تنهّد كارلوس ورفع يديه عن المكتب.
في الوقت نفسه، بدا أن الضغط قد زال، وشعرتُ براحةٍ أكبر.
“لذا، كُوني حذرةً عند ذِكر المهارات للفرسان الآخرين.”
قال كارلوس.
“لا أريد أن يحدث أيّ خطأ. ما زلتِ تفتقرين إلى القدرة على التحمّل، أليس كذلك؟”
تركتني هذه الكلمات، الدقيقة جدًا في تقييمه لمهاراتي، عاجزةً عن الكلام.
“من فضلكِ، ابقي قريبةً مني أثناء الحملة الاستكشافية. لا تخطر ببالكِ أيّ أفكار غريبة.”
بعد ذلك، استمرّ كارلوس في الحديث عن سبب عدم وجوب تحدّي الفرسان الآخرين في مبارزاتٍ دون سبب، وماذا أفعل أثناء الحملة الاستكشافية.
حدّقتُ به للحظة، ثم فتحتُ فمي بحذر.
“سير إيباخ، أنتَ قلقٌ عليّ، أليس كذلك؟”
“….!”
تجمّد كارلوس للحظة، كما لو أنه صُعِق ببرق.
“ما الذي تتحدّثين عنه؟”
سأل كارلوس، وكان صوته مستاءً بشكلٍ واضح.
لكنني لم أتأثّر باستيائه. لأنني، على عكس السابق، كنتُ متأكّدة.
“عندما استمعتُ إليك، أدركتُ أن السير إيباخ قلقٌ عليّ بالتأكيد.”
“هذا غير صحيح!”
رفع كارلوس صوته فجأة، ثم أغلق فمه بسرعة.
لكن وجهه احمرّ.
“لا تقلق. لا أعتقد أن هذا يعني أن مشاعر السير إيباخ اتّجاهي قد أصبحت أفضل.”
لوّحتُ بيدي لكارلوس، الذي كان وجهه يكاد يغلي.
“لا يزال السير إيباخ يكرهني، وأعتقد أن هذا طبيعي.”
اختفى الاحمرار قليلًا من وجه كارلوس عند سماعه لكلامي.
“أنتَ تؤدي واجبكَ كنائب قائدٍ وتعتني بي.”
لا أعني أكثر من ذلك.
أعرف كم كانت إيليا قاسيةً على كارلوس، فكيف لي أن أجرؤ على افتراض أن كارلوس يهتمّ لأمري لمجرّد أنه مُعجَبٌ بي؟
لكن سبب طرحي لهذا الموضوع هو …….
“حتى لو كان من واجبكَ الاهتمام بي، فأنا أُقدِّر ذلك.”
هذا ما كنتُ أودّ قوله.
نظر إليّ كارلوس مُندهشًا من شُكري.
بدا وكأنه لم يتوقّع يومًا أن يسمع مثل هذه الكلمات مني.
“أنا…”
بدا كارلوس وكأنه على وشك قول شيءٍ ما، ثم أطبق فمه.
“… هذا يكفي.”
تنهّد تنهيدةً قصيرةً وجمع أوراقه.
“يجب أن تقابلي جلالة الإمبراطور غدًا. حتى لو كانت رحلةً استكشافيةً صغيرة، فما زالت تُعتَبر حملة.”
شرح لي جدول الغد بإيجازٍ وغادر مكتبي.
بعد أن غادر كارلوس، ولم يكن لديّ ما أفعله، قضيتُ بقيّة اليوم شاردة الذهن حتى نهايته قبل أن أعود إلى المنزل.
“آنسة! لقد جهّزتُ ملابسكِ الرسمية للغد!”
بما أن جدولي لم يكن مُناسبًا لباقي أفراد العائلة، تناولتُ العشاء وحدي وصعدتُ إلى غرفتي، حيث استقبلتني ماري بملابس رسميّةٍ مُبهِرة.
“يجب عليّ ارتداء هذا …؟”
فزعت من كثرة الأزرار والشعارات على الرداء.
“إنه لقاءٌ مع جلالته!”
لكن ماري كانت حازمة.
“يجب أن ترتدي ملابسًا أنيقةً وتُظهِري للجميع أنكِ قد تغيّرتِ، آنستي!”
“…..”
كانت فكرة ارتداء الرداء غير المريح مُربكة، لكن في النهاية، كانت ماري مُحقّة.
غدًا سيكون أوّل ظهورٍ رسميٍّ لي منذ عودتي إلى رشدي، وسيُدينُني الكثيرون.
لا يُمكنني أن أُنتقَد في وقتٍ كهذا.
“حسنًا، سأرتديه.”
“قرارٌ صائب!”
أخذتُ الرداء من ماري وعلّقتُه بجانب السرير.
“لا تقلقي، سآتي غدًا لأساعدكِ في ارتدائه.”
لحسن الحظ، كانت ماري تعرف تمامًا كيفية ارتداء الرداء، لذلك لم يكن عليّ القلق.
“إذن نامي جيدًا.”
ناولتني ماري ملابس النوم وأطفأت المصباح من أجلي.
شربتُ كأسًا قبل النوم، واغتسلتُ، ثم ذهبتُ إلى الفراش. غدًا سيكون يومًا طويلًا.
مع هذه الفكرة، أغمضتُ عينيّ.
* * *
في اليوم التالي، استيقظتُ في الوقت المناسب تمامًا، دون أن يُكلّف أحدٌ نفسه عناء إيقاظي.
بعد أن تناولتُ فطورًا سريعًا أعدّته ماري، ارتديتُ ملابسي الرسمية، وعلى عكس العادة، صعدتُ إلى عربةٍ وتوجّهتُ إلى مقرّ الفرسان.
لم أستطع المخاطرة بتجعّد ردائي أثناء ركوب الحصان.
انطلقت العربة ببطء، ووصلت إلى مقرّ وسام الفرسان الثالث على مهل.
“هل وصلتِ؟”
قفزتُ من العربة، فحيّاني سيزار، الذي كان ينتظرني، بأدب.
“ماذا عن سير إيباخ؟”
“نائب القائد يستعدّ حاليًا للقاء جلالته.”
كنتُ فضولية، فشرح سيزار بلطفٍ مكان كارلوس لي.
تساءلتُ إن كان لدى كارلوس أيّ شيءٍ آخر ليُجهّزه، لكنني سرعان ما أدركتُ وأيقنتُ مدى أهميّة لقاء الإمبراطور بالنسبة له.
الإمبراطور هو والد كارلوس البيولوجي، وهو الذي تخلّى عنه ذات مرّة.
كانت أمنية كارلوس التي طالما تمنّاها أن يُقدِّر إمبراطورٌ مثله قيمته.
فكم سيكون متوتّرًا إذا التقى بالإمبراطور؟
‘يجب أن أكون متوتّرةً أيضًا.’
هدّأتُ نفسي وانتظرتُ كارلوس أمام العربة. بعد دقائق قليلة، ظهر كارلوس، مرتديًا بذلةً أنيقةً وراقيةً على عكسي، داخل المقرّ.
“واو … يا له مظهر!”
سمعتُ سيزار الواقف بجانبي يُبدي تعجّبًا ساخرًا من طول كارلوس وتألُّقه اللافت.
كارلوس وسيمٌ حقًا.
كنتُ مُعجَبةً به سرًّا، فنسيتُ توبيخ سيزار.
لحسن الحظ، بدا كارلوس غافلًا عن تعجّب سيزاري، وهو يقترب من العربة بوجهٍ خالٍ من التعبير.
“لنذهب.”
حثّني كارلوس بصوتٍ حازم.
‘أنتَ متوتّرٌ في النهاية.’
حاولتُ مراعاة كارلوس، متجنّبةً التعليق على نبرته الجامدة، وصعدتُ إلى العربة.
جلس قبالتي، وجلس سيزار على مقعد السائق، ثم انطلقت العربة في طريقها.
في العربة المُزعجة، ظلّ كارلوس صامتًا، يُحدِّق من النافذة بعناد.
‘هل سنصل إلى القصر في هذا الصمت القاتل؟’
في تلك اللحظة فكّرتُ.
“هذه هي المرّة الثالثة التي أُقابل فيها جلالته.”
تحدّث كارلوس.
بعد سماع ذلك، بحثتُ في ذكريات إيليا، مُسترجِعةً لحظات لقاء كارلوس بالإمبراطور.
كانت لقاءات كارلوس بالإمبراطور قد حدثت خلال حملات الإخضاع السابقة بعد أن أصبح نائب قائد الفرسان.
“لقد قابلتِ جلالته أكثر مني، أيّتها القائدة.”
دفعتني كلمات كارلوس إلى البحث في ذكريات إيليا مجدّدًا.
بالتأكيد، كانت إيليا عبقريةً واعدة، وبصفتها نبيلةً رفيعة المستوى، أُتيحت لها فرصٌ عديدةٌ للقاء الإمبراطور.
“أظن ذلك. لقد دخلتُ القصر وخرجتُ منه كثيرًا منذ صغري.”
غير متأكّدةٍ من كيفية الرد، اخترتُ إجابةً مضمونة.
ثم حوّل كارلوس نظره من النافذة ليُحدِّق بي. ساد الصمت مجدّدًا. لمعت عينا كارلوس البنيّتان ببريقٍ ذهبيٍّ للحظة.
بالتفكير في الأمر، كان هدف كارلوس هو الترقّي في صفوف الوسام الثالث والتقرّب من الإمبراطور.
‘أسرع طريقةٍ لتحقيق ذلك هي أن يتفوّق عليّ ويصبح قائد الفرسان.’
… هل كان ينبغي عليّ أن أكون أكثر حذرًا من كارلوس بدلًا من أن أُصفّي الكارما المحيطة بي؟
في اللحظة التي أدركتُ فيها هذا، نبس كارلوس.
“أيّ نوعٍ من الأشخاص هو جلالته؟”
“هاه؟ جلالته؟”
“نعم.”
أومأ كارلوس برأسه بجديّة.
“لقد قابلتُ صاحب الجلالة بنفسي، لكنني ما زلتُ لا أعرف.”
تعمّقت نظرة كارلوس.
“بصفتي عضوًا في الفرسان الإمبراطوريين، أريد أن أعرف المزيد عن جلالته.”
ارتجفتُ من تلك الكلمات.
أما كان عليه أن يُخفي نيّته القاتلة أولًا؟ كلّ مَن يراه سيظنّ أنه في طريقه لقطع رأس الإمبراطور.
“جلالة الإمبراطور، أتساءل.”
استطعتُ فهم مشاعر كارلوس تجاه الإمبراطور، ولو قليلاً، وشعرتُ ببعض الإحراج لتجاهل سؤاله الجاد، فتحدّثتُ.
وللحصول على إجابةٍ مناسبة، تعمّقتُ في ذكريات إيليا، وراجعتُ أيضًا العمل الأصلي.
أولًا، في ذاكرة إيليا، كان الإمبراطور شخصيةً مَهيبةً ذات طبيعةٍ غامضة.
كان حذرًا ومتحفّظًا في كلّ ما يفعله، فحظي باحترام ومحبّة شعب الإمبراطورية.
لكن القصة الأصلية كانت مختلفة.
كقارئة، لم أكن أُقدِّر الإمبراطور تقديرًا كبيرًا.
‘كان أبًا غير مسؤولٍ تخلّى عن ابنه لمجرّد أن والدته كانت امرأةً من عامّة الناس.’
هذا لأنني قرأتُ القصة الأصلية من منظور كارلوس.
لذا، بدا لي حذر الإمبراطور تردّدًا، وتحفّظه مجرّد تمويهٍ لإخفاء أخطائه.
“جلالة الإمبراطور …”
بعد أن جمعتُ أفكاري، تحدّثتُ بخفوت.
همم، هل من المقبول قول هذا؟
لا أعرف. لا بأس، فأنا وكارلوس فقط مَن يستمع على أيّ حال.
“بصراحة، يبدو غير موثوقٍ بعض الشيء.”
اتسعت عينا كارلوس عند سماع كلماتي، كما لو أنه لم يُصدِّق ما قلتُه.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 36"