ساد الصمت في القاعة.
كان الجميع يحدّقون بكارلوس بعيونٍ متّسعة، غير قادرين على تصديق ما رأوه للتوّ.
تنفّس كارلوس الصعداء بخفّةٍ تحت وطأة عشرات الأعين المُسلَّطة عليه، ثم أغمض عينيه ببطء.
وعندما فتحهما مجدّدًا، كانت عيناه تلمعان باللون الذهبيّ.
“ا-الرمز الإمبراطوريّ!”
صاخ أحدهم بنبرةٍ تشبه الاتّهام، ثم وكأنها إشارة انطلاق، بدأ الوزراء بالتمتمة بشكلٍ هستيريّ.
“هذا بالتأكيد رمز العائلة الإمبراطوريّة!”
“مـ ما الذي يحدث هنا؟ هل اختلطت دماء العائلة الإمبراطوريّة بدماء عائلة السير إيباخ؟”
“بالتفكير في الأمر الآن، يبدو أنّ عائلة الكونت إيباخ كانت على صلة قرابةٍ بالعائلة الإمبراطوريّة …”
“كفاكَ غباءً، السير إيباخ ابن الكونت بالتبنّي!”
“أوه، إذن؟!”
كانت القاعة في حالة فوضى عارمة.
نظرتُ خِلسةً نحو الإمبراطور والأمير الثاني.
كان الأمير الثاني هادئًا، كما لو أنه كان يتوقّع حدوث هذا في يومٍ ما.
لكنّ الإمبراطور لم يكن كذلك.
كان وجهه يشتعل بالغضب وهو ينظر تارّةً إليّ وتارّةً إلى كارلوس.
‘كيف تجرؤان على تدبير مثل هذا الأمر!’
تأخّر الإمبراطور في إدراك فخّي، فقد بدت علامات الغضب واضحةً على وجهه.
لكنّني لم أهتمّ. ما يهمّني ليس الإمبراطور، بل كارلوس وشرف والدته.
“وعلاوةً على ذلك، العيون الذهبيّة لا يمكن أن يمتلكها إلّا أفراد العائلة الإمبراطوريّة المُباشِرون. وهذا يعني …”
“إذا كان السير إيباخ ابنًا بالتبنّي … إذن، السير إيباخ هو …”
“صمتًا، اصمتوا جميعًا!”
عندما بدأت أنظار الوزراء تنتقل من كارلوس إلى الإمبراطور، ضرب الإمبراطور مسند ذراع العرش بعنفٍ وهو يصرخ غاضبًا.
تبادل الوزراء النظرات وأغلقوا أفواههم واحدًا تلو الآخر. لكنّهم لم يتمكّنوا من التحكّم بأعينهم المنتقلة وهنا وهناك.
“ما حدث اليوم يجب أن يظلّ سرًّا، سرًّا مطلقًا!”
صرخ الإمبراطور.
لكنّ نبرته كشفت عن شعوره باليأس، وكأنه يعلم أن هذا الأمر لن تتمّ إطاعته، حتى إن كان صادرًا عن الإمبراطور.
بالطبع. كيف يمكن السيطرة على أفواه هذا العدد الكبير من الأشخاص؟ ناهيكَ عن أن وجود الوزراء، كان هناك خدمٌ أيضًا في القاعة.
كانت محاولته لجمع هذا العدد من الناس لإنهاء الشائعات حولي وحول الأمير الثاني تُحكِم الآن قبضتها على عنقه.
“غادِروا … لا، لا تذهبوا إلى أيّ مكانٍ حتّى أرتّب أفكاري! أغلِقوا قاعة المجد فورًا ولا تسمحوا حتّى لفأرٍ بالدخول أو الخروج من هنا!”
صرخ الإمبراطور على حرّاسه، ربما لأنه أدرك أنه بحاجةٍ إلى اتّخاذ تدبيرٍ فوريّ.
استفاق الحرّاس، الذين كانوا مصدومين ومذهولين من اكتشاف أنّ كارلوس ابنٌ غير شرعيٍّ للإمبراطور، وبدأوا بإغلاق القاعة.
“لا تخرجوا من القاعة! ولا تجلبوا أحدًا إلى الداخل!”
صرخ الإمبراطور مجدّدًا في الحرّاس الذين حاولوا إحضار تعزيزاتٍ للمساعدة.
بذل الحرّاس جهدًا كبيرًا لتنفيذ أوامر الإمبراطور.
وبعد حوالي ساعة، أُغلِقت جميع أبواب ونوافذ القاعة، وساد الهدوء المكان.
تبادل الوزراء النظرات وهم يتصبّبون عرقًا باردًا.
ربّما خطرت لهم فكرةٌ متأخّرةٌ أنّ الإمبراطور قد يقتل الجميع هنا لإخفاء الحقيقة.
بالطبع، لو كان الإمبراطور عاقلًا، لما فعل شيئًا كهذا.
على أيّ حال، لم يكن الجوّ داخل القاعة مريحًا.
“ها، هاه.”
كان الإمبراطور يزفر بعنفٍ وهو ينقر على جبهته.
بدا تائهًا في كيفية التعامل مع هذا الموقف.
“جلالتك، هل لي أن أتحدّث؟”
تحدّثتُ، موجّهةً كلامي إلى الإمبراطور.
“تكلّمي، سير إيليا.”
رفع الإمبراطور رأسه فجأة، ونظر إليّ بعيونٍ شرسةٍ وقال، وكأنّه يبصق الكلمات.
“كما خمّنتم، لقد طُبِعتُ مع السير إيباخ ببصمة.”
أثارت كلماتي ثرثرات الوزراء من جديد.
“كما هو متوقّع، ذهب الضوء الذهبيّ من الكرة إلى السير إيباخ!”
“لا أستطيع أن أصدّق ذلك. إذن، هل زارت السير إيليا الأرشيف الإمبراطوريّ لكسر البصمة مع السير إيباخ؟”
“همم، البصمة. إذن، الشائعات عن وجود شيءٍ بينهما كانت صحيحة.”
ابتسمتُ ابتسامةً خفيفةً للإمبراطور وأنا أستمع إلى همهمات الوزراء.
بدا الإمبراطور وكأنّه يريد طعني لو كان لديه سلاحٌ قريب.
“وكما تعلمون، إذا أردتُ، يمكنني الآن أن أجوب العالم إلى آخره وأُعلِن لهم أنني ارتبطتُ مع السير إيباخ ببصمة.”
“…..”
“لكن، يمكنني أن أصمت أيضًا من ناحيةٍ أخرى.”
عند كلامي، لمعت عينا الإمبراطور.
“… ماذا تعنين بذلك؟”
“اليوم، سيكون هناك الكثير من الأشخاص الذين رأوا وسمعوا، لكن إذا أنكر الشخص المعنيّ ذلك وأصر على النفي، فسيظلّ الأمر مجرّد شائعة.”
واصلتُ حديثي.
“حينها سيعتلي سموّ الأمير الثاني منصب وليّ العهد بسهولةٍ أكبر، ولن يجرؤ الناس على الحديث عن هذا الأمر علنًا.”
تلاشى الغضب تدريجيًّا من وجه الإمبراطور.
“وماذا تريدين مقابل ذلك؟”
سأل الإمبراطور بوجهٍ بارد.
كبحتُ رغبتي في تبادل النظرات مع كارلوس.
لا ينبغي أن يتدخّل كارلوس أكثر من اللازم في هذا الأمر، وإلّا سيبدأ الإمبراطور بتضييق خناقه عليه أكثر.
يجب أن يكون هذا الأمر من تخطيطي وتنفيذي وحدي.
“الأمر بسيط. امنح والدة السير إيباخ البيولوجية لقبًا.”
لمعت عينا الإمبراطور بنار الغضب.
منح والدة كارلوس، تلك المرأة المنسيّة، لقبًا الآن، يعني ضمنيًّا الاعتراف بأنّ كارلوس ابنه غير الشرعيّ.
لكنّ الإمبراطور لم يستطع رفض ذلك بسرعة.
لأنّه يعلم أنّ هذا هو ملاذه الأخير، والطريقة الوحيدة لحفظ كبريائه الضئيل.
وهو أيضًا الطريقة المُثلى لحماية الأمير الثاني.
يا إلهي، رؤية الإمبراطور عاجزًا عن الكلام أمرٌ مُرضٍ للغاية.
كان يستحقّ كلّ التخطيط الذي قمنا به أنا وكارلوس.
“… هذه ليست مسألةً يمكن اتّخاذ قرارٍ بشأنها بسهولة.”
“لكن بمجرّد خروجنا من هذه القاعة، سيبدأ الناس بالسؤال عمّ حدث.”
حاول الإمبراطور المماطلة، لكنّه دون جدوى.
تجهّم وجه الإمبراطور مجدّدًا، وفي اللحظة التي كان على وشك أن يصرخ فيها.
“أبي، هذا يكفي الآن.”
تدخّل شخصٌ غير متوقّع.
كان الأمير الثاني.
نظرتُ إليه أنا والإمبراطور بعيونٍ متفاجئة.
لماذا تدخّل الأمير الثاني الآن؟
“لم أعد أرغب في خداع الناس والعيش هكذا.”
واصل الأمير الثاني حديثه بثبات، غير مبالٍ بنظراتنا.
“ولا أريد أن يُضحّى بأبرياءٍ لا ذنب لهم من أجل هيبة العائلة الإمبراطوريّة.”
“ثيودور …”
نبس الإمبراطور.
“هل تحاول القول أن والدكَ كان مُخطِئًا، وأنه ضحّى بشخصٍ ما؟”
صرخ الإمبراطور.
“أنا أسمى من الجميع! لا ‘أُضحّي’ بأحدٍ من أجلي! إنهم يقدّمون فقط ولاءً مشرّفًا!”
عند هذه الكلمات، خفض ثيودور رأسه. استطعتُ رؤيته وهو يعضّ شفتيه بقوّة.
العائلة الإمبراطوريّة لا تعترف بالأخطاء أبدًا. فكرة أنّ العائلة الإمبراطوريّة ضحّت بشخصٍ ما هي فكرةٌ سخيفة.
هكذا تُربّى الأمير الثاني طوال حياته. لكن …
“لكن الآن لا يمكننا التراجع، أليس كذلك؟ هذا مجرّد عناد. أبي، اقبل نصيحتي أرجوك.”
عند كلام الأمير الثاني، وضع الإمبراطور يده على جبهته.
شحب وجهه.
بينما أغمض الإمبراطور عينيه للحظة، التفتُّ إلى كارلوس خلسةً.
كان كارلوس يراقب الموقف ببرودٍ مدهش.
لقد قال إنه لا يكترث بأيّ شيءٍ آخر طالما تم استعادة شرف والدته، لكنه كان يتمتّع بثباتٍ عقليٍّ مذهل.
بينما كان الإمبراطور يتأوّه ويفكّر، انتظر الوزراء دون أن ينطقوا بكلمة.
التزمنا أنا وكارلوس والأمير الثاني الصمت أيضًا.
كان الجميع يراقب الإمبراطور.
وبعد عشرات الدقائق …
“…حسنًا.”
أخيرًا، أعلن الإمبراطور استسلامه.
“سأمنح والدة السير إيباخ لقبًا! ولن أُدلي بأيّ تصريحٍ بشأن ما حدث اليوم!”
كان رفض الإدلاء بأيّ تصريحٍ بمثابة اعترافٍ غير رسميٍّ بكلّ شيءٍ حدث هنا.
شعرتُ بأنّ التوتر في جسدي قد تحرّر أخيرًا.
أخيرًا، انتهت مسرحيّتنا الطويلة، ورحلتنا الشاقّة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 126"