تشانغ!
سُمِع صوتٌ هائل.
حدّق سيزار، الذي تمكّن بصعوبةٍ من صدّ هجمتي، في يدي اليمنى بنظرةٍ مليئةٍ بالعدم تصديق.
“من المؤكد أن يدك اليمنى…”
“ألديكَ وقتٌ للكلام الآن؟”
تراجعتُ بسرعةٍ خطوةً للخلف، ثم وجّهتُ ضربة سيفٍ نحو كتف سيزار.
“آغغ!”
التف سيزار بجسده بسرعةٍ كبيرة.
الآن!
لم أضيّع الفجوة التي كشفها سيزار بسبب حركته الكبيرة، فعرقلتُه وأسقطتُه أرضًا.
كودانغ!
سقط جسد سيزار الضخم، مثيرًا سحابةً من الغبار في ساحة التدريب.
وضعتُ قدمي على صدره لتثبيته، ثم وجّهتُ السيف نحو عنقه.
“……”
“……”
“……”
ساد الصمت.
على الرغم من وجود حشدٍ كبيرٍ في ساحة التدريب، لم يُسمع حتى صوت تنفّسٍ واحد.
“يبدو أنني فزتُ، أليس كذلك؟”
في ذلك الصمت، كان صوتي هو الصوت الوحيد الذي صدح بوضوح.
***
استغرق سيزار وقتًا طويلًا ليستعيد وعيه.
وكان الأمر نفسه ينطبق على الباقين.
“لـ لقد انتهى، فازت القائدة!”
حتى الحَكَم، الذي كان مسؤولًا إداريًا، استغرق وقتًا طويلًا ليُعلن فوزي.
بعد سماع كلمات تأكيد فوزي، سحبتُ سيفي.
نظر سيزار إلى المكان الذي كان فيه سيفي وكأنه شخصٌ مسحور، بعيونٍ فارغة.
يدي اليمنى تؤلمني.
‘لا يزال من الصعب استخدامها بحريّة، بعد كلّ شيء.’
بينما كنتُ أفكّر بهذا، نقلتُ السيف ببراعةٍ إلى يدي اليسرى.
“يدكِ اليمنى…”
نهض سيزار فجأةً وبدأ الحديث معي.
“ما الذي حدث؟”
“هل هذا مهمٌ الآن؟”
“إذا لم يكن ذلك مهمًا، فما هو المهم إذن…؟!”
“المهم أنكَ خسرتَ أمامي.”
“… …”
أغلق سيزار فمه، وكأنه لا يملك ما يقوله.
“كيف هذا؟ هل نحلّ خلافنا بهذا الشكل النظيف؟”
“… لن أتراجع عن كلمتي كفارس.”
“هذا مريح.”
تنفّستُ الصعداء بارتياحٍ حقيقي.
نظرًا لحالة يدي اليمنى التي لا تزال مؤلمةً ومتورّمة، لم أكن أعتقد أنني قادرةٌ على خوض مبارزةٍ ثانية.
“حسنًا، سأذهب الآن.”
استعددتُ للانسحاب بسرعة. كنتُ أرغب في وضع ثلجٍ على يدي اليمنى بأسرع ما يمكن.
لكن الأمور لم تسر كما خططت.
“… القائدة.”
تمكّنتُ من مغادرة ساحة التدريب بنجاح،
ولكن أثناء عودتي إلى مكتبي، أوقفني كارلوس بوجهٍ جادٍّ للغاية.
“سير إيباخ.”
لم يكن أمامي خيارٌ سوى التوقّف ومواجهة كارلوس.
“ما الذي حدث؟”
سأل كارلوس بتعبيرٍ قلق. كان صوته يرتجف قليلًا.
“هل كان كلّ هذا تمثيلًا؟ كلّ ذلك الوقت الذي لم تتمكّني فيه من استخدام السيف…؟”
“لا، ليس كذلك.”
رفعتُ يدي اليمنى على الفور وأريتُها لكارلوس.
اتّسعت عيناه عندما رأى يدي اليمنى ترتجف بشكلٍ مثيرٍ للشفقة بعد استخدام السيف.
“كما ترى، يدي اليمنى لا تزال غير قادرةٍ على العمل بشكلٍ صحيح.”
“لكن…”
توقّف كارلوس عن الكلام.
أعلم، أعلم ما يريد قوله.
كيف تمكّنتُ من استخدام السيف بينما كانت يدي في حالةٍ سيئةٍ لدرجة أنني لم أستطع حتى رفعه سابقًا؟
الإجابة بسيطة.
‘لم يكن سبب عدم استخدام إيليا ليدها اليمنى مجرّد الإصابة الجسدية، بل كان هناك سببٌ نفسيٌّ أيضًا.’
تعرّضت إيليا لإصابة،
لكن تلك الإصابة لم تكن خطيرةً لدرجةٍ تجعلها غير قادرةٍ حتى على ‘الإمساك’ بالسيف.
ربما لم تكن قادرةً على استخدام السيف بنفس القوّة السابقة، ولكن مع العلاج الطبيعي المستمر، كان بإمكانها أن تصبح سيّافةً عاديةً مرّةً أخرى.
ومع ذلك، شعرت بالدمار الشديد لأنها لم تعد قادرةٌ على إظهار كامل مهاراتها في المبارزة.
فتخلّت عن العلاج، وتجنّبت عمدًا استخدام يدها اليمنى، بل ولعنتها أحيانًا.
نتيجةً لذلك، أصبحت حالة يدها اليمنى أسوأ بكثيرٍ مما كانت عليه في الأصل.
حتى عندما حاولت العلاج، كانت سنوات اليأس والاكتئاب المتراكمة تجعل من الصعب عليها تحريك يدها بحرية.
‘لكنني مختلفة. أنا لستُ إيليا.’
بما أنني لستُ إيليا، استطعتُ استخدام يدي اليمنى دون أيّ عوائق نفسية.
‘على الرغم من أنني لم أتمكّن من إكمال إعادة التأهيل بالكامل بعد أيامٍ قليلةٍ من الاستحواذ …’
ومع ذلك، كان هذا إنجازًا كبيرًا.
“القائدة؟”
ناداني كارلوس مرّةً أخرى بعد صمتٍ طويل.
“ما الذي حدث ليدكِ اليمنى؟”
تردّدتُ في الإجابة.
كنتُ أفكّر في كيفية تفسير حالة يدي اليمنى دون الكشف عن أنني متجسدة.
“لقد أخبرتُك، سوف أتغيّر.”
كانت النتيجة بسيطة.
“سير إيباخ، إذا كنتَ ذكيًا كما أعتقد، فأنتَ تعلم بالفعل أن يدي اليمنى لم تكن في حالةٍ ميؤوسٍ منها تمامًا، أليس كذلك؟”
ارتجف كارلوس عند سماع السؤال.
“لم أستخدم يدي اليمنى لأنني لم أكن مستعدةً بعد.”
“إذن، هل أنتِ مستعدةٌ الآن؟”
“إلى حدٍّ ما، نعم.”
ابتسمتُ له.
“قررتُ أن أتقبّل نفسي كما أنا بدلًا من إضاعة الوقت في الشوق واليأس من أشياءٍ لا أستطيع الحصول عليها.”
“أنتِ …”
تغيّرت نظرة كارلوس.
إذا كانت عيناه تعكسان الدهشة والذهول قبل قليل، فقد بدا الآن وكأنه يمتزج بإعجاب.
“كيف استطعتِ …”
توقّف كارلوس عن الكلام مرّةً أخرى.
أصغيتُ باهتمامٍ لسماع المزيد، لكنه لم يقل أيّ شيءٍ آخر.
“حسنًا، سأذهب إلى غرفة المستوصف الآن. يدي اليمنى بدأت تؤلمني.”
حاولتُ أن أربّت على كتف كارلوس، لكنني تذكّرتُ أنه لا يُحبّذ التلامس الجسدي، فسحبتُ يدي.
هذه المرة، لم يحاول كارلوس إيقافي.
***
بعد تلقّي العلاج المناسب في غرفة المستوصف، استلقيتُ على السرير لفترةٍ طويلةٍ قبل أن أغفو قليلًا.
عندما استيقظت، كان وقت الانصراف قد حان.
واو، التغيب الرسمي عن العمل شعورٌ رائعٌ حقًا…!
“هااام.”
تثاءبتُ بقوّة، ودّعتُ الموظف المتجمّد في غرفة المستوصف وخرجت.
ثم تلقّيتُ خبرًا غير متوقع.
“كارلوس غير موجود؟”
“نعم، لقد انصرف مبكرًا.”
كان سيزار هو مَن ينتظرني في المكتب بدلًا من كارلوس.
“هل كان لديكِ شيءٌ تريدين إخبار نائب القائد به؟”
سأل بتواضعٍ ملحوظ.
“لا، ليس ذلك…”
ماذا حدث لكارلوس، الذي كان يراقبني يوميًا لمعرفة أين أهرب، لماذا تغير فجأة؟
شعرتُ بالحيرة، لكني لم أسأل سيزار.
“إذن، هل يمكنني المغادرة الآن؟”
“نعم، بالطبع.”
عندما هممتُ بالانعطاف لأخذ الحصان الأسود،
“أ-أيتها القائدة …!”
ناداني سيزار بتردد.
“ما الأمر، سير جيروتي؟ إذا كان الأمر يتعلّق بالمبارزة…”
“لا، بل العكس تمامًا.”
انحنى سيزار وعضّ شفتيه بارتباك.
عندما رفع رأسه مرّةً أخرى، كان تعبيره جادًا للغاية.
“أريد أن أعتذر عن كلّ وقاحتي تجاهكِ حتى الآن. بغض النظر عن هزيمتي في المبارزة.”
اعتذار؟ سيزار يعتذر لي؟
كنتُ مندهشةً من كلماته غير المتوقعة.
“أدركتُ أنني كنتُ أحكم عليكِ بشكلٍ خاطئ.”
واصل سيزار حديثه.
“لا بد أنكِ مررتِ بأوقاتٍ صعبةٍ أيضًا… لقد قلّلتُ من شأن ذلك.”
كانت كلماته التالية أكثر إثارةً للدهشة.
“ومع ذلك، فإن حقيقة أنكِ تمكّنتِ من تجاوز تلك الفترة والعودة لاستخدام السيف مرّةً أخرى تثير إعجابي.”
“آه…”
لم أعرف كيف أرد، فتردّدت.
لم أتوقع أن يعترف أحدٌ بجهودي بعد أن حصلتُ على اعتراف الكونتيسة سبنسر.
شعرتٌ بفرحٍ غامرٍ وفخرٍ لا يوصف.
“هذا ليس اعتذارًا أتوقّع ردًّا عليه، فلا داعي للقلق.”
أدرك سيزار تردّدي وسرعان ما قال ذلك.
“إذن، سأذهب الآن…”
“انتظر، سير جيروتي.”
هذه المرة، كنتُ أنا مَن أوقفه.
“شكرًا لك.”
قلتُ ذلك بصدق.
“شكرًا لأنكَ فهمتني، ولأنكَ وضعت نفسكَ مكاني. لن أنسى أبدًا ما قلتَه لي.”
ظهرت ابتسامةٌ تلقائيةٌ على وجهي.
“… سأذهب الآن.”
انحنى سيزار مرة أخرى وغادر المكتب بسرعة.
بعد أن توديع سيزار، كنتُفي مزاجٍ جيد. عدتُ إلى منزل ماركيز إلفينجتون على حصاني الأسود وأنا أدندن بسعادة.
“آ- آنستي!”
كانت ماري تنتظرني عند بوابة القصر.
لكن تعبير وجهها كان غريبًا.
“كارثة!”
أسرعت نحوي وهمست في أذني.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 21"