“لا أعرف.”
كان جواب كارلوس واضحًا لدرجة أن شكوكي بدت بلا معنى.
“يخون الناس حلفاءهم لأسبابٍ شتّى ويتواطؤون مع العدو لأفظع الدوافع.”
قال كارلوس وهو يأخذ الزمرد ويدسّه في جيب صدره.
“أحيانًا، يكون التكهّن بلا جدوى.”
لم أعد أعرف.
لم يسبق لي أن مررتُ بموقفٍ مرعبٍ كهذا.
يا إلهي، لقد واجهتُ كلّ أنواع الأشياء منذ أن أصبحتُ متجسّدة.
“سأحوِّل نصف الفرسان الموزَّعين على جانب وليّ العهد إلى جانب القدّيسة.”
كنتُ على وشك الإيماء برأسي عند سماعي كلمات كارلوس عندما خطرت لي فكرةٌ فجأة، فنهضتُ من مقعدي فورًا.
“انتظر، انتظر.”
“ما الذي يحدث؟”
التفت كارلوس إليّ مجددًا وهو على وشك المغادرة نحو الباب.
“هل يمكنكَ الانتظار أسبوعًا؟”
رفعتُ سبعة أصابع لكارلوس.
“سيحدث حادثٌ ضخمٌ من جانب ولي العهد خلال أسبوع. لنركّز عليه حتى ذلك الحين.”
كان هذا هو الحادث الأصلي، والذي كنتُ أتوقّعه منذ ما قبل الحملة الثالثة.
“ما هو أساسكِ في هذا؟”
لحسن الحظ، لم يعتبر كارلوس كلامي هراءً أو تكهّناتٍ متسرّعة، بل شكّك جديًّا في أدلّتي.
“وجدتُ هذا أثناء مراجعتي للتقرير أمس.”
فتحتُ الخزنة تحت مكتبي بسرعةٍ وفتّشتُ في كومة الوثائق الضخمة هناك.
كانت معلوماتٍ بحثتُ عنها أنا وكارلوس من خلال شبكة استخباراتنا.
بعد عناءٍ طويل، أخرجتُ أخيراً ورقةً واحدة.
كانت مُجعّدةً من عجلتي، لكنها كانت تحتوي بوضوحٍ على المعلومات التي كنتُ أبحث عنها.
“هذا …”
ضيّق كارلوس عينيه وقرأ التقرير بتمعّن.
“يقول إن ولي العهد يُحضِّر نبيذاً مثلّجاً من الشمال كهديٍة عيد ميلادٍ لسمو الأمير الثاني.”
أمال كارلوس رأسه.
“عيد ميلاد سمو الأمير الثاني بعد أسبوعٍ بالضبط …”
“إذا كان ولي العهد مُتحالِفًا حقًّا مع المُلحِدين ومتواطِئًا معهم، فمَن الذي تعتقد أنه سيصفّيه أولًا؟”
اتسعت تعابير وجه كارلوس إدراكًا لمعنى كلامي.
“سمو الأمير الثاني. إذا لم يكن هناك سليلٌ شرعيٌّ آخرٌ لجيروكا سواه، فلن يتمكّن الشعب من الاعتراض.”
“هذا صحيح.”
أومأ برأسه بجدية.
“سيحاول ولي العهد بالتأكيد إيذاء الأمير الثاني في عيد ميلاده. وأسهل طريقةٍ للقيام بذلك هي الهدايا.”
“بالضبط.”
هتف كارلوس.
“حتى لو لم يلمس النبيذ المثلّج بنفسه، ستصله هدايا لا تُحصى. إذا اختار واحدة، فسيكون قادرًا على التعامل بسهولةٍ مع الأمير الثاني.”
“نعم، هذا هو الأمر!”
كان استنتاجًا بسيطًا، لكن جواب كارلوس الصريح والمباشر راق لي فأطلقتُ تنهيدة إعجاب.
“إذن، إذا راقبنا عن كثبٍ الهدايا التي يلمسها ولي العهد، يمكننا الحصول على دليلٍ على محاولته إيذاء الأمير الثاني.”
ويمكننا أيضًا إنقاذ الأمير الثاني.
ابتلعتُ الكلمات الأخيرة.
في النص الأصلي، يموت الأمير الثاني على يد ولي العهد.
ويصبح كارلوس السليل الوحيد لجيروكا القادر على الصمود في وجه ولي العهد.
بمعنًى آخر، كان موت الأمير الثاني حدثًا يهدف إلى ترسيخ كارلوس كشخصيةٍ فريدة.
لكنني لم أكن أنوي ترك الأمير الثاني يموت.
لقد رأيتُ الكثير من الناس يموتون حتى الآن.
ربما لهذا السبب لم أرغب في رؤية المزيد من التضحيات غير الضرورية.
لن يعيق بقاء الأمير الثاني خلافة كارلوس للعرش بشكلٍ كبير.
كان الأمير الثاني مجرّد شابٍّ خجولٍ لا يطمح للمناصب.
كان سيتجاهل الأمر ويهرب حتى لو عُرِض عليه العرش. لذا فلننقذه.
“حسنًا.”
ناولني كارلوس الوثائق مجدّدًا وأجاب بهدوء.
“سنكرّس أنفسنا خلال الأسبوع القادم لمراقبة ولي العهد والأمير الثاني.”
وهكذا بدأت مراقبتي أنا كارلوس لولي العهد والأمير الثاني.
لكن الأمور لم تسر بسلاسةٍ كما تمنّيتُ.
مهما طال انتظاري، لم يُبدِ ولي العهد أيّ حركة.
‘هل يُعقَل هذا؟’
في النص الأصلي، قتل ولي العهد الأمير الثاني بوضوحٍ بالنبيذ المثلّج الذي أحضره.
للاحتياط، استخدمتُ معرفتي بالقصة الأصلية لأُرسِل كارلوس خلسةً إلى مستودع النبيذ المثلّج، لكن النتيجة كانت نفسها.
لقد أرسلتُ كارلوس في اليوم الذي سمّم فيه ولي العهد النبيذ المثلّج بالضبط، لكنني لم أجد أيّ دليلٍ على تحرّكاته.
“قد يتحرّك في اليوم الأخير.”
قبل ثلاثة أيامٍ من عيد ميلاد الأمير الثاني، تسلّلنا إلى مستودع النبيذ المثلّج وسهرنا طوال الليل. حاول كارلوس طمأنتي بمزاح.
“سيُصاب الجميع بالجنون في عيد ميلاد الأمير الثاني مع كلّ هذا النبيذ.”
لكن حتى طمأنينة كارلوس لم تُهدِّئني كثيرًا.
‘لماذا؟ هل غيّرتُ كثيرًا وشوّهتُ القصة الأصلية؟ أو ربما ولي العهد هنا، على عكس القصة الأصلية، ليس مرتبطًا بالمُلحِدين …؟’
تسابقت أفكارٌ شتّى في ذهني.
“أليس الجو باردًا؟”
سأل كارلوس. بدا وكأنه يُحاول صرف انتباهي المذعور بقوّة.
“… يبدو باردًا بعض الشيء.”
كنتُ ممتنّةً لاهتمامه، لكنني كنتُ أيضًا أتوق للتخلّص من ذعري، لذا فتحتُ فمي لأُجيب.
“إذًا ارتدي معطفي.”
خلع كارلوس المعطف الجلدي الذي اشتراه ليتنكّر في هيئة عامل مستودع، ووضعه على كتفي.
قبلتُ عرض كارلوس دون تردّد.
بطريقةٍ ما، بعد أن طُبِعتُ عليه بالبصمة، لم أشعر بصعوبةٍ أو إحراجٍ لقبول خدماته الصغيرة كما كان من قبل.
“وأنت؟ ألا تشعر بالبرد؟”
“أستطيع تحمّل الأمر.”
… لا أدري، أهو يشعر بالبرد أم لا.
اكتفيتُ بعبثٍ لا طائل منه بطرف المعطف الذي ناولني إيّاه كارلوس.
“أنا …”
لأن صوتي لم يخرج جيّدًا، تنحنحتُ قليلًا ثم تابعتُ الكلام.
“أعتقد أنني أخطأت. أنا آسفة.”
التفت إليّ كارلوس، الذي كان ينظر داخل المستودع الذي لجأنا إليه، بتعبيرٍ غير مفهوم. بقيتُ صامتة، عاجزةً عن تفسير تعبيره.
تنهّد كارلوس قليلاً ثم تحدّث.
“لا داعي للشعور بالأسف تجاهي.”
“لكن … لقد أهدرتُ جهدك، ألا تشعر بالغضب أو الانزعاج؟”
“هل بدوتُ من النوع الذي يغضب أو ينزعج عادةً من شيءٍ كهذا في نظركِ؟”
“لا!”
هززتُ رأسي نفيًا بسرعة. قطعًا لا.
“إذن لماذا أنتِ قلقة؟”
سأل كارلوس، وقد بدا عليه عدم الفهم.
“كان عليكَ أن تبذل قصارى جهدكَ لحماية ولي العهد والقديسة، لكنكَ أهدرتُ جهودكَ بسببي.”
أصبح تعبير كارلوس غير قابلٍ للقراءة مرّةً أخرى عند سماع كلماتي.
“لقد وافقتُ لأنني وجدتُ وجهة نظركِ معقولة.”
قال كارلوس.
“إذن إذا كان من الممكن لوم أحدًا، فاللّوم علينا نحن الاثنين. لم أكن أنوي حتى لومكِ في المقام الأول.”
أومأتُ برأسي، وقد شعرتُ بارتياحٍ طفيفٍ من تلك الكلمات.
راقبني كارلوس بانتباه، وتحدّث مرّةً أخرى.
“أيّتها القائدة أحيانًا تتصرّفين وكأنكِ مدينةٌ لي بشيء.”
شعرتُ بوخزةٍ مفاجئة.
“وليس كأنكِ تحبّينني.”
هذه المرّة، احمرّ وجهي من شدّة الحرج.
يا رجل، عندما قلتُ أنني أحببتُك، قصدتُ أنني أحببتُكَ كشخصيةٍ في الرواية …..!
لا أستطيع تفسير ذلك الآن، ياللصداع.
“… لماذا أنتِ قلقةٌ جدًا؟ هل حقًا أنتِ مدينةٌ لي بشيء؟ كأنكِ سرقتِ راتبي وذهبتِ إلى دار قمار؟”
“لا! هذا مستحيل!”
أنكرتُ هراءه على عجل.
“إذن هذا يكفي.”
حدّق كارلوس خارج المستودع مرّةً أخرى.
كان لدي الكثير لأقوله، لكني لم أكن أعرف من أين أبدأ، فحدّقتُ في مؤخرة رأس كارلوس بتشويش.
أخيرًا، استسلمتُ، وتنهّدتُ وحدّقتُ في الاتجاه الآخر.
كم من الوقت مرّ في صمت؟
‘هاه؟’
في البعيد، رأيتُ هيئةً سوداء تتحرّك.
“سير إيباخ.”
خفضتُ صوتي وشددتُ على كمّ كارلوس لجذب انتباهه.
نظر كارلوس في الاتجاه الذي أشرتُ إليه بإصبعي وأومأ موافقًا.
“نحيف، يبدو كرجلٍ صغيرٍ أو امرأة.”
كما قال كارلوس، كان الشكل الذي يرتدي رداءً أسود ويتحرّك صغيرًا جدًا.
هل أعرف أحدًا بهذا الطول والبنية؟
على الأقل أعرف أنه ليس ولي العهد …
“آه، إنه متّجهٌ نحو مخزن النبيذ المثلّج.”
وقفنا أنا وكارلوس دون تردّد ونحن نشاهد الشكل الأسود يدخل المستودع المليء بالنبيذ المثلّج.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 64"