أثار ظهور ولي العهد توتّري مرّةً أخرى.
“لا داعي لأن تكوني حذرةً لهذه الدرجة.”
قال ولي العهد بابتسامةٍ وقحة.
“أريد حقًا أن أتحدّث بشكلٍ طبيعي.”
“عن ماذا سنتحدّث؟”
سألتُه، وحذري لا يزال مرتفعًا.
لم أستطع منع نفسي، لأن ما رأيتُه أمامي لم يكن الشخص الذي أهانني للتوّ فحسب، بل أيضًا الشرير النهائي لهذه القصة.
“في غرفة الاجتماعات سابقًا.”
ابتسم ولي العهد مجدّدًا وفتح فمه.
“لماذا كنتِ تحدّقين بي باهتمامٍ شديد؟”
“هذا …”
توقّفتُ عن الكلام، مرتبكة. هل لاحظ نظرتي؟
“هل ظننتِ أنني لن ألاحظ عندما كنتِ تحدّقين بي بتلك الطريقة؟”
سأل ولي العهد، وعيناه تلمعان من السخرية.
“لم تكوني معجبةً بمظهري فحسب.”
عبستُ عند سماع هذه الكلمات. مع كارلوس ومايكل بجانبي، من المستحيل أن يلفت انتباهي شخصٌ وسيمٌ كولي العهد.
رأى ولي العهد تعبير وجهي، فأطلق ضحكةً عميقة.
“هذا مثيرٌ للاهتمام حقًا.”
مثيرٌ للاهتمام؟ ماذا؟
لا أعتقد أنكَ تتحدّث عني، أليس كذلك؟
“أقصِدُكِ أنتِ.”
تحدّث ولي العهد بينما كان يحدّق في عينيّ.
“لو أن فارسًا، كان وغدًا تمامًا ولا يستحق الكثير من الاهتمام، بدأ فجأةً بمراقبة الوضع بنظراتٍ حادّةٍ، ألن يُثير ذلك اهتمام أحد؟”
تنهّدتُ لكلمات ولي العهد.
إذن، هذا الرجل مهتمٌ أيضًا بحقيقة أنني قد تغيّرت.
لكن ليس بطريقةٍ جيدة، بل بطريقةٍ سيئة.
“الناس لا يتغيّرون بسهولة، لكن أيّ شخصٍ يمكن أن يتغيّر إذا قرّر ذلك.”
أخبرتُ ولي العهد.
“لقد ندم هذا الوغد للتوّ على أخطائه الماضية وقرّرتُ بدء حياةٍ جديدة. ليس الأمر خطيرًا لدرجة إزعاج سموّ ولي العهد.”
لم يكن تغييري من شأنه، لذا طلبتُ منه تجاهل الأمر
“همم، أعتقد أن أخلاقكِ قد تحسّنت.”
حسنًا، مع أنني طلبتُ منه ألّا يفعل، إلّا أنه يستمر في إثارة أمورٍ تافهة.
“إذا لم يكن هناك ما يستدعي البقاء أكثر، فسأُغادر الآن.”
أحنيتُ رأسي احترامًا وطلبتُ منه بأدبٍ أن يغادر.
نظرًا لمكانتي الاجتماعية الأدنى منه، لم أستطع المغادرة قبل ولي العهد، وكان ذلك ندمًا عميقًا.
ضاقت عينا ولي العهد عند أمر المغادرة.
“همم.”
لم يسمح لي ولي العهد بالمغادرة، بل فحصني من رأسي إلى أخمص قدمي، كما لو كان يراقبني.
“إذا حاولتِ جاهدةً تجنّبي، فسيزداد اهتمامي بكِ …”
لا، إذا نظرتُ إليه فيثير شجارًا، وإذا حاولتُ تجنّبه، سيثير شجارًا أيضًا… ماذا يُفتَرضُ بي أن أفعل إذن؟
“إذا استمررتِ بفعل هذا، فلن يكون لديّ خيارٌ سوى القلق بشأنكِ.”
سرت قشعريرةٌ في عمودي الفقري.
هذا… هذا ما قاله ولي العهد في الأصل عندما بدأ يهتم بكارلوس.
‘لماذا تقول لي هذا……؟’
حدّقتُ به بعينين واسعتين، فابتسم ولي العهد.
“سأدعكِ تذهبين اليوم. يجب أن تذهبي الآن.”
اقترب ولي العهد وربّت على كتفي.
هذا شعورٌ سيء …..
بالنظر إلى الطريقة التي ضحك بها، لا بد أنني عبستُ لا شعوريًا.
استدرتُ وابتعدتُ بسرعةٍ عن ولي العهد.
شعرتُ به يستدير خلفي ويمضي في طريقه.
“القائدة.”
عندما خرجتُ من متاهة الشجيرات، رأيتُ كارلوس ينتظرني أمام المبنى الذي عُقِد فيه الاجتماع.
بينما كنتُ أنظرتُ إلى ولي العهد المزعج، رؤية كارلوس الآن جعلتني ابتسمُ بسعادةٍ وراحة.
“ماذا كنتِ تفعلين في المتاهة كلّ هذا الوقت؟”
“آه، هذا …”
شرحتُ لكارلوس بإيجاز ما حدث لي.
انقلب وجه كارلوس على الفور.
“هل تقولين إن ولي العهد اقترب منكِ، سيدتي القائدة؟”
“هاه؟ امم…”
اقترب. لم يكن بالأمر الكبير ليعبّر عنه بهذه الطريقة، بل كان يبدو وكأنه تصرّف فقط بمزاجه السيئ.
لكن كارلوس لم يظنّ ذلك.
حدّق في متاهة الشجيرات بتعبيرٍ جاد، ثم ضيّق عينيه والتفت إليّ.
“ماذا قال ولي العهد؟”
“لا شيء يُذكر. سألني فقط عن سبب تحديقي به باهتمامٍ شديدٍ في غرفة الاجتماعات. و …”
بضغطٍ من كارلوس، اعترفتُ لا شعوريًا بكلّ ما حدث مع ولي العهد.
هل هذا مقبول؟ حسنًا، لم يكن سرًّا، لذا سيكون كلّ شيءٍ على ما يُرام.
لكن هذه المرّة أيضًا، كان ردّ فعل كارلوس مختلفًا عما توقعته.
“ذلك الوغد … لا، ولي العهد قال شيئًا كهذا؟ لا يسعه إلّا القلق؟”
“هاه؟ أجل، هذا صحيح.”
فوجئتُ بردّ فعل كارلوس الحادّ، فأجبتُ بحرج.
“اللعنة…”
لعن كارلوس، وهو يمرّر يده اليسرى على وجهه.
“ما الخطب؟”
سألتُ بفضول، فألقى كارلوس نظرةً مُعقَّدةً عليّ.
“ذلك الوغد… لا، ولي العهد وغدٌ ماكر.”
أوه، الآن وقد فكّرتُ في الأمر، كارلوس كان يكره ولي العهد منذ البداية، أليس كذلك؟
“أعرف أن ذلك الوغد… لا، ولي العهد ماكرٌ أيضًا. سأكون حذرة.”
قلتُ هذا لأُهدِّئ كارلوس.
وقد خفّت حدّة تعبير وجه كارلوس قليلًا بالفعل.
“أنتَ قلقٌ عليّ مجددًا، أليس كذلك؟”
حتى أنكَ وصفتَني بالفارس العظيم سابقًا …….
كنتُ ممتنةً وسعيدة، فابتسمتُ لكارلوس.
“….!”
اتّسعت عينا كارلوس في لحظة.
“أنتِ حقًا…!”
احمرّ وجهه فجأةً. شعرتُ وكأنني أشاهد احمرارًا يغزو وجهه شيئًا فشيئًا.
هذا الرجل خجولٌ حقًا عندما يتعلّق الأمر بالمجاملات والكلمات اللطيفة.
لقد فهمتُ نمط كارلوس، لذلك لم أعد متفاجئة.
بدلًا من ذلك، ابتسمتُ له مجددًا. فالخجل ليس سيئًا على أيّ حال.
لكن وجه كارلوس احمرّ أكثر.
وضع يده على فمه، بالكاد يستطيع رفع رأسه.
“لنذهب.”
لن تكون مضايقته أكثر من ذلك جيدة، لذا ربتُّ على كتفه.
نظر إليّ كارلوس بتعبيرٍ حزينٍ نوعًا ما وأومأ برأسه.
* * *
بفضل جهود كارلوس، أُلغيت رحلة ولي العهد، وسارت الاستعدادات اللاحقة للإخضاع بسلاسةٍ بفضل جهوده.
بعد كلّ هذا العمل، جاء يوم الحملة.
“جميعًا، أرجو منكم التعاون هذه المرّة أيضًا.”
بعد جمع أعضاء الحملة لفترةٍ وجيزةٍ وتشجيعهم، امتطينا خيولنا وغادرنا القصر.
هذه المرّة أيضًا، ازداد الموكب كثافةً مع مرورنا بنقطة الإمداد.
الفرق الوحيد عن المرّة السابقة هو أن جبال ماسنت كانت أبعد عن العاصمة من وادي لاتام، الذي كان قريبًا نسبيًا.
اضطررنا للركوب عشرة أيامٍ كاملةٍ قبل أن نصل أخيرًا إلى جبال ماسنت.
نظرتُ إلى جبال ماسنت الشاهقة ولمستُ برفقٍ مقبض السيف على خصري الأيسر.
أتمنى ألّا أُضطرّ لاستخدامه كثيرًا هذه المرّة …
على الرغم من قوّتي المكتسبة من التدريب الخاص مع مايكل، لم أُرِد أن أرى أيّ مكروهٍ يحدث.
لكن بصفتي قائدة حملة الإخضاع، أعتقد أنني لا أستطيع تجنّب المشاركة في المعركة.
“أيّتها القائدة، سنبني ثكناتٍ هنا ونُرسِل فريق استطلاعٍ فورًا.”
أبلغني سيزار، فأومأتُ برأسي موافقة.
هذه المرّة، كان فريق الإستطلاع فرسانًا شبابًا، بمَن فيهم سيزار.
عادوا في الوقت الذي كان فيه الفرسان المتبقّون في الموكب يُكمِلون ثكناتهم، حاملين أخبارًا مفادها أن المُلحِدين في جبال ماسنت قد لاحظوا اقترابنا.
“إنهم في تشكيلٍ قتالي.”
أبلغ سيزار.
انقطع الاتصال بوادي لاتام، فلا بد أنهم توقّعوا ذلك. وهو أيضًا موسم الإخضاع.
توقّعنا تمامًا استعدادات المُلحِدين للإخضاع، لذلك لم نتفاجأ.
المشكلة الوحيدة كانت …
“هجومٌ مُفاجِئٌ كالذي حدث في لاتام لن يُجدي نفعًا في هذه الحالة. سيتعيّن علينا شنّ حربٍ شاملة.”
“هذا صحيح.”
أومأ كارلوس، الذي كان يستمع إلى تقرير سيزار، مُوافِقًا على كلامي.
“مع ذلك، نحن مَن ندفع، لذا لدينا الأفضلية. لنحافظ على قوّتنا ونهاجم عند الفجر، حين يكونون في أوج إرهاقهم.”
قال كارلوس، واضعًا دبّوسًا أحمر في وسط خريطة جبال ماسنت.
“جيد.”
أومأتُ برأسي، فقد كانت حجّةً وجيهةً تمامًا، ولم تترك مجالًا لمزيدٍ من الجدال.
لذا، بعد أن قرّرنا مهاجمة المُلحِدين عند الفجر، تناولنا الطعام واسترحنا للحفاظ على طاقتنا.
وصل كارلوس إلى خيمتي في وقتٍ متأخّرٍ من الليل، حين كان الظلام دامسًا.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 44"