للحظة، صعقتني تلك الكلمات.
“أسألُ ما أذا كنتِ تظنّين إن كان الجميع بمثل شجاعتكِ وجرأتكِ.”
أضافت القديسة شرحًا، خوفًا من ألّا أفهم مغزاها.
حدّقتُ بها في صمتٍ للحظة قبل أن أتحدّث.
“لستُ أكثر شجاعةً من أيّ شخصٍ آخر.”
ارتسم على وجه القديسة تعبيرٌ من الحيرة.
“لم أُرِد الموت، لم أُرِد أن أواجه نهايةً بائسة، لذلك فعلتُ ما بوسعي. أيّ شخصٍ يستطيع فعل هذا إن كان في وضعي.”
انقلب وجه القديسة، الذي امتلأ بالحيرة في لحظةٍ مضت، فجأةً عند سماع كلماتي.
“لا!”
أنكرت القديسة ذلك.
“أنتِ مميّزة! أنتِ الغريبة! لذا لا تلوميني.”
ثم انكمشو عل نفسها.
لم يكن الأمر مألوفًا، لكنني استطعتُ استشعار كيف تحاول القديسة الدفاع عن نفسها قليلاً.
ربما كانت تستخدم عبارة ‘هذا مستحيلٌ على شخصٍ عاديٍّ مثلي’ كدرع.
“كنتُ خائفة. كنتُ مرتبكة. كيف لي أن أبقى هادئةً في هذا الموقف؟ مهما نظرتُ للأمر، أنتِ مميّزة!”
ربما كانت القديسة مُحقّة.
ربما استطعتُ إدارة الأمور بهذه السهولة لأني أمتلك موهبةً خاصّةً في التجسّد، أكثر من الآخرين.
لكن هذا لا يُبرِّر أفعال القديسة.
“إذن لماذا انحزتِ إلى ولي العهد من البداية؟”
تجهّم وجه القديسة عند سؤالي.
“إذا كنتِ خائفةً حقًا، إذا كنتِ مرتبكة، ألم يكن عليكِ محاولة الحفاظ على نفس السياق الأصلي؟”
غيّرتُ بعض الأحداث من العمل لأصلي، لكنني لم أتدخّل جديًّا في مسار القديسة.
“على حدّ علمي، لا توجد حادثةٌ في العمل الأصلي حاول فيها ولي العهد التقرّب من القديسة.”
هذا يعني أن القديسة هي مَن تواصلت مع ولي العهد أولًا.
“هـ هذا …”
تلعثمت القديسة.
“كنتِ جشعةً لما قد يُقدّمه لكِ ولي العهد، أليس كذلك؟”
احمرّ وجه القديسة عند سماع كلماتي.
“أ- أنا … لم أتوقّع قط أن يكون أحدٌ من عائلة جيروكا الملكية متورّطًا مع المُلحِدين.”
“لم تنكري أن الجشع كان دافعكِ.”
“…..”
“لو كنتِ مرعوبةً حقًا، لما تصرّفتِ بدافع الجشع.”
وهكذا، في النهاية، كانت كلمات القديسة مجرّد أعذارٍ واهية.
“لكن ولي العهد هدّدني منذ البداية!”
“سيُؤخَذ كلّ ذلك في الاعتبار أثناء التحقيق.”
تحدّثتُ بنبرةٍ جامدةٍ خاليةٍ من أيّ دفء.
“إن كان هناك أيّ ظلم، فسيُكشف عنه. وإن لم يكن، فستُحدَّد العقوبة. لا يزال فرسان الإمبراطورية قادرين على ذلك.”
خفضت القديسة رأسها.
‘ولأنها رمز المعبد، فلن تُقتل.’
من المرجّح أن يبذل المعبد جهدًا يائسًا ليختتم حديثه بجملة مثل ‘لقد تمّت السيطرة على القديسة مؤقّتًا بالسحر، وارتكبت ما اقترفته دون قصد’.
شعرتُ بالمرارة، لكن لم يكن هناك ما أفعله أكثر من ذلك.
“أنصحكِ بتجاهل ذكر قصّة التجسيد في المحكمة. بهذه الطريقة، سيتفهّم الناس الأمر.”
قدّمتُ للقديسة نصيحةً أخيرة، ثم نهضتُ.
سمعتُ القديسة تبكي خلفي، لكنني تجاهلتُها وغادرتُ.
بصراحة، شعرتُ بارتياحٍ لأن اللغز المحيط بالقديسة قد حُلّ.
لو لم يكن الأمر أنها مُتجسّدةٌ خرقاء، بل ‘قديسةً حقيقيةً” وقعت في حبّ مُلحِد، لما انتهى الأمر بهذه الطريقة.
“القائدة.”
بينما خرجتُ من الرّدهة، رأيتُ كارلوس والفارس الشاب يحرسان زنزانة الاحتجاز.
“هل وصلتَ إلى هنا؟”
ظننتُ أن كارلوس سينتظر عند الباب الأول.
“نعم، كنتُ قلقًا لأن الاجتماع الخاصّ استغرق وقتًا طويلًا.”
شعرتُ بكارلوس يمسح جسدي بنظرة بسرعة.
“هل كلّ شيءٍ على ما يرام؟ هل حصلتِ على اعتراف القديسة؟”
ترك كارلوس الفارس الشاب، وسأل وهو يغادر زنزانة الاحتجاز.
“آه…”
خطر ببالي، متأخّرًا، أنني لم أفكّر في كيفية شرح الموقف لكارلوس.
“هل يمكنكَ أن تمنحني دقيقةً من وقتك؟ لديّ قصّةٌ لأخبركَ بها عن القديسة.”
“بالتأكيد.”
أومأ كارلوس فورًا، وغادرنا زنزانة الاحتجاز وتوجّهنا إلى مكتبي.
لا أعرف إن كان ذلك خيالًا أم لا، لكن أجواءً غريبةً سادت طوال الطريق إلى مكتبي.
خطر ببالي، متأخّرةً، أن كارلوس قد يستغرب اختيار القديسة لي تحديدًا للاعتراف.
حتى الآن، لم تكن هناك أيّ صلةٍ تُذكَر بيني وبين القديسة.
‘ماذا أفعل؟ هل أكشف أنني والقديسة متجسّدتان؟’
لا يهمّني إن بدأ الآخرون يشكّكون بي ويرونني مشبوهة، لكن الأمر يصبح إشكاليًا إن كان كارلوس مَن يراني مشبوهة.
أحتاج إلى ثقة كارلوس لأخوض هذه القصّة الصعبة.
‘امم، هذا صعب.’
بينما كنتُ أفكّر في هذا، اقتربت خطواتنا من المكتب.
“عن ماذا تحدّثتِ مع القديسة؟”
حالما دخلتُ المكتب وأغلقتُ الباب، سأل كارلوس بإلحاح.
“هذا … هل ترغب بالجلوس أولاً؟”
بعد أن جلستُ، عرضتُ على كارلوس الجلوس أيضًا.
عبس كارلوس قليلًا، لكنه جلس دون أن يقول شيئًا.
‘ها، بجديّة ماذا عليّ أن أقول ؟’
كان رأسي يدور.
كان قول الحقيقة صعبًا، ولم يكن الكذب من اختصاصي.
“في الوقت الحالي، حصلتُ على اعتراف القديسة. إن لم يحدث شيء، فستقول الشيء نفسه في المحكمة.”
“إنّه لأمرٌ مُطمئن.”
لم أنبس بكلماتٍ أخرى، لكنني استطعتُ رؤية السؤال في عيني كارلوس.
“هل أنتَ فضوليٌّ لمعرفة سبب استدعاء القديسة لي؟”
سألتُ، فأومأ كارلوس برأسه.
“حسنًا، هذا …”
توقّفتُ عن الكلام. ما زلتُ أجهل كيف أشرح الأمر. بينما كنتُ متردّدة، أحرّك شفتيّ بلا جدوى.
“… هل هناك سببٌ يمنعكِ من إخباري؟”
سأل كارلوس أولًا.
“إذن، لا داعي للشرح.”
“حقًّا؟”
تفاجأتُ بسؤال كارلوس، فسألتُه لا شعوريًا.
“نعم، حقًّا.”
“لكن … ألا تشعر بالفضول؟”
“بلى.”
“إذن لماذا قلتَ إنه لا داعي للشرح؟”
“لأنني لا أريد أن يُسبّب لكِ فضولي أيّ مشكلة، سيدتي.”
قال كارلوس.
“أعلم أن هناك سببًا وجيهًا يمنعكِ من إخباري. وهذا السبب لا يضرّني.”
“… كيف؟”
هذه المرّة، سألتُه بحيرة. ابتسم كارلوس، وتعابير وجهه مليئةٌ بمشاعرٍ معقّدة، لسؤالي.
“قائدة، لو كنتِ قد خُنتِني أو حاولتِ خداعي، لكنتُ عرفتُ ذلك منذ زمنٍ طويل.”
“إذن لماذا … آه، لأننا طُبِعنا على بعضنا؟”
“نعم.”
أجاب كارلوس بإيجازٍ وسكت.
بدا غير راغبٍ في الخوض في تفاصيل البصمة.
على أيّ حال، يمكن معرفة مثل هذه الأمور من البصمة أيضًا.
صحيح، أنا أيضًا شعرتُ بإحساس مشابه حين لزم كارلوس الصمت في وقتٍ سابق.
“يا لها من راحة.”
تنهّدتُ تنهيدةً طويلً من الراحة.
شعرتُ بالاسترخاء لمعرفتي أن كارلوس لن يُمانع صمتي عن الأمر.
عند هذا، رفع كارلوس حاجبه من ارتياحي، لكنه لم يقل شيئًا آخر.
“سأخبرُكَ لاحقًا عندما يحين الوقت المناسب، حقًّا.”
“سأنتظر.”
أجاب كارلوس بإيجازٍ مرّةً أخرى.
همم، أشعر أنني أصبحتُ أكثر فظاظةً معه منذ أن طُبِعنا على بعضنا. هل يمكن أن يكون وهمًا؟
“إذن فلنستعد لمحاكمة القديسة.”
تحدّثتُ بسرعة، فأومأ كارلوس برأسه مجددًا.
* * *
أُجرِيَت الاستعدادات لمحاكمة القديسة بعنايةٍ وحذر.
ولكن على الرغم من هذا التحضير الدقيق، لم تكن المحاكمة سهلة.
أولًا، كان التوقيت غير مناسبٍ تمامًا.
أُثيرت اتّهامات تواطؤ القديسة مع المُلحِدين في وقتٍ كان فيه القصر الإمبراطوريّ مشغولاً بالتحضير لعيد ميلاد الأمير الثاني، ومسترخين لنجاح حملة الإخضاع الثالثة.
ثم جاءت معارضة المعبد.
“توقّعتُ أن يحمي المعبد القديسة، لكنني لم أتخيّل يومًا أنهم سيرفضون المحاكمة نفسها.”
تنهّدتُ وجلستُ على كرسيي، أُقلِّب الوثائق التي أبلغني بها المعبد.
“سيكون الأمر صعبًا، لكن إذا واصلنا الضغط، فسنتمكّن من الوصول إلى محاكمة.”
قال كارلوس بوجهٍ صارم.
إذا كان المُلحدون متورّطين في القصة، فستكون الملاحقة القضائية مسؤوليتنا، لذا كان علينا المُضيُّ قُدُمًا بطريقةٍ ما.
ولم يكن التوقيت والمعبد هما المشكلتان الوحيدتان.
“سير إيباخ، كيف يسير الأمر الآن؟”
“ذلك …”
توقّف كارلوس عن الكلام، على غير عادته، وبتر جملته.
“ليس من السهل الإمساك بطرف.”
بعد لحظة، زفر بلا حيلةٍ وقال.
وكانت هذه هي العقبة الكبرى.
حتى مع اعتراف القديسة، كان من الصعب توريط ولي العهد في هذه المسألة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 67"