هذه المرّة أيضًا، انتشرت الشائعة كالنار في الهشيم.
لم يُصرِّح أحدٌ بذلك صراحةً نظرًا لخطورة الأمر، لكن الجميع افترض أنني قد طُبِعتُ مع الأمير الثاني وأريدُ كسر هذه البصمة.
ورغم أن جانب الأمير الثاني أصدر بيانًا رسميًا، جاء فيه ‘لقد انتشرت شائعاتٌ لا أساس لها في العاصمة مؤخّرًا. نأسف بشدّةٍ لذلك’، إلّا أن هذه الشائعات لم تُبدِ أيَّ بوادر انحسار.
بعد انتظارٍ لبضعة أيّامٍ أخرى، وصلت أخيرًا رسالةٌ من الإمبراطور.
طلب مني الحضور إلى القصر في أقرب وقتٍ ممكن.
“ماذا عليّ أن أفعل، سيدتي القائدة؟”
نظر إليّ سيزار، الذي سلّم الرسالة، بقلق.
“ماذا علينا أن نفعل؟ إذا طُلِب مني الحضور، فعليّ ذلك.”
انفجر وجه سيزار بالبكاء عند سماع كلماتي.
ييدو أنه صدّق شائعة أنني قد طُبِعتُ قسرًا مع الأمير الثاني، وكان يعاملني بعطفٍ كبيرٍ طوال الأيام القليلة الماضية.
“آه، لو كنتُ أكثر قوّة …”
“كُفَّ عن التفكير في أمورٍ تافهة، وسلِّمني الرسالة.”
قلتُ مع تنهيدة جافّة.
كان القلق بشأن أمرٍ غير صحيحٍ أكثر إرهاقًا مما ظننتُ.
أخذتُ الرسالة من سيزار وتوجّهتُ إلى القصر برفقة كارلوس.
كان كلّ مَن قابلتُه في الطريق إما يُخفِض رأسه بسرعةٍ عند رؤيتي، أو يُشيح بنظره عني بحرجٍ ويسعل.
حتى أن بعضهم نظر إليّ بنظرةٍ تصرخ بـ ‘ما زلتِ ترافقين كارلوس إيباخ بعد كلّ هذه الفوضى’.
نعم، يجب أن أرافقه.
فمَن يدري متى ستبدأ المرحلة الكبرى لهذه المسرحية.
تجاهلتُ نظرات الجميع بابتسامةٍ مرحة، ودخلتُ القصر الرئيسي حيث كان الإمبراطور ينتظرني.
“… مِن هنا، من فضلك.”
بدأ تشامبرلين، الذي كان ينتظرني، بإرشادي إلى الطريق.
“لحظة.”
تَبِعتُ تشامبرلين مع بضع خطوات، ثم توقّفتُ أراقب المكان الذي نتّجه إليه.
“ما الأمر؟”
“هذا ليس الطريق إلى قاعة الاستقبال. وليس الطريق إلى قاعة العرش أيضًا.”
أصبحت تعابير تشامبرلين أكثر غموضًا عند نقطتي.
“لن تذهب السير إيليا إلى قاعة الاستقبال أو قاعة العرش اليوم.”
“إذن إلى أين نحن ذاهبون؟”
“لا أستطيع إخباركِ بذلك.”
“هذه ليست زيارتي الأولى أو الثانية للقصر، وما لم أذهب إلى غرفةٍ سريّة، فسأعرف فورًا. أخبِرني من فضلك.”
“… إلى قاعة المجد.”
تنهّد تشامبرلين بلا حولٍ ولا قوّة، وأعلن الوجهة المرجوّة.
قاعة المجد. ظننتُ أنها تُستخدم فقط لاجتماعات مجلس الوزراء.
تبادلتُ نظرةً سريعةً مع كارلوس. أحسستُ أن الإمبراطور قد وقع أخيرًا في فخّنا.
“إن رفضتِ، فلن يكون أمامنا خيارٌ سوى جرّكِ إلى هناك بالقوّة.”
“مَن رفض؟ سيكون شرفًا لي أن أرى جلالته في قاعة المجد. هيا بنا.”
حرصًا مني على إنهاء هذه الدراما، حثثتُ تشامبرلين على المُضيّ قُدُمًا.
ابتسم تشامبرلين مُجبَرًا وأدخلنا.
“سير إيليا، لقد وصلتِ.”
“أُحيّي جلالتك.”
كما هو متوقّع، امتلأت قاعة المجد بالعديد من الوزراء، بمَن فيهم الإمبراطور.
وبجانب عرش الإمبراطور، ظهر الأمير الثاني، بنظرةٍ كئيبة، وتعبيرٌ مذنبٌ على وجهه.
وكما أردتُ، ينوي الإمبراطور فعل ذلك.
“اقتربي، سير إيليا.”
نادى الإمبراطور عليّ وحدي، وعامل كارلوس كما لو كان غير مرئيٍّ تمامًا.
شاهدتُ كارلوس وهو يتّخذ وضعيةً مناسبة، ثم اقتربتُ من الإمبراطور.
“لقد استدعيتُكِ لوضع حدٍّ للشائعات الفارغة المنتشرة داخل القصر وخارجه هذه الأيام.”
“أيُّ شائعاتٍ فارغةٍ تقصد …؟”
سألتُ متظاهرةً بالجهل، فتغيّرت ملامح الإمبراطور إلى العبوس فورًا.
“تلك الشائعة السخيفة عن طبعكِ أنتِ وثيودور.”
اندهش الوزراء قليلًا من هذه الكلمات.
وأنا أيضًا فوجئتُ قليلًا.
لم أتوقّع حتى أن يَذكُر الإمبراطور هذه الشائعة مباشرةً.
هل رأى أنه من الأفضل توضيحها؟
حسنًا، استدعاؤه لي اليوم كان بمثابة اعترافٍ رسميٍّ بأنه كان قلقٌ بشأن هذه الشائعة.
“لم أكن أعلم حقًا أن شائعةً كهذه تنتشر في الأرجاء.”
لكن في الوقت الحالي، عليّ التظاهر أنني لم أكن أعلم.
حدّق بي الإمبراطور مذهولًا، بينما كنتُ أكذب دون أن يرفّ لي جفن.
بدأت الشائعة عندما مررتُ بالأرشيف السريّ لأبحث عن كتبٍ عن البصمات، لذا لا بد أن سماعها بهذه الطريقة صادم.
“… حسنًا، ربما لا تعرفين. فأنتِ لستِ جيدةً في سماع الشائعات التي تنتشر عنكِ، في النهاية.”
بدأ الإمبراطور حديثه.
“لكن من الصحيح أن هذه الشائعة قد انتشرت، وحتى مع علمي أنها مجرّد هراء. لكنني لستِ سعيدًا بهذا الوضع.”
أشار لي الإمبراطور أن أقترب.
“لذا، أخطّط اليوم لتقديم دليلٍ يُثبِت زيف هذه الشائعات.”
“كيف؟”
سألتُ مرّةً أخرى، مُتظاهرةً بالجهل.
على عكس تمثيلي السابق الذي لم يُفلِح، صدّقني الإمبراطور هذه المرّة.
“تمتلك العائلة الإمبراطورية كنزًا ثمينًا يُمكنه كشف البصمات. سنُثبِت عن طريقه أنكِ أنتِ وثيو لم تُطبَعا على بعضكما البعض، ولا ترتبطان ببصمة.”
لأن ما أعدّه الإمبراطور سرٌّ مخفيٌّ مُتوارثٌ فقط بين العائلة الإمبراطورية.
“يا إلهي، هل يوجد مثل هذا الكنز؟”
بالطبع، كنتُ أعرف هذا من القصة الأصلية.
ابتسم الإمبراطور راضيًا لدهشتي.
ربما يظنّ أنني وقعتُ في فخّه.
حتى أنه لا يدرك أن هذا الأمر برمّته هو ما كنتُ أهدف إليه.
“بالتأكيد، تشامبرلين! أحضِر الكرة!”
بأمرٍ من الإمبراطور، أخرج تشامبرلين كرةً شفّافةً بحجم قبضتيّ يدٍ بالغتينٍ على وسادةٍ كبيرة.
“لو طبع ثيو السير إيليا، لتحوّلت الكرة إلى اللون الذهبي عندما وضعا يديهما عليها في آنٍ واحد.”
قال الإمبراطور.
“لكن إن لم يطونا يملكان بصمة، لما حدث شيء. هذه الكرة موجودةٌ منذ أجيالٍ لكشف المحتالين الذين زعموا أنهم طُبِعُوا مع العائلة الإمبراطورية.”
بدا حديثه كما لو كنتُ المحتالة.
شعرتُ ببعض الحنق.
مع ذلك، كان الغضب آخر ما خطر ببالي في هذا الموقف، فراقبتُ بهدوءٍ اللورد تشامبرلين وهو يضع الكرة أمامنا.
“كلّ شيءٍ جاهز.”
عندما انتهى تشامبرلين أخيرًا من وضعها، أشار الإمبراطور للأمير الثاني.
“ثيودور، سير إيليا. عندما أُشيِر لكما، ضعا أيديكما على الكرة في آنٍ واحد.”
سار الأمير الثاني ببطء، بوجهٍ عابس، وتوقّف أمام الكرة.
واكبتُ خطواته أيضًا، متحرّكةً ببطءٍ حتى لا أبدو متحمّسةً للغاية.
“عند العدّ إلى ثلاثة، ارفعوا أيديكم في آنٍ واحد. واحد.”
كانت أعين الحضور الكثيرين في القاعة مثبّتةٌ علينا كشهود.
“اثنان.”
امتلأ صوت الإمبراطور بضحكةٍ خفيفةٍ منتصرة.
“ثلاثة.”
كا إن نبس الإمبراطور، وضعتُ أنا والأمير الثاني أيدينا على الكرة في نفس الوقت.
بالطبع، لم يحدث شيء.
“هاها، كما ترون. شائعة أن السير إيليا قد طُبِعت مع ثيو مجرّد كذبة.”
شعر الإمبراطور بالرضا، فأشار لنا أن نسحب أيدينا.
“من المؤسف أن السير إيليا تورّطت في شيءٍ كهذا.”
تنهّد الأمير الثاني، وهمس بهدوءٍ لكي أسمعه، وأبعد يده.
مع أنني كنتُ مَن بدأ الشائعة، بدا الأمير الثاني وكأنه يلوم نفسه حقًا.
همم، أشعر ببعض اذنب الآن.
“لا تقلق يا صاحب السمو.”
ابتسمتُ للأمير الثاني ابتسامةً أخيرة، وواصلتُ وضع يدي على الكرة.
“… سير إيليا؟ يمكنكِ أن تُبعدي يدكِ عن الكرة الآن.”
سمعتُ صوت الإمبراطور، لكنني تجاهلتُه.
تذكّرتُ القطعة المخفيّة التي قرأتُ عنها في النص الأصلي، وانتظرتُ تفعيلها.
مرّت بضع ثوانٍ، ثم …….
“يا للهول! هذا لا يُصدَّق!”
انفجر الوزراء بصرخةٍ متفاجئة.
تحت يدي، بدأت الكرة تتوهّج باللون الذهبي.
“الكرة …!”
اتسعت عينا الإمبراطور.
“ما الذي يحدث بحق السماء …؟”
عندما رأيتُ حيرة الإمبراطور الجليّة على وجهه، ابتسمتُ في داخلي.
ثم فكّرتُ بكارلوس بحماس.
تسرّبت طاقة الكرة الذهبية ببطء، ووصلت إلى كارلوس، المالِك الحقيقي للبصمة المطبوع علي.
عملت القطعة المخفية من هذه الكرة كأداة تتبّع، تسمح للمرء بتحديد شريكه المطبوع وموقعه.
عرفتها العائلة الإمبراطورية فقط كمميّز، تستخدمه لتأكيد وجود البصمات أم لا، لذلك لم يدركوا أن لها وظيفة تتبّعٍ أيضًا.
في الأصل، تظهر هذه القطعة المخفيّة كأداةٍ تستخدمها القديسة لتحديد موقع كارلوس عندما ينفصل عنها لفترةٍ وجيزة.
‘حتى في هذه اللحظة، انطلق الضوء الذهبي من الكرة ووصل إلى موقع كارلوس.’
لفّ كارلوس يده حول الطاقة الذهبية كما لو أنها لم تكن شيئًا مميّزًا، ثم امتصها بسلاسة.
التعليقات لهذا الفصل " 125"