، عاد سيزار.
“استجوبنا كلّ منزل، لكن لم نجد أيّ أثرٍ لوجود المُلحِدين.”
مسح سيزار العرق عن جبينه وقال.
‘بالتأكيد. لأن بلاغ وجود مُلحِدين كان كاذبًا.’
بدلًا من إخبار سيزار بالحقيقة، ربتُّ على ظهره لجهوده.
“يبدو أن المُلحِدين أدركوا وجودنا هنا فهربوا.”
“أظن ذلك.”
لحسن الحظ، صدّقَ سيزار كذبتي دون أيّ شك.
“إذن سنعود إلى العاصمة؟”
“سننشر على الأرجح بعض فرسان الوسام الثالث في الفيلا الصيفية. لا نعرف متى سيعود المُلحِدون.”
كان نشر فرسان الوسام الثالث لمنع ولي العهد من ملاحقتنا.
“فكرةٌ جيدة. كلّما كان قمع الملحدين أكثر شمولاً، كان ذلك أفضل.”
لكن سيزار صدّق كلامي وافترض أن كل هذا من أجل القبض على المُلحِدين.
‘هذا صحيحٌ إلى حدٍّ ما، لكنني أشعر بالأسف عليه. سأدعوه لشرب مشروبٍ على حسابي لاحقًا.’
بعد انتهاء تحقيقنا في الفيلا الصيفية، عُدنا إلى العاصمة.
قبل أن أعود إلى واجباتي كفرسان، خصّصتُ وقتًا لصنع نسخةٍ طبق الأصل من القلادة وطلبتُ من الكاردينال بيشيل وضعها في خزنة ولي العهد.
‘كان عليّ فعل ذلك مبكّرًا. لقد تأخّر الوقت قليلًا، أليس كذلك؟’
لحسن الحظ، لم ينتبه ولي العهد لاختفاء القلادة.
‘لو لاحظ، لكان قد تعامل معنا، نحن الوسام الثالث، المسؤولين عن التعامل مع الملحدين.’
عندمما لاحظنا عدم وجود أيّ ضغطٍ على الوسام الثالث، اتّضح أن ولي العهد يجهل أمر القلادة بعد.
“لكن ولي العهد لن يغفل عن هذا الأمر للأبد. سيكتشف على الأرجح وجود خطبٍ ما عاجلاً أم آجلاً.”
قال كارلوس.
“إذن، علينا تأمين الأدلّة قبل أن يلاحظ ولي العهد أيّ شيء.”
التعليقات لهذا الفصل " 81"