التفتت عيون الكهنة المتجمّعين بجانب القديسة إليّ على الفور.
“إيـ إيليا!”
في هذه الأثناء، استمرّت القديسة في مناداتي باسمي.
رغم دهشتي وإحراجي، اقتربتُ من القديسة بهدوءٍ قدر الإمكان.
“رئيس الكهنة في طريقه! أرجوكِ حافظي على وعي القديسة قليلاً!”
صرخ الكاردينال بيشيل بيأس، وتحدّثتُ أنا أيضًا إلى القديسة، معتقدةً أنني مضطرّةٌ لإنقاذ حياتها.
“أيتها القديسة، أنا هنا.”
“إيلـ، آووغ، إيليا ….”
في تلك اللحظة، سحبت القديسة ياقتي.
رأيتُ كارلوس يحاول التدخّل من الجانب، لكنني رفعتُ يدي لأمنعه.
كان ذلك لأنني توقّعتُ غريزيًا أن تقول القديسة شيئًا مُهِمًّا للغاية.
“ذلك الوغد ….”
وضعت القديسة شفتيها على أذني وهمست.
“الخزنة، الشخصية… ذلك الوغد، اقتليه …”
بهذه الكلمات، فقدت القديسة وعيها.
لا بد وأنها تعني ولي العهد بكلمة ‘ذلك الوغد’. ولكن ماذا تعني ‘خزنة شخصية’؟
كان عقلي في حالة اضطراب، كما لو أن عاصفةً تلوح في الأفق.
“لقد وصل رئيس الكهنة!”
نهضتُ على الفور وسلّمتُ القديسة إلى رئيس الكهنة.
كان رئيس الكهنة هو الوحيد القادر على صنع أقوى معجزات الشفاء، إلى جانب القديسة نفسها.
حمل رئيس الكهنة جسد القديسة وسكب فيه قوّته المقدّسة.
لكن القديسة لم تستيقظ.
لم يسعني إلّا أن أفكّر في كارلوس.
لو لم أكن قد طُبِعتُ سابقًا، هل كان كارلوس ليتمكّن من وضع بصمته على القديسة الآن وإنقاذها؟
نظرتُ إلى كارلوس.
كان وجهه جادًّا للغاية، لكنه لم يبدُ عليه اليأس كما كان عندما أُصِبتُ.
كنتُ أعلم أنه حتى لو لم يضع بصمته عليّ، لما فعل ذلك لإنقاذ القديسة.
“توقّف سعال الدم الآن. لكنها لا تزال واعية …”
بعد دقائق قليلة، سُمِع صوت رئيس الكهنة وهو يتصبّب عرقًا ويتحدّث بصوتٍ حزين.
“ماذا حدث؟ لماذا انهارت القديسة فجأة؟”
سأل الكاردينال بيشيل رئيس الكهنة بإلحاح.
“لستُ متأكّدًا، ولكن بالنظر إلى أن القوة المقدّسة لا تعمل بشكلٍ صحيح، يبدو أنه نوعٌ من السحر.”
“هل يعني هذا أن المُلحدين ألقوا تعويذةً على القديسة؟”
“لا أستطيع الجزم بذلك بعد، ولكن … أظن ذلك.”
قال رئيس الكهنة بنبرةٍ متألّمة.
عند ذِكر كلمة ‘المُلحِدين، تحوّل انتباه الجميع تلقائيًا إليّ وإلى كارلوس.
فنحن الاثنان الأكثر معرفةً بالمُلحِدين في قاعة المحكمة هذه.
“ربما كان هناك نوعٌ من القيود المفروضة. أعني القيد الذي يُفَعَّل في اللحظة التي يحاول فيها المَعنيُّ ذِكر مَن وراء هذه القضيّة.”
قال كارلوس بهدوء.
“هذا غير ممكن. لكن ألم تكن القديسة على ما يرامٍ حتى عند الحديث عن المُلحدين؟”
“هذا يعني أن كلمة ‘مُلحِد’ لم تكن هي المقيّدة.”
تابع كارلوس كلامه.
“إذا كان الأمر كذلك …”
“لا بد أن هناك عقلًا مدبِّرًا آخر وراء هذا، لا نعرفه.”
ساد الصمت في القاعة.
“شخصٌ قد يتآمر مع المُلحِدين … هل لديكَ أيّ فكرةٍ عمَّن يمكن أن يكون؟”
سألنا الكاردينال بيشيل أنا وكارلوس.
هززتُ رأسي قليلًا تجاه كارلوس، ففهم رسالتي على الفور.
“ليس لديّ أيّ شخصٍ في ذهني بعد، وحتى لو كان لديّ، فلا أستطيع إخبارك.”
إن ذكر اسم ولي العهد هنا والآن سيعيق التحقيق ولن يُسفِر عن أيّ فائدة.
“لماذا! لقد سقطت القديسة بهذا الشكل المروّع!”
ردّ الكاردينال بيشيل بغضب.
لكن كارلوس التزم الصمت.
“لنأخذ القديسة إلى المعبد أولًا. سلامتها هي أولويتنا القصوى، فلنرفع الجلسة.”
تدخّلتُ بين كارلوس والكاردينال بيشيل حتى لا يسوء الوضع.
خرجت تنهيدةٌ من بين شفتيّ.
أعلنّا انتهاء الجلسة، لكن المُحاكمة عُلِّقت فعليًا حتى إشعارٍ آخر.
“سيتذكّر المعبد هذا.”
قال الكاردينال بيشيل من بين أسنانه وهو يحمل القديسة على نقالة.
فهمتُ تمامًا مشاعر الكاردينال بيشيل، الذي كاد أن يفقد أعزّ شخصٍ في المعبد في لحظة، لذلك لم أوبّخه على وقاحته.
بعد أن غادرت القديسة فاقدة الوعي ومجموعة الكهنة، عمّت الفوضى قاعة المحكمة، كما لو أن إعصارًا قد اجتاحها.
“إ- إذًا سنرفع الجلسة. ستُستَأنف المُحاكمة حالما تتعافى القديسة …”
تلعثم القاضي، مُحاوِلًا تهدئة الموقف، لكن قليلًا من الناس استمعوا لأمره.
انتظرنا أنا وكارلوس بفارغ الصبر انتهاء القاضي من حديثه، ثم أكملنا الإجراءات الرسمية وغادرنا قاعة المحكمة.
انطلقنا في صمتٍ إلى مقرّ الوسام الثالث.
“ما رأيكَ بما حدث؟”
بعد دخول مكتبي، وإغلاق الباب، والتأكّد من عدم وجود أحد، تحدّثتُ أخيرًا إلى كارلوس.
“لا شكّ أن ولي العهد هو مَن وراء هذا.”
“أتّفق معك.”
تبادلنا الفرضيات والتكهّنات البسيطة.
“لا بد أنه استخدم نفوذ المُلحِدين لفرض قيودٍ على القديسة. لو نطقت باسمه، لتمّ تفعيل القيد.”
كانت أفكار كارلوس متطابقةً تقريبًا مع أفكاري.
“السؤال هو متى وكيف فُرِض هذا القيد، وكيف نمضي قُدُمًا في التحقيق.”
توقّف كارلوس وتنهّد تنهيدةً قصيرة.
“سيكون الأمر صعبًا.”
نبس بهدوء.
“الآن وقد عُلِم أن حتى القديسة ليست بأمان، قلّ عدد المتعاونين مع التحقيق. وقد عُلِّقت المحاكمة، فحُجِبت العقوبات.”
“آآه.”
كان كارلوس مُحقًّا. اجتاحني ألمٌ في رأسي، وتأوّهتُ لا إراديًا.
“أشعر وكأن برجًا جاهدتُ في بنائه قد انهار في لحظة.”
“ليس وكأن الأمر مختلفٌ عن ذلك.”
ساد الصمت للحظة.
لم أُدرِك أننا كنّا واقفين طوال الوقت إلّا عندما أشار كارلوس إلى كرسي.
“ماذا قالت القديسة في النهاية؟”
بينما جلسنا، قدّم لي كارلوس بعض الشاي الدافئ، في لفتةٍ لتهدئتي.
“صحيح. نسيتُ أن أذكر ذلك.”
صرختُ وأنا أشاهد الماء في كوبي يرتفع.
“أمرتني بتفتيش خزنة ولي العهد الشخصي.”
“تقصدين الخزنة الشخصية؟”
سكب كارلوس لنفسه كوبًا من الشاي وجلس قبالتي. هذا هو ما يحدث الآن.
لاحظت أن حاجبه قد ضاق قليلاً.
“لقد تركت لكِ مَهمةً ليست سهلةً البتّة. الشخص الوحيد الذي يمكنه فتح خزنة أحد أفراد العائلة المالكة هو صاحبها نفسه.”
“و… طلبت مني أيضًا أن أقتل ذلك الوغد، ولي العهد.”
أثار كلامي تعبيرًا غريبًا على وجه كارلوس.
“هل هذه كلمات القديسة؟”
“نعم. لقد قالت بالضبط ‘ذلك الوغد’.”
“……”
بدا كارلوس مُحرَجًا، حيث وجد من غير المتوقّع أن تتفوّه القديسة بشتيمة.
“إذن، يجب أن نضع اختراق الخزنة الشخصية لولي العهد كأولويةٍ قصوى.”
بعد لحظة، استعاد كارلوس رباطة جأشه وتحدّث.
“أين كانت الخزنة الشخصية لولي العهد مرّةً أخرى؟”
سأل وهو ينحني ليخرج كومةً من التقارير عن ولي العهد من خزانتي.
ثم بدأ كارلوس بسرعةٍ وإتقانٍ بفرز التقارير واحدةً تلو الأخرى، قبل أن يُخرِج خريطة للقصر الإمبراطوري.
على الرغم من أنها لم تكن خريطةً كاملةً بسبب اعتبارات الأمان، إلّا أنها أظهرت الشكل التقريبي للقصر الإمبراطوري.
“أفراد العائلة المالكة يمتلكون عدّة خزائن،ولكن الخزنة الشخصية تشير عادةً إلى الخزنة الخاصّة وغير الرسمية.”
حدّق كارلوس في خريطة القصر الإمبراطوري بوجهٍ جاد.
“على الأغلب، من المرجّح أن تكون في غرفة نوم ولي العهد أو مكتبه.”
غرفة نوم، المكتب. كانت الصعوبة عاليةً حقًّا.
لا، إذا نجحنا، فسنتمكّن من إيجاد أدلّةٍ حاسمة، لذا كلّ شيءٍ على ما يرام.
تنهّدتُ، لكنني أجبرتُ نفسي على البقاء إيجابية، ودرستُ الخريطة مع كارلوس.
“الاقتحام من الخارج…”
“مستحيل.”
أجاب كارلوس بصراحة.
“علاوةً على ذلك، الخطر كبيرٌ جدًا. إذا قُبِض علينا متسلّلين، فلن ينتهي الأمر بالطرد.”
وافقت بشدّة.
طرد؟ قد نُحاكم بتهمة الخيانة.
“إذن، الطريقة الوحيدة المتبقّية هي الاقتراب من الداخل.”
“بالضبط.”
السؤال هو، كيف نتعامل مع الأمر …..
أرهقتُ ذهني لساعات، لكن لم يُثمر أيّ حل.
“هل نُنهي هذا اليوم ونفكّر فيه غدًا؟”
كدتُ أستسلم، وقلتُ لكارلوس بيأس.
“ماذا عن هذا؟”
بدأ كارلوس يطرح أفكارًا قد تُرعِب أيّ شخص.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 73"