أول ما خطر ببالي كان سؤال عن القوة المقدّسة للقديسة.
‘لماذا تتناقص فجأة؟’
كنتُ أعلم أنها تواجه صعوبةً في السيطرة عليها.
لكن كان من الغريب أنها تتناقص أصلًا.
كنتُ قلقةً من أن تتصرّف القديسة على نحوٍ غير متوقع.
حتى قبل أن تنهار، كانت حريصةً للغاية على الحفاظ على مكانتها.
لكن إذا تضاءلت قوّتها المقدّسة ولم تستطع الحفاظ على مكانتها كقديسة، فقد تبدأ بالحديث عن التجسيد أو عن القصة الأصلية.
“يجب أن أقابل القديسة.”
“القديسة؟”
بدا سيزار في حيرة.
“لكن ألم تكن في يومٍ من الأيام على علاقةٍ بالأمير أيوس؟”
بدا سيزار غير راضٍ عن القديسة.
“لهذا السبب أحتاج لمقابلتها أكثر. أحتاج لمعرفة ما تفكّر فيه مُسبقًا لتجنّب أيّ حوادث محتملة، أليس كذلك؟”
“هذا … فهمت.”
مقتنعًا بالحجج المنطقية التي طرحتُها، وافق سيزار أخيرًا على ترتيب لقاءٍ مع القديسة.
“أنا تحت أوامر إمبراطوريّةٍ بالبقاء هادئة، لكن … بعد هذا القدر، أعتقد أن لقاء القديسة سيكون مُناسبًا.”
لأنني كنتُ أشعر بالضيق شيئًا فشيئًا، شعرتُ أن الأمر كان جيدًا.
وإذا كان لقاء القديسة سيسمح لي بالعودة إلى مقرّ الفرسان، كالأفعى التي تتسلّق جدارًا، فهذا أفضل.
… يا إلهي، لا بد أنني مجنونة. أريد العودة إلى العمل، جاحدةً الإجازة المدفوعة التي كانت ستستمرّ لولا ذلك.
“سيدتي، القديسة ستنتظركِ ي المعبد غدًا.”
قَبِلت القديسة طلبي للقاء على الفور تقريبًا.
متحمّسةً لخروجي من المنزل لأوّل مرّةٍ منذ زمن، ناضلتُ لأجبر نفسي على النوم، لكنني استيقظتُ باكرًا وتوجّهتُ إلى المعبد.
“أنتِ مبكّرة.”
كان تعبير وجه الكاردينال بيشيل وهو يُحيّيني لا يُوصف.
طان وجهه شاحبًا وبدا عليه الصدمة من إعلان القديسة أنها ستتوقّف عن كونها قديسة.
“أودّ التحدّث معها على انفراد، هل يُمكنني ذلك؟”
لكن وضع الكاردينال بيشيل كان خاصًّا به، وكنتُ بحاجةٍ للتحدّث مع القديسة على انفراد، فسألتُه على الفور.
“أوه … القديسة أيضًا ترغب في التحدّث مع السير إيليا على انفراد.”
مع تحوّل الموضوع إلى العمل، استعاد الكاردينال بيشيل رباطة جأشه وتحدّث بصوتٍ أوضح.
“لم أكن أدرك أنكما قريبتان جدًا …”
“هاها، ليس القرب هو السبب بقدر ما هو اختلاف الظروف.”
أجبتُ بجوابٍ منطقيٍّ على سؤال الكاردينال بيشيل، محاولاً التطفّل على علاقة القديسة بي، ومشيتُ إلى الغرفة التي كانت تُقيم فيها.
بعد أن ودّعتُ الكاردينال بيشيل وفتحتُ الباب، رأيتُ القديسة جالسةً على السرير، تنظر من النافذة كآخر ورقة شجرٍ متساقطة.
“لقد مرّ وقتٌ طويل.”
صفّيتُ حلقي وحيّيتُها. عندها فقط، التفتت القديسة إليّ.
“أنتِ هنا حقًا.”
“إذن لا بدّ أنكِ وافقتِ على رسالة الحضور على سبيل المزاح.”
“أنا … هاه.”
بدأت القديسة تقول شيئًا ما، ثم تنهّدت وصمتت.
درستُها، ثم، عندما شعرتُ بالموقف المتوتّر، وضعتُ كرسيًّا بجانب السرير وجلستُ بقربخا.
“ولي العهد … حسنًا، لم يعد ولي العهد بعد الآن. أيوس قد مات.”
رفعت القديسة رأسها عند سماع كلماتي.
“هذا يعني أنكِ أيضًا تستطيعين العيش دون قلق.”
بينما لا تزال هناك بقايا من المُلحِدين، فهذا لا يُقلِق القديسة، التي تعيش في قلب الإمبراطورية.
“… سمعتُ ذلك. وأن جرائمي ارتُكِبت أيضًا تحت إكراه أيوس وتحت تأثير المُلحِدين، ممّا لم يترك لي خيارًا.”
أومأتُ برأسي.
ساد الصمت بيني وبين القديسة للحظة.
‘كيف يُمكنني أن أطرح موضوع القوّة المقدّسة بشكلٍ طبيعي؟’
في تلك اللحظة التي فكّرتُ فيها في هذا الأمر.
“هل أتيتِ إليّ لأنني قلتُ إنني سأتوقّف عن كوني القديسة؟”
“… لقد أصبتِ كبد الحقيقة.”
لم أتوقّع أن تطرح القديسة هذا الموضوع أولًا، لذلك فوجئتُ قليلًا.
“هل قصّة القوّة المقدّسة صحيحة؟”
ضحكت القديسة ضحكةً مكتومةً على سؤالي.
“لقد صدّقتِ ذلك؟ أنتِ ساذجةٌ جدًا، أليس كذلك؟”
“…..”
“لا يُمكن أن تضعف قوّتي المقدّسة، مع أنني لستُ بارعةً في التعامل معها.”
“….”
إذن، هل تقصدين أنها كذبة؟
حدّقتُ بها في حيرة، فضحكت القديسة ضحكةً غامرةً كادت دموعها تُذرَف من الضحك.
“يا إلهي، بفضلكِ، ضحكتُ قليلًا.”
بينما مسحت القديسة عينيها بيدها، فكّرتُ مليًا قبل أن أتكلّم.
“لماذا كذبتِ هكذا؟”
هذه المرّة، التزمت القديسة الصمت.
“لا، يجب أن أغيّر السؤال. لماذا حاولت الاستقالة من منصبكِ حتى بالكذب بهذا الشكل؟”
التزمت القديسة الصمت.
هبّ نسيمٌ ربيعيٌّ لطيفٌ من النافذة المفتوحة.
“… أنا متعبة.”
وعندما أوشكتُ على اليأس من سماع إجابة القديسة، تكلّمت.
“متعبة؟”
“نعم. لقد سئمتُ من استخدام عقلي للبقاء على قيد الحياة والحفاظ على مكانتي في القصر وهيكل السلطة الهائل في المعبد، ومن التصرّف كشخصٍ خيّرٍ لا يناسب طبيعتي.”
تنهّدت القديسة تنهيدةً طويلة.
“أردتُ أن أرتاح. لهذا قلتُها باندفاع، لكنني لم أكن أعلم أن الأمر سيتفاقم إلى هذا الحد.”
“بالرغم من أنني بالكاد استيقظت، ما زلتُ أتصرّف كالحمقاء. يبدو أنني لا أستطيع أن أعيش مثلكِ بالفعل.”
“إذن ليس لديكِ خيار. ليس لديكِ خيارٌ سوى أن تتوقّفي عن كونكِ قديسة.”
“هل تسخرين مني؟”
أدارت القديسة رأسها بحدّةٍ عند سماع كلماتي.
“لا، أنا جادّة.”
حاولتُ جاهدةً أن أعبّر عن صدقي.
“كيف يكون ذلكز…”
“الآن وقد مات أيوس، لن يكون هناك أيّ تهديداتٍ لهذا العالم.”
بدأتُ أشرح بسرعةٍ قبل أن تغضب القديسة وتفهم كلماتي خطأ.
“ومع تناقص عدد المُلحِدين، ستقلّ وظائف المعبد أيضًا. علاوً٥ على ذلك، على حدّ علمي، أن تكوني قديسةً ليس منصبًا، بل إنه مجرّد لقب. لماذا لا يمكنكِ التوقّف؟”
حتى لو قرّرت القديسة العيش في الريف الآن والعودة إلى الزراعة، فلن يتمكّن الكهنة من إيقافها.
عندما شرحتُ أفكاري بالتفصيل، اتّسعت عينا القديسة من الدهشة.
“هل تخبرينني بالعودة إلى الزراعة؟”
“التقاعد وزراعة الأرض مجرّد مثال. ما أقوله أن القديسة لا تحتاج إلى البقاء هنا.”
بالطبع، إذا تخلّيتِ عن لقب القديسة، فستضطرّين إلى التخلّي عن كلّ ما تستمتعين به حاليًا.
عندما أضفتُ ذلك، هزّت القديسة رأسها.
“لا أشعر بأيّ ندم على هذه الحياة المترفة.”
“إذن، أليس هذا أفضل؟”
ضيّقت القديسة عينيها.
“لماذا تخبرينني بأشياء رائعةٍ كهذه؟ هل سيفيدكِ أن أترك كوني قديسة؟”
ثم سألت بصوتٍ متشكّك.
“لا، إطلاقًا.”
هززتُ رأسي نافية، لكن القديسة لم تصدّقني.
“أنا فقط … لا أريد أن أرى أيّ شخصٍ آخر يعيش حياةً لا يريدها.”
وأخيرًا، عبّرتُ عن رأيي بصراحةٍ أكبر.
“لقد عانينا كثيرًا، أليس كذلك؟ لذا أعتقد أن الوقت قد حان لنعيش كما يحلو لنا.”
ارتسم على وجه القديسة تعبيرٌ غريبٌ عند سماعها كلماتي. كان الأمر كما لو أنها ترى حيوانًا لم تره من قبل.
“على أيّ حال، القرار لكِ. لقد تأكّدتُ من أن قوّتكِ لم تضعف، لذا سأذهب الآن.”
ثم نهضتُ كنا لو أنني أتممتُ عملي هنا.
حتى تلك اللحظة، ظلّت القديسة صامتةً ولم توقفني.
* * *
بينما خرجتُ من المعبد، انسكب عليّ ضوء شمس الربيع الدافئ والصافي.
دخلتُ إلى الطريق المشمس، أفكّر في الطريق الذي ينتظرني، في الحياة نفسها.
ثم توجّهتُ نحو حيث سيكون كارلوس.
أنا أيضًا أردتُ أن أعيش كما يتمنّى قلبي.
“… سيدتي؟”
خرج كارلوس، الذي كان، مثلي، يرتاح في قصر إيباخ، مُسرِعًا عند سماعه خبر زيارتي.
كان شعره المُصفّف بعناية عادةً أشعثًا بعض الشيء، وكان يرتدي قميصًا وبنطالًا مريحين بدلاً من زيّه الرسمي المعتاد.
“كيف …”
“أخبروني أن أكون أكثر حذرًا، لم يخبروني بأنني ممنوعةٌ من رؤية الناس.”
التعليقات لهذا الفصل " 128"