بعد اختيار سيفٍ خشبيٍّ يناسب طولي ووزني، أشار مايكل لي أن أقترب.
“جيد، لقد اخترتِ السيف المناسب.”
“كوني لا أستطيع استخدام يدي اليمنى لا يعني أنني لا أستطيع استخدام عقلي أيضًا.”
“… لم أتوقع أبدًا أنكِ ستمزحين بشأن ذلك.”
نظر إليّ مايكل بدهشةٍ عارمة.
أوه، ربما كنتُ لا مباليةً جدًا بشأن الأمر في الآونة الأخيرة.
ولكن بما أن الكلمات كانت قد انسكبت بالفعل، لم أستطع التقاطها، فابتسمتُ بهدوء.
“لا أريد فقط أن أُصلِح نفسي، بل أريد أيضًا أن أتدرّب على عيش حياةٍ إيجابيةٍ ومُشرِقة.”
عبس عند سماع كلماتي.
“لا أستطيع أن أجزم إن كانت هذه مزحةً أم لا.”
كان سلوكه الجادّ نموذجيًا لمايكل.
“دعيني أفحص وضعيتكِ إذًا.”
رفع مايكل سيفه، واتّخذتُ وضعيتي أنا أيضًا، مُمسِكةً بالمقبض بكلتا يدي. وفاءً بوعده بألّا يتدرّب بتهوّرٍ ويُرهِقني، كان تدريب مايكل فعّالاً للغاية.
لكنه لم يخلُ من التحدّيات، فبنهاية الجلسة الأولى، كنتُ مُنهكةً بالفعل.
“لم تصدأ حواسّكِ، لكن وضعيتكِ أصبحت أكثر صلابة. ستحتاجين إلى المزيد من التدريب.”
أنزل مايكل سيفه الخشبي.
في اللحظة التي ارتطم فيها سيفه بالأرض، انهرتُ، لاهثةً لالتقاط أنفاسي.
يقولون إن موهبة إيليا عبقرية، وبالفعل، لم يكن تتبّع سيف مايكل بعينيّ صعبًا.
لكن المشكلة كانت فيما حدث بعد ذلك.
كما قال مايكل، كانت وضعيتي متيبّسة، لكن …
‘…قدرتي على التحمّل منخفضةٌ جدًا!’
بالمقارنة مع الوقت الذي قضته إيليا في الركض حول ساحة المعركة في ذاكرتي، كان الوقت الذي استطعتُ فيه التحرّك قصيرًا للغاية.
‘هل سأتمكّن من تنفيذ خطتي بهذه الطريقة؟’
شعرتُ بالقلق.
كنتُ بحاجةٍ إلى القدرة على التحمّل لإغراء جيلبرت وميلك بدخول حملة وادي لاتام.
“الآن، كلّ ما عليكِ فعله بذل جهدكِ.”
بدا مايكل وكأنه يقرأ القلق في تعابير وجهي، فتحدّث في الوقت المناسب.
“مع أنكِ تكرهين كلمة ‘جهد’.”
أضاف بمرارة.
خطرت لي ذكرى عندما قالت إيليا إنها تكره بذل جهدها.
«أبذلُ جهدي؟ هذا شيءٌ لا يفعله إلّا الأوغاد الجاهلين عديمي الموهبة.»
كان هذا واحدًا من الأشياء الفظيعة التي لا تُحصى التي تفوّهت بها إيليا.
كانت إيليا فخورةً بمهاراتها الاستثنائية منذ ولادتها، وكانت تحتقر أولئك الذين يبذلون جهدًا كبيرًا.
‘أعتقد أن هذا هو سبب عدم تعافيها من إصابتها، لأنها كانت تفكّر بهذه الطريقة دائمًا.’
لكنني كنتُ مختلفة.
بصراحة، كنتُ ‘المجتهد الجاهل عديم الموهبة’ الذي تحتقره إيليا.
كانت هناك أوقاتٌ شعرتُ فيها أن المحاولة صعبة.
لكن في النهاية، ولأن بذل الجهد كان الطريق الوحيد أمامي، لم أستخفّ به أبدًا.
“لا أعتقد أن بذل الجهد عديم الفائدة الآن.”
لا بد أنّ ذلك كان السبب. فمع أنّه لم يكن بحاجةٍ لردّي، فقد تحدّثتُ مع مايكل عن ‘بذل الجهد’ على أيّ حال.
“….؟”
نظر إليّ مايكل، الذي كان على وشك الالتفات، بنظراتٍ مندهشة.
“أنتَ تعلم أيضًا أن طريقي الوحيد الآن هو طريق العمل الجاد والمحاولة وبذل الجهود.”
غرستُ سيفي الخشبي في الأرض واستخدمته كسند، ووقفتُ ببطء.
“سأُحاوِلُ إذًا.”
ابتسمتُ لمايكل وأعدتُ تعليق السيف في الثكنة.
“ماذا تفعل؟ هيا بنا نتناول العشاء.”
بينما كنتُ متّجهةً إلى القصر، وقف مايكل في ساحة التدريب جامدًا بلا حراك، فناديتُه.
“أوه، نعم.”
أجاب مايكل متأخّرًا وتبعني إلى القصر.
منذ ذلك الحين، بدأ مايكل يُعلِّمني بإخلاصٍ وتفانٍ أكبر.
بفضله، تمكّنتُ من استعادة مهاراتي الأصلية بسرعة، على الرغم من شعوري بأنني أموت من الألم الجسدي.
مع ذلك، وبسبب التدريب المكثّف في المنزل، كنتُ أجد نفسي غالبًا أغفو في مقرّ الفرسان.
“إنه لأمرٌ مريحٌ أن يكون لديّ مكتبي الخاص.”
وأنا سعيدةٌ لأنه ليس لديّ رئيسٌ يوبّخني على غفوتي.
* * *
مرّت خمسة أيّامٍ على هذا المنوال، ولم يتبقَّ سوى يومين على الحملة.
توقّف مايكل عن تدريبي، قائلاً إن الوقت قد حان للحفاظ على طاقتي، وهكذا، ولأوّل مرّةٍ منذ فترة، تمكّنتُ من العمل في المقرّ بذهنٍ صافٍ.
“لقد مرّ وقتٌ طويلٌ منذ أن رأيتُ القائدة عاقلة.”
تحدّث كارلوس، الذي جاء لتقديم التقرير النهائي، بنبرةٍ جعلت من الصعب معرفة ما إذا كانت ساخرةً أم لا.
“آه، أعتذر. لم أكن في كامل قواي العقلية مؤخّرًا.”
كانت نبرة كارلوس ماكرة، لكن من المؤكد أن حضوري كان ضعيفًا مؤخرًا، لذا استمعتُ إليه بطاعة.
“….؟”
رفع كارلوس حاجبه عند سماعه ردّي الهادئ.
لا بد أنه لم يتوقّع مني أن أتقبّل كلماته دون غضب.
“لقد تدرّبتُ قليلًا خلال الأيام الخمسة الماضية لاستعادة لياقتي، لذا كنتُ متعبةً فحسب.”
أضفتُ شرحًا إضافيًّا لكارلوس.
عندها، توقّفت يدا كارلوس، اللتان كانتا تنظّمان مستنداته، عن الحركة.
“تدريب؟ القائدة؟”
سأل كارلوس بدهشة.
“لطالما اعتقدت القائدة أن العمل الجاد والتدريب ….”
“لم يعجبني ذلك. لستَ مضطرًّا لتذكيري.”
لوّحتُ بيدي لكارلوس.
“ظننتُ أن هذا لن ينجح. عليّ أن أقوم بدوري في إخضاع المُلحدين، أليس كذلك؟ وعليّ أن أحمي نفسي في أوقات الشدّة.”
“… أنتِ مُحِقّةٌ تمامًا.”
“حتى الساعة المعطّلة تكون صحيحةً مرّتين في اليوم. وأنا أيضًا أكون محقّةً أحيانًا.”
ابتسمتُ لكارلوس وأخذتُ الوثائق له.
بينما وضعتُها في يده، خطر ببالي سؤالٌ فجأة.
“انتظر، سير إيباخ.”
“نعم.”
التفت كارلوس، الذي كان يضع يده على مقبض الباب عند مناداتي.
حدّقتُ به في صمت، متذكّرةً المشهد الأصلي.
في المشهد الأصلي، كانت إيليا عبقرية القرن. ومع ذلك، حتى هي وُصِفَت بأنها شمعةٌ في مَهبّ الريح أمام كارلوس.
مع أن إيليا لم تظهر إلّا بعد إصابتها، فقد ذُكِر أنها حتى لو قابلت كارلوس في أوج عطائها قبل الإصابة، لما استطاعت هزيمته.
بالعودة إلى النص الأصلي، الذي أكّد بشدّةٍ أن ‘كارلوس رجلٌ من السماء’، برز سؤالٌ طبيعي.
‘إذن، ما مدى قوّة كارلوس؟’
كان هذا هو السؤال.
“أخبِريني من فضلكِ.”
مع استمرار الصمت، رفع كارلوس حاجبه الآخر وقال.
“هذا …”
لكن عندما أوقفتُه أخيرًا، لم أكن أعرف كيف أُعبِّر عن فضولي.
بالطبع، بدا سؤال ‘ما مدى قوّتك؟’ مُفاجِئًا جدًا.
“هل عليّ تجاهل الأمر ببساطةٍ باعتباره أمرًا غير مُهِم؟”
لكن بدا الوقت متأخّرًا جدًا لتجاهله.
“أخبِريني.”
التفت كارلوس نحوي تمامًا، وبدا على وجهه الجديّة.
“لا شيء، فقط …”
أخيرًا، استسلمتُ لنظراته الحادة وتحدّثتُ.
“أردتُ أن أرى مهارات السير إيباخ.”
بدا السؤال ‘ما مدى قوّتك؟’ غريبًا، فحاولتُ صياغته بصعوبة.
‘لا بد أن هذا بدا سؤالاً عادياً، أليس كذلك؟’
لكن تعبير كارلوس تغيّر.
أصبح جادًّا فجأة، وضع الوثائق على الطاولة الصغيرة بجانب الباب، وسار نحوي.
وضع يديه على طاولتي ونظر إليّ.
مـ ماذا؟ هل فعلتُ شيئًا خاطئًا مرّةً أخرى؟
فَزِعتُ، فتراجعتُ قليلاً.
ضاقت عينا كارلوس عليّ.
“سيدتي القائدة، هل حقاً لا تعرفين، أم تتظاهرين بعدم المعرفة؟”
“ماذا؟”
“بين الفرسان، قول ‘أريد أن أرى مهاراتك’ هي طريقةٌ مهذّبةٌ لطلب مبارزة.”
“…هاه؟”
ماذا؟
صُدِمتُ للحظة، فحاولتُ تهدئة نفسي بسرعة.
“لم يكن لديّ أيّ نيّةٍ لفعل ذلك …”
مبارزة؟
لو كان السيناريو الأصلي صحيحاً، لكان من المؤكّد أن مبارزةً مع كارلوس ستُفقِدُني الوعي، لكنني لم أُرِد أن أُعرِّض نفسي لذلك.
“حسنًا، إذا أرادت القائدة مبارزة، فهي من النوع الذي تخلع قفّازاتها أولًا. لن تدور حول الموضوع بلا جدوى.”
ضحك كارلوس بخفّة، ربما تذكّر حادثة سيزار، عندما رميتُ قفّازاتي عليه فجأةً وتحدّيتُه في مبارزة.
“لكن لو لم أكن أنا، لكان أيّ شخصٍ آخر قد أساء فهمكِ.”
“…..”
شعرت بالحرج لأنني ظننتُ أنني ارتكبتُ خطأً.
علاوةً على ذلك، شعرتُ بنظرة كارلوس على وجهي.
كانت نظرةً تتساءل لماذا قلتُ شيئًا كهذا فجأةً، وإن كانت لديّ أيّ نوايا أخرى حقًا.
حاولتُ جاهدةً أن أبدو بريئةً وابتسمتُ ابتسامةً خفيفة.
“…ها.”
حينها، أطلق كارلوس تنهيدةً بدت وكأنها تحمل خيبة أمل.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
تجدون الفصول المتقدّمة لغاية فصل 65 على قناة التيلجرام
الرابط: Link
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات