“تفضّلي بالدخول.”
قادني كارلوس إلى داخل قصر إيباخ.
ثم قادني إلى المُلحق، وهو مكانٌ كنتُ أزوره كلّما زرت قصر آيباخ.
كان المُلحق لا يزال جميلاً. لا، بل إن ضوء شمس الربيع المتدفّق جعله أكثر دفئاً وبهجةً مما كان عليه عندما كنتُ أزوره في الخريف أو الشتاء.
“هل نُحضِر طاولة الشاي؟”
سأل إلمان، الذي رافقنا ليقوم بخدمتنا، بحذر. تردّد كارلوس قليلاً ثم أومأ برأسه.
“إذا كان لديكَ أيّ مافن شوكولاتة، فأحضِرها.”
لذا كان كارلوس يعلم أنني أحبُّ مافن الشوكولاتة.
شعرتُ بوخزٍ غريب.
أحضر إلمان طاولة الشاي، التي كانت تحتوي على مافن شوكولاتة، وانحنى بأدب، وغادر المُلحق.
في لمح البصر، كنتُ أنا وكارلوس وحدنا في المُلحق.
جلسنا بهدوءٍ لبرهة، نشرب الشاي.
كان ذلك لأننا كنّا بحاجةٍ إلى وقتٍ لجمع أفكارنا.
“بصراحة، لقد فوجئتُ حقًا عندما اقترحت القائدة لأوّل مرّةٍ أن نكشف عن بصمتنا للجميع.”
كان كارلوس أوّل مَن تحدّث وكسر الصمت.
وضعتُ كعكة الشوكولاتة التي كنتُ أحملها ونظرتُ إلى كارلوس بعينين جادّتين.
“ألم يكن ما قلتُه آنذاك، عندما كنا نخطّط، ردًّا كافيًا لك؟ لقد أخبرتُك …”
“أخبرتِني أنكِ تحبّينني وأننا سنبقى معًا إلى الأبد.”
أكمل كارلوس، بصوتٍ لا يزال غير مُصدِّقٍ حتى اللحظة.
«لقد قرّرتُ. أريد أن أكون معكَ إلى الأبد.»
عندما تذكّرتُ ذلك الاعتراف، شعرتُ بوخزة إحراجٍ وتظاهرتُ بعدم سماع شيء.
انتظر كارلوس دون أن يُعجِّلني، وبوجهٍ بالكاد هدأ، استدرتُ لمواجهته مجدّدًا.
“في الواقع، لقد حسمتُ أمري منذ اللجظة التي تحقّق فيها حلاص سوزانا.”
“في ذلك الوقت المبكّر؟”
اندهش كارلوس بشدّةٍ من اعترافي الآخر.
“هل لي أن أسألكِ ما الذي دفعكِ لقبولي؟”
سأل كارلوس بحذرٍ شديد. بدا خائفًا من أن يجرؤ على النظر في مشاعري.
كارلوس، لديكَ جانبٌ خفيٌّ من الخجل والحرص.
“أعتقد أنه كان محفزًا … لقد تأثّرتُ بسوزانا.”
ضيّق كارلوس عينيه.
بدا وكأنه يحاول تذكّر ما قالته سوزانا.
“حسنًا، قالت سوزانا إنها لا تريد الوجود إذا لم يرغب بها أحدٌ في العالم.”
“آه.”
تنهّد كارلوس بهدوء، كما لو أنه يتذكّر الآن.
“هذا ما قالته.”
“لذا فكّرتُ في الأمر أيضًا. كم من الناس في هذا العالم يريدونني على قيد الحياة؟”
“الأشخاص الذين يهتمّون لأمركِ …”
“أعلم، هناك الكثير.”
أضفتُ بسرعة، خوفًا من أن يُسيء كارلوس فهمي.
“لكن مهما فكّرتُ في الأمر، لم يحبّني أحدٌ بقدر ما أحببتَني أنتَ.”
“هل لهذا السبب تقبّلتِني؟ لأنني أكثر شخصٍ أحبّكِ في العالم؟”
“بالتأكيد لا، هذا ليس كلّ شيء!”
أنكرتُ بشدّةٍ أمام سوء فهمٍ آخر يمكن أن ينشأ.
“فكّرتُ في الأمر أيضًا. إذا اختفى شخصٌ من هذا العالم، فعلى مَن سأكون الأكثر حزنًا؟”
“… أليس هذا خيالًا قاسيًا؟”
“كان خيالًا احتجتُه لفهم قلبي به.”
صفّيتُ حلقي وفتحتُ فمي مجددًا.
“ثم خطرتَ ببالي أنتَ.”
نظر إليّ كارلوس بعينين مليئتين بمشاعر مختلطة.
“كنتَ أكثر شخصٍ أقلق عليه في العالم.”
خفض كارلوس رأسه عند اعترافي. رأيتُ شحمتيّ أذنيه تحمرّان من جديد.
ألستَ خجولًا جدًا؟
“كما ترى …”
انتظرتُ حتى هدأ كارلوس ورفع وجهه مجدّدًا قبل أن أتحدّث.
“هناك أمرٌ أريد إخباركَ به حقًا.”
“ما هو؟”
“لنتزوّج.”
“….!”
نظر إليّ كارلوس بعينين واسعتين من الدهشة.
ارتجفت يداه، واتّسعت حدقتا عينيه.
“ماذا قلتِ للتوّ؟”
سأل كارلوس، متشكّكًا في أذنيه، فانفجرت مني ابتسامةٌ عذبة.
“لنتزوّج.”
ثم أخرجتُ العلبة الصغيرة التي أعددتُها.
نظر كارلوس ذهابًا وإيابًا بيني وبين العلبة، وعيناه متّسعتان من الدهشة، ثم التقطها بيديه المرتعشتين.
“افتحها.”
بأمري، تلمّس كارلوس العلبة عدّة مرّاتٍ ثم فتحها.
كان بداخلها خاتمٌ بلاتينيٌّ بسيط.
“هذا، احمم. اعتقدتُ أن خاتمًا فاخرًا سيكون مزعجًا لي ولكَ أثناء القتال.”
وضعتُ يدي اليسرى برفقٍ على الطاولة.
أشرقت عينا كارلوس عندما رأى الخاتم في إصبعي الأيسر، بنفس تصميم الخاتم الموجود في العلبة.
“… ما رأيك؟ هل عرضتُ الزواج بطريقةٍ غير رومانسية؟”
هزّ كارلوس رأسه مأخوذًا بكلماتي.
“أيّتها القائدة، أنا … أنا …”
الغريب، رغم عدم قدرة كارلوس على إكمال جملته، إلّا أن مشاعره قد وصلتني بالكامل.
غمرتني موجةٌ من الفرح والحماس، بل وقليلٌ من الخوف من أن تكون هذه اللحظة حُلماً.
أعدتُ العلبة من كارلوس وأخرجتُ الخاتم.
ووضعتُه مباشرةً في إصبع كارلوس الأيسر.
ياللراحة. إنه المقاس المناسب.
نظر كارلوس إلى الخاتم الذي أهديتُه إياه، وكان تعبيره صامتاً ومُندهشاً.
“سأحمي هذا الخاتم بحياتي.”
“لا، هذا ليس ضروريًّا …”
“إن خدشه أحد، سأُطارده حتى أقاصي الأرض وأقتله.”
“… سير إيباخ؟ الخاتم مجرّد خاتم.”
هدأ كارلوس أخيرًا بعد أن أخبرتُه أنه حتى لو انكسر، فسأشتري له خاتمًا مماثلًا وأُلبِسُه إياه كما اليوم.
“قائدة، اليوم …”
شعرتُ بالارتياح لإتمامي الطلب بنجاح، لكن كارلوس احمرّ خجلًا مرّةً أخرى وتحدّث.
“اليوم؟”
“من فضلكِ ابقي.”
“…..”
هذه المرّة، لم أكن مرتبكة. لا يمكنني أن أكون كذلك.
غطّى كارلوس وجهه بيده اليسرى، كما لو أنه لم يستطع رفع رأسه حتى بعد أن اقترح هو ذلك.
بعد أن حدّقتُ في الخاتم في إصبعه لبرهةٍ طويلة، تكلّمتُ.
“…حسنًا.”
كان تبادل القُبَل ومخالطة الجسد مع كارلوس تجربةً غريبةً حقًّا.
هل يكون الأمر عادةً … إلى هذا الحدّ؟
“ربّما … بسبب البصمة، البصمة هي السبب على ما يبدو.”
عانقني كارلوس وأخذ يقبّلني بشغفٍ وهو يتحدّث.
عانقتُ كارلوس وبادلتُه قُبُلاته أيضًا.
“بسبب البصمة، بفضلها، أصبحتُ قادرًا على الإحساس بقربكِ هكذا، أيّتها القائدة.”
كان شوق ولهفته كارلوس آسرين.
ولا شكّ أنني تركتُ له تأكيدًا أيضًا لحبّي له.
كان واضحًا من الطريقة التي كان كارلوس يُحدِّق بي بها أحيانًا بنظرةٍ فارغة، وعيناه كأنهما مسحورتان.
عندما ارتبطتُ به أخيرًا، شعرتُ بأن البصمة قد اكتملت.
أستطيع الآن مشاركة حرارة جسد كارلوس معه، وتتبّع موقعه.
قبل أن تكتمل البصمة، ظننتُ أن معرفة كلّ شيءٍ عن بعضنا البعض ستكون مُزعِجًا بعض الشيء، لكن لم يكن الأمر كذلك على الإطلاق.
كان لديّ شعورٌ داخليٌّ بأنه لا يوجد راحةٌ أو رضًا كاملٌ في العالم أعظم من ذلك.
* * *
“أوه …”
في اليوم التالي، استيقظتُ وأنا أتأوّه من الألم في غرفة كارلوس.
“عطشانة …”
“تفضّلي، اشربي الماء.”
كنتُ أئنّ متعبةً من أثر الليلة الماضية، فناولني كارلوس ماءً باردًا باعتدال.
رفعتُ رأسي بسرورٍ لأتناوله، فرأيتُ كارلوس بخلاف حالتي تمامًا، في منتهى النشاط بل ويبدو منتعشًا أيضًا.
“ما هذا؟ لماذا هناك فرقٌ بيني وبينك؟”
“لا بدّ أنّ هناك فروقًا كثيرةً بيننا.”
تمتمتُ بغيظ، لكن كارلوس أخذ كلامي على محمل الجدّ وبدأ يسرد الفروق بيننا واحدًا تلو الآخر.
“كفى، سير إيباخ. دعنا نبدأ بالذهاب إلى العمل أولًا.”
وبما أنّنا قرّرنا العودة إلى مقرّ الفرسان اليوم، بدأنا في الاستعداد فورًا للذهاب.
وعندما كنتُ في ورطةٍ لعدم وجود ملابس أرتديها بسبب بقائي الليلي غير المتوقّع، ذهب كارلوس بنفسه إلى قصر إلفينجتون وأحضر لي الملابس.
“سير إيباخ، لماذا تبدو أشعثًا هكذا؟ ما الذي حدث في قصر إليفنجتون؟”
“صادفتُ الماركيز والسير إلفينجتون.”
“… هل قال أيٌّ منهما شيئًا؟”
“لم يقولا شيئًا يُذكَر.”
لا يبدو الأمر كذلك.
لكنّ كارلوس لم يُظهِر أيّ نيّةٍ للشكوى أمامي بشأن عائلتي.
‘إذا أعلنّا أنّنا سنتزوج، فستكون هناك ضجةٌ كبيرةٌ بالتأكيد.’
كانت القديسة قد جذبت الانتباه بالفعل، لكن لا زالت هناك أحاديثٌ عرضيّةٌ تُتداول عنّي وعن كارلوس، وعن الأمير الثاني بين الحين والآخر.
لكنها قد تكون فرصةً جيّدةً بالفعل. إذا كنّا أنا وكارلوس مرتبطين ارتباطًا وثيقًا، فلن يظنّ أحدٌ أننا في مثلث حب.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 129"