“ماذا؟”
سأل كارلوس ببرود.
“ألم تسأل عن طبيعة جلالته؟ لهذا أجبتُك.”
“…..”
صمت كارلوس للحظة، لم يُسمَع سوى صوت قعقعة عجلات العربة.
“… ماركيز إلفينجتون مُخلِصٌ للعائلة الإمبراطورية منذ أجيال، أليس كذلك؟”
ألم يتوقّع أن شخصًا مثلي، عضوًا في ماركيز إلفينجتون، سيقول شيئًا عن عدم موثوقية الإمبراطور؟
“لأن الأمر بيننا فقط، فقد تحدّثتُ بصراحة.”
ارتجف كارلوس مجددًا.
رأيتُ عاطفةً مُعقّدةً تتلألأ في عينيه.
“إلى هذه الدرجة أنتِ …”
توقّف كارلوس عن الكلام.
“أثق بي.”
أجبتُ فورًا.
لأنني كنتُ أعرف ما الذي يريد قوله.
“تسأل إن كنتُ أثق بكَ إلى درجة أن أقول مثل هذا الكلام أمامك؟ سأقولها مرّةً أخرى، أنا أثق بك.”
لأنني رأيتُ بعيني أن كارلوس جديرٌ بالثقة.
وحتى بعد أن تمّ تجسيدي، اختبرتُ بنفسي أنه لا يختلف عمّا كان عليه في العمل الأصلي.
نظر إليّ كارلوس بدهشة.
للحظة، بدا مُركِّزًا عليّ لدرجة أن قعقعة عجلات العربة قد تم كتمُها.
‘ربما أنتَ مُتفاجئ، أليس كذلك؟’
مع أن علاقتنا قد تحسّنت مؤخّرًا، إلّا أنه ربما لم يتوقّع مني أن أثق به إلى هذا الحد.
لا، ربما لم يكن مُتفاجِئًا كما ظننت.
‘ربما ينظر إليّ هكذا فقط لأن ما قلتُه كان مُفاجِئًا.’
بينما كنتُ أُفكِّر في كارلوس،
“القائدة …”
نبس كارلوس.
“نعم. أنا، ماذا؟”
“حقًا …”
بينما كان كارلوس على وشك أن يقول شيئًا،
قعقعة.
توقفت العربة بأعلى صوتٍ سمعتُه في حياتي.
“لقد وصلنا!”
ثم جاء صوت سيزار، غافلاً عمّا يجري في الداخل.
“سير إيباخ؟”
“… لا شيء.”
هزّ كارلوس رأسه، كما لو أنه استيقظ من حلم، كأنه ينفض عنه شيئًا ما.
ما الأمر؟ إنّه يثير فضولي.
“إلى ماذا تنظريت هكذا؟ اخرجي من فضلكِ.”
حدّقتُ بكارلوس، لكنه بدا رافضًا تمامًا لإكمال جملته.
في النهاية، لم يكن أمامي خيارٌ سوى النزول من العربة دون أن أسمع كلمة.
ما إن خرجتُ من العربة، حتى ظهر لي القصر الإمبراطوري الرائع الجمال.
يا إلهي، لقد قرأتُ أنه جميلٌ في العمل الأصلي، لكنني لم أتوقّع أبدًا أن يكون بهذا الجمال.
“أحيّي قائد ونائب قائد وسام الفرسان الثالث.”
بينما كنتُ غارقةً في أفكاري، أُعجَب بالقصر الإمبراطوري في سرّي، خرج خادمٌ ليُرحِّب بنا.
“تفضّلاا بالدخول.”
نظر إليّ الخادم وأدخلنا.
بدا أنه هو الآخر سمع شائعة أنني قد عدتُ إلى رشدي. أو ربما كان خائفًا من دنائتي فحسب.
تَبِعنا الخادم، وتمكّنتُ من الاستمتاع بمشاهدة الأشجار والمنحوتات الرائعة الممتدّة في حدائق القصر.
عبرنا الحدائق ودخلنا مدخلًا مزخرفًا، ثم دخلنا رواقًا فخمًا بعده.
كانت قاعة العرش، حيث كان من المفترض أن نلتقي بالإمبراطور، في نهاية الرواق تمامًا.
“انتظرا هنا من فضلكما.”
قال الخادم الذي فتح باب قاعة العرش. بدا أن الإمبراطور سيصل لاحقًا.
لم يكن هناك أحدٌ غيرنا في قاعة العرش. كان الوزراء سيرافقوننا ابتداءً من المرحلة الثانية من الإخضاع.
بينما كنتُ أنتظر، وأنا أفكّر في ما سيحدث بعد ذلك، سمعتُ وقع أقدامٍ من الجانب الآخر من الرّواق.
“جلالته قادم!”
قال الخادم، وانتصبتُ أنا وكارلوس على الفور لتحيّة الإمبراطور.
كان الإمبراطور، الذي فتح الباب، رجلاً في منتصف العمر، مَهيب المظهر ووذو لحيةٍ جميلة.
“همم، لقد مرّ وقتٌ طويلٌ لم أرَ كلاكما فيه.”
نظر إلينا بعينيه الذهبيتين الصافيتين وقال.
“ارتاحا.”
تحدّث الإمبراطور بإيجازٍ، ثم اتّجه إلى المقعد الرئيسي وجلس هناك.
انتظرنا أنا وكارلوس حتى يُعدّٓل الخادم رداء الإمبراطور قبل أن نجلس.
استطعتُ الشعور بتوتّر كارلوس.
ومن ناحيةٍ أخرى، ظلّ الإمبراطور هادئًا.
بدا وكأنه يجهل أن الشاب الذي أمامه هو ابنه الذي هجره.
“إذن، وادي لاتام؟”
“أجل، هذا صحيح. هدف هذه الحملة هو جمع معلوماتٍ عن المُلحدين في جبال ماسنت من لاتام.”
تحدّث الإمبراطور أولاً، وشرحتُ له الباقي.
بعد أن استمع الإمبراطور إلى شرحي، عبست ملامحه كما لو أنه وجد شيئًا غريبًا حقًا.
“أن أسمع مخطّط العملية كاملاً من السير إيليا، يبدو أنني عِشتُ طويلًا لأرى هذا يحدث أخيرًا.”
“هاها…”
… كم طريقتكَ جميلةٌ في قول أنكَ فوجئتَ بإصلاح هذه الشقيّة.
“إذن، هل هذه نهاية التقرير؟”
“أجل، هذا كلّ شيءٍ حاليًا.”
بعد أن سمع الإمبراطور التقرير كاملاً، انحنى إلى الوراء في كرسيّه وسأل، وأجبتُ أنا هذه المرّة أيضًا.
“ستشاركين أنتِ أيضًا في هذه الحملة، سير إيليا.”
ظننتُ أن اللقاء قد انتهى، لكن الإمبراطور، وهو يمسّد لحيته، أثار موضوعي.
“هذا ما آل إليه الحال.”
أجبتُ بحذر، غير قادرةٍ على فهم نوايا الإمبراطور بسؤالي إن كنتُ سأشارك في الحملة.
“احذري أن تُصابي. هناك شخصان سيُصابان بالجنون إن أُصِبتِ.”
أنهى الإمبراطور، الذي بدا كلامًا فارغًا، حديثه بتحذيرٍ من أن أُصاب.
ولكن مَن سيُصاب بالجنون إن أُصِبتُ؟
“إذن عليكما المغادرة.”
أملتُ رأسي عندما لوّح الإمبراطور بيده، طالِبًا منّا المغادرة.
وهكذا، انتهى اللقاء مع الإمبراطور بسرعة، بلا مبالاةٍ تقريبًا.
مع ذلك، بدا أن كارلوس مشغول البال، إذ ظلّ صامتًا طوال طريق العودة إلى مقرّ الفرسان الثالث.
“ستضطرّين إلى النوم في المقرّ اليوم.”
بينما نزلنا من العربة، تكلّم كارلوس أخيرًا.
“سنغادر فجر الغد. وهناك الكثير لنتحقّق منه.”
“أعلم. لهذا السبب استعددتُ مسبقًا.”
أومأت برأسي ردًّا على كلمات كارلوس.
“إذن، بعد قليل …”
كنتُ على وشك أن أقول، “لنرَ،” لكنني توقّفتُ فجأة.
كان تعبير كارلوس كئيبًا للغاية.
لا بد أن هذا الرجل قد تأثّر بشدّةٍ بمقابلته للإمبراطور.
لم يتوقّع أن يتعرّف عليه الإمبراطور، لكنه بدا وكأنه يعامله كشخصٍ غريبٍ تمامًا، وهو ما بدا غريبًا.
‘ماذا أفعل؟’
فكّرتُ، لكن الإجابة كانت محسومةً مسبقًا.
‘سأتظاهر بأنني لا أعرف فقط.’
لم يكن هناك ما يمكنني فعله في المقام الأول.
حقيقة أن كارلوس هو الابن غير الشرعي للعائلة الإمبراطورية لم تُكشَف بعد. لو تظاهرتُ بأنني أعرف بالأمر، لشعر كارلوس بالرّيبة بلا شك.
وفوق كلّ ذلك، كنتُ رئيسةً بغيضةً ومزعجةً لكارلوس.
لذا كان عليّ أن أتظاهر بأنني لا أعرف. كان عليّ أن أتظاهر بأنني لا أعرف، لأن هذا هو الصحيح …
“سير إيباخ.”
لكنني ناديتُ كارلوس لا شعوريًا.
“نعم.”
التفت إليّ كارلوس، الذي كان ينظر إلى البعيد. أوحى تعبير وجهه بأنه شارد الذهن بالتأكيد، وأن عليّ أن أُسرِع إن كان لديّ ما أقوله.
للحظة، تذكّرتُ حياتي الماضية.
الراحة التي شعرتُ بها وأنا أقرأ رحلة كارلوس المنعشة مع عصير التفاح عندما كنتُ أفقد الأمل وأشعر بالإرهاق من الحياة.
شعرتُ أنني مدينةٌ له بشيء، لذا شعرتُ أن عليّ أن أقول له شيئًا.
“لا أعرف ما الذي يحدث، لكن لا تقلق كثيرًا. كلّ شيءٍ سيكون على ما يُرام.”
مددتُ يدي وربتتُّ على كتف كارلوس.
نظر إليّ كارلوس بعينين حائرتين.
رفع ذراعه كأنه يُريد أن يُبعد يدي، ثم ارتجف وأنزلها.
بعد ذلك، نظر إليّ بنظرة تأمّل.
“حقًّا …”
بدأ كارلوس حديثه، فأملتُ رأسي.
هل كان يُحاول مُتابعة ما كان يقوله في العربة سابقًا؟
في تلك اللحظة فكّرتُ في الأمر.
“لا شيء.”
أتعلم يا كارلوس؟ هناك طريقتان لإغضاب شخصٍ ما … أوه، هذا يكفي.
لا أستطيع إلّا أن أتخيّل مدى تعقيد مشاعره الآن.
“أجل، لا شيء.”
ابتسمتُ بعطفٍ وأبعدتُ يدي عن كتف كارلوس.
“إذن سأذهب. أراك بعد العشاء.”
أومأ كارلوس قليلًا واختفى باتجاه المقرّ الرئيسي.
حدّقتُ في الفراغ في الاتجاه الذي اختفى فيه، ثم عُدتُ إلى مكتبي لأُنجِز عملي.
في تلك الليلة، سهرنا حتى وقتٍ متأخّر، نتحقّق من جميع العناصر اللازمة للرحلة الاستكشافية ونأخذ استراحةً قصيرة.
* * *
وأخيرًا، بزغ فجر الرحلة الاستكشافية الأولى.
انطلقت الرحلة الاستكشافية بسرعةٍ وهدوء.
بدأ الموكب بالفرسان في المقرّ، وازداد كثافةً مع مغادرتنا العاصمة وتوقّفنا عند نقطة إمداد.
بعد تجاوز نقطة الإمداد، سافرنا قليلاً ووصلنا إلى غابةٍ كثيفة، خاليةٍ من أيّ أثرٍ للبشر.
“بعد هذه الغابة مباشرةً يقع وادي لاتام.”
قال كارلوس.
“لذا، أعتقد أنه من الأفضل إقامة معسكرٍ عند مدخل الغابة وإرسال فرقة استطلاع.”
عند سماعي كلمات كارلوس، أوقفتُ الفرسان على الفور.
“هل سمعتُم جميعًا؟ أنشِئوا مُعسكرًا وأرسِلوا كشافة.”
بأمري، تحرّك الفرسان في انسجامٍ تامٍّ وبدأوا في إقامة المُعسكر.
مع غروب الشمس، كانت عدّة ثكناتٍ عسكريةٍ جيدة المظهر قد شُيِّدت بالفعل.
كانت هذه بداية الإخضاع الشامل للمُلحدين.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 37"