عندما التفتُّ، رأيتُ ولي العهد اللعين يبتسم لي ابتسامةً ساخرة.
آغه، هذا مقرف!
عبّرتُ عن استيائي علانية. ثم انفجر ولي العهد ضاحكًا، كما لو كان سيموت من الضحك.
يضحك رغم أنني قلت له أنني أكره ذلك، يا له من منحرف.
“همم، كنتُ غير مبالٍ بعض الشيء.”
اعتذر ولي العهد لمَن حوله عن ضحكه، ثم تكلّم مجددًا.
“إذا قاضيتُموه دون أدلّةٍ دامغة، فقد تكون هذه مشكلةً خطيرة.”
“إذا كان هناك دليل، إذن هناك.”
“هناك؟”
اتّسعت عينا ولي العهد مندهشًا.
بالطبع، لم يتوقّع هذا.
ربما ظنّ أنه أخفى الأمر تمامًا.
لكن مَن أنا؟ ألستُ متجسّدةً من عالمٍ آخر؟
بمعرفتي بكلّ أسرار العمل لأصلي، إذا كان التوقيت مناسبًا، يمكنني العثور على دليلٍ مهما حدث.
“هذه هي العملات الذهبية التي أعطاها إيان ميلاسون للمُلحِدين.”
طلبتُ من سيزار، الذي كان يقف بجانبي، أن يُحضِر لي حقيبةً مليئةً بالعملات الذهبية.
كان هذا ما تركوه المُلحِدون في مخبأ نهر هانتسون، عازمين على أخذه لاحقًا.
“هل أنتِ متأكدةٌ من أن السيد إيان هو مَن سلّم العملات الذهبية؟”
“هناك شهادةٌ من الوكيل الذي يدير الشؤون المالية الشخصية لإيان ميلاسون.”
“…..”
اكتشفتُ ذلك بإقناع وكيلٍ من بين عملاء إيان ميلاسون، ليس من أنصار المُلحِدين.
كان ذلك مناسبًا لأنني كنتُ أعرف مسبقًا مَن يقف إلى جانب مَن مِن القصة الأصلية.
“حسنًا، إذًا، أعتقد أنه ليس أمامنا خيارٌ سوى إضافة تُهمته هذه إلى لائحة الاتهام.”
قال ولي العهد على مضض.
وهكذا انتهى الاجتماع بسلاسة، كما كنتُ آمل.
السؤال الآن هو كيف نحمي إيان ميلاسون حتى تبدأ المحاكمة؟
عندما غادرتُ الاجتماع، سألتُ كارلوس وسيزار.
“هل تعتقدان أن أحدًا سيؤذي إيان ميلاسون؟”
“نعم. سيفعل ذلك شخصٌ يُريد إسكات إيان ميلاسون.”
سأل سيزار، فأجبتُ.
“أعتقد أن إيان ميلاسون هو مجرّد البداية. لا بد أن هناك شخصيةٌ رفيعة المستوى بين نبلاء الإمبراطورية وراء إيان ميلاسون.”
نظرتُ إلى سيزار وكارلوس.
لأمهّد لهم الطريق لاحقًا لتعقّب ولي العهد الذي يقف وراء إيان ميلاسون.
“أوافقكِ الرأي.”
قال كارلوس.
“إيان ميلاسون دقيقٌ للغاية، لكنه لم يكن ليُخطِّط لشيءٍ كهذا بمفرده. ومن الغريب أيضًا أن السحرة هم مَن جعلوه يتصرّف بتهوّر.”
“بالمناسبة، قلتَ إن إيان ميلاسون كان تحت تأثير سحر السحرة؟”
أردتُ التحقّق من هذا الجزء جيدًا، لأنه لم يكن في القصة الأصلية.
أومأ كارلوس.
“هل فهمتَ ماهية هذه التعويذة؟”
“بالنظر إلى الأعراض، يبدو أنها تعويذةٌ تُفقِد الناس صوابهم وتجعلهم يصابون بالجنون، لكنني لستُ متأكدًا.”
أجاب كارلوس بنبرةٍ نادمة. تلك العيون الثاقبة، لو أنها استطاعت فقط فهم طبيعة التعويذة الحقيقية، بدت قادرةً على تشريح إيان ميلاسون حيًّا.
‘لو كان الأمر مُطابقًا للعمل الأصلي، لكانت تلك النظرات الثاقبة مُوجَّهةً إليّ.’
أنا سعيدةٌ لأنني على علاقةٍ جيدةٍ بكارلوس.
“سير إيليا.”
بينما كنتُ أغادر المبنى وأستعدّ للعودة إلى مقرّ الفرسان، سمعتُ صوتًا يناديني من بعيد.
التفتُّ لأرى مَن هو، وكان ولي العهد هو مَن نادى بصوتٍ رنّان.
“هل يمكننا التحدّث على انفرادٍ للحظة؟”
قال ولي العهد بنبرة قلقٍ غير معهودة.
‘ما الذي يحدث؟’
كان بإمكاني تجاهله، لكن نبرته أزعجتني.
“سأغادر للحظة.”
أخبرت كارلوس وسيزار وأومأتُ برأسي لولي العهد.
ثم قادني ولي العهد إلى ممرّ الحديقة.
“ما الأمر؟”
“ليس هناك شيءٌ خطير، كنتُ أريد التحدّث من موقع نهر هانتسون.”
استدار ولي العهد، الذي كان يسير أمامي، وفتح فمه للتحدّث.
“هل يمكنني الدخول لرؤية المكان؟”
“… بالطبع، أنتَ تعلم أنه لا يجوز، وتسأل فقط لتتأكد، أليس كذلك؟”
سألتُ مذهولة.
على أيّ حال، لا بد أنكَ قلقٌ جدًا بعد اعتقال ميلاسون. لدرجة أن تقول لي شيئًا كهذا مباشرةً.
“حتى لو أعطيتُكِ الأمر بصفتي ولي العهد؟”
“جميع الصلاحيات التي تتعلّق بالتحقيق في ما يخصّ المُلحِدين تقع على عاتق فرسان الوسام الثالث.”
ضاقت عينا ولي العهد لرفضي القاطع.
“ماذا عن هذا إذًا؟”
فتح ولي العهد عينيه مجددًا وابتسم. كانت ابتسامةً حلوة، كما لو كان يحاول إغواء أحدهم.
“أطلب منكِ برجاء. سأقدِّمُ لكِ هديّةً قد تُغريكِ.”
“مع ذلك، حتمًا …”
كنت على وشك الرفض.
“حتى لو استطعتُ إبعاد كارلوس إيباخ عن طريقكِ؟”
توقّفتُ عند سؤال ولي العهد وصمتُّ.
“أعلم أنكِ لطالما اعتبرتِ كارلوس إيباخ شوكةً في خاصرتكِ. لديّ طريقةٌ للتخلّص منه.”
تابع ولي العهد، ربما ظنًّا منه أن اقتراحه أغراني بالفعل.
“فكّري في الأمر فقط. إذا رحل كارلوس إيباخ، لن ينظر الناس إلّا إليكِ مجددًا.”
كان ردّ فعلي على هذه الكلمات ……
‘… عن ماذا يتحدّث هذا الرجل؟ كارلوس هو شريان حياتي!’
بالطبع، صُدِمت.
“… منذ أن عدتُ إلى رُشدي، أصبحتُ على وفاقٍ مع السير إيباخ.”
أخبرتُه، تحسّبًا لأيّ شيء. ابتسم ولي العهد وهزّ كتفيه عند سماع كلماتي.
“أليس هذا مجرّد تمثيل؟ الطبيعة البشرية لا تتغيّر بسهولة.”
“لماذا قد أُمثِّل هكذا؟”
“السبب واضح. إنه شعورّ بالأزمة لأنكِ كنتِ على وشك فقدان منصبكِ كقائدة.”
“…..”
تفاجأتُ أن كلماته لامست صُلب الموضوع فعلاً، مما جعلني أتوقّف للحظة.
لكن يبدو أن ولي العهد قد تقبّل ردّة فعلي كأمرٍ إيجابي.
“إذا أسديتِ لي معروفًا، فسأتخلّص من كارلوس إيباخ لأجلكِ.”
“كيف ستفعل؟”
سألتُ تحسّبًا. كان عليّ أن أكون على درايةٍ بأيّ شيءٍ قد يضرّ كارلوس.
ابتسم ولي العهد ابتسامةً عريضةً لسؤالي، كما لو كان يتوقّعه.
“اربطي حادثة نهر هانتسون بالسير إيباخ.”
قال ولي العهد بطريقةٍ ملتوية.
هل يريد تلفيق تُهمة؟ هل سيجعل كارلوس العقل المدبّر وراء هذا؟
تساءلتُ ما خطّته، لكنه لم يكن ذا أهمية. يبدو أن ولي العهد أراد التخلّص من كارلوس مع تسوية قضية نهر هانتسون.
واختارني كوسيلةٍ لتحقيق ذلك.
تنهّدتُ بعمقٍ من مناورة ولي العهد السطحية.
“لا.”
وبدون تردّد، رفضتُ رفضًا قاطعًا.
“… ماذا؟”
“قلتُ إنني لا أنوي قبول ذلك.”
“لماذا؟”
“لأنه يتعارض مع روح ومبادئ الفروسية؟”
عبس ولي العهد، كما لو أنه سمع شيئًا غير لائق.
“… هذا مؤسف. يجب أن ترحلي إذًا.”
أدرك ولي العهد أن إقناعي أكثر من ذلك لا طائل منه، فقال ببرود.
كان من الواضح أن موقف ولي العهد تجاهي قد تغيّر تمامًا إلى عداءٍ كامل.
“سأذهب.”
لكنني لم أكترث.
في النهاية، سيكون ولي العهد هو الخاسر.
عندما غادرتُ الحديقة ووجدتُ كارلوس وسيزار، قلتُ لهما بهدوء.
“لقد عُدت. لنُغادر الآن.”
عُدنا إلى الوسام الثالث، وانتهينا من إضافة التُهَم إلى لائحة اتّهام إيان ميلاسون، وقُمنا بمَهام متفّرقةً كلٌّ يقوم بمَهامه على حِدى.
قبل نهاية اليوم بعشر دقائق فقط، جاء كارلوس لرؤيتي.
“ما الخطب؟”
سألتُه، خوفًا من أن يكون هناك عملٌ إضافيٌّ آخر. من فضلك، لا أريد العمل لساعاتٍ إضافية.
“سآخذكِ إلى قصر إلفينجتون بعد وقتٍ طويل.”
لحسن الحظ، لم يكن ما يريده كارلوس عملٌ لساعاتٍ إضافية.
“إلى المنزل؟ ما الأمر؟”
“ألا أستطيع؟”
“ليس أنكَ لا تستطيع، ولكن …”
“إذن استعدّي.”
لطالما كان الخروج من العمل مُناسبةً سعيدة، لذا استعدّيتُ الآن دون تردّد.
ولكن حتى عندما غادرتُ البوابة الرئيسية للمقرّ مع كارلوس وسرتُ في الشوارع ذات الإضاءة الخافتة، لم أستطع فهم سبب تصرّفه بهذه الطريقة.
قعقعة، قعقعة. لم يكن يُسمَع في الشارع الهادئ سوى صوت حوافر فرس كارلوس البنية وحصاني الأسود.
عندما نظرتُ جانبًا، كان تعبير كارلوس جادًا.
‘مستحيل …’
خطر ببالي فجأةً احتمالٌ ما.
“سير إيباخ، هل هذا بسبب ولي العهد؟”
“…..”
صمت كارلوس.
صحيح!
“سألني إن كنتُ أفكّر في توريطكَ في حادثة نهر هانتسون.”
بعد تفكيرٍ طويل، تكلّمتُ. شعرتُ أنه يجب أن يعرف، لأن الأمر يخصّ كارلوس.
سيُفاجأ بشدّة، أليس كذلك؟
فكّرتُ، ومسحتُ تعبير كارلوس بعيني.
لكن لم تكن هناك أيّ علامةٍ على الدهشة على وجه كارلوس.
“توقّعتُ ذلك نوعًا ما.”
قال بدلًا من ذلك.
“توقّعتَ ذلك؟!”
سألتُه، وقد ازدادت دهشتي. أومأ كارلوس ببطء.
“لقد كان يحاول حماية إيان ميلاسون منذ الاجتماع.”
“عادةً، بما أن ميلاسون مؤيّدٌ لولي العهد، سيظن الناس أن ذلك لحماية سلطته.”
“حدسي يُخبرني أن الأمر ليس كذلك فحسب.”
حدس، يا له من حدسٍ مُذهل.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 54"